التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد الخامس - شتاء 2004





من واقع الأزمة ولدت "وثيقة جنيف" لتقول أن ثمّة حلا ما بين تعنّت اليمن الصهيوني المتطرّف، وخيار المقاومة والانتفاضة  الفلسطينية وهو العودة إلى طاولة المفاوضات على قاعدة مبادئ هذه الوثيقة التي نسفت الكثير من مبادئ التسوية القائمة منذ مدريد وحتّى الآن وعلى رأي هذه المبادئ عودة اللاجئين وقضية القدس اللتان كانتا وفقاً لمبادئ مؤتمر مدريد من القضايا المؤجّلة إلى ما يسمّى بمفاوضات الحل النهائي. 

وبعيداً عن الغوص في تفاصيل المبادئ التي تقوم الوثيقة على أساسها فإن الجانب الإسرائيلي غير الرسمي  الذي وقع على الوثيقة وجد فيها نصراً هاماً وحيوياً يمكن أن يسوقه في بازار السياسة الداخلية الإسرائيلية، في حين وجد الجانب الفلسطيني الموقع على الوثيقة، والذي يتمتّع بغطاء سياسي وتنظيمي رسمي، في مبادئ الوثيقة ما يمكن  تسويقه والمناورة على أساسه فلسطينياً وإسرائيلياً ودولياً بدافع  الرغبة في الخروج من الواقع والرغبة في ابتداع ما يمكن وصفه بالحل الممكن  للجميع، وعلى قاعدة أن الانتفاضة والمقاومة المسلّحة بنظر هؤلاء قد وصلت إلى الطريق المسدود فلسطينياً شأنها شأن الخيارات العسكرية لحكومة شارون. 

وبناء على ذلك، يمكن القول إن  "وثيقة جنيف" هي مشروع انتخابي لليسار الإسرائيلي في الانتخابات المقبلة موجّه ضد مشروع شارون وحكومته إسرائيلياً وضد المقاومة والانتفاضة ومشروعها السياسي فلسطينياً، لذلك فإن المعارضة الشديدة للوثيقة كانت صادرة من قبل اليمين الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية على حدٍ سواء  فيما انقسمت حركة فتح (وأظنّه انقساماً) إزاء الموقف  من هذه الوثيقة بين مؤيّد ومعارض. 

وفقاً للتجربة التفاوضية السابقة مع اليسار "الإسرائيلي" بزعامة حزب العمل فإن "وثيقة جنيف" قد تكون المشروع البديل المشروع اليمين "الإسرائيلي" في معركة الانتخابات الداخلية ولكن ليس بالتأكيد المشروع الذي سيعمد اليسار إلى الاستبسال لتنفيذه على الأرض في حال وصوله إلى سدّة الحكم في إسرائيل على الرغم من أنه برأينا يقدم لـ"إسرائيل" ما لا يمكن أن تحلم به. 

أما على الصعيد الفلسطيني فإن "وثيقة جنيف" التي ألغت الحقوق الفلسطينية الأساسية مسبقاً هي في حقيقة الأمر مشروع الأقلّية الفلسطينية التي يئست باكراً من بذل التضحيات عبر المقاومة والانتفاضة لتحقيق الحلم الفلسطيني بعودة اللاّجئين ولو بحدوده المعقولة وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة عاصمتها القدس. 

اليسار "الإسرائيلي" يسعى من خلال هذه الوثيقة كسب الواقع "الإسرائيلي" عبر نقل المشكلة إلى الداخل الفلسطيني وحلمه أن تحقّق وثيقة جنيف في المستقبل الفتنة الفلسطينية الداخلية التي عجز اليمين بآلته العسكرية وأجهزة مخابراته عن تحقيقها على مدى سنوات الانتفاضة الحالية، يبدو أن وثيقة جنيف الحلم "الإسرائيلي" واقعاً والواقع الفلسطيني حلماً. 
إدارة التحرير. 







2013-09-24 12:05:37 | 1574 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية