التصنيفات » دراسات

المخاطر والمكاسب الصهيونية من نشر قوات حفظ سلام دولية في الضفة الغربية


– فهـرس المحتـويـات –

ملخّص المبحث ................................................................................. 2
1. مخاطر قوات حفظ السلام الأجنبية في الضفة الغريبة ......................................
- تجربة إسرائيل مع قوات حفظ السلام الدولية
- قوات اليونيفيل في لبنان
- القوات الدولية والفلسطينيون
- تسعى إسرائيل للدفاع عن نفسها بنفسها
- تاريخ قوات حفظ السلام الغربية/التابعة لحلف الناتو
- القوات الدولية تقيّد قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها
- من سيضمن نزع سلاح الدولة الفلسطينية؟
- استنتاجات 3
2. المخاطر والمكاسب الصهيونية من نشر قوات حفظ سلام دولية  ..........................
- الملخص التنفيذي
- المقدمة
- السيناريو الأمثل
- سيناريو الحالة الأسوأ
- الخلاصة 15



 

ملخّص المبحث
هناك عدة أنواع من القوات الأممية التي يمكن أن يكون لها دور في الحفاظ على السلام بين الأطراف المتنازعة، أبرزها نوعان: قوات الأمم المتحدة التي تخدم في الأغلب كقوات حفظ سلام فتتركز أهدافها على الإشراف على الالتزام ببنود الاتفاقات، والنوع الثاني هو قوات الناتو التي قد يؤدي انتشارها إلى فرض السلام عبر إرغام الأطراف المتحاربة وقف الأعمال العدائية التي لم يتفقوا على وقفها.
إن القاعدة الأساس التي تنطلق منها العدو الصهيوني في تعاملاته مع جواره الإقليمي وفضائه العالمي هي قضية الأمن، فالأمن هو الهاجس الذي يحكم تصرف الكيان وهو الهدف الاستراتيجي الذي تسعى لتوفيره دولة العدو بشتى الوسائل. وبالتالي فإن الدولة العبرية تؤمن أن مهمة الحفاظ على أمنها والدفاع عنها لا يمكن أن يقوم بهما أحد سواها، ومن هذا المنطلق لا يثق العدو كثيراً بعملية تواجد قوات أممية في الأراضي الفلسطينية المنوي الانسحاب منها أو المناطق العازلة بين الأراضي الفلسطينية وكيانها.
وينبع تحفظ كيان العدو على تواجد القوات الأممية من كون أن هذه القوات قد فشلت في تحقيق أهدافها في الكثير من المواقع التي كانت تشغلها، ليس أبعدها ما حصل في جنوب لبنان حيث يدّعي العدو الصهيوني أن هذه القوات لم تستطع توفير الأمن لشمال "إسرائيل" ضد هجمات القوات التابعة لمنظمة التحرير ومن بعدها قوات "حزب الله"، وذلك لالتزام تلك القوات سياسة الحياد، الأمر الذي كان يضطر كيان العدو للتدخل مباشرة لتوفير الأمن لمواطنيه عبر إجتياحات محددة. ويشير التقرير أنه حتى تلك القوات التابعة "للناتو" والتي قد تتمتع بصلاحيات عسكرية أكثر من القوات الأممية لا تحظى بترحيب كبير من الجانب الصهيوني، لأن تلك القوات حسب ادعائهم تخضع إلى قواعد اشتباك كثيرة تُحجّم وتُحدد من فعاليتها القتالية مما يُعرض أمن الدولة العبرية للخطر.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن تواجد تلك القوات قد يُعيق عمل الجيش الصهيوني في عملياته الدفاعية والهجومية إذا ما تعرضت الدولة العبرية لاعتداءات من قِبل أعدائها، إذ يتوجب على كيان العدو في مثل هذه الحالة التنسيق مع هذه القوات لتجنيبها التعرض لهجوم يُعرض حياة أفرادها للخطر مما قد يوقع دولة العدو في إشكاليات كبيرة مع الدول المساهمة في هذه القوات.
غير أن الدولة العبرية ترى أنه يمكن لهذه القوات أن تلعب دوراً إيجابياً في حال تم التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي وشامل بينها وبين أعدائها يتضمن اتفاقيات أمنية مثل تلك المبرمة مع الأردن بحيث تقتصر مهمة القوات الأممية على حفظ وتثبيت السلام بين الأطراف المتنازعة، على أن يحتفظ كيان العدو بحق التدخل في حال تعرضت لاعتداءات تهدد أمنها.
وبناء على ذلك نفهم سعي الكيان الصهيوني الحثيث لأن تكون الدولة الفلسطينية المزعومة دولة منزوعة السلاح ضمن اتفاقيات واضحة وصريحة، لأنها ترى أن قوات حفظ السلام لن تكون قادرة على نزع سلاح الدولة الفلسطينية في حال امتلكت ذلك السلاح، المر الذي سوف يهدد العمق الاستراتجي الصهيوني نظراً لقصر المسافة التي تفصل البحر المتوسط عن الدولة الفلسطينية والتي تتراوح بين 15 و 19 كيلومترا فقط.
النتيجة التي تترتب على كل ما سبق هو أنه لا يوجد لدى العدو الصهيوني ثقة كبيرة في قدرة القوات الأممية على تحقيق الأمن لها في حال تواجدها في الأراضي الفلسطينية المزمع الإنسحاب منها، لأن العنصر الأساس في نجاح هذه القوات في مهمتها هو إظهار طرفا النزاع الإرادة السياسية اللازمة للتقيد بالاتفاقات الثنائية وعلى رأسها الإتفاقيات الأمنية، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق لدى الطرف الفلسطيني نظراً لضعف السلطة الفلسطينية في مواجهة المنظمات المسلحة مثل حماس والجهاد وعدم قدرتها على تجريدها من السلاح. فإذا لم يتحقق للدولة العبرية الأمن بتواجد تلك القوات فإن التجربة الصهيونية تُفيد بأن القوات الأمنية الناجحة الوحيدة التي يمكن الإعتماد عليها هي القوات الصهيونية، لذلك سيكون وجود قوة تابعة للأمم المتحدة كما كان في الماضي مجرد عائق يحول بين الدولة العبرية وبين الدفاع عن نفسها. ولهذا السبب، ترى الدولة العبرية أنه يتعيّن عليها التمسك بحق حصري بمواجهة الجماعات "الإرهابية" المسلحة – حسب ادعائها – وبالتالي استبعاد خيار نشر قوة دولية على حدود أو في ا لدولة الفلسطينية المرتقب الإعلان عنها العام المقبل.
مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية
 

1- مخاطر قوات حفظ السلام الأجنبية في الضفة الغريبة
     اللواء في قوات الإحتياط يعقوب عميدرور
1.1- تجربة "إسرائيل" مع قوات حفظ السلام الدولية
كنتُ جندياً في الكتيبة 202 التابعة لقوات المظلّيين في جيش الدفاع الإسرائيلي في أثناء حرب الأيام الستة التي نشبت في سنة 1967. دخلنا قطاع غزّة من جنوبيّ مدينة غزّة وأُمرنا في اليوم الأول من القتال في وقت مبكر من فترة ما بعد الظهر بعدم إطلاق النار على مجموعة كان من المقرر أن تصل بانتظام سالكة خط السكة الحديدية. وبعد نحو ساعة، اقتربت مجموعة من الجنود الهنود السيخ الذين وضعوا عمائم كبيرة على رؤوسهم. مشوا بين قضبان السكة الحديدية ضمن زمر منظمة من أربعة جنود حاملين بنادقهم على أكتافهم وقد صوّبوا فوهاتها إلى الأسفل، وهي إشارة واضحة إلى عدم نيتهم في استخدامها. كانت تلك قوات الطوارئ الدولية (UNEF) التي انسحبت من المنطقة قبيل اندلاع الأعمال العدائية.
انتشرت قوات UNEF غداة انتهاء حملة سيناء في سنة 1956 لتعمل كقوة حاجزة بين مصر وإسرائيل عقب الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء ومن قطاع غزّة. على أن القوة الدولية انسحبت عندما أزفت ساعة الحقيقة ونحن في أمس الحاجة إليها لتفادي الحرب، بعد أن طلب الرئيس المصري جمال عبد الناصر من الأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت إخلاءها. وقد شكل انسحاب قوات الـUNEF من سيناء أحد التطورات الرئيسية التي عجّلت اندلاع حرب الأيام الستة. وهذه الخيانة التاريخية من جانب الـUNEF لإسرائيل، أياً تكن تبريرات الأمم المتحدة لها، تشكل اليوم الأساس في صياغة تصورات الإسرائيليين للاقتراحات التي تدعوهم إلى الاعتماد على قوات دولية في ضمان أمنهم.
 

1.2- قوات اليونيفيل في لبنان
لاحظتُ في مرحلة لاحقة، عندما عملت ضابطاً استخبارياً لدى القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي على امتداد الجبهة المتاخمة لسوريا ولبنان، أن القوة الدولية المؤقتة في لبنان (يونيفيل) غير فاعلة على الإطلاق. تشكلت قوات اليونيفيل في سنة 1978 بناء على قرار مجلس الأمن رقم 425 عقب تنفيذ عملية الليطاني والتي كانت عبارة عن توغل برّي إسرائيلي في عمق الأراضي اللبنانية رداً على الهجمات الإرهابية المتكررة التي شنّتها منظمة التحرير الفلسطينية على شمال إسرائيل. كانت مهمة اليونيفيل التأكد من انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، وإعادة السلم والأمن الدولي واستعادة الحكومة اللبنانية سيطرتها على المنطقة.
على أنه سرعان ما عاد جنوب لبنان إلى معقل إرهابي تطلق القواتُ المعادية نيرانها منه على إسرائيل، ولم تستطع اليونيفل الحيلولة دون ذلك. وكل ما قامت به اليونيفيل كان اعتراض عمليات الجيش الإسرائيلي. كما أن انتشار قوات اليونيفيل لم يمنع من تدهور الوضع واندلاع حرب لبنان في سنة 1982. حتى إن المشكلات نفسها مع اليونيفيل استمرّت بعد تلك الحرب بعد أن حلّ حزبُ الله المدعوم من إيران محلّ منظمة التحرير في تهديد إسرائيل. وفي السنين التالية، اتبّع الجيش الإسرائيلي نهجاً صحيحاً فكان يدخل لبنان كجيش نظامي متى دعت الضرورة، وكان ينسّق خطواته مع جنود الأمم المتحدة سلفاً لتلافي وقوع إصابات في صفوفهم.
على النقيض من الجيش الإسرائيلي، يمثل حزبُ الله قوة مسلّحة قوامها عناصر غير نظامية تشنّ هجماتها انطلاقاً من التجمعات السكنية في لبنان ثم تتوارى فيها. كانوا لا يُطلعون أحداً على عزمهم على دخولهم منطقة أو انسحابهم منها. ولم تعتقل قوات الأمم المتحدة أي إرهابي من حزب الله كما لم تتخذ أية إجراءات ضدّه، حتى وإن فتح نيران أسلحته. وعندما كان حزب الله ينقل مرابض مدفعيته إلى مواقع تبعد مسافة 50 متراً من مواقع تمركز القوات الدولية ثم يطلق نيرانها على أهداف إسرائيلية، لم تكن اليونيفيل تفعل شيئاً. لكنّ إسرائيل كانت تردّ على نيران مدفعية حزب الله ثم يعمد قسم عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة إلى التقدم بشكوى دبلوماسية رسمية. لذلك، كانت الأمم المتحدة أقرب إلى اعتراض العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل دفاعاً عن نفسها منها إلى صدّ عدوان حزب الله.
لا تزال قوات اليونيفيل تذكّر الشعب الإسرائيلي دائماً بعجز القوات الدولية عن منع قوة إسلامية متمرّدة مثل حزب الله من شنّ حرب إرهابية على إسرائيل. فعقب انسحاب إسرائيل الأحادي من جنوب لبنان في أيار 2000، شرع حزب الله في عملية تكديس ضخمة للأسلحة فحصل على نحو من 20000 صاروخ أطلق ما يزيد عن 4000 منها على البلدات وعلى المدن الإسرائيلية في حرب لبنان الثانية سنة 2006. كما أن عناصر تابعة للحزب تسللت إلى الأراضي الإسرائيلية في عملية كبيرة في تشرين الأول 2000 انطلاقاً من منطقة كان من المفترض أنها تحت سيطرة الأمم المتحدة، وخطفت(...) ثلاثة جنود إسرائيليين وقتلت جنوداً آخرين. حصلت تلك الحادثة تحت أنظار موقع لليونيفيل كان يمكن رصدها منه بسهولة. بيد أن قوات اليونيفيل لم تُقِم حواجز لاعتراض مركبات حزب الله التي نقلت الأسرى الإسرائيليين.
وعلى الرغم من إلحاق ما يزيد من 10000 جندي إضافي بقوات اليونيفيل في جنوب لبنان بعد حرب سنة 2006 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701، أعاد حزب الله ملء مستودعاته بالأسلحة بسرعة قياسية، فاستقدم ما يزيد عن 50000 صاروخ مع أنه كان يُفترَض أن قوات اليونيفيل جددت تفويضها الخاص بعمليات حفظ السلام. صحيح أن التواجد المتزايد للأمم المتحدة والجيش اللبناني في جنوب لبنان جعل نشاط حزب الله جنوبيّ نهر الليطاني أشدّ صعوبة وأجبر الحزب على نقل عملياته إلى شمال ذلك الخط، لكنّ حزب الله بقي يعمل بحرّية منتهكاً قراري مجلس الأمن 425 و1701 ولم يمتثل لمطالب الأمم المتحدة أبداً.
في الحقيقة، وقعت انفجارات في مخازن أسلحة ضخمة داخل الأراضي التي تسيطر عليها الأمم المتحدة ولم تكن الأمم المتحدة على علم بوجود هذه المخازن. وهناك العشرات من مخازن الأسلحة الموزَّعة في جنوبيّ لبنان وهناك المئات من عناصر الحزب الذين يتدرّبون هناك. هل تم اعتقال أي منهم؟ كلا. باختصار، لم يكن وجود قوات الأمم المتحدة عاملاً مساعداً حتى عندما أرادت الحكومة اللبنانية من الأمم المتحدة كبح جماح حزب الله.
 

1.3- القوات الدولية والفلسطينيون
ماذا سيحصل إذا أُرسلت قوات أممية إلى دولة فلسطينية ذات سيادة لا ترغب حكومتها في انتشار قوة دولية لتحييد نشاطات منظمات مثل حزب الله وحماس أو عرقلتها؟ وإذا ما تم نشر قوات دولية لضمان تنفيذ الفلسطينيين البنود الأمنية المنصوص عليها في اتفاقاتهم مع إسرائيل مع تمسك الحكومة الفلسطينية بتحفظات قوية على قيود أمنية معيّنة ترى أنها تشكل انتهاكات للسيادة الفلسطينية مثل نزع سلاح الدولة، لن يتولّد لدى تلك الحكومة رغبة قوية في تواجد تلك القوات بشكل دائم.
وعلى سبيل المثال، تمركز مراقبون دوليون على امتداد الحدود المصرية بموجب اتفاق معبر الحدود عند رفح الذي رعته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في سنة 2005. لكنّ الأوروبيون هجروا مواقعهم عندما استعرت حرب ضروس بين حماس وفتح عقب فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في سنة 2006. كما وقع هؤلاء المراقبون ضحية عمليات الخطف التي قام بها فلسطينيون محليون وهو ما ساهم في اختيارهم هجر مراكزهم.
وفي السياق نفسه، تبيّن أن الحرّاس البريطانيين والأميركيين لسجن أريحا الذي يخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية عجزوا في سنة 2006 عن تنفيذ أحكام السجن الصادرة في حقّ إرهابيين فلسطينيين بموجب التفاهمات الدولية التي تم الاتفاق عليها. وفي النهاية، أُرغم الجيشُ الإسرائيلي على التحرك فاقتحم السجن لاقتياد السجناء الإرهابيين الفلسطينيين إلى السجون الإسرائيلية، ومنهم أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمسؤول عن اغتيال الوزير الإسرائيلي ريهافام زئيفي في سنة 2001.
يُفترض أن يوفر وجودُ القوات الدولية للشعب الإسرائيلي حلاً للمشكلات الأمنية التي ستنتج عن أي انسحاب من الأراضي. بيد أن التجربة الإسرائيلية تفيد بأن القوات الأمنية الناجحة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها هي القوات الإسرائيلية. لذلك، سيكون وجود قوة تابعة للأمم المتحدة، كما كان في الماضي، مجرّد عائق يحول بين إسرائيل وبين الدفاع عن نفسها. لهذا السبب يتعيّن على إسرائيل التمسك بحقّ حصري بمواجهة الجماعات الإرهابية المسلّحة، وبالتالي استبعاد خيار نشر قوة دولية.
 

1.4- "إسرائيل" تسعى للدفاع عن نفسها بنفسها
إن الحديث عن حاجة إسرائيل إلى "الدفاع عن نفسها بنفسها" ليس جديداً، فهو مستمَدّ من الروح الوطنية الإسرائيلية منذ حرب الاستقلال. كما أنه متجذّر في حق إسرائيل المعترَف به دولياً بامتلاك "حدود آمنة ومعترَف بها" أو "حدود يمكن الدفاع عنها" والذي صانه القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن في أعقاب حرب سنة 1967 والذي شكّل الإطار لسائر الجهود الدبلوماسية العربية الإسرائيلية منذ ذلك الحين. كما أن الرئيس جورج دبليو بوش استخدم هذه اللغة في الضمانة الرئاسية التي أعطاها لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون في مقابل الانسحاب من غزّة في سنة 2005 عندما قال "تُجدد الولاياتُ المتحدة التزامها الثابت بأمن إسرائيل، بما في ذلك امتلاكها حدوداً آمنة يمكن الدفاع عنها، وبالمحافظة على قدرة إسرائيل على الردع وعلى الدفاع عن نفسها بنفسها وعلى تعزيز تلك القدرة في مواجهة أي تهديد أو أية توليفة محتملة من التهديدات".
وعلى العموم، يمكن أن يُكتب لقوات دولية النجاح فقط إذا أظهر الطرفان الإرادة السياسية اللازمة للتقيد بالاتفاقات الثنائية. في هذه الحالة، يمكن أن تساعد القوةُ الدولية على الإشراف على تنفيذ المعاهدات كما في حالة معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الخاصة بشبه جزيرة سيناء. وعلى سبيل المثال، لا يزال الطرفان ملتزمَين منذ 3 آب 1981 بالبنود الأمنية المنصوص عليها في معاهدة السلام التي وقّعا عليها عندما اتفقت إسرائيل ومصر والولايات المتحدة على نشر قوة ومراقبين متعددي الجنسيات وعلى تمويلها. تجدر الإشارة إلى أنه يوجد لدى كل من المصريين والإسرائيليين مصلحة مشتركة في الالتزام ببنود تلك المعاهدة. على أنه حتى في هذا السيناريو، لن تمنع القوات والمراقبون المتعددو الجنسيات أياً من الطرفين من نقض المعاهدة إذا ما اختار القيام بذلك.
 

1.5- تاريخ قوات حفظ السلام الغربية/التابعة لحلف الناتو
بالنظر إلى السجل الضعيف للقوات التابعة للأمم المتحدة، تُطرَح في بعض الأحيان فكرة إرسال قوات من الناتو بدلاً من قوات أممية، وذلك مبني على الافتراض بأن قوات الناتو أكثر فاعلية وقدرة على تنفيذ المهمة. وفي حين يمكن أن تكون القوات التابعة للأمم المتحدة حاملة لجنسيات العديد من الدول غير الغربية مثل فيجي ونيجيريا، وفي حين أن جنودها ربما يكونون أضعف تدريباً وتجهيزاً، يُفترض أن إمكانية التعويل على قوة تابعة للناتو ستكون أكبر. ومع أن قوات الأمم المتحدة تخدم في الأغلب كقوات حفظ سلام، فتشرف على الالتزام ببنود الاتفاقات، ربما يتضمن انتشار قوة من الناتو أهدافاً أكثر طموحاً في فرض السلام مثل إرغام الأطراف المتحاربة على وقف الأعمال العدائية التي لم يتفقوا على وقفها. على أنه حتى قوات الناتو تعاني من العديد من القيود التي يتعين الإشارة إليها.
من ذلك أن الغاية من نشر قوات الناتو في البوسنة كانت تنفيذ اتفاقية دايتون التي تم التوصل إليها في سنة 1995 وكانت فاعلة بعد أن استسلمت يوغسلافيا بدون شروط. على أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا ينطوي على استسلام الفلسطينيين أو حماس بأي شكل من الأشكال، كما أن الاستسلام هدف لا ينشده الفلسطينيون ولا إسرائيل. وبموجب الحالة الأولى، انسحب الجيش اليوغسلافي من كوسوفا إلى يوغسلافيا تاركاً وراءه واقعاً محسوساً يعكس عدم وجود احتكاك بين الفصائل المتحاربة. على أنه لم يتم الوصول إلى هذا الواقع بعدُ في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والوصول إليه مستبعد في المستقبل المنظور.
كان هناك انتشار عسكري غربي بدرجة كبيرة في المراحل الأولى للحرب في البوسنة بموجب تفويض من الأمم المتحدة باسم قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة (يونْبروفور). وكان الناتو ضالعاً أصلاً في هذه المرحلة المبْكرة في مساندة يونبروفور. وعلى الرغم من أن هذه القوة الأممية كانت قوة غربية حسنة التجهيز، فقد فشلت في الحيلولة دون ارتكاب مجازر فظيعة في ذلك الصراع. ونشير على الخصوص إلى أن المفرزة الهولندية التابعة للأمم المتحدة تخلّت عن مسلمي سربْرينينتشا عندما أغار الجيش الصربي عليهم وارتكب مجزرة جماعية راح ضحيتها أزيد من 8000 مدني في سنة 1995. ولم يكن في وسع الناتو التدخل بدون موافقة من الأمم المتحدة، أي أنه كانت هناك آلية "ثنائية المفاتيح" اقتضت توافق كلتا المنظمتين على استخدام قوة الناتو.
وسواء أكانت القوة الدولية منتشرة بموجب تفويض من الأمم المتحدة أم من الناتو، طالما أن هذه القوة تعمل في أجواء عدائية، ستواجه المشكلة الجوهرية ذاتها التي واجهتها قوات حفظ السلام كافّة وهي أنها في حاجة إلى إقامة علاقة عمل جيدة حتى مع الميليشيات ومع الجماعات الإرهابية المتحاربة. ففي البوسنة، لم تشأ قوات يونبروفور تنفير جيش صرب البوسنة الذي دأب على تهديد جنود الأمم المتحدة وعلى أخذهم رهائن. وفي لبنان، لم تشأ قوات اليونيفيل إغضاب حزب الله لأسباب مشابهة.
يرجع موقف قوات حفظ السلام بالتزام جانب الحياد الصارم بين الطرف الذي يسعى لتقويض السلام والأمن والطرف الذي يُفترض منها حمايته إلى اعتبارات البقاء قبل أي شيء آخر. وهذه الحاجة إلى التزام الحياد من جملة العوامل الرئيسية التي تضمن عدم فاعليتها واستحالة التعويل عليها عندما تكون المنطقة المعنية في أمسّ الحاجة إليها.
إن الحديث عن حاجة القوات الدولية إلى التزام الحياد، والخطر الذي يواجهه جنود حفظ السلام في سعيهم للقيام بوظيفتهم ليس مفهوماً نظرياً. من ذلك أن القوة التي أُرسلت إلى لبنان في آب 1982 كانت أقرب إلى قوة من الناتو كاملة التجهيز منها إلى بعثة مراقبين تابعة للأمم المتحدة. تألفت تلك القوة من وحدات بريطانية وفرنسية وإيطالية وأميركية. وفي تشرين الأول 1983، هاجمت عناصر شيعية انتحارية ثكنة المظليين الفرنسيين ومقرّ قيادة المارينز بناء على أوامر من طهران مما أدى إلى مقتل نحو من ثلاثمائة جندي. وفي غضون عام، انسحبت القوتان من لبنان. وهذا يُظهر الأخطار التي يواجهها جنود حفظ السلام، وكذلك حقيقة أنه سرعان ما يُخلون الساحة عندما يكونون هدفاً للهجوم. وهذه الحقيقة تعطي قوات حفظ السلام حافزاً إدارياً إضافياً للتودد إلى الجانب الإرهابي أو المتمرّد في الصراع لأن مواجهة ذلك الجانب ستؤدي إلى فشل مهمة قوة حفظ السلام. وهذا الوضع الذي يواجهه جنود حفظ السلام تؤكده قوات اليونيفيل المرّة تلو الأخرى مع أن قوادها ينكرونه ويقللون من شأنه على الرغم من الأدلة الوافرة والواضحة التي تشير إلى العكس وإلى أن حزب الله ينتهك القرار رقم 1701.
هناك من يعتقد أن نشر قوة غربية مثل الناتو بدعم من الأمم المتحدة يمكن أن يحيّد الأخطار الناشئة عن نشر قوات غربية في الشرق الأوسط. ذلك الاعتقاد الذي كان سائداً سابقاً هو أن تمتع قوات حفظ السلام بتفويض من مجلس الأمن سيمنحها مزيداً من الشرعية وهو الأمر الذي سيوفر بعض الحماية لها. بيد أنه عندما يكون الخطر الذي يهدد القوات الدولية نابعاً من جماعات إسلامية مسلّحة، لن تكون القوة أكثر قبولاً بالضرورة إذا حصلت على تفويض من الأمم المتحدة. ففي آب 2003، شنّ تنظيم القاعدة هجوماً مباشراً بواسطة شاحنة مليئة بالمتفجرات على مقرّ المندوب الخاص للأمم المتحدة بالعراق سيرجيو فييرا دي ميلو مما أدى إلى مقتله ومقتل ستة عشر شخصاً آخرين. في هذه الحالة، كيف ستردّ الأمم المتحدة على جماعة إرهابية أو تعاقبها؟
عندما تتكبّد قوات السلام الدولية إصابات متزايدة، تفقد في الأغلب الدعم الذي حصلت عليه من الدول المساهمة في بعثة حفظ السلام. ففي الحرب العراقية، سحبت الدولُ قواتها من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لدواعٍ أمنية. وبعد أن هاجم تنظيمُ القاعدة مدريد، انتخب الإسبان حكومة جديدة سحبت سائر الجنود الإسبان من العراق. وأضحى الانتشار المستمرّ للجنود الهولنديين تحت عباءة الناتو في أفغانستان مثاراً للمماحكة السياسية في هولندا خلال سنة 2010 مما أدّى إلى انسحابهم.
سواء أكانت قوة حفظ السلام تشارك في حفظ السلام أم في فرضه، يبرز سؤال دائماً عن القواعد الدقيقة التي تحكم مشاركة القوات الدولية، بما في ذلك القوات التابعة للناتو. وعلى سبيل المثال، هل يُسمح للقوات الدولية بإطلاق النار دفاعاً عن النفس فقط إذا ما تعرّضت لهجوم؟ وهل تستطيع بالمقابل استخدام قوتها النارية في صدّ الاعتداءات التي تستهدفها؟ نشير هنا إلى أن القوات البلجيكية التي عملت كقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في رواندا في سنة 1994 مُنعت من اتخاذ أي إجراء ضد ميليشيا الهوتو التي ارتكبت جرائم إبادة جماعية راح ضحيتها أبناء قبيلة التوتسي.
وحتى في حالة الانتشار العسكري للناتو في أفغانستان، والذي لا يُعتبر بعثة حفظ سلام، أصرّت الدول الأوروبية على إطلاق قيود على نشر قواتها فحصرت استخدامها بالمهمات الأكثر أمناً فقط. كما صدرت تعليمات تحظر العمليات الليلية وتقيّد الانتشار الجغرافي للقوات بمناطق محددة يُعرف أنها أكثر أمناً من سواها. كما أن بعض القيود اشترط إجراء مشاورات بين القادة في الميدان وبين العواصم الوطنية في أوروبا قبل أن يتسنّى اتخاذ القرارات التكتيكية. والأهم من ذلك أنه فُرضت قيود منعت من استخدام قوات معيّنة كانت جزءاً من تحالف الناتو في عمليات مكافحة الإرهاب. وقد أقرّ الجنرال جون كرادوك القائد الأعلى السابق لقوات التحالف التابعة للناتو في سنة 2009 بأن قوات الناتو مُثقلة بنحو من سبعين قيداً فرضتها العواصم المختلفة بعد أن ناهز عدد تلك القيود ثلاثة وثمانين.
يظلّ حلف الناتو منظمة ثقيلة، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بصنع القرار ومعالجة مطالب قادتها العملانية الملحّة. بيد أن القدرة على التحرك بسرعة وحزم في عمليات مكافحة الإرهاب هي التي تحفظ السلم وتمنع من وقوع الهجمات. وبالنظر إلى سجل الناتو في أفغانستان، يصعب تصوّر امتلاك قوات مشابهة فاعليةً في الضفة الغربية.
 

1.6- القوات الدولية تقيّد قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها
إن إسرائيل في حاجة إلى الاستعداد لاحتمال انتهاك جماعات مثل حماس والجهاد الإسلامي أو حتى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية التي تدرّبت على أيدي أميركيين للاتفاقات بعد توقيعها وبعد إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. ينبغي لإسرائيل أن تأخذ في الحسبان عدم قيام القوات الدولية بأي عمل على الأرجح في مثل هذا الوضع. في الواقع، تشير الهجمات الصاروخية التي شنّتها حماس على إسرائيل عقب انسحابها من غزّة إلى أن سيناريو مشابهاً يمكن أن يتحقق في الضفة الغربية مما يضع الشريط الساحلي الإسرائيلي ضمن مدى الهجمات الصاروخية.
في مثل هذا السيناريو، طالما أن قوة تابعة للأمم المتحدة منتشرة في الأراضي الفلسطينية، سيتمتع الجيش الإسرائيلي بحرّية محدودة في التحرّك. ذلك أن الجيش الإسرائيلي لن يستطيع إطلاق النار على عدوه على الوجه الذي يراه مناسباً بدون التحقق من مواقع انتشار جنود الأمم المتحدة أولاً. وستواجه إسرائيل مأزقاً لا تستطيع فيه اتخاذ إجراء في حق الإرهابيين وذلك عندما تفشل القواتُ الدولية في الحيلولة دون شنّ هجمات على إسرائيل وتنجح في الوقت نفسه في منع إسرائيل من الدفاع عن نفسها.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين في آخر خطاب له أمام الكنيست في أيلول 1995 بأنه يتعيّن على الجيش الإسرائيلي أن يُبقي وادي الأردن تحت سيطرته "بالمعنى الأوسع للكلمة". يتعيّن على إسرائيل عزل الأراضي المحاذية لنهر الأردن لمنع تهريب الأسلحة والعناصر والتقنيات العسكرية. ويتعيّن نشر قوة شرطة فلسطينية داخل الأراضي للتعامل مع المشكلات الداخلية على أن يقتصر تسليح هذه القوة على البنادق الآلية التي لا يمكنها اختراق المركبات المدرّعة الإسرائيلية. ويتعيّن الاتفاق سلفاً على أن الجيش الإسرائيلي سيكون قادراً، في حال وقوع هجوم إرهابي أو انتهاج سياسة الباب الدوّار القائمة على اعتقال الإرهابيين ثم إطلاق سراحهم كما حصل في الماضي، على دخول المنطقة لإلقاء القبض على المشبوهين والحيلولة دون وقوع مزيد من الهجمات.
 

1.7- من سيضمن نزع سلاح الدولة الفلسطينية؟
يُبرِز احتمالُ إقامة دولة فلسطينية تحديات أمنية خطيرة لإسرائيل. ذلك أن إسرائيل ستواجه احتمالات عديدة خطيرة تتعلق بكيفية ضمان أمنها في المستقبل حتى في حال إقامة كيان فلسطيني ذي سيادة ومنزوع السلاح بشكل كامل على نحو يمكن التحقق منه. فهل سيصبح الكيان الفلسطيني المستقبلي الذي يتمتع بالسيادة دولةً ملتزمة بقوة بحكم القانون؟ وهل ستتمكن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في غياب مساعدة الجيش الإسرائيلي الذي يتولّى الآن أغلب مسؤوليات محاربة الإرهاب من فرض سيطرتها الشاملة وتفكيك الجماعات الإرهابية بشكل كامل مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح؟
قام ياسر عرفات خلال فترة تنفيذ اتفاقات أوسلو بتشكيل قوة عسكرية منفصلة خارجة عن السلطة الفلسطينية عُرفت باسم التنظيم وكانت تابعة لفتح وغير خاضعة للاتفاقات الثنائية. وقد استُخدمت هذه القوة إبّان التصعيد الأمني الذي طال إسرائيل، كما في الانتفاضة الثانية. ما الذي سيمنع مثل هذه الجماعات الشبه عسكرية من البروز من جديد؟ وما هو شكل الشرق الأوسط في السنين القادمة على ضوء خضوع المنطقة للهيمنة الإيرانية ودنوّ نشاط تنظيم القاعدة من حدود إسرائيل؟
في هذه الأثناء، ربما تؤدي السيطرة الفلسطينية على أراضٍ مستقلة إلى إعادة إنهاض همم الفلسطينيين ومحاولة توجيه ضربة قاضية بشنّ هجمات استراتيجية واسعة النطاق على إسرائيل. يمكن أن يصبح هذا السيناريو أقرب إلى الحقيقة على ضوء قِصَر المسافة التي تفصل البحر المتوسط عن الدولة الفلسطينية والتي تتراوح بين 15 و19 كيلومتراً فقط. وهذا يعني من الناحية الفعلية أن أي هجوم صاروخي أو هجوم عسكري فلسطيني مشترك انطلاقاً من الضفة الغربية سيشكل في حال نجاحه في مرحلته الابتدائية تهديداً لقلب إسرائيل. سيكتنف إسرائيلَ خطرٌ جسيم وستُرغَم على إعداد خطط لإحباط هجوم فلسطيني أولي.
ستكون إسرائيل في حاجة كذلك إلى إعداد خطط دفاعية بعد تجريدها من المزيّة الطبوغرافية الحساسة المتمثلة في السيطرة على المناطق الجبلية في الضفة الغربية. وأي فلسطيني مزوّد بصاروخ من نوع قسام على الأراضي الجبلية المطلّة على الغرب سيكون قادراً على ضرب المطار الرئيسي بإسرائيل وكذلك المدن الرئيسية الواقعة على امتداد الشريط الساحلي الذي يشكل "مركز الثقل الاستراتيجي في البلاد" كما هو متعارَف عليه في العقيدة العسكرية. وهذا الواقع الجديد سيجعل مهمة إسرائيل في الدفاع عن نفسها عسيرة، سواء في مواجهة قوات متحرّكة أم نيران صاروخية أم أي سلاح آخر، مما سيولّد هاجساً دائماً جديداً لواضعي الخطط العسكرية في الجيش الإسرائيلي: تصوُّر كيف ستتدبّر إسرائيلُ في مثل هذه الظروف أمر دفاعها عن نفسها.
لن يتوافر سبيل لتبديد هذه الهواجس بالكلّية، على أنه يمكن تقليص الخطر بدرجة كبيرة بإيجاد وضع يمنع الجانب الفلسطيني من التفكير في بناء قوة عسكرية تقليدية وقدرات إرهابية سرّية في الضفة الغربية. وهذا يعني أن الاتفاقات الأمنية الخاصة بالضفة الغربية يتعيّن أن تستبعد تعزيز القوات الفلسطينية بقوات عربية أو إيرانية قادمة من الشرق. وهذا يعني باختصار الحيلولة دون بروز أي تهديد عسكري تقليدي أو إرهابي في كامل أنحاء المنطقة الممتدّة بين "الخط الأخضر" ووادي الأردن.
بالنظر إلى هذه الهواجس، يتعيّن ضمان تحقق الشروط الأمنية التالية:
1. عدم السماح لأي جيش أجنبي بدخول أراضي السلطة أو الدولة الفلسطينية.
2. عدم السماح بتشكيل أية منظمة عسكرية من أي نوع كانت في الأراضي المعنية سواء أكانت هذه المنظمات تابعة للدولة أم لا.
3. عدم السماح بتهريب الأسلحة أياً كان نوعها، سواء من الشرق أم من أية جهة أخرى.
إذا تحقق أي من السيناريوهات آنفة الذكر، ينبغي أن يكون الجيش الإسرائيلي في وضع يمكّنه من التدخل وإزالة الخطر.
هذه الشروط الثلاثة مستمدَّة من اشتراط إسرائيل أن يكون الكيان الفلسطيني منزوع السلاح بالكامل. على أنه سيكون خطأً فادحاً الاعتقادُ بأن قوات دولية ستضمن تحقيق المطالب الإسرائيلية بالتحقق من نزع سلاح الفلسطينيين في الضفة الغربية بالكامل. ذلك أنه لم يسبق لأية قوات دولية أن نجحت في أي مكان في العالم في وضع يكون فيه أحد الأطراف على استعداد للتغاضي عن الاضطلاع بمسؤولياته. وما من سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن الوضع في هذه الحالة سيكون مختلفاً.
 

1.8- استنتاجات
تُشتهر القوات الدولية في الشرق الأوسط، كما في سائر المناطق في العالم، بعدم إمكانية التعويل عليها وبخاصة عندما يتحداها أحد الأطراف كما في حالة مصر في عهد عبد الناصر في سنة 1967 أو في حالة حزب الله اليوم. إن قتل جنود حفظ السلام من أنجع الوسائل المتوافرة في ترسانة الإرهابيين لإضعاف بل وكسر الإرادة السياسية للدول التي تشارك في عمليات حفظ السلام. وعلى أية حال، أظهرت القوات الدولية على مرّ التاريخ تردداً في الدخول في مواجهة عسكرية مع الجهات التي تتحداها. وحتى في حالة الناتو، يرجَّح أن تعمل هذه القوات بموجب قواعد اشتباك مقيِّدة للغاية وتحت إمرة هرميات قيادية مرتبكة تحدّ من قيمة القوات في السيناريوهات التي يرجَّح أن تواجهها إسرائيل.
لذلك، يتعيّن في الشرط الذي صاغه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وينصّ على وجوب أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح استبعادُ وجود طرف ثالث مسلّح أو وجود قوات دولية في الدولة الفلسطينية المزمَعة.
والأهم من ذلك كله أنه حتى إذا استطاع الناتو حل مشكلاته المتعلقة بالقيود وبقواعد الاشتباك التي تشلّ فاعلية جنوده، وحتى إذا تحسّنت كفاءة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بدرجة كبيرة، يبقى امتلاكُ إسرائيل القدرة على "الدفاع عن نفسها بنفسها" مبدأً أساسياً في العقيدة العسكرية الإسرائيلية. كما أن إسرائيل تفاخر بحقيقة أنه لم تطلب يوماً من الجنود الغربيين، بمن فيهم الجنود الأميركيين، المخاطرة بأرواحهم دفاعاً عنها.
يكتسي شرطُ امتلاك إسرائيل القدرة على الاعتماد على النفس أهمية خاصة على ضوء السيناريوهات الخطرة المحتملة بل والمرجَّحة في أعقاب التوقيع على اتفاق مع السلطة الفلسطينية. واليوم، كما في المستقبل المنظور، ليس لدى السلطة الفلسطينية قوة تملك القدرة على تفكيك بُنى الفصائل الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي. وإذا ما تعرّضت إسرائيل لهجوم تقليدي من جهة الشرق في المستقبل، سيقع على كاهل إسرائيل بالكامل دحر هذا الهجوم في وادي الأردن.
لذلك من المهم أن نتنبّه إلى القدرة المحدودة على الاستفادة من القوات الدولية في أية تسوية سلمية إسرائيلية فلسطينية مستقبلية. وكما حذّر أحدُ محلّلي عمليات حفظ السلام، "إن عمليات حفظ السلام أداة نافعة للغاية في السياسة الدولية، لكنها أداة مقيَّدة بطبيعتها. صحيح أنها تستطيع مواجهة التحديات المحلّية العنيفة التي تعترض إحلال السلام بل ويتعيّن عليها ذلك، لكنّ هذه القدرة متوافرة على هوامش العملية السلمية فقط. وإذا تداعى جوهر تلك العملية، لن تتمتع العملية المتعددة الجنسيات نفسها بالتماسك الكافي ولا بالقوة العسكرية الكافية على الأرجح للمحافظة على تماسك هذا الجوهر". وهذا الضعف المتأصّل في القوات الدولية يجعل مبدأ الاعتماد على النفس في العقيدة العسكرية الإسرائيلية بالغ الأهمية حتى بعد التوقيع على اتفاقية سلام.


2- المخاطر والمكاسب الصهيونية من نشر قوات حفظ سلام دولية
جاستس ريد واينر، أفينوام شارون ومايكل موريسون
2.1- الملخص التنفيذي
- الاعتقاد السائد هو أن نجاح اتفاق سلام مستقبلي بين إسرائيل ودولةٍ فلسطينية متصوَّرة سيقتضي دعم بعثة حفظ سلام دولية.
- تستعرض هذه الدراسة تاريخ بعثات السلام ونجاحاتها وإخفاقاتها النسبية في المنطقة، فضلاً عن العوامل البارزة التي ساهمات في نجاحها أو فشلها.
- سيبدو في أوضاع معيّنة أن الأفضلية الواضحة هي لبعثة حفظ سلام تحظى بتفويض من الأمم المتحدة، على أن عمليات حفظ سلام متعددة الأطراف بدون تفويض من الأمم المتحدة تناسب أوضاعاً أخرى. وهناك أوضاع أيضاً يبدو الخيار الأنسب فيها نشر قوة حفظ سلام ثنائية الأطراف بدون مشاركة خارجية.
- أثبتت بعثة حفظ السلام الثنائية الأطراف فاعليتها على امتداد الحدود الإسرائيلية الأردنية، كما نجح التعاون الأمني الثنائي بإشراف دولي على امتداد الحدود الإسرائيلية المصرية.
- بالنظر إلى القيود الذاتية التي تعاني منها بعثات السلام عند مواجهة المفسدين، ربما تكون الاتفاقات الأمنية الأساسية الثنائية، وليس بعثة حفظ سلام دولية، الخيار الأنسب.
 

2.2- المقدمة
تبقى عمليات حفظ السلام عنصراً مألوفاً في سياق الصراع المستمرّ بين إسرائيل وجيرانها. وبرغم عدم وجود بنود تنصّ على تشكيل قوة حفظ سلام سواء في معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن أو في إعلان المبادئ الخاص بترتيبات الحكم الذاتي، أم في الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني المؤقت الخاص بالضفة الغربية وقطاع غزة، يُفترض على نطاق واسع أن تشكيل قوة حفظ سلام مكوّن مكمّل لأية اتفاقية سلام إسرائيلية فلسطينية.
هناك نموذجان أساسيان لمهمات حفظ السلام هما قوة حفظ سلام تحظى بتفويض الأمم المتحدة وقوة حفظ سلام متعددة الأطراف ولا تحظى بتفويض من الأمم المتحدة. وكما رأينا، تمت تجربة كِلا النموذجين في سياق الصراع العربي الإسرائيلي مع تحقيق نجاحات بدرجات متفاوتة. والسؤال الذي ينبغي الإجابة عنه الآن هو معرفة إن كان أحد هذين النموذجين يمكن أن يشكّل مساهمة بنّاءة في إقامة علاقات سلام بين إسرائيل ودولةٍ فلسطينية مستقبلية.
كما ذكرنا في استعراضنا، تكون بعثات حفظ السلام ناجحة على الخصوص في تنفيذ ما هي مكلَّفة به في الصراعات التي تم التوصل إلى حلول لها. ذلك أن نجاح بعثة حفظ سلام يتناسب طردياً مع مستوى الثقة والالتزام والتعاون المتبادل بين أطراف الصراع. بمعنى أنه كلما قويت هذه العناصر، زادت فرص النجاح. ويشير تقرير NYU إلى هذه الحقيقة بطريقة أخرى: "ينبغي لعملية سياسية يمكن التعويل عليها ولوجود عسكري يمكن التعويل عليه أن يقوي أحدهما الآخر. في الحالة المثالية، هذان العنصران متناسبان عكسياً بمعنى أنه كلما زادت إمكانية التعويل على العملية السياسية، قلّت الحاجة إلى وجود عسكري". ولا ينبغي للأطراف المشاركة في صراع أو في عملية يراد منها حلّ صراع أن تتخيّل أن بعثة حفظ سلام يمكن أن تكون بديلاً عن هذين العنصرين. وكما أن بعثة حفظ سلام ستعزز الجانب الإيجابي، هناك احتمال بأن تفاقم الجانب السلبي. حتى إنها ربما تتحوّل إلى مصدر للاحتكاك أو إلى هدف، وبالتالي تسهم في زيادة الأوضاع تدهوراً.
 

2.3- السيناريو الأمثل
ترى الأطراف التي تقترح جعل قوة حفظ سلام جزءاً من حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أنه ينبغي أن تكون هذه القوة عنصراً في الوضع النهائي. وهذه الأطراف لا تقترح أن تكون القوة أداة تسهيل لحلّ الصراع أو قوة فصل بين الأطراف لتمكينها من التفاوض في مناخ أقلّ توتراً. ويبدو أن ذلك يوفر أساساً متيناً لنجاح عملية حفظ السلام.
في السيناريو الأمثل، تعزز قوةٌ متعددة الأطراف الجانبَ الإيجابي في أعقاب حل صراع من قبل أطراف ملتزمة بالتعايش السلمي. وما من شك في أنه في مثل هذا الوضع المثالي، يوفر كل من خيارات حفظ السلام مزايا معيّنة.
ولمّا كانت الثقة المتبادلة، والالتزام بالمحافظة على السلام، والتعاون يؤثر بشكل مباشر في نجاح عملية حفظ السلام، يبدو أن البعثات التي تشكلها الأطراف وتكون مسؤولة أمامها تتمتع بمزيّة ذاتية. فهذه البعثات تعبير عن تعاون وعن التزام مستمرّ وربما تخدم في تعزيز الثقة المتبادلة. كما أنها تساعد على تلافي بعض المطبات التي أتينا على ذكرها. من وجهة نظر إسرائيلية، ربما يكون هذا النوع من القوات المتعددة الجنسيات مفضَّلاً طالما أن إسرائيل تميل إلى النظر إلى الأمم المتحدة على أنها منتدى غير متعاطف معها بوجه خاص. أضف إلى ذلك أن إسرائيل يمكن أن ترى في إمكانية تلقي هذه القوة أوامر  بناء على الإجماع السياسي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة مصدراً للقلق. وبما أن الفلسطينيين ربما يعتقدون أن الأمم المتحدة منتدى داعم وحليف، فقد يؤثرون خيار الأمم المتحدة. وهو خيار ربما يؤثره الفلسطينيون أيضاً لما يوفره من "شرعية دولية" ربما تكون مهمة من وجهة نظر محلية وعربية. وفي حين أن الاعتبار الأول يتعارض بشكل مباشر مع المصلحة الإسرائيلية، ربما يساهم الاعتبار الأخير في خدمتها.
في النهاية، يعني تضاؤل الحاجة في السيناريو الأمثل إلى قوة حفظ سلام أن أهم وظيفة في هذه العملية هي وجودها الحسّي والرمزي في نهاية المطاف. والسؤال الجوهري الذي يتعين على إسرائيل طرحه يتعلق بنوع القوة التي ستخدم هذا الدور الرمزي إلى حدّ بعيد، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل مثل قرب الحدود من المراكز السكانية الإسرائيلية ورأي الشعب الإسرائيلي في هذه القوة.
هناك احتمال ثالث طبعاً في مثل هذا المناخ من الالتزام والتعاون وهو إقرار ترتيبات أمنية مثل تلك المنصوص عليها في معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية. اتفق الطرفان في تلك المعاهدة على إقامة علاقات أمنية بناء على "الثقة المتبادلة، والدفع بالمصالح المشتركة والتعاون"، وعلى إيجاد آلية تشاور وارتبط لمعالجة المسائل المتعلقة بالتنفيذ بدون مشاركة أطراف ثالثة. ويبدو أن هذه الترتيبات حققت نجاحاً ملحوظاً.
 
 

2.4- سيناريو الحالة الأسوأ
كما أشار تقرير الإبراهيمي بشكل وافٍ، "يتعين على الأمانة العامة عدم تطبيق افتراضات تخطيطية بناء على السيناريو الأمثل في الأوضاع التي أظهرت فيها الجهاتُ المحلية سلوكاً يليق بالسيناريو الأسوأ". كما أن الحاجة إلى دراسة السيناريو الأسوأ مشار إليها في مذهب كابستون الذي يرى أنه "لم يثبت أن التخطيط المعتمد على مشاركة قصيرة المدى وعلى السيناريوهات الأمثل قاعدة ناجحة لنشر بعثة سلام تابعة لأمم المتحدة إلاّ نادراً وأنه ينبغي تجنّبه". يتعين أخذ هذه الملاحظة الحادّة في الاعتبار عند دراسة المقاربة المناسبة لحفظ السلام في سياق اتفاق إسرائيلي فلسطيني.
مع أنه لا يمكن التكهّن بالمستقبل بدقّة، يمكن أن يخدم الواقع الماضي والحاضر كأساس لاقتراح عناصر معيّنة لسيناريوهات الحالة الأسوأ. تتضمن هذه العناصر العوامل المحتملة التالية:
1- ربما لا تلتزم حكومة الدولة الفلسطينية بصدق بعلاقات سلمية أو ربما ترى في الالتزام العلني أو المتحمس على نحو زائد بالسلام عقبة تعترض مصالحها السياسية الداخلية.
2- ربما تعارض حماس أو جهات معارِضة أخرى لاتفاقية السلام الحكومةَ الفلسطينية بعنف.
3- ربما تواصل حماس أو معارضون آخرون لاتفاقية السلام تنفيذَ عمليات ضدّ إسرائيل.
4- ربما تبقى كتل أو مناطق استيطانية إسرائيلية داخل أراضي الدولة الفلسطينية وربما تُستهدف من قبل المخرّبين.
5- ربما يسعى المعارضون الإسرائيليون لاتفاقية السلام لشنّ حملة معارضة عنيفة ضدّ الدولة الفلسطينية. يتعين دراسة كل من هذه السيناريوهات عند اختيار الاتفاقات الأمنية المناسبة التي ستكون جزءاً من اتفاق أمني.
عندما لا تكون الدولة الفلسطينية ملتزم بصدق بالمحافظة على علاقات سلمية، يصبح التوصل إلى اتفاق مماثل لمعاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية مستحيلاً. كما أن هذا الوضع لن يحقق مستوى التنسيق والتعاون اللازمَين لتشكيل قوة متعددة الجنسيات. والخيار المتبقي هو قيام بعثة حفظ سلام أممية بمهماتها في وضع لا يوفر لها سبل النجاح. كما أن مدى فشلها في إنجازها لمهمتها سيعتمد بدرجة كبيرة على طبيعة الافتقار إلى الالتزام الفلسطيني وإلى شدّة النشاط التخريبي.
كما أن السيناريو الذي يكون فيه الالتزام بعلاقات سلمية مصحوباً برغبة في تجنب أي تعبير علني عن التعاون مع عدو سابق أو مع عملية حفظ السلام يصبّ في مصلحة عملية حفظ سلام بدلاً من نظام تعاون أمني بين الطرفين. وفي حين أن هذا الوضع سيبدو منسجماً مع بعثة أممية في الظاهر، ربما تدعم تجربة القوة المتعددة الجنسيات و"الوجود الدولي المؤقت في الخليل" وجهة النظر التي تقول بأنه لا ينبغي أن يصل المستوى الفعلي للتعاون المطلوب من الأطراف إلى حدّ التعاون العلني أو "العمالة".
يثير الوجود المحتمل لمخرّبين ينشطون ضدّ الحكومة الفلسطينية من داخل الدولة الفلسطينية اعتبارات إضافية. الاعتبار الأول هو أن الحاجة إلى التحرك ضدّ المخرّبين الداخليين تثير سؤالاً عن الصورة التي ترغب الحكومة في أن تبدو عليها على الصعيد المحلي. فإذا كانت الحكومة ترغب في أن يُنظر إليها على أنها تتخذ إجراءات قوية ضدّ معارضيها، ربما تؤْثر وجود قوة متعددة الجنسيات تعمل مع قواتها الأمنية بتعاون تام، وتتقاسم معها المعلومات الاستخبارية وتشكل معها قيادة مشتركة. كما أن إسرائيل ربما تؤْثر وجود مثل هذه القوة بسبب مستوى التعاون الرفيع ولأنه قد يُنظر إلى إقصاء الأمم المتحدة على أنه عمل نافع، في حين ربما يساند المخرّبين أو يشجعهم دولٌ أعضاء في الأمم المتحدة تسعى للتأثير في البعثة أو تسعى لإفشالها.
إذا كان خيار بعثة تحظى بتفويض من الأمم المتحدة محلّ دراسة في مثل هذه الأوضاع، ينبغي أن تكون بعثة "قوية". ربما تساهم قوة حفظ سلام مثل هذه تُدار بشكل مستقبل من قبل قيادة أممية في تحرير الحكومة الفلسطينية، جزئياً على الأقل، من عبء الظهور في مظهر "المتعاون" في قتال المجموعات الفلسطينية الأخرى. ربما لا تحبّذ إسرائيل هذا الموقف غير الملتزم، وربما لا يؤدي وجود قوة أممية إلى تخفيف الهواجس الأمنية الإسرائيلية، ويعود ذلك في الأمرين إلى أنه ربما كان المخربون يتمتعون، كما ذكرنا، بمساندة دول أعضاء في الأمم المتحدة أو يعملون لصالحها، ولأن ذلك سيعني أن عنصراً في الأمن الإسرائيلي سيكون معتمداً على عملية حفظ سلام من نوع لم يخض تجربة ناجحة في الماضي.
بالإضافة إلى ما تقدم، تجدر الملاحظة في هذا الصدد إلى تحذير تضمّنه تقرير الإبراهيمي وهو أن "استعداد الدول الأعضاء للمساهمة بجنود في عملية يمكن التعويل عليها من هذا النوع يقتضي أيضاً استعداداً للقبول بخطر تكبّد إصابات أثناء تنفيذ المهمة. بيد أن التردد في تحمّل هذه المخاطرة زاد منذ تشكيل البعثات التي واجهت صعوبات في تسعينيات القرن الماضي، ويعود ذلك جزئياً إلى أن الدول الأعضاء لا تفصح بوضوح عن كيفية تعريف مصالحها القومية عند تحمّل هذه المخاطر، ويعود جزئياً إلى أنها ربما لا تكون واضحة في الإفصاح عن المخاطر نفسها". وفي هذا السياق، تشير التجارب إلى أن جنود حفظ السلام ربما يصبحون أهدافاً، وإلى أن مشاركتهم في قوة حفظ سلام نشطة ربما تؤدي إلى وقوع إصابات، مما يوجد عائقاً كبيراً آخر.
إن الوضع الذي يُتصوَّر فيه أن المخربين ينشطون ضدّ إسرائيل يتعلق بشكل مباشر بالسياسة الأمنية المحلية بإسرائيل. ومن غير المرجح أن توافق إسرائيل على التنازل عن حقها في الدفاع عن نفسها، أو توافق على إناطة مهمة حماية مواطنها بجهة أجنبية، أو تعرّض سلامتها للخطر بحال من الأحوال. وعلى الرغم من أن وجود قوة متعددة الجنسيات من نوع ما، تعمل بالتنسيق مع إسرائيل وترمي إلى منع اختراق الحدود الإسرائيلية ربما يكون بمثابة عنصر إيجابي في مثل هذا الوضع، ربما يُنظَر إليه أيضاً على أنه عائق محتمل وعقبة تحول دون قيام إسرائيل بعمل فاعل. بيد أنه يمكن أن يُنظَر إلى إمكانية أن يساهم التفويض بتشكيل هذه القوة في محاربة المخرّبين داخل الأراضي الفلسطينية على أنه مزيّة. على أن هذا التفويض يمكن أن يساعد، إذا كان فاعلاً، على تجنب سيناريو مثير للإشكاليات تنتهك بموجبه القواتُ الإسرائيلية السيادةَ الفلسطينية سعياً للقضاء على التهديدات الإرهابية. على أنه سيكون مفضلاً من الناحية المثالية لو تعمل إسرائيل والدولة الفلسطينية معاً في هذا المجال وبطريقة مشابهة للنموذج الإسرائيلي الأردني، بما أن وجود قوة أجنبية تعمل بشكل مستقل نيابة عن إسرائيل داخل الدولة الفلسطينية قد يثير امتعاض الجانب الفلسطيني وربما يزيد الوضع تدهوراً. وهنا أيضاً، لا يمكن استبعاد إمكانية تحوّل جنود حفظ السلام إلى أهداف، ويمكن للإصابات التي يتكبدها هؤلاء الجنود تقويض مثل هذه البعثات.


تلحظ سيناريوهات الحالة الأسوأ الثلاثة الأخيرة العناصر الإسرائيلية المتنوعة التي ربما تؤثر في المقاربة الإسرائيلية على صعيد إدراج قوة حفظ سلام في اتفاقية السلام. وبرغم أن كل سيناريو يصاحبه مشكلات خاصة، تتقاسم هذه السيناريوهات عنصراً مشتركاً هو أن الإسرائيليين سيواجَهون في كل حالة بجنود أجانب. وفي حالة المستوطنات الإسرائيلية، ربما يتمثل الوضع في إناطة أمن التجمعات الإسرائيلية وسلامتها بالكامل بجهة أجنبية. على أنه يمكن تجميل هذا الوضع، من وجهة نظر السكان الإسرائيليين، بتمركز قوات إسرائيلية داخل تلك التجمعات. لكنّ هذا الخيار سيعني وجوداً عسكرياً إسرائيلياً دائماً داخل الدولة الفلسطينية، ويمكن أن يشكل مصدراً لاحتكاك مستمرّ. وعلى أية حال، لن تكون فكرة وضع أمن الإسرائيليين بالكامل في أيدي قوة حفظ سلام أممية أو متعددة الجنسيات مستساغة على الأرجح في السياسة المحلية الإسرائيلية.
في حال سعى الإسرائيليون للتأكيد على وجود إسرائيلي أو يهودي على سبيل المثال في المستوطنات التي يتم إخلاؤها، أو في مواقع مثل قبر يوسف، دلّت التجربة على أن المواجهات التي أريد منها إخراج هؤلاء "المتظاهرين" ستكون عنيفة. وإمكانية وقوع مواجهة فتاكة ستصبح محتومة تقريباً بالنظر إلى إمكانية قيام الإسرائيليين بأعمال عنف ضدّ الدولة الفلسطينية. من زاوية السياسة المحلية الإسرائيلية، يفضَّل التعامل مع أي وضع بواسطة قوات أمنية إسرائيلية. وربما يمكن التوصل إلى اتفاقية فريدة ضمن إطار تفويض قوة حفظ سلام. ويمكن أن تساعد علاقات مناسبة بين إسرائيل ودولةٍ فلسطينية مستقبلية تتضمن الاحترام المتبادل للسيادة، على التعامل مع هذه الحوادث على النحو الأمثل بوصفها مسائل تتعلق بالأمن الداخلي ولا ينبغي أن تكون جزءاً من تفويض أية قوة حفظ سلام، وباعتبار أنه ينبغي التصدي لها فقط من خلال إطار التعاون الأمني المشترك ومن خلال إطار العلاقات الخارجية.
تجدر الإشارة بالطبع إلى أن المادّة 17 التي تعالج مسألة الصلاحيات القانونية من الاتفاقية المؤقتة تنصّ على أن "القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي هي القدس والمستوطنات ومواقع إسرائيلية معيّنة، واللاجئون الفلسطينيون والحدود والعلاقات الخارجية والإسرائيليون". ويبدو أن الطرفين تصورا صلاحيات من نوع ما لا تتضمن جهات أجنبية. ويتم التعامل في الوقت الحالي مع الإسرائيليين الذين يدخلون مناطق خاضعة للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية من قبل السلطات الأمنية الفلسطينية وبالتعاون مع السلطات الإسرائيلية غالباً. ومن الأمثلة على ذلك ما حصل في شباط 2010 في كنيس قديم بأريحا عندما سمحت الشرطةُ الفلسطينية لرجال الشرطة الحدودية الإسرائيلية، بناء على طلب إسرائيلي، بإخراج متظاهرين إسرائيليين بالقوة واعتقالهم.
 

2.5- الخلاصة
الاعتقاد السائد هو أن نجاح اتفاق سلام مستقبلي بين إسرائيل ودولةٍ فلسطينية متصوَّرة سيقتضي دعم بعثة سلام دولية. عاينتْ هذه الدراسة تاريخ بعثات السلام ونجاحاتها وإخفاقاتها النسبية في المنطقة. وعاينت أيضاً العواملَ البارزة التي يبدو أنها تسهم في احتمالات نجاح بعثات حفظ السلام أو فشلها. وعلى هذا الأساس، درس المؤلفون مزايا خيارات حفظ السلام المتنوعة وعيوبها على ضوء مجموعة كاملة من العوامل التي ربما تبرز في سيناريوهات الحالة الأسوأ.
وكما أشار المؤلفون، لا يبدو أن هناك إجابة قاطعة تحدد النموذج الأمثل لقوة حفظ السلام سواء من المنظور العام أم من المنظور الإسرائيلي. ويبدو في أوضاع معيّنة أن هناك إيثار واضح لبعثة حفظ سلام تحظى بتفويض من الأمم المتحدة، في حين يبدو في أوضاع أخرى أن الأنسب تنفيذ عمليات حفظ سلام متعددة الجنسيات بدون تفويض من الأمم المتحدة. على أنه يوجد أوضاع أخرى تناسبها قوة حفظ سلام ثنائية الأطراف بدون مشاركة أجنبية. على أن الصورة تصبح أشدّ تعقيداً بالطبع عندما يبرز أكثر من عامل واحد. ويتعين أن تأخذ سيناريوهاتُ الحالة الأسوأ في الاعتبار إمكانية مواجهة كافة العوامل السلبية المحتملة، وهذا تعقيد يتعين على صنّاع السياسة مواجهته.
في حين لا يزال الافتراض في اقتراحات السلام المتنوعة إلى يومنا هذا أن قوة حفظ سلام عنصر لازم، يبدو للمؤلفين أن هذا الافتراض غير صحيح. فعلى الرغم من تحقيق بعثات حفظ السلام نجاحات في أوضاع معيّنة، فقد مُنيت بالفشل في أوضاع أخرى. وفي نفس الوقت، ينبغي تذكّر أن قوات حفظ السلام الثنائية أثبتت فاعليتها على امتداد الحدود الإسرائيلية الأردنية، وأن التعاون الأمني الثنائي مع إشراف متعددة الجنسيات نجح على امتداد الحدود الإسرائيلية المصرية. وبالنظر إلى القيود الذاتية التي تعاني منها عمليات حفظ السلام عند مواجهة مخرّبين وإلى تاريخ جهود حفظ السلام في التعامل مع المخربين في المنطقة، ربما كان الاعتقاد السائد خاطئاً وأن الترتيبات الأمنية الثنائية الأولية هي الخيار الأصلح. وهذا هو الخيار الذي تصورته الأطراف المشاركة في الصراع في مفاوضاتها وفي اتفاقاتها إلى الآن. والمؤلفون يقترحون عدم إغفال هذا الخيار.

العنوان الأصلي الفصل الأول: مخاطر قوات حفظ السلام الأجنبية في الضفة الغربية
الفصل الثاني: من يحفظ السلام؟ دور عمليات حفظ السلام في مستقبل عملية التسوية الإسرائيلية الفلسطينية
المؤلف  الفصل الأول: اللواء احتياط يعقوب عميدرور
الفصل الثاني: Justes Reid Weiner, Avinoam Sharon and Michelle Morrison
جهة الإصدار : مركز القدس للشؤون الدولة والعامة، القدس المحتلة  حزيران 2010
ترجمة مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية 29 تشرين الأول 2010

2011-02-02 12:06:12 | 2145 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية