التصنيفات » دراسات

"بروتوكول باريس": الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي – الفلسطيني ومعانيه الاقتصادية



بقلم: د. افرايم لافي
مدير مركز تامي شتاينتس لبحوث السلام في جامعة تل أبيب

"بروتوكول باريس"، الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي – الفلسطيني الذي وقع في نيسان 1994، يوجد اليوم في مركز المناقشات حول الازمة الاقتصادية التي تلم بالسلطة الفلسطينية. ويحلل هذا المقال البروتوكول واثاره في سنوات 1994 – 2000 ولكن المعاني والاثار صحيحة وذات صلة سواء بالواقع والتحديات الاقتصادية التي تتصدى لها السلطة الفلسطينية اليوم أم بمنظومة العلاقات الاقتصادية التي بينها وبين اسرائيل.
 الفكر الاقتصادي لقيادة م.ت.ف عشية دخولها الى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، تأثر برغبتها في أن يتحلى الكيان الفلسطيني الذي سينشأ بمزايا دولة على الطريق. وأولت القيادة اهمية شديدة للقطاع الاقتصادي انطلاقا من فهمها بان مدى الاستقلال السياسي للفلسطينيين سيكون منوطا بمدى استقلالهم الاقتصادي. وعرفت، على نحو غير صحيح، بان فرص نجاحها في اقامة حكم ذاتي مستقر ونيل تأييد السكان، منوطة بقدرتها على تجنيد مصادر مالية وادارة سياسة اقتصادية ناجعة.
 وترافقت الاتفاقات السياسية بين م.ت.ف واسرائيل وتفاهمات حول الحاجة الى تجنيد واسع للاموال من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وبناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. من ناحية سياسية، كانت المساعدات الخارجية الدولية تستهدف تعزيز حكم السلطة والدعم الشعبي للمسيرة السلمية من خلال تجسيد فضائل السلام وثماره للسكان. والاهداف التي تحددت كانت اقتصاد محسن، حكومة ديمقراطية وناجعة ومشاركة في التنمية الاقليمية.
 بمبادرة الرئيس الامريكي اجتمعت الدول المانحة في واشنطن في ايلول 1993، فور التوقيع على اتفاق اوسلو، وتعهدت بتقديم مساعدة للفلسطينيين بمبلغ 2.4 مليار دولار تتوزع على خمس سنوات، 1994 – 1998. وشكلت الدول المانحة الـ 36 وأربع منظمات غير حكومية لجنة ارتباط على عجل (Ad-Hoc Liaison Committee) ناشئة عنها لموضوع تنسيق المساعدة. واجتمعت اللجنة بين الحين والاخر بمشاركة مراقبين من السلطة ومن اسرائيل، واتخذت قرارات حول حجم المساعدة واهدافها. وشكل البنك الدولي سكرتاريا ولجنة الارتباط وكان المسؤول عن التحويل الجاري للمساعدة الى المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار (بكدار). وكان هذا المجلس اقيم في اواخر 1994 بقرار من ياسر عرفات، وكان مسؤولا عن نقل المساعدة الى الوزارات ذات الصلة بالسلطة وعن رفع التقارير وعلاقات العمل مع البنك الدولي، صندوق النقد الدولي والدول المانحة.
 وكانت خطة الطوارىء التي بلورها البنك الدولي لمساعدة الفلسطينيين انطلقت من فرضية عمل انه سيعقد تعاون اقليمي في مجالات البنية التحتية مثل المياه والكهرباء. وكانت تميل الى مواجهة المتطلبات العاجلة للاقتصاد الفلسطيني لضمان أسسه، وخصصت مكانا مركزيا للقطاع الخاص سواء في مجال التمويل أم في مجال تحقيق المشاريع. وكانت القيادة الفلسطينية مطالبة بالاكتفاء بمشاريع متواضعة في البنى التحتية والابقاء على صلة اقتصادية باسرائيل، رغم تفضيلها فك الارتباط عن الاقتصاد الاسرائيلي.
 في المداولات التي جرت في أعقاب اتفاق اوسلو لغرض ترتيب العلاقات الاقتصادية، تحدث اقتصاديون فلسطينيون، ولا سيما من بين رجال م.ت.ف الذين جاءوا من تونس، ضد استمرار العلاقة الاقتصادية مع اسرائيل وقالوا ان النظام التجاري الخاص بـ "الاتحاد الجمركي" (Customs Union) سيكون "مصيبة" للفلسطينيين وسيخلد التعلق باسرائيل. ولكن عشية التوقيع على الاتفاق الاقتصادي مع اسرائيل، اشتد ضغط رجال الاعمال الفلسطينيين من اوساط سكان الضفة الغربية والقطاع ممن طالبوا بمواصلة والابقاء على قدرة الوصول الى السوق الاسرائيلية.
 في نيسان 1994 وقع "بروتوكول باريس"، الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي – الفلسطيني، الذي رتب العلاقات الاقتصادية بين الطرفين للفترة الانتقالية التي كانت تحددت لخمس سنوات. وكان النظام التجاري الذي اتفق عليه في البروتوكول هو نظام الاتحاد الجمركي (Customs Union) الذي في اطاره تقررت وفقا لذلك، ضمن امور اخرى، الامور التالية: قوائم يسمح للسلطة الفلسطينية باستيراد البضائع المدرجة فيها؛ الانظمة المتعلقة بمواصفات البضائع المستوردة لمناطق السلطة ومعدلات الجمارك التي تنطبق عليها؛ معدل ضريبة القيمة المضافة 15 – 16 في المائة، مثل اسرائيل، مع امكانية تغييرات محدودة مقارنة مع معدل ضريبة القيمة المضافة؛ اصدار رخص الاستيراد – بمسؤولية كل طرف؛ آلية تنفيذ الاستيراد، والتي تتضمن تنفيذ المواصفات، تحديد الجمرك، اصدار الرخص – هي اسرائيلية.
في أعقاب الاتفاق اقيمت المؤسسات الاقتصادية المركزية للسلطة الفلسطينية: وزارة المالية التي تضم قسم الميزانيات، سلطة النقد، ومكتب الاحصاء المركزي. وتمتع القطاع البنكي الفلسطيني بدرجة عالية من الانفتاح والحرية وغياب القيود على صرف العملة، مما اجتذب مستثمرين فلسطينيين كثيرين من الخارج. وادى تبني اساليب الضريبة غير المباشرة الاسرائيلية، التي تتضمن معدل ضريبة قيمة اضافية موحدة، الى جباية ناجعة للضرائب غير المباشرة للطرف الفلسطيني.
اضافة الى ذلك، فقد أدى بروتوكول باريس بقدر كبير، الى تأطير الاندماج الاقتصادي مثلما كان بين الفلسطينيين واسرائيل في عهد الحكم الاسرائيلي المباشر، منذ 1967. وبقيت سوق العمل الاسرائيلية، مثلما كانت، موردا مركزيا للعمالة، وفي الايام العادية كان قرابة 60 الف شخص من سكان الضفة الغربية يعملون في اسرائيل؛ وبقيت اسرائيل هدفا اساسيا للتصدير ومصدرا اساسيا للاستيراد؛ وواصلت اسرائيل السيطرة على علاقات المواصلات والتجارة الخارجية للفلسطينيين وجباية الضرائب عن السلطة قامت بها اسرائيل. وكان لاسرائيل سيطرة على قسم كبير من القرارات الاقتصادية المركزية، مثل العملة، معدلات الجمارك، الفائدة، المواصفات. وأدت التطورات على الارض الى أن اصبح الاتحاد الجمركي غير متماثل: حواجز، تصاريح، تفتيشات وقيود مختلفة على حركة العمل والبضائع، الامر الذي منع عن المصدرن الفلسطينيين قدرة وصول كاملة الى السوق الاسرائيلية والى الاسواق الاجنبية، وجمدت اسرائيل بين الحين والاخر المداخيل من الضرائب التي كان يستحقها الفلسطينيون.
بحث أجراه البنك الدولي في أواخر 1999 وجد أن التجارة بين اسرائيل والفلسطينيين والتي جرت حسب بروتوكول باريس كانت مشوهة في صالح اسرائيل بالنقاط التالية:
1. تفضيل التجارة في صالح اسرائيل – حسب بروتوكول باريس فان بضائع وخدمات اسرائيلية معفية من الجمارك مقابل بضائع من الخارج حجم الجمارك والرسوم عليها هو نحو 50 في المائة بالمتوسط.  وتخلق هذه السياسة حماية كبيرة للبضائع المحلية وتمس بالتجارة مع باقي العالم. ولهذا السبب نشأ تفضيل للتجارة مع اسرائيل.
2. تمنح منظومة الجمارك والرسوم حماية لنشاطات اقتصادية معينة في أنها تخلق اختلافا بين فرع ما وغيره في الاقتصاد. ولا يشجع هذا الوضع الاستثمار والتجارة اللازمين للنمو الاقتصادي، بل ويتفاقم بسبب الكلفة العالية للتجارة التي تتسبب بها السياسة الامنية الاسرائيلية. وهكذا مثلا ينعكس الامر في كلفة النقل التي تضيف نحو 35 في المائة في المتوسط على سعر المنتج مقابل نحو 15 في المائة فقط في باقي الشرق الاوسط (حسب المعطيات التجارية للعام 1998).
3. القيود على التجارة مع الدول العربية (باستثناء قوائم محدودة من انواع من البضائع) تجعل من الصعب بشكل كبير تنمية التجارة الفلسطينية.
وأوصى البنك الدولي باقامة منظومة جديدة لتوزيع المداخيل من أجل تقليص تسرب الضرائب بين السلطة واسرائيل. اضافا الى ذلك، أوصى صندوق النقد أن تجري السلطة مفاوضات مع اسرائيل على توسيع قائمة المنتجات التي يسمح لها باستيرادها؛ ان تغير منظومة الضريبة وتنتقل من التعلق بالضرائب غير المباشرة الى الضرائب المباشرة؛ ان تلغي الحسم الذي تنفذه اسرائيل بمعدل 25 في المائة من ضريبة الدخل للعمال الفلسطينيين في اسرائيل.
 ويتبين من البحث الذي أجراه البنك الدولي بان الاثار الاساسية على الاقتصاد الفلسطيني كانت كلفة التجارة العالية التي نبعت من الحاجة الى نقل البضائع عر اسرائيل والمعاملة المفضلة للبضائع الاسرائيلية. وعليه فقد اوصي بان يصل الفلسطينيون الى "انسجام" للجمارك الخارجية (اي تشبيه الجمارك بين اسرائيل والخارج من خلال رفعها تجاه اسرائيل او تخفيضها تجاه الخارج)، وكذا أن تلغى المعاملة المفضلة للبضائع الاسرائيلية.
 مصاعب وعلل في ادارة الاقتصاد
 في غياب التخطيط الاقتصادي للمدى المتوسط والبعيد، وغياب عنوان موحد مسؤول عن التنسيق والادارة النشاط المتعلق بتحويل المساعدات وتوجيهها الى الاهداف المختلفة، تميز النشاط الاقتصادي في السلطة بتبعثر الصلاحيات ومجالات المسؤولية بين الوزارات المختلفة (الاقتصاد والتجارة، المالية، التخطيط والتعاون الدولي). كما ان الصراعات الداخلية بين وزراء السلطة في مسألة اي وزارة يجب أن تكون مسؤولية عن تلقي المساعدات وتوجيهها الى الاهداف المختلفة، اضافت الى المصاعب في تحويل الاموال، التي كانت تكمن في غباب اجهزة خبيرة وناجعة وانعدام التجربة في مجال الادارة الاقتصادية في الطرف الفلسطيني. ووجدت السلطة صعوبة في أن تلتزم بالشروط التي طالبتها بها الدول المانحة من حيث الشفافية (Transparency) والمحاسبة (Accountability) في عملية تحويل الاموال واستغلالها عمليا. وكانت النتيجة فجوة واسعة بين الالتزامات المعلنة وبين التحويلات المالية الفعلية.
 ولم تسمح هذه المصاعب بالاخراج الى حيز التنفذ معظم المشاريع التي وردت في الخطة الخماسية. فقرابة 40 في المائة من الاموال (نحو 1 مليار دولار) وصلت في اعوام 1993 – 1998 خصصت لتغطية العجوزات في ميزانية الدولة، واكثر من 60 في المائة (نحو 1.5 مليار دولار، استثمرت في مشاريع مختلفة. ولم ينسجم سلم اولويات الدول المانحة في تخصيص المساعدات الى اهداف وقطاعات مختلفة، مع احتياجات التنمية للفلسطينيين. وهكذا مثلا، فان الصناعة، الزراعة والبنى التحتية، التي وضعت في رأس خطة التنمية للفلسطينيين، حظيت بمساعدة محدودة. قسم هام من المساعدات خصص للمجالات الفنية، مثل دورات التأهيل المهني واستكمال التأهيل للموظفين، لكبار رجالات الادارية، لافراد الشرطة وللسجناء المحررين. وتمت الدورات والتأهيلات، في الغالب، من قبل فرق خبراء من الخارج، وكانت اموال المساعدات لهذه الاغراض تمول كلفة اجورهم.
 احيانا، تأثر سلم الاولويات في تخصيص المساعدات بجدول الاعمال السياسي للدول المانحة. وهكذا، اعطيت في المساعدات الامريكية التي نقلتها وكالة التنمية الدولية (USAID) التابعة لوزارة الخارجية الامريكية، اعطيت اولوية لمشاريع تنمية الديمقراطية (democratic development) بينما كانت المستفيدة الاساسية منها هي المنظمات غير الحكومية، التي كيفت نفسها، سواء بارادتها أم بحكم الاضطرار، مع جدول اعمال الممولين. عشرات عديدة من المؤتمرات، ورشات العمل والايام الدراسية اجرتها هذه المنظمات في مواضيع مثل حكم الاغلبية وحقوق الاقلية، او دور المواطن والمجتمع المدني كعوامل تكمل منظومات الحكم. وشكلت هذه النشاطات استمرارا للكفاح الذي بدأ في السنوات التي سبقة اقامة السلطة الفلسطينية الفلسطينية، لادخال مفهوم الحكم الصالح (good governance) الى المجتمع الفلسطيني.
 وكادت السلطة الفلسطينية لا تؤثر على سلم اولويات المانحين. وفي عقدة اللجان التي تشكلت لغرض التنسيق بين المانحين والسلطة في تحويل المساعدات، وجهتها وشكل تخصيصها، تجمعت معظم الصلاحيات والمناصب الاساسية في ايدي ممثلي البنك الدولي، فيما أنه كان لممثلي بكدار تأثير ضيق على اتخاذ القرارات. ضعف الطرف الفلسطيني في هذا المجال تأثر ايضا بالخصومات والتوترات الداخلية بين الوزارات الاقتصادية في السلطة، بينها وبين بكدار وبين الاقسام المختلفة في بكدار والتي عكست، ضمن امور اخرى غياب التخطيط الاقتصادي المركزي للمدى البعيد في السلطة.
 وألحق فرض الاغلاقات وغيرها من القيود الاسرائيلية لاعتبارات أمنية، الاضرار بالاقتصاد الفلسطيني. وفقد العديد من العمال الفلسطينيين أماكن عملهم في اسرائيل، واضرت ازمة البطالة المستمرة بالعائلات والمشاغل، بالتجار ورجال الاعمال. وكانت الخسارة المتراكمة جراء الاغلاقات في سنوات 1993 – 1997 أعلى بالضعفين من عموم المساعدة التي حولها المانحون الى الفلسطينيين. وفي اوساط المانحين نشأ احساس بان المساعدة التي ينقلونها لا تحقق اهدافها في اعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني وتثبيته، مما أثر سلبا على استعدادها لتقديم المساعدات.
 الى جانب المصاعب آنفة الذكر، والتي منعت القيادة الفلسطينية من تنفيذ نواياها الاولية في تحويل الاقتصاد الفلسطيني الى مؤسسة اقتصادية مستقلة، فشلت القيادة في ادارة سياسة اقتصادية سليمة. وبين ظواهر الفساد المؤسساتي، برزت ظاهرة الاحتكارات التي أدت الى تركيز اساس القوة الاقتصادية في أيدي مجموعة ضيقة من كبار المسؤولين الفلسطينيين واضرت بالقدرة على ايجاد اقتصاد حر. فقد سمحت قيادة السلطة باقامة احتكارات اقتصادية في مجالات مثل الاسمنت، الطحين، الحديد، من قبل اصحاب مناصب رفيعة في السلطة، بمن فيهم رؤساء أجهزة الامن، واقامت هيئات اقتصادية تصرفت كاحتكارات رسمية، منها سلطة الوقود وسلطة التبغ. وسمحت طريقة الاحتكارات للسلطة بان تجمع في ايديها معلومات عن المشتريات التي تمت في اسرائيل أو عبرها كالوقود وغيرها من البضائع، كي تحصل على معظم المردودات المالية من ضريبة القيمة المضافة، الجمارك وضريبة البلو، التي تجبيها اسرائيل. وشكلت هذه المردودات اساس دخل السلطة من النشاط الاحتكاري الذي ادارته هي وبتكليف منها.
 الخلاصة
 تطلع قيادة م.ت.ف الى ان تكسب السلطة الفلسطينية، منذ تأسيسها مزايا دولة على الطريق، ونيتها الوصول الى استقلال اقتصادي انطلاقا من التفكير بان في هذا يتعلق مدى الاستقلال السياسي للفلسطينيين – تبدد. مزايا الاقتصاد الفلسطيني لم تتغير بقدر كبير في السنوات الاولى من الحكم الذاتي (1995 – 2000) مقارنة بعهد الحكم الاسرائيلي. ففي القطاع الخاص بقي معظم العاملين في الصناعة الصغيرة، في الخدمات وفي الزراعة. وبقي غياب الاستثمارات، الانتاج المتدني، مستوى الاجر المتدني وشروط العمل المتردية، العلائم البارزة للاقتصاد. فلم تنشأ أماكن عمل للمنضمين الجدد، للعاملين القدامى ولاولئك الذين فقدوا عملهم في اسرائيل. وكان القطاع العام الذي اقامته السلطة هو رب العمل الاكبر في الاقتصاد: في نهاية 1996 كان عدد العاملين فيه نحو 75 الف، وفي نهاية 1997 ارتفع عددهم الى 100 الف شكلوا اكثر من 17 في المائة من عموم قوة العمل الفلسطيني؛ ولغرض المقارنة ففي عهد حكم اسرائيل عمل في مكاتب الادارة المدنية نحو 6 في المائة فقط من قوة العمل الفلسطينية. وشذ القطاع العام، الذي هو غير منتج في جوهره، في حجمه عن احتياجات السلطة وزاد حجم النفقات الحكومة التي تدفقت في معظمها لدفع الرواتب. وانعكست النتائج بالجداول التي تشير الى امور كالدخل للفرد، الانتاج للفرد، حجم الاستثمارات الخاصة ونصيب التصدير في الناتج القومي الخام. هذه الجداول كانت تشير الى الانخفاض في الفترة موضع البحث.
 في هذه الظروف والتي ادير فيها الاقتصاد الفلسطيني تحت الحكم الذاتي، اتيحت تنمية اقتصادية واجتماعية محدودة فقط، رغم المساعدات الاجنبية. واضر تمركز الاقتصاد في نشاط القطاع الخاص وقيد فرص النمو الاقتصادي لانه منع المنافسة، النجاعة وتخفيض الاسعار في المجالات التي انتهج فيها نظام الاحتكارات.ومنع غياب هيئة للتخطيط الاقتصادي وانعدام التنسيق بين الوزارات الاقتصادية في السلطة من بلورة سياسة اقتصادية وتخطيط اقتصادي للمدى المتوسط والبعيد.
 د. سميح العابد، مدير عام وزارة التخطيط والتعاون الدولي شرح بان مصاعب التنمية الاجتماعية تنبع ضمن امور اخرى من الحجم المحدود لبناء المختبرات، معاهد البحث العلمي، مراكز التكنولوجيا والمكتبات العامة، ومن النقص في المعلمين، الممرضات والعاملين الاجتماعيين.
 فضلا عن كل هذا، واصل التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية ايضا حقيقة كون المجتمع تقليدي، بقيت الزراعة مصدرا أساسيا لانتاجها وتصديرها، رغم الانخفاض الذي كان على مدى سنوات الاحتلال في عدد المزارعين. وفي ظل غياب المرجعية العليا وسياسة تنمية اجتماعية شاملة وذات رؤيا بعيدة المدى فقد استمر بقدر كبير الوضع الذي ساد تحت الحكم العسكري الاسرائيلي: ضعف التنسيق في مجالات العمل بين الهيئات المدنية في القطاع العام والقطاع الخاص، تقلص الدور الذي كان يمكن أن تؤدي المؤسسات ومنظمات الاغاثة الاجتماعية، المحلية والاجنبية، في مجال التنمية الاجتماعية.
 ولم يؤدِ اقتصاد الحكم الذاتي الذي تميز بالاقتصاد المركزي، القطاع العام المضخم وغير الناجع، وسياسة الاحتكارات، الى نحو اقتصادي وتحسن في رفاه السكان. ولم تحقق المساعدات الدولية اهدافها في اقامة اقتصاد محسن، حكم ديمقراطي ناجع وانخراط في التنمية الاقليمية.  وبقيت الخطط التي بلورها اقتصاديون واكاديميون من "الداخل" وكذا النموذج السنغافوري الذي تحدثت عنه القيادة الفلسطينية مثابة وهم بعيد. ووجدت أزمة التوقعات التي نشأت بين السكان تعبيراتها في الخطاب الجماهيري النقدي وفي انخفاض مستوى التأييد للمسيرة السياسية. اضافة الى ذلك، لم تؤدي الازمة، تقريبا، الى تراص جماهيري من الاسفل للاقتصاديين، المزارعين، رجال الصناعة والخدمات من اجل تغيير الامور.

2013-01-05 11:11:36 | 1992 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية