التصنيفات » المجلة الفصلية

العدد الخامس عشر - صيف/خريف 2006

لن تضيّع مشاريع الفتنة الانتصار التاريخي





مرّت المنطقة عموماً، وفلسطين المحتلة ولبنان بالأخص، بأحداث خطيرة ودامية خلال الشهور الفائتة، كان في قلبها توسع العدوان الصهيوني، كمّاً ونوعاً، على كل من الشعبين الفلسطيني واللبناني، بهدف قديم–جديد هو القضاء على عنوان أو رمز كرامة هذين الشعبين الصامدين منذ عقود بمواجهة الإرهاب الصهيوني المدعوم من الغرب "المتأمرك"؛ وهذا العنوان، كما صار معروفاً لدى الجميع، هو المقاومة الإسلامية في كل من فلسطين ولبنان.

وبرغم قتل العدو الإسرائيلي، عبر آلته التدميرية العمياء، للمئات من المدنيين والمقاومين، وجرحه لآلاف آخرين، خلال تلك المرحلة التآمرية الجديدة التي شهدتها فلسطين المحاصرة كما لبنان الصامد، في ظل تواطؤ دولي مكشوف وصمت عربي مشبوه، وبصورة أسوأ مما عرفته منطقتنا طيلة عقود مضت؛ لكن المقاومتين في فلسطين ولبنان خرجتا منتصرتين عسكرياً وسياسياً ومعنوياً، بحيث تضاعف التأييد أو الاحتضان الشعبي لهما، ليس في فلسطين ولبنان فحسب، بل على امتداد العالم العربي والإسلامي، بل قل على مستوى الشعوب المستضعفة والحرة في العالم كذلك.

لقد ذهِل الحلف الصهيوني-الاستكباري من نتائج الحرب العدوانية المدبّرة ضد حزب الله في لبنان. ولسنا في حاجة للتوقف كثيراً عند التداعيات التي لا تزال مستمرة، داخل كيان العدو، بسبب فشل الحملة العدوانية الأخيرة (في تموز 2006)، سواء على المستوى العسكري والأمني، أو على الصعيد السياسي، وصولاً إلى النسيج الاجتماعي الذي بدأ بالتفكك شيئاً فشيئاً؛ وليست النزاعات الاجتماعية والدينية المتفاقمة أو تصاعد الهجرة المضادة من "أرض اللبن والعسل"، هي نهاية المطاف في سلسلة التداعيات المذكورة.

وكان الانعكاس الأبرز في الساحة الفلسطينية هو طيّ العدو لما سمّي خطة الانطواء (أي الانسحاب الجزئي من الضفة الغربية مع ترسيم حدود جديدة للكيان) ولو مؤقتاً، بعد فشل حربه على لبنان، ومباشرته لعدوان كبير على قطاع غزة، الذي انكفأ عنه في آب من العام 2005، من دون أن يتمكن من توسيع هذا العدوان لتحقيق هدفه بالقضاء على صواريخ المقاومة وبناها التحتية، وذلك خوفاً من أن تتكرر تجربة الفشل الذريع في جنوب لبنان!

إن هزيمة الحلف الأمريكي-الإسرائيلي المدوّية خلال المرحلة الأخيرة كان يمكن أن تشكل بداية حقيقية ومتسارعة لسقوط المشروع الأمريكي في المنطقة، وهي ستكون كذلك طال الزمن أم قصر، لكن تواطؤ أو "غباء" بعض الأفرقاء في كل من فلسطين ولبنان، كاد أن يضيّع الإنجاز التاريخي الذي حققته المقاومتان اللبنانية والفلسطينية، من خلال ما شهدته ساحتا الصراع مع العدو في البلدين المقاومين، بعيد انتهاء العدوان على لبنان ومن ثمّ على قطاع غزة لاحقاً، من نزاعات وتجاذبات سياسية واضطرابات أمنية يسعى الحلف المعادي لتحويلها إلى فتنة كبيرة قد تذهب بالانتصار الذي تحقق على المشروع الأمريكي-الإسرائيلي، وتؤدي للقضاء على المقاومة في هاتين الساحتين- لا قدر الله!

هذا العدد من "دراسات باحث"، والذي تأخر عن موعد صدوره بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان، يعالج المحورين المذكورين آنفاً، في السياق التالي:

أولاً: عقد حلقة نقاش (أولى) في "مركز باحث للدراسات" لتحليل ومناقشة أبعاد النزاع الفلسطيني الداخلي، على خلفية عدم اعتراف حكومة حركة حماس بكيان العدو، كما يرى فريق السلطة ورئيسها، ومن ورائه الحلف الأمريكي-الغربي-الإسرائيلي؛ والآفاق المحتملة لفشل الحوار الفلسطيني حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، على الصعد السياسية والأمنية بالخصوص، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على شعبنا المحاصر في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة. وقد شارك في حلقة النقاش سياسيون وأكاديميون من عدة فصائل فلسطينية رئيسية، إضافة إلى باحثين لبنانين مهتمين...

ثانياً: تخصيص محور لدراسة تداعيات الانتصار اللبناني الذي تحقق في آب 2006، على القضية الفلسطينية كما على "إسرائيل" نفسها، على عدة صعد: استراتيجياً، سياسياً، عسكرياً واقتصادياً، حيث شارك عدة كتّاب وباحثين مختصّين في عرض وتحليل أبعاد الانتصار اللبناني على الصراع مع العدو، في أثناء الحرب العدوانية وبعد انتهائها من خلال القرار الدولي 1701، الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي، برعاية دولية وعربية، مع امتعاض أمريكي-إسرائيلي معلن، بعد فشل العدو في فرض شروط المذلّة على المقاومة اللبنانية المنتصرة.

ومع أن الزمن -القريب ربما– هو الكفيل بإعطاء انتصار حزب الله في لبنان، كما صمود المقاومة الفلسطينية المذهل بوجه آلة الحرب الإسرائيلية والحصار الدولي-العربي الظالم، الموقع التاريخي الذي يستحقه هذا الانتصار وهذا الصمود، لكننا سنظل نراهن على شعوبنا العربية والمسلمة في تفعيل مسيرة الصمود والتصدي التي بدأت في فلسطين أولاً، ثم انتقلت إلى لبنان فالعراق، من أجل إفشال المخطط الأمريكي المتجدد في القضاء على إرادة وفعل المقاومة في هذه البلدان (ومن خلفها إيران وسوريا) بالوسائل السياسية والاقتصادية والأمنية المتنوعة، ومن أخطرها محاولات إثارة الفتن والنعرات الطائفية والمذهبية والإثنية في هذه المنطقة، التي أثبتت كل الاستفتاءات الحديثة عداء شعوبها المتعاظم للاحتلال الصهيوني-الأمريكي بوجهيه العسكري-السياسي، والثقافي، وهو الأخطر، راهناً ومستقبلاً!

2013-09-25 08:27:23 | 1629 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية