التصنيفات » دراسات

إستراتيجية الإنسحاب الصهيوني آحادي الجانب


الدروس والتبعات فهرس المحتويات :


الملخص التنفيذي .................................................................... 2
1. الإنسحاب من جنوب لبنان ....................................................... 4
2. الإنفصال عن قطاع غزة ......................................................... 7
3. الفروقات بين الإنسحاب من قطاع غزة والإنسحاب من جنوب لبنان .............. 11
4. خطة الإنطواء .................................................................... 12
5. الفروقات بين خطتي الإنفصال والإنطواء ......................................... 14
6. الخلاصات ........................................................................ 15
7. الخاتمة .......................................................................... 19






بطـاقـة التـعـريـف بالـتـرجـمـة

العنوان الأصلي

إستراتيجية الإنسحاب الصهيوني آحادي الجانب: الدروس والتبعات
المؤلف
د. شموئيل ايفن
جهة الإصدار
معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني
تاريخ الإصدار أيار 2009
عدد الصفحات 19 صفحة
جهة إصدار الترجمة مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية
تاريخ إصدار الترجمة 10 حزيران 2009







تقديم:
نرى أن هذه الدراسة تعد من أفضل ما كتب حول قضية الإنسحاب الصهيوني آحادي الجانب سواء كانت لجهة معدها، أم لجهة ما خلصت إليه من استنتاجات غاية في الخطورة والأهمية. حيث ستناقش هذه الدراسة بصورة أساسية هذا السؤال المركزي: هل أن الإنسحابات آحادية الجانب هي إستراتيجية مواتية لتحقيق أهداف "إسرائيل" القومية، في ظل استحالة الوصول إلى اتفاق سياسي على المدى المنظور؟
أما معد الدراسة الدكتور  شموئيل إيفين فهو باحث بارز في معهد دراسات الأمن القومي، ويعتبر اقتصادياً بارزاً، وخبيراً في الشؤون الأمنية للشرق الأوسط، وتركز مؤلفاته على اقتصاديات دول الشرق الأوسط، والميزانيات الأمنية، وسوق النفط العالمي، والمخابرات، والإرهاب. ويعمل حالياً مستشاراً لعدد من الشركات التجارية الكبيرة. عمل في السابق مستشاراً للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية لعدد من الوزارات الحكومية، والشركات الخاصة العاملة في الدولة العبرية. وقد حصل على شهادة الدكتوراه من معهد التخنيون بجامعة حيفا. تقاعد من العمل في الخدمة العسكرية برتبة جنرال متقاعد بعد فترة طويلة من الخدمة في أروقة المخابرات. من الكتب التي أصدرها: الإحتمالات المتوقعة في سوق النفط العالمي وتأثيراتها الإستراتيجية على إسرائيل 1998، قراءات في الميزانيات الأمنية لدول الشرق الأوسط خلال سنوات التسعينات 1999، من هم انتحاريو "الإرهاب الفلسطيني"؟ 2004، اقتصاد إسرائيل في زمن العولمة والتبعات الإستراتيجية 2007.

الملخص التنفيذي

خلال السنوات الثلاث الأخيرة اضطرت إسرائيل لتنفيذ عمليتين عسكريتين في مناطق سبق لها أن انسحبت منهما بصورة أحادية الجانب: جنوب لبنان، وقطاع غزة.
هاتان الجبهتان بالذات اللتان انسحبت منهما إسرائيل إلى الحدود الدولية لكي تكون بمنأى عن خوض أي مواجهات عسكرية، شكلتا المنطقتان الأكثر إيلاما ووجعا لها في المواجهتين الأخيرتين.
باستثناء ذلك، جاء انسحاب إسرائيل من تلك المناطق تمهيدا لها لتطبيق خطة "الإنطواء" في الضفة الغربية، استمرارا لخطة الإنفصال عن قطاع غزة.
هذه الدراسة ستناقش بصورة أساسية هذا السؤال المركزي: هل أن الإنسحابات أحادية الجانب هي إستراتيجية مواتية لتحقيق أهداف إسرائيل القومية، في ظل استحالة الوصول إلى اتفاق سياسي على المدى المنظور؟
ما يشجع هذا السؤال فعليا هي المواقف المنطقية "الواقعية" التي طرحتها تلك الأوساط المؤيدة لاتخاذ مثل تلك الخطوات، في ضوء النتائج الماثلة للعيان اليوم جراء تلك الإنسحابات.
وهنا يمكن طرح السؤال التالي على سبيل المثال: هل أن رئيس الحكومة السابق "شارون" سيتبنى مثل ذلك الإنسحاب من غزة لو قدر له أن يرى الواقع الأمني اليوم في غزة؟ هناك شكوك كبيرة في أنه كان سيقدم على تنفيذ خطة الإنفصال.
لذلك فإن خطة الإنطواء التي انطلقت فور تنفيذ الإنسحاب من غزة لم تخرج إلى حيز الوجود بسبب عدم "صمود" الظروف الأمنية في غزة آنذاك، ولم توفر للمبادرين إليها فرصة لمواصلة خططهم.
وبالتالي وفي ضوء تلكما المواجهتين، يبدو ان المنطق الذي دفع باتجاه تبني خطط الإنسحاب آخذ في التراجع، على المدى الاستراتيجي.
أكثر تحديدا: فإن الإنسحاب من جنوب لبنان بدا منطقيا جدا، فيما الإنسحاب من غزة أحاط به منطق محدود، بل إن خطة "الإنطواء" رافقها منطق في حده الأدنى، في ضوء عدم تلبيتها للاحتياجات الإستراتيجية لإسرائيل.
أحد الدروس الأكثر أهمية من تلك الإنسحابات أن تنفيذ أي خطة شبيهة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار بصورة مسبقة طبيعة الوقائع الميدانية التي ستسفر عنها مثل تلك الإنسحابات على المدى البعيد، وإفساح المجال لجميع الأطراف والجهات ذات العلاقة في أن تدلي بدلوها في النقاش الحاصل، وإجراء بعض العمليات والمبادرات للتأكد من جدوى تلك الإنسحابات.
على سبيل المثال: خطة الإنفصال لم تأخذ إسرائيل في حسبانها إمكانية أن يتسبب انسحابها بحدوث تغييرات جوهرية عميقة على الصعيد الفلسطيني، وبالتالي أتت النتائج معاكسة لما توقعته، ما أسفر في النهاية عن "محدودية" في تأثيرها وقدراتها على الواقع الفلسطيني.
وقد تبين لاحقا أن الغطاء الذي منحته خطة الإنفصال تمثل في توجيه ضربة عسكرية ساحقة إذا ما تم خرق أي تهدئة تتبع الإنسحاب، وهو ما يلزم تركيز قوات عسكرية كبيرة ذات قدرات تدريبية عالية، إلا أن ذلك لن يسفر بالضرورة عن تحقيق الأهداف الموضوعة سلفا، في ضوء عدم القدرة على "تقييد" حركة العدو في تجهيز ذاته وقدراته القتالية.


1. الإنسحاب من جنوب لبنان

بتاريخ 24 أيار 2000، إنسحبت إسرائيل بصورة أحادية الجانب من جنوب لبنان إلى الحدود الدولية، وبذلك تضع نهاية لوجود الجيش الإسرائيلي في منطقة الحزام الأمني اللبناني منذ أن نفذت عمليتها العسكرية "سلامة الجليل" في عام 1982.
وكانت الاعتبارات التي طرحت آنذاك لتنفيذ الإنسحاب:
1- غياب قدرات عسكرية كافية على المديين، الإستراتيجي والتكتيكي، لمواصلة القتال ضد حزب الله، الذي نجح في إيقاع إصابات قاتلة في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي، وضغوط جماهيرية هائلة داخل إسرائيل، بحيث تحول الحزام الأمني إلى "فخ" عسكري وسياسي في آن واحد للدولة.
2- إسرائيل عمدت إلى تقوية نفوذها في منطقة الحزام الأمني إلى حين إنجاز إتفاق سلام نهائي مع سوريا ولبنان( )، لكن الإخفاق والفشل الذي وصلت إليه المفاوضات مع الجانبين، والثمن الباهظ الذي اضطرت لدفعه إسرائيل جراء بقاء قواتها في لبنان، دفعها إلى إعادة صياغة وجودها دون اتفاق سياسي.
وفور تنفيذ إنسحابها من الجنوب اللبناني، توقعت إسرائيل أن يتوقف استنزافها عسكرياً وميدانياً عبر جنود الجيش الإسرائيلي من جهة، ومن جهة أخرى أن تتوقف سوريا عن استخدام تلك المنطقة كورقة مساومة، للضغط على إسرائيل من خلال حزب الله.( )
على المدى البعيد، تأملت إسرائيل أن يسفر إنسحابها عن تشكيل أداة ضغط لانسحاب القوات السورية من لبنان، وتراجع الشرعية الذي حصل عليها حزب الله لتعظيم قواته العسكرية، بحيث تصل إلى الهدف النهائي المتمثل في "تفكيك منطق المقاومة".
3- أملت إسرائيل من انسحابها آنذاك إلى تحسين موقعها على الساحة الدولية، بحيث اعتقدت أن عودتها إلى الحدود الدولية سيمنحها الشرعية اللازمة والكافية من قبل الأسرة الدولية لتوجيه ردود قاسية إذا ما ووجهت بأعمال عدائية.
وبالرغم من أن الإنسحاب أحادي الجانب منح إسرائيل ما تريده على الساحة الدولية من تضامن وتأييد، إلا أنه مس بها بصورة معاكسة على الساحة الإقليمية.
فقد تم تغطية عملية الإنسحاب بهالة إعلامية كبيرة من قبل حزب الله، حيث زعم نصر الله في حينه أن "إسرائيل تحولت منذ ذلك الوقت إلى بيت العنكبوت".( )
وبالتالي فقد اعتبرت عملية الإنسحاب في نظر أوساط واسعة من العالم العربي على أنها إنجاز حقيقي لحزب الله، الذي نجح في إجبار وإرغام إسرائيل على الإنسحاب للمرة الأولى في تاريخها بدون شروط مسبقة، ودون اتفاق دولي.
كما أن هذا الإنسحاب أدى إلى تحطم قناعة كانت سائدة في العالم العربي مؤداها أنه لا يمكن إيقاع الهزيمة بإسرائيل بوساطة القوة العسكرية، إلى جانب ما سببه ذلك من تقوية لنفوذ الإسلام السياسي، الذي يطالب بتدمير إسرائيل.
وإضافة لكل ما سبق، فإن هذا الإنسحاب منح حزب الله القدرة على إلهام الفلسطينيين بالإنطلاق نحو إشعال انتفاضة الأقصى.
ومع ذلك، فإن من الإنصاف القول أنه عقب الإنسحاب من جنوب لبنان، فقد تراجع حجم الإحتكاك بين إسرائيل وحزب الله، لكن الحزب لم يتوان لحظة واحدة في البحث عن بعض مناطق "التحرش" الموضعية، من أجل إثبات مصداقيته في الشارع اللبناني بمواصلة الكفاح المسلح، بما في ذلك اختطاف إسرائيليين، بدعوى تحرير أسرى لبنانيين محتجزين في إسرائيل.
إلى جانب مطالبته الدائمة بتحرير منطقة مزارع شبعا، والمزاعم اللبنانية حول السيادة على القرى الشيعية السبعة في منطقة الجليل.( )
وكجزء من الإستراتيجية أحادية الجانب، فقد تطلب الأمر أن تبادر إسرائيل للرد بقوة كبيرة على أي استدراج من قبل حزب الله لتغيير طبيعة الأمر الواقع الأمني القائم في تلك المنطقة، ومع ذلك فقد اتسمت ردودها بالهادئة نسبياً، وبدا لحزب الله أنه صاحب القول الفصل في تحديد طبيعة قواعد اللعبة، إلى أن حصلت حادثة اختطاف الجنديين "إلداد ريغيف، وإيهود غولدفاسر" في تموز 2006، التي انطلقت في أعقابها حرب لبنان الثانية.
جاء رد إسرائيل على حادثة الإختطاف قوياً وقاسياً، سواء من جهة الأضرار المادية التي لحقت بلبنان جراءها، للدرجة التي دفعت بنصر الله للإعلان أنه لو علم بطبيعة الرد الإسرائيلي فربما امتنع عن تنفيذ حادثة الإختطاف من البداية.
وبالتالي فقد جاء هذا التصريح من قبل نصر الله ليؤكد أن الإستراتيجية الردعية الإسرائيلية كان بإمكانها منع قيام الحرب أصلاً، لو تم استخدامها فور إتمام عملية الإنسحاب مباشرة.
لذلك فإن حجم وشدة وقسوة الضربة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله نجحت في تغيير قواعد اللعبة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لكنها في الوقت ذاته لم تقض كلياً على التهديد الاستراتيجي الماثل ضدها من تلك الجبهة، بل على العكس من ذلك، فربما أن الحرب أدت من جديد إلى تقوية تسليح وتعاظم حزب الله.
كما أن التطورات السياسية التي حصلت في لبنان عقب عملية الإنسحاب لم تأت كما توقعت إسرائيل، فقد تقوى موقع حزب الله أكثر فأكثر، إلى جانب تعاظم التأثير الإيراني على الساحة اللبنانية.
لكنها في الوقت ذاته، جاءت عملية الإنسحاب لتنزع الشرعية عن بقاء القوات السورية في الأراضي اللبنانية، وعجلت من حدوث تطورات داخلية دفعت بالسوريين للإنسحاب من لبنان في نيسان 2005، كما أملت إسرائيل، ولكن تبين لاحقاً أنها ربما تكون خطأ إسرائيل التاريخي.
اليوم، وفي أعقاب الترتيبات الأمنية المستجدة في الواقع اللبناني، هناك شكوك كبيرة إذا ما نجحت إسرائيل في جلب سوريا إلى طاولة المفاوضات، والحصول منها على ذات الضمانات التي حصلت عليها في الماضي.
ذلك أنه في الوقت الذي حدثت فيه المفاوضات السورية الإسرائيلية، فيما القوات السورية على الأراضي اللبنانية، كانت هناك احتمالية واردة بقدرة السوريين على جلب اللبنانيين إلى ذات المفاوضات.
الوضع اليوم جداً مختلف، بسبب تنامي قدرات حزب الله من جهة، وتعاظم التدخلات الإيرانية في الساحة اللبنانية من جهة أخرى.
لذلك، فإن النظرة في إسرائيل اليوم تتلخص في أنه بالرغم من أهمية وحيوية أي اتفاق سياسي مع سوريا، فإنه ما لم يشمل إيجاد حل للساحة اللبنانية، فسيبقى حلاً متواضعاً طالما أن التهديدات الواردة على إسرائيل من هذه الساحة لم تتوقف كلياً.
وبالرغم من السلبيات الكبيرة التي رافقت عملية الإنسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من لبنان، فإنها حتى اليوم تعتبر عملية عادلة ومحقة، جاءت بفعل ظروف واقع سياسي وعسكري في إسرائيل في حينه.
ومع ذلك، فقد تبين الآن أنه كان بالإمكان العمل وفق طريقة مختلفة، كانت ستجنب إسرائيل الكثير من التشويهات التي لحقت بصورتها على مستوى العالم.

2. الإنفصال عن قطاع غزة
في شهر أيلول 2005 إنسحبت إسرائيل من قطاع غزة، وقامت بإخلاء المستوطنات القائمة هناك( )، وكما الإنسحاب من جنوب لبنان، فقد جاء الإنسحاب من غزة نظراً لتحسين الواقع السياسي والأمني من خلال عملية أحادية الجانب، في ظل فترة زمنية طويلة من غياب الحل السياسي بين الجانبين.
وجاءت فكرة الإنسحاب الأحادي الجانب لتمثل الهواجس التي أحاطت بفكر النخب السياسية الإسرائيلية منذ أوائل الألفية الثالثة، التي أصيبت بخيبة الأمل والإحباط من الفلسطينيين، الذين رفضوا المقترحات "السخية" التي قدمتها حكومة "إيهود باراك"، وافتتحوا عهداً جديداً من انتفاضة الأقصى.
وبسبب ذلك، وصل الجانب الإسرائيلي إلى قناعة واستنتاج مفاده أن الجانب الفلسطيني يفتقر لأن يكون شريكاً حقيقياً للسلام.
وجاء رئيس الحكومة "أريئيل شارون" ليعزز فكرة الإنسحاب أحادي الجانب، وشاع أسمها بعنوان "خطة الإنفصال".
جاءت خطة الإنفصال لتعرض للمرة الأولى على يد شارون في مؤتمر هرتسيليا بتاريخ 18 كانون أول 2003، وأعلن تفضيله للمضي قدماً في خارطة الطريق، لكنه لن يستطيع الإنتظار طويلاً إلى أن يتقوى الفلسطينيين أكثر فأكثر، ويجدوا صيغة ما لإنهاء الصراع.
على أن يبدأ العمل خلال أشهر معدودة، بحيث يبدأ إخلاء المستوطنات بصورة فعلية، ومما جاء في أقواله: "خطة الإنفصال ستعني عملياً إعادة إنتشار جديدة لقوات الجيش الإسرائيلي، على خطوط حدودية جديدة، وتغيير في طبيعة الخارطة الإستيطانية القائمة آنذاك، بحيث نعمل على تقليل أكبر قدر ممكن من أعداد الإسرائيليين المتواجدين في أوساط السكان الفلسطينيين.
وإلى جانب ذلك، فإن الإجراءات الأمنية سيتكفل بها الجيش الإسرائيلي، من خلال الجدار الأمني حول قطاع غزة، ووسائل أمنية مادية أخرى.
وستعمل خطة الإنفصال على التقليل قدر الإمكان من الإحتكاك بيننا وبين الفلسطينيين، على أنه لن يكون من المسلّم به أن خطوط إعادة الإنتشار الإسرائيلي ستكون هي الحدود النهائية لدولة إسرائيل، ولكن طالما أن خطة خارطة الطريق لم تجد طريقها للتنفيذ، فإن الجيش الإسرائيلي سيعيد إنتشاره على طول تلك الحدود.
في المقابل، وفي إطار خطة الإنفصال، فإن إسرائيل ستعمل على تقوية سيطرتها على كل المناطق التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أراضي دولة إسرائيل في أي اتفاق سياسي مستقبلي يعقد مع الفلسطينيين.( )
المحلل العسكري "زئيف شيف" في حينه، أكد أن فكرة الإنفصال لدى رئيس الحكومة "أريئيل شارون" بدأت مع توجهه لإخلاء ثلاث مستوطنات أساسية في قطاع غزة، وهي: نتساريم، كفار دروم، موراج، وفي فترة لاحقة تطورت الأمور.( )
يقول "شيف": "حتى اليوم ليس معروفاً بعد ما الذي جعل شارون يتحول من الألف إلى الياء بصورة دراماتيكية، ويغير من نظريته الأمنية والإستراتيجية، بأن يقترح خطة "الإنفصال" من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية.
هناك بالتأكيد جملة أسباب لذلك، لكنه من الواضح أنه وصل إلى استنتاج مفاده أنه بالرغم من قدرة إسرائيل على تحقيق إنجازات حقيقية وجوهرية في حربها ضد "الإرهاب"، لكنها لن تستطيع على المدى البعيد "الإطاحة به كلياً"، من خلال الوصول معه إلى مرحلة الحسم النهائي.
كما علم شارون أيضاً أن الإحتلال يمس بصورة حقيقية بموقف إسرائيل على الساحة الدولية، ويعمل على تقويض الأسس الإجتماعية والإقتصادية للمجتمع الإسرائيلي".( )
اعتبار آخر مهم ساهم في الدفع بعملية الإنسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، هو الإعتراف بأن هذه المنطقة لها مخاطر كبيرة يمكن أن تهدد دولة إسرائيل على صعيد الحل الدائم، وبالتالي من الأفضل لإسرائيل التخلص من هذا "العبء" الأمني والديموغرافي الذي تتمسك به.
وجاء هذا الإعتبار من عدة منطلقات هامة:
1- التراجع الديموغرافي اليهودي في قطاع غزة كان أكيداً ومحتماً، حيث وصلت نسبة السكان اليهود في القطاع إلى 0.6% فقط، من إجمالي السكان الفلسطينيين عموماً، وبالتالي فقد جاء تمركز التجمعات الإستيطانية الكبيرة وسط تكتلين سكانيين عربيين كبيرين، ليؤكد حتمية عدم قدرة السكان اليهود على تحقيق أغلبية عددية بحال من الأحوال في المستقبل.
2- الإرتباط التاريخي لدولة إسرائيل تجاه قطاع غزة أقل بكثير من ارتباطها في مناطق الضفة الغربية، مما عزز حصول ما يمكن أن يسمى "إجماعاً" داخل المجتمع الإسرائيلي على الإنسحاب من ذلك الشريط الساحلي.
3- في هذه المنطقة، تمتلك إسرائيل القدرة الميدانية على تفعيل قوتها العسكرية من الخارج، بسبب حدوده الجغرافية المحدودة، وإمكانية الإحاطة بها كلياً.
4- قطاع غزة جلب من إسرائيل ثمناً بشرياً كبيراً، فمنذ عام 1967 قتل في القطاع 230 إسرائيليا.( )
وقد نجحت خطة الإنفصال والإنسحاب من قطاع غزة في المرور بسلاسة في الأوساط الحكومية والأمنية، وجاء مصطلح "الإنفصال" ليحل محل المصطلح الذي عبر عن أزمة وهزيمة "الإنسحاب أحادي الجانب".
وأشار هذا المصطلح إلى أن إسرائيل هي صاحبة المبادرة، وهي التي انسحبت طواعية بفعل الضغوط التي واكبت بقاءها هناك، وبسبب المسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتقها إذا ما استمرت في المكوث في تلك المنطقة.
وبذلك نجح معدو الخطة في التسويق لها والترويج داخل النخب الإسرائيلية بصورة عامة تقريباً، للدرجة التي وصل الإجماع الإسرائيلي حولها داخل المجتمع الإسرائيلي مستوى أرضى ما تحمس لها واندفع نحو تطبيقها.
     علماً بأن المستوى السياسي الإسرائيلي رفع سقف توقعاته العالية من آثار وتبعات تطبيق خطة الإنفصال، ففي خطاب له أمام المركز الإسرائيلي للإدارة بتاريخ 29 أيلول 2005، قال رئيس الحكومة "شارون":
عنوان مؤتمركم اليوم هو: "قرارات بإمكانها تغيير وجهة التاريخ"، وأنا ممن تمكن من الإطلاع على عدد من القرارات التاريخية في بعض الحوادث المفصلية في تاريخنا القصير هذا، أريد أن أقول لكم أن هذا العنوان صحيح، وخصوصاً في قرار المبادرة إلى تطبيق خطة الإنفصال عن غزة، وهي الخطة التي جاءت لحماية المصالح الحيوية لدولة إسرائيل.
إن تطبيق خطة الإنفصال عن غزة جاء في إطار محاربتنا الصارمة "للإرهاب" على كافة الأصعدة، وفي مختلف المستويات، وبالتالي فإن وضع إسرائيل السياسي قد طرأ عليه تحسن ملموس منذ الإعلان عن تنفيذ الخطة.
فقد تراجع إلى حد ما مستوى "الإرهاب" الذي كان يهددنا، ونجحنا في رفع مستوى الأمن لمواطني الدولة، كما أن الأوساط الدولية والعالمية باتت ترى في تطبيق خطة الإنفصال، خطوة من شأنها تعزيز الإستقرار في المنطقة، أمنياً واقتصادياً، ما يعني عملياً الإرتقاء بالإقتصاد الإسرائيلي، وتنامي نصيب الإستثمارات الأجنبية فيه.( )
فيما أوضح منسق خطة الإنفصال في مكتب رئيس الحكومة، الجنرال متقاعد "عيفال جلعادي": قررنا وضع نهاية لحقيقة كانت قائمة تتمثل في أن الزعامات الفلسطينية هي التي تقرر لنا جدول أعمالنا المستقبلي، فبعد عشر سنوات على المفاوضات في صيغة إتفاق أوسلو، وأكثر من ثلاث سنوات على القتال، تسببت في وقوع ضحايا كثر، قررنا المضي قدماً في خطة الإنفصال.
جدير بالقول أننا لو واصلنا البقاء في غزة، دون القيام بالإنسحاب أحادي الجانب، فإن المفاوضات ستبقى بدون معنى ولا جدوى، وبعد مرور سنوات طويلة لن نتوصل إلى نتائج ذات مغزى.( )
ولكن: كيف تلقّى الفلسطينيون خطة الإنفصال الإسرائيلية عنهم؟ لقد كانت الصورة في الجانب الفلسطيني مختلفة كلياً عما كان عليه الوضع في الجانب الإسرائيلي.
ففور الإعلان عن خطة الإنفصال، بارك الفلسطينيون هذه الخطوة، ورأوا في الإنسحاب من غزة مؤشرا على انتصار نهج الإنتفاضة، ومع ذلك، فقد نظروا إلى الخطة نظرة ملؤها الشك، وعبروا عن تخوفهم الشديد من إمكانية توقف مسيرة الإنسحابات الأخرى من مناطق تالية، باعتبار أن الإنسحاب الإسرائيلي سيكون من قطاع غزة مرة واحدة وللأبد، ولن يتلوه إنسحاب آخر، وأن القطاع سيتحول فور الإنسحاب الإسرائيلي منه إلى سجن كبير.
ففي استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للأبحاث السياسية والمسحية في شهر آذار 2004، في أوساط 1320 فلسطينياً في ما يقرب من 120 منطقة تجمع سكني في غزة والضفة، جاءت النتائج كالتالي:
- أجاب 42% من المستطلعة آراؤهم أن الإنسحاب الإسرائيلي من غزة سيعمل على تراجع نسبة تحقيق السلام.
- 23% قالوا بأن خطة الإنفصال سترفع من إمكانية تحقيق اتفاق السلام.
- 35% أعربوا عن عدم معرفتهم بالنتيجة المتوقعة للخطة.( )
ومع ذلك، فقد جاءت خطة الإنفصال لتفتح "شهية" الفلسطينيين، كما حصل في مزاعم حزب الله بعد الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، وما تبقى من مزارع شبعا في الجولان، والقرى الشيعية السبعة في الجليل، حيث عثر الفلسطينيون على بعض نقاط الإحتكاك مع إسرائيل حول قطاع غزة.
وعشية تطبيق خطة الإنفصال، إدّعى محمود عباس أنه بعد استكمال الإنسحاب الإسرائيلي من غزة، فستبقى إسرائيل محتلة لبعض المناطق الفلسطينية شمال قطاع غزة وشرقه.
المقصود هنا تلك المناطق المحيطة بالخط الحدودي المتفق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1949 في اتفاقية رودس بين إسرائيل ومصر، لكنها وصلت للسيطرة الإسرائيلية بعد عام واحد فقط من الاتفاق، ضمن اتفاق تبادل الأراضي.( )
وبالتالي، فقد جاءت خطة الإنفصال عن الفلسطينيين، وما تلاها من أحداث بعكس توقعات وآمال إسرائيل التي أعلنت عنها قبيل تنفيذ الخطة، وفقاً للتطورات التالية:
1- فوز حركة حماس في الإنتخابات البرلمانية، وسيطرتها على قطاع غزة، أوجد ظرفاً سياسياً جديداً، عمل على تعقيد الواقع الفلسطيني.
ففي أعقاب الإنفصال، وقع قطاع غزة تحت سيطرة قوة معادية مدعومة من قبل إيران، وبات الفلسطينيون موجودين في قلب حدود أربعة كلها مختلفة، ومتناقضة على النحو التالي:
أ‌- مواطني إسرائيل من اليهود
ب‌- سكان القطاع "المستقلين" تحت سيطرة حماس
ت‌- الفلسطينيون الواقعين تحت سيطرة إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية
ث‌- الفلسطينيون المنتشرين في شتى بقاع الأرض، ممن ما زالوا يطالبون بـ"حق العودة" لإسرائيل
2- كبديل عن تواصل الإحتكاكات الداخلية بين الفلسطينيين أنفسهم في قطاع غزة، فقد لجأوا إلى رفع مستوى المناوشات والتحرشات مع إسرائيل، من خلال مواصلة إطلاق الصواريخ والقذائف باتجاه المدن الإسرائيلية.
وقد ساهم في ارتفاع حدة هذه الصواريخ حجم التهريبات المتنامي للأسلحة من خلال الأنفاق، التي تتدفق من خلالها مختلف الأنواع والأصناف عبر محور فيلادلفيا.
3- هذا الواقع السياسي الجديد عمل على خلط الأوراق في إطار المفاوضات السياسية من جديد، لاسيما ما كان قائماً وإلى عهد قريب حول الوحدة الجغرافية القائمة بين قطاع غزة والضفة الغربية.


3. الفروقات بين الإنسحاب من قطاع غزة والإنسحاب من جنوب لبنان

كما أن الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان احتوى على سلبيات غاية في الخطورة غير قليلة، فإنها اشتملت على إيجابيات ليس بالإمكان إخفاؤها، ربما تفوق إيجابيات ما حصل بعد الإنسحاب من قطاع غزة.
ولذلك، فإن المقارنة بين عمليتي الإنسحاب من كلا المنطقتين، ستشير حتما إلى الضعف الشديد الذي ألم بخطة الإنفصال من خلال الشواهد التالية:
1- في عملية الإنسحاب من جنوب لبنان، عادت إسرائيل إلى خطوط الحدود الدولية، وبذلك اقترب النزاع القائم بين كلا الدولتين من أن يصل إلى نهايته، على الأقل في نظر المجتمع الدولي، لكن الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة جاء إلى حدود الخطوط الدولية من جبهة واحدة فقط.
وبالتالي، وإن كان الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان قد عمل على إضعاف الشرعية التي يتسلح بها حزب الله لمواصلة قتاله ضد إسرائيل، فإن الإنفصال عن غزة على العكس من ذلك، لم يضعف شرعية الفلسطينيين لمواصلة حربهم ضد إسرائيل.
2- عند انسحاب إسرائيل من لبنان، بقيت تلك الأراضي تحت سيطرة دولة سيادية، تقيم اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، بالرغم من حالة الضعف التي تعتريها وعدم قدرتها على فرض سلطتها المركزية، إلا أن إسرائيل حين انسحبت من قطاع غزة فقد تركت أراضيه تحت سيطرة مراكز القوى الفاعلة فيها، دون أن تكون لها كيانا سياسيا قائما بذاته، منفصل عن إسرائيل، لاسيما في ضوء الترابط العضوي في الموضوع الاقتصادي بين قطاع غزة وإسرائيل، وبدون توقيع اتفاق أمني بين الجانبين.
3- خلال انسحابها من جنوب لبنان، لم تتنازل إسرائيل كليا عن أوراق التفاوض والمساومة في المستقبل، في المقابل وجدنا انكسارا واضحا في موقف إسرائيل السياسي عند تطبيقها خطة الإنفصال عن قطاع غزة، ما شكل سوابق تاريخية في التفاوض مع الفلسطينيين.
وخلال خطة الإنفصال انسحبت إسرائيل كليا كاملا من قطاع غزة، بدون شرط ومقابل، علما بأنه كان بالإمكان الإنسحاب من هذا الشريط الساحلي خلال مفاوضات مع الفلسطينيين نحصل فيها على بعض الأوراق.
وبدلا من ذلك، ذهبت إسرائيل وقامت بإخلاء وتدمير المستوطنات اليهودية، وهو ما اعتبر سابقة تاريخية حقيقية على الصعيد الفلسطيني، وانسحبت من قطاع غزة بدون اتفاق يذكر مع الفلسطينيين.
4- الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان جاء ملائما لمصالح الدول المعتدلة في العالم العربي، لكن خطة الإنفصال عن غزة جاءت كما لو كانت عملية معادية، تسببت بـ:انقطاع أواصر العملية السياسية، إلقاء قطاع غزة ومشاكله إلى مصر، وإمكانية القيام بذات العملية في الضفة الغربية، ما سيثقل بدوره على الأردن.
5- الإنسحاب من لبنان جاء بناء على ضغوط داخلية كثيفة من قبل الجمهور الإسرائيلي، بسبب الإخفاق والفشل العسكري أمام حزب الله في منطقة الحزام الأمني، فيما جاءت خطة الإنفصال بمبادرة من المستوى السياسي الإسرائيلي، لاسيما في أعقاب نجاح إسرائيل في "تحطيم" سلسلة الهجمات "الإرهابية" التي شنت عليها من قبل الفلسطينيين خلال عملية "السور الواقي" في الضفة الغربية، والإحباطات الأمنية التي تلتها هناك.
الأمر الواقع الآن، أن هذه الإنجازات والنجاحات الأمنية والعسكرية تلاشت تقريبا الآن بعد تنفيذ خطة الإنفصال عن قطاع غزة.

4. خطة الإنطواء
التطبيق السريع لخطة الإنفصال خلق توقعات داخل إسرائيل، وفي أوساط أجنبية، بأن هذه الخطوة سيتلوها خطوات مماثلة من قبل إسرائيل في أماكن أخرى.
ففي يوم دراسي عقده معهد رئوت أقامه المركز المتعدد المجالات في هرتسيليا بتاريخ 27 سبتمبر أيلول 2005، تطرق "أيال أراد" المستشار الإستراتيجي لرئيس الحكومة، للسؤال المركزي الذي تطرق إليه اليوم الدراسي وهو: هل أن خطة الإنفصال كانت عملية لمرة واحدة أم إستراتيجية دائمة؟
"أراد" قال: إذا ما تبين لنا على المدى الطويل أن الجمود السياسي سيبقى على حاله، بالرغم من أن الوضع السياسي أفضل لإسرائيل، وأكثر راحة، فربما نبحث في مسألة أن تكون خطة الإنفصال إستراتيجية إسرائيلية دائمة، وبالتالي تقوم إسرائيل بترسيم حدودها بصورة منفردة.
في رده على ذلك، أوضح ديوان رئيس الحكومة في حينه: أن موقف رئيس الوزراء عقب استكمال تطبيق خطة الإنفصال، أن إسرائيل ستعمل على دعم العمل السياسية، حسب خطة خارطة الطريق فقط.
وبالتالي، فإن أي تغيير ميداني وجغرافي قد يطرأ على أي من المناطق سيبحث فقط في إطار المباحثات السياسية عند مناقشة قضايا الحل النهائي.
وإلى حين أن نصل تلك المرحلة، إذا ما وصلنا فعلاً، فلن تكون هناك أي عمليات وخطوات أحادية الجانب ميدانية إضافية من قبل إسرائيل.
في ديوان "شارون" أشاروا إلى عدم وجود منطق مقنع- سياسي أم حزبي- للخروج الآن بمبادرة سياسية جديدة، تتضمن إنسحاباً من المناطق، فيما جاءت خطة الإنفصال أصلاً لمعالجة الوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أن يطرأ تغيير ما يذكر على الفلسطينيين.( )
الإجماع الواسع في أوساط الإسرائيليين حول الإنفصال عن قطاع غزة، لم يتحقق مثله بالنسبة لتطبيق الخطة في الضفة الغربية، فمن خلال استطلاع أجراه "مؤشر السلام" بتاريخ 1 أيلول 2005 التابع لمركز "تامي شتاينميتس" لأبحاث السلام في جامعة تل أبيب( ) جاءت النتائج على النحو التالي:
1- 71.5% من الجمهور اليهودي في إسرائيل أبدى اعتقاده بأن الإنفصال عن قطاع غزة يعتبر خطوة تمهيدية أولى في الطريق إلى إخلاء واسع للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، كجزء من اتفاق سياسي مع السلطة الفلسطينية.
2- 15.8% من المستطلعة آراؤهم لم يتوقعوا أن تحدث إنسحابات أخرى إضافية، فيما قال 12.7% أنهم لا يعرفون بالضبط ما الذي تنوي الحكومة فعله في المستقبل.
3- في إجابة على سؤال: ما رأيك في إخلاء واسع لمستوطنات يهودية في الضفة الغربية، قال 34.3% أنه سيدعمون ذلك شرط أن يكون ضمن إتفاق سلام مع الفلسطينيين، و13.5% قالوا أنهم سيؤيدون الخطوة حتى لو كانت جزءاً من الإنسحاب أحادي الجانب.
4- 41.8% من اليهود في إسرائيل أبدوا رفضهم القاطع لأي إخلاء إسرائيلي لمستوطنات في الضفة تحت أي شرط من الشروط، فيما قال المتبقين أنهم لا يعرفون.( )
وبعد نقل صلاحيات رئيس الحكومة "شارون" –لأسباب دراماتيكية- إلى أيدي القائم بأعماله "إيهود أولمرت"، أعلن هذا عن إطلاق خطته السياسية الجديدة "الإنطواء".
حسب هذه الخطة: فقد كانت إسرائيل بصدد إخلاء حوالي 60 تجمعاً إستيطانياً بصورة أحادية الجانب، وبموجب الخطة كان يفترض أن تعود إسرائيل إلى حدود العام 1967 تقريباً، بحيث تبقي تحت سيطرتها ما يقرب من 7% فقط من أراضي الضفة الغربية.( )
وقد بدت خطة الإنطواء في قلب الحملة الإنتخابية لحزب كاديما الذي فاز في انتخابات عام 2006.
وفي الجزء الأول من حرب لبنان الثانية عام 2006، أعلن "أولمرت" أن الحرب ستقدم "رافعة" لتطبيق الخطة، لكنه عاد وأعلن بصورة مفاجئة تعليق الخطة كلياً.
ومع ذلك، فإن مجرد طرح فكرة الإنفصال عن الفلسطينيين بصورة أحادية وبدون توقيع اتفاق سلام، أثر كثيراً على الشارع السياسي الإسرائيلي، إلا أن الغريب أن هذه الفكرة على أهميتها لم يتم طرحها كلياً في الإنتخابات البرلمانية لعام 2009، مع أنها عملت بقوة على إحداث تغيير جوهري في الخارطة الحزبية الإسرائيلية.
علما بأن المسوغات التي طرحت لترويج خطة الإنطواء كانت شبيهة إلى حد كبير بما طرح إبان تنفيذ الإنسحابات السابقة، وهي:
1- محاولة خلق واقع سياسي أمني جديد من طرف واحد، بعد الإخفاق في التوصل لتسويات سياسية.
2- العمل على ترسيم حدود إسرائيل النهائية من جانب واحد بدون اتفاق سياسي.
3- الإبتعاد قدر الإمكان عن مناطق الإحتكاك بين إسرائيل والفلسطينيين، ومن خلال ذلك تقليص عدد الضحايا البشرية والتكاليف الأمنية.
4- العمل على تحسين وضع إسرائيل السياسي على الساحة الدولية.

5. الفروقات بين خطتي الإنفصال والإنطواء

إن القيام بأي عملية مقارنة بين الخطتين السياسيتين، الإنفصال والإنطواء، يظهر لنا أن الحجج المنطقية المحدودة التي تم سوقها لتبرير خطة الإنفصال عن قطاع غزة، لم يعثر عليها بتاتاً في خطة الإنطواء في الضفة الغربية، وهي على النحو التالي:
1- الأهمية الإستراتيجية للضفة الغربية تفوق أضعافاً مضاعفة أهمية قطاع غزة، بسبب موقعها الجغرافي وسط البلاد، واتساع مساحتها المكانية، وإطلالها على جملة من التضاريس الحيوية في تلك المناطق، كسلسلة الجبال، وغور الأردن.
وبالتالي فإن التهديد العسكري الذي قد يأتي من الضفة الغربية باتجاه إسرائيل، وما يتعلق به من صعوبة في تفعيل قوات الجيش، بعد الإنسحاب من هناك، تبدو أكثر صعوبة مما هو عليه الحال في قطاع غزة.
2- الإستيطان اليهودي القائم في الضفة الغربية أكبر بكثير من البناء القائم في قطاع غزة، وهناك صلات تاريخية ودينية وثيقة بين بعض مناطق الضفة الغربية، مثل الخليل، وبين إسرائيل.
وبالتالي فإن الإقدام على إخلاء مثل تلك المستوطنات قد يعمل على إحداث "شرخ" داخلي ومواجهات داخلية في الأوساط اليهودية، أكثر مما حصل عند إخلاء المستوطنات في قطاع غزة.
3- أراضي الضفة الغربية تمثل أهمية حيوية لإسرائيل، من خلال اعتبارها ورقة تفاوض ومساومة في المفاوضات مع الفلسطينيين حول قضايا الحل النهائي، وقد تنامت أهميتها في هذا المجال بالذات بعد الإنسحاب من قطاع غزة.
4- خطة الإنطواء لم تتضمن عملياً إنسحاباً إلى الحدود الدولية، ولا حتى إنسحاباً كاملاً لقوات الأمن، وإنما إخلاء للمستوطنات، كما حصل في إخلاء أربع مستوطنات شمال الضفة الغربية ضمن خطة الإنفصال، علماً بأن أهمية المنطقة الأمنية هنا تختلف عن أهميتها في قطاع غزة، حيث قامت إسرائيل بإخلاء نهائي وكامل لمستوطناتها هناك.
وبالتالي فإن خطة الإنطواء حتى لو أفسح لها المجال، وسمح بتطبيقها عملياً، فإنها لن تشكل حلاً نهائياً للصراع مع الفلسطينيين من جهة، ومن جهة أخرى، فإنها لن تقدم لإسرائيل إجابات كافية ومكاسب سياسية كبيرة على الساحة الدولية، على الأقل في ضوء الثمن الباهظ التي ستضطر لدفعه على الصعيد الداخلي.

6. الخلاصات

بدا واضحاً بعد هذا الإستعراض أن هناك فروقاً وفجوات واسعة بين ما توقعه المستوى السياسي، وما تأمله الجمهور الإسرائيلي، في إستراتيجية الإنسحاب أحادي الجانب، وبين النتائج الفعلية على الأرض، وإليكم تفاصيل ما حدث:

التوقعات والآمال
الواقع الميداني
تحسين وضع وموقف إسرائيل على الساحة الدولية، في أعقاب الإنسحابات من جنوب لبنان وقطاع غزة.
الإنسحابات قدمت فوائد جليلة لإسرائيل على الصعيد الدولي، حيث تمتعت بشرعية دولية واسعة، حتى بعد أن بدأت المراحل الأولى من القتال في لبنان وقطاع غزة، ومع ذلك فقد بدا مؤخراً كما لو أن هذا الغطاء الدولي آخذ في النفاذ.
الإنسحابات ستعمل على خلق واقع سياسي جديد يدفع إلى الأمام العملية السياسية.
الإنسحابات خلقت فعلاً واقعاً جديداً، تمثل بصورة واضحة في اتساع رقعة أولئك المعارضين لعملية التسوية في المنطقة.
الإنسحابات ستحد إلى حد كبير أي احتكاكات بين إسرائيل وخصومها في تلك المناطق التي انسحبت منها.
كبديل عن واقع الاحتكاك الميداني الدائم، فقد حصل تطور ملموس لدى الخصوم في القدرات التسليحية، خاصة الصاروخية، كما اضطرت إسرائيل للعودة لتلك المناطق، والقتال هناك بضراوة شديدة.
الإنسحابات ستعمل على "تخفيض" الشرعية الممنوحة لأي أعمال عدائية ضد إسرائيل من المناطق التي انسحبت منها.
الإنسحاب من جنوب لبنان خفضت فعلاً من سقف الشرعية الممنوحة لأي أعمال ضد إسرائيل، لكن حزب الله عثر على بعض نقاط الإحتكاك الجديدة. فيما جاء الإنسحاب من غزة دون أن ينتقص من الشرعية المطلوبة لتوجيه أعمال عدائية ضد إسرائيل.
الإنسحابات ستعمل إلى حد كبير على تقليص الشرعية لإقامة قوات أمنية مسلحة في المناطق التي تم الإنسحاب منها، طالما أنه لا توجد فيها أهداف إسرائيلية.
وسيكون كل من حزب الله وحماس مشغولين أكثر في التحديات السياسية والمحلية.
بعد الإنسحابات تقوت فعلاً قدرات حزب الله وحماس العسكرية، لاسيما تلك القدرات الصاروخية، سواء الزيادة الكمية والعددية، أم النوعية ودقة الإصابة.
ورغم انشغال حزب الله وحماس في المسائل الحكومية، فإنهما أبديا رغبة جامحة في التقوي عسكرياً.
قدرات الجيش، والتحذيرات التي أطلقتها إسرائيل، والشرعية التي منحت إياها للعمل إنطلاقاً من الحدود الدولية، ستساعد على ردع العدو من العمل ضدها.
الأداء في كلا الجبهتين، لبنان وغزة، لم يرتدعا.
إسرائيل سوف ترد بقوة عسكرية شديدة، إذا ما تبين لها فشل الردع الذي تمنته، خاصة إذا ما نشأت في المناطق التي انسحبت منها تهديدات إستراتيجية، أو انطلقت منها عمليات عسكرية ضد إسرائيل.
إسرائيل لم تنفذ تهديداتها إلى حين اندلاع حرب لبنان الثانية، وعملية الرصاص المسكوب في غزة.
حتى لو خرجت تهديدات من المناطق التي انسحبت منها إسرائيل، فإن الجيش الإسرائيلي يمتلك القدرة على تفعيل "النيران المضادة" عن بعد، لمعالجة المشاكل الأمنية الناشئة دون الحاجة لعملية عسكرية برية.
القدرة على تفعيل "النيران المضادة" للجيش الإسرائيلي لم توفر إنجازات كافية، حيث تبين لاحقاً أن العملية البرية حيوية، لكن تنفيذها اعتراه صعوبات جمة، ونتائجها كانت محدودة.
سكان المستوطنات التي تم إخلاؤها من قطاع غزة، سيتم إسكانهم في تجمعات سكانية جديدة في جنوب البلاد، ومساكن أخرى قديمة.
عملية إسكان المستوطنين رافقتها إخفاقات كارثية، والعديد منهم لم يعثروا على مسكن ملائم حتى أيار 2009.
الإنسحابات من تلك المناطق المخلاة ستحول دون المس بالمدنيين من طرف الخصم.
في كلا المعركتين اللتين وقعتا، لبنان وغزة، قامت إسرائيل باستهداف مباشر للمناطق السكنية المدنية، بسبب طبيعة القتال الذي أبداه العدو.

في نهاية الأمر، فقد تسببت الإنسحابات أحادية الجانب التي قامت بها إسرائيل بـ"ورطة إستراتيجية"، وأضرار فادحة في المجالات التالية:
1- في كلا الجبهتين اللتين انسحبت منهما إسرائيل، لبنان وغزة، تنامت التهديدات الأمنية والإستراتيجية على إسرائيل، ففي حين كان قطاع غزة قبل الإنسحاب الإسرائيلي منه جبهة "ثانوية" في المواجهة العسكرية مع إسرائيل، جاءت عملية "الرصاص المسكوب" لتثبت أن هذه الجبهة تحولت بعد الإنسحاب إلى ساحة شديدة الإضرار بإسرائيل، وفي البيئة المحيطة بها.
2- الإنسحابات الميدانية أضرت كثيراً بالصورة النمطية لإسرائيل، كما أنها لم تمنحها الفرصة المواتية للوصول إلى مرحلة الحسم النهائي بواسطة القوة العسكرية.
كما أن هذه الإنسحابات أدت إلى تقوية التيار الراديكالي في العالم العربي المطالب بإبادة إسرائيل، علماً بأن الإضرار بصورة إسرائيل جاء عقب تنفيذ خطة الإنفصال عن قطاع غزة، أكثر مما حصل عقب الإنسحاب من جنوب لبنان، لأن ما حصل في غزة شكل سابقة تاريخية تمثل بقيام إسرائيل بـ"تدمير تجمعات استيطانية قامت ببنائها بأيديها"، دون أن تحصل على أي مقابل من الطرف العربي، كما أن إخلاء المستوطنات من قطاع غزة لم يرد أصلاً في اتفاقات أوسلو.
3- إستراتيجية الإنسحاب أحادي الجانب، وتنفيذها في أكثر من جبهة، عمل على تقوية صورة المواجهة والنضال الشيعي والفلسطيني ضد إسرائيل، وما يتضمنه من قيم ومفاهيم: المعاناة، التضحية، قوة الموقف، المقاومة، والالتصاق بالأرض.
كما جاءت الإنسحابات أحادية الجانب لتمنح المعسكر المتطرف في الجانب العربي أن في قدرته أن يحقق إنجازات ميدانية دون الحاجة لإجراء مفاوضات، الأمر الذي كانت تباهي به الأطراف البراغماتية المعتدلة في العالم العربي.
4- الإنسحابات أحادية الجانب التي قامت بها إسرائيل، لم توفر الظروف المناسبة والشروط الملائمة لإسرائيل، ولم تمنحها مزيداً من الخيارات السياسية المحسنة، على العكس من ذلك، فقد أضرت هذه العمليات كثيرا في تقديم جدول أعمال سياسي جيد لصالح إسرائيل.
5- خطة الإنفصال عن غزة تحديدا، منحت إضافة نوعية تمثلت في "تدويل الصراع"، بمعنى أنها رفعت من سقف تورط وتدخل الدول الأجنبية والأجسام الدولية في النزاع القائم.
ومع ذلك، فإنه يمكن العثور على بعض الإيجابيات في هذا التدخل، لاسيما في المجالات الإنسانية، لكن ذلك يجب ألا يلغي حجم السلبيات المحيطة بها، خاصة ما يتعلق بتنامي المواقف السياسية في النزاع القائم.
6- الإنسحابات أحادية الجانب التي قامت بها إسرائيل، تركت رعاية مصالحها الأمنية بيد الآخرين، كما حصل في مسألة إقامة الجهاز المكلف بوقف ظاهرة تهريب الأسلحة، والترتيبات الأمنية في قطاع غزة، التي كان من المفترض أن تقوم بها إسرائيل في المفاوضات الثنائية.
7- داخل الجبهة الإسرائيلية، فإن الإنسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة جبا من إسرائيل ثمناً إجتماعياً باهظاً، وتكلفة اقتصادية أكثر كلفة.
السؤال الكبير هنا: لماذا لم توفر إستراتيجية الإنسحاب أحادي الجانب التوقعات المأمولة منها؟ هنا يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط الأساسية اللازمة في النقاش، والتقديرات، والأفكار الخاطئة التي رافقت تنفيذ الخطة من بداياتها الأولى:
1- لم يكن مفهوماً في إسرائيل حينها طبيعة التقدير الذي جعلها تفكر في أن خطوة إسرائيلية من هذا النوع ستؤدي إلى تغيير عميق كبير في طبيعة الواقع السياسي والأمني في المنطقة التي ستخلي قواتها منها، وفي باقي البيئة الإستراتيجية المحيطة بها؟
وهنا يمكن الإشارة إلى سلسلة من الوقائع الميدانية المستجدة التي تبعت خطط الإنسحاب من غزة ولبنان، ومنها: تنامي قوة حماس في غزة، تعاظم معسكر إيران وحزب الله في لبنان، وفي نهاية الأمر اتساع نفوذ المحور المتطرف في المنطقة. 
2- كانت هناك فرضية خاطئة أشارت إلى أن هذه الإنسحابات ستعمل على سحب البساط من تحت أقدام الخصوم، إلا أن الواقع المستجد اليوم أشار إلى أن هذه الخطوات منحت الخصوم مزيداً من نقاط الإحتكاك الجديدة بعد الإنسحاب.
3- الإستخدام الإسرائيلي الجديد لمفردات "الإنفصال والإنطواء" بديلاً لمصطلح الإنسحاب أحادي الجانب، جاء منطلقاً من مقارنة خاطئة هدفت للإيحاء بأن إسرائيل تحدد مصيرها بيدها بصورة أحادية الجانب، وتجاهل كلي للطرف الآخر ودون انتباه له.
4- الفرضية التي شاعت آنذاك بأن الإخلاء أحادي الجانب من مناطق لا تتوقع منها إسرائيل أن تحصل على مقابل تفاوضي أمامها، يعتبر أمراً مناقضاً لأبسط مبادئ التفاوض، لأن ذلك سيحرم إسرائيل من "كنوز" تفاوضية سيكون الجانب الآخر بحاجة ماسة لها.
وجاءت خطة الإنطواء لتحرم إسرائيل كليا من أي أوراق تفاوضية كافية حول الحل النهائي.
5- الإعتبارات التي برزت آنذاك حول أن خطة الإنفصال التي ستطبقها إسرائيل ستزيل من أمامها التهديدات الديموغرافية  الفلسطينية، وما يشمله ذلك من تهديد لبقاء إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية.
علماً بأن التهديد الديموغرافي في حينه رفع في وجه الجمهور الإسرائيلي كأحد الإعتبارات والمعايير المركزية الأساسية والمحفزة باتجاه إثبات مصداقية الإنفصال عن الفلسطينيين. 
6- الردع الإسرائيلي لم يجد طريقه فعلاً نحو التنفيذ على أرض الواقع، فقد أثبتت الأحداث أنه بعد الإنسحابات التي وقعت لم يكن هناك إثبات فعلي لإعلانات إسرائيل بأنها سترد بصورة عنيفة وفورية ضد أي أعمال عدائية، وتطورات تهديدية ضدها من المناطق التي انسحبت منها، فيما واصل العدو تنمية قواته وتحدياته أمام إسرائيل.
في نهاية الأمر، اضطرت إسرائيل لتنفيذ تهديداتها الردعية خلال حرب لبنان الثانية، وعملية الرصاص المسكوب، وفيهما دفعت أثماناً باهظة ثقيلة.

7. الخاتمة
تبين لنا أخيراً أن المنطق الذي كان يحفز الإنسحابات الإسرائيلية أحادية الجانب بين الحين والآخر، آخذ في التراجع رويداً رويداً: ففي حين أن الإنسحاب من جنوب لبنان صاحبه منطق قوي ومقنع، فإن الإنسحاب من غزة كان منطقه أقل وأخف، فيما رافق خطة الإنطواء قناعات ضحلة غير مقنعة للكثيرين.
وفي هذا الخصوص قال رئيس الدولة "شمعون بيريس": لو كانت خطة الإنفصال عن غزة ناجحة فعلاً، لكنا قد كررناها في الضفة الغربية.( )
وكجزء من الإستراتيجية أحادية الجانب، فقد كانت إسرائيل ملزمة بالرد الفوري والعنيف جداً على أي تحرش بها، وخرق سافر للواقع الأمني القائم في المناطق التي انسحبت منها، لكن ذلك لم يحصل أيضاً.
فقد كانت ردودها على تلك الحوادث واقعية إلى حد ما، إلى أن اندلعت حرب لبنان الثانية في شهر يوليو 2006، وعملية "الرصاص المسكوب" في قطاع غزة في شهري ديسمبر 2008 ويناير 2009.
ففي كلتا الحربين وجهت إسرائيل ضربات قوية موجعة للخصوم، لكنها في ذات الوقت لم تنجح في تغيير طبيعة التطلعات التي رافقت أعداءها في كلتا المنطقتين لمزيد من التقوي، بل إن التهديد الإستراتيجي القادم من جبهتيهما ما زال قائماً في وجه إسرائيل.
وبالنسبة للمستقبل القريب المنظور، فلا نجد مبرراً أبداً للخوض من جديد في عمليات إنسحاب أحادية الجانب، ومع هذا يمكن لإسرائيل أن تتحدث عن هذه الخطوات المفترضة كجزء من "التكتيك والمناورة" ليس أكثر، ونرى بديلاً عن ذلك أن الطريقة المثلى لإخلاء تلك المناطق هي أن تكون وفق اتفاق سياسي مستقر فقط، يعمل على تأمين مصالح إسرائيل الأمنية على المدى البعيد.
18 ) موقع واللا الإخباري، 28 أكتوبر 2008


 

2009-06-23 11:00:27 | 2138 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية