التصنيفات » دراسات

نحو السنة الخامسة والسبعين لقيام "الدولة الصهيونية"



 


رؤية جديدة لمفهوم الأمن القومي

*"معهد رؤوت" للتخطيط الإستراتيجي: عناصر أساسية في المفهوم الأمني الإسرائيلي التقليدي تقوّضت ولم تعد واقعية بمرور الأعوام*
 
يناير/كانون الثاني 2014


بادر "معهد رؤوت" الإسرائيلي للتخطيط الإستراتيجي مؤخّراً إلى طرح وثيقة بعنوان "نحو العام الـ75 لتأسيس دولة إسرائيل - رؤية جديدة حول مفهوم الأمن القومي"، دعا من خلالها إلى إحداث ثورة في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي الحالي.
 
تتطرّق الوثيقة بالتفصيل إلى الحاجة لإجراء تغيير في الرؤية المطلوبة في مجال الأمن القومي، وتطرح مبادئ عمل لتطبيق ذلك. وترى، في هذا السياق، أن هناك فرصاً ماثلة أمام "إسرائيل".
وأشار المعهد إلى أن مصطلح "مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي" يتطرّق إلى "مجمل المبادئ والقيم التي بلورت مؤسسات الأمن القومي الإسرائيلي وشكل تفعيل قدراتها وقوّتها في المجال الأمني والعلاقات الخارجية لغرض الدفاع عن وجود الدولة وأمنها".
وقد تمّت بلورة هذا المفهوم بقيادة رئيس حكومة "إسرائيل" الأول، دافيد بن غوريون، في الأعوام الأولى بعد نشوء "إسرائيل"، وتمّت ملاءمته، على مدار السنوات، للتطوّرات في المحيط السياسي والأمني لإسرائيل. لكن، لم يتم إرساؤه أبداً بقرارات حكومية رسمية. 
أسس المفهوم الأمني الإسرائيلي
عدّد "معهد رؤوت" في هذه الوثيقة أسس المفهوم الأمني الإسرائيلي على الوجه التالي:
1.       دولة إسرائيل هي "دولة الشعب اليهودي" وتطبّق حقّه في تقرير المصير. وبالإضافة إلى التزامها تجاه سكّانها، فإن إسرائيل ترى بنفسها "ملجأ" بالنسبة لجميع اليهود في أنحاء العالم. ولذلك، فإنها تتوقع من يهود العالم دعمها من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
2.       الحفاظ على أغلبية يهودية هو شرط ضروري لوجود إسرائيل "كدولة الشعب اليهودي"، وهي دولة ديمقراطية أيضاً.
3.       إنشاء حلف مع دولة عظمى مثل الولايات المتحدة والحفاظ عليه هو أمر ضروري كي تغطّي إسرائيل من خلاله على عدد سكانها القليل مقابل أعدائها، ومن أجل أن تتمكّن من التأثير على الأحداث في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، اختارت إسرائيل أن تكون جزءاً من العالم الغربي، وأصبحت بمثابة "موقع أمامي" للعالم الغربي مقابل الدول العربية، التي كانت تدعمها الكتلة الشرقية.
4.       إنشاء منظومة أحلاف إستراتيجية في الشرق الأوسط وأطرافه، مثل القرن الإفريقي وآسيا الوسطى والبلقان، كي تتمكن من تشتيت القوى التي تواجهها.

5.       السعي إلى الحصول على شرعية أساسية لوجودها وحدودها، بواسطة قرارات واتفاقيات دولية، وبمساعدة المنظمات اليهودية في العالم.
6.       الحراك السياسي في الشرق الأوسط هو نتيجة أداء عقلاني لزعمائه.
7.         المسؤولية الحصرية عن الأمن القومي ملقاة على عاتق مؤسسات الدولة التي تمتلك لوحدها المعلومات والقدرات من أجل بلورة توجّه أمني قومي وتطبيقه.
8.       عقيدة "الجدار الحديدي"، التي تهدف إلى إحباط مساعي الدول العربية للقضاء على إسرائيل، من خلال تطوير تفوّق عسكري حاسم بواسطة: الردع من خلال حسم سريع في ميدان القتال؛ تقصير مدّة الحروب وتمديد مدّة وقف إطلاق النار بين الحروب؛ نقل القتال إلى أراضي الدول العربية والفصل بين الجبهة القتالية والجبهة الداخلية؛ تطوير تفوّق نوعي تكنولوجي وبشري؛ الحصول على إنذار بواسطة الاستخبارات، الأمر الذي يسمح لإسرائيل بالاستعداد وتنفيذ عمليات عسكرية استباقية؛ نموذج "جيش الشعب"؛ تطوير "قدرات إستراتيجية ليوم الحساب"، أي أسلحة نووية. وتعبّر هذه العقيدة عن أنه لا يمكن القضاء على العداء لإسرائيل في المنطقة.
9.       الجيش الإسرائيلي هو مقاول لتنفيذ مهمات وطنية، وبينها مهمّات ذات طابع مدني، مثل استيعاب الهجرة اليهودية والاستيطان والتربية والتعليم.
10.   لأن التهديد المركزي على إسرائيل هو تهديد عسكري، فإن هذا يستوجب تسخير كلّ موارد "الأمّة"، وبما أن الجيش هو المؤسسة المركزية في أجهزة الأمن القومي والحيّز العام الإسرائيلي، فإنه يحظى بأفضلية من حيث رصد الموارد البشرية والمالية والزمنية.
تقوّض أسس المفهوم الأمني
يرى "معهد رؤوت" أن عناصر أساسية في المفهوم الأمني الإسرائيلي المذكور أعلاه قد تقوّضت ولم تعد واقعية بمرور الأعوام، وذلك للأسباب الآتيـة:
1.       يهود العالم يبتعدون عن إسرائيل، إذ "يتزايد عدد اليهود الذين لا يرون أن إسرائيل عنصر مركزي في هويتهم، ولا يؤيّدونها؛ بل إن قسماً منهم ينتقدها ويعاديها. وفي الوقت نفسه ضعفت المؤسسات والجاليات اليهودية، ولذلك تتراجع قدرة يهود الشتات على دعم إسرائيل والارتباط بها".
2.       استمرار السيطرة على السكّان الفلسطينيين يخلّ بالتوازن بين الهوية الديمقراطية لإسرائيل ويهوديتها.
 3.       الولايات المتحدة لم تعد صخرة متينة بالنسبة لإسرائيل، وهي ترزح تحت أزمة متواصلة في قدرتها على الحكم؛ وأكثر ما يعبّر عن ذلك هو وضعها الاقتصادي ومكانتها الدولية. وذكرت الوثيقة في هذا السياق أيضاً، صعود الصين وروسيا، وتأثير الحربين ضدّ العراق وأفغانستان على الرأي العام الأميركي، وتركيز اهتمام الولايات المتحدة على مناطق أخرى من العالم، الأمر الذي يصرف نظرها واهتمامها عن الشرق الأوسط. 
4.       عملية نزع شرعية أساسية عن إسرائيل في الشرق الأوسط بقيادة شبكة منظمات غير حكومية، خلال العقد الأخير، تهدف إلى نفي شرعية إسرائيل "كدولة قومية للشعب اليهودي". وتجري هذه الحملة في العالمين العربي والإسلامي، وبواسطة شبكة جمعيات ونشطاء في العالم.
5.       اهتزاز التحالفات المركزية لإسرائيل في الشرق الأوسط، بعد ضعف النظامين المصري والأردني أمام المجتمعات المدنية فيهما ومواجهة تحدّيات داخلية فيهما. ونتيجة لذلك تراجع تأثير النظامين؛ كما "حلّت" تركيا الحلف الإستراتيجي بينها وبين إسرائيل.
6.       اعتبرت الوثيقة "الربيع العربي" أنه "فوضى وانهيار عناوين سياسية في الشرق الأوسط". وهذا الوضع ألغى القدرة على تشكيل المنطقة بواسطة علاقة مباشرة بين الزعماء الذين ينتهجون خطابا عقلانيا يضع مصالح الدولة في المركز. كما أن الهزّة الإقليمية أدّت إلى تردّد وحرج كبير في إسرائيل والدول الغربية التي تواجه صعوبة في بلورة سياسة والعمل بموجبها، من أجل منع انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وانتهاك اتفاقيات ومواجهة كوارث إنسانية.
7.       نظرة العرب لإسرائيل: من جهة، تجدّد العداء الديني والعلماني لإسرائيل لدى الجيل الشاب في الشرق الأوسط. وهذا الجيل لم يمرّ بتجربة الهزائم العسكرية في العقود الماضية، لكنه ورث المفهوم الذي يرى في إسرائيل نبتة غربية واستعمارية أجنبية. وهذا الوضع موجود في الكيانات التي تقيم علاقات مع إسرائيل- مصر والأردن والسلطة الفلسطينية. ومن جهة ثانية، فإن إسرائيل ليست في مركز الاهتمام الإقليمي، ومعظم النزاعات الكبيرة في الشرق الأوسط هي عربية - داخلية وإسلامية - داخلية، وليست متعلقة بإسرائيل أو بالصراع العربي - الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، "تطوّرت طبقة واسعة بين النخب والجماهير العربية ترفض محاولات حرف النقاش حول إخفاقات المجتمع العربي بواسطة استخدام إسرائيل ككبش فداء".
8.       إيران تقترب من هيمنة إقليمية ومن قدرات عسكرية نووية، وهذا التطوّر من شأنه أن يقوّض تفرّد إسرائيل في المجال النووي، ويركّز أنظار المجتمع الدولي على قدرات إسرائيل النووية.
9.       خصوم إسرائيل طوّروا رداً على تفوّقها العسكري والتكنولوجي. وهذا الردّ يمنع إسرائيل من تحقيق انتصارات سريعة من دون إلحاق أضرار كبيرة بها وضرب جبهتها الداخلية؛ وهي تواجه الآن منظمات. وينتج عن ذلك: إطالة مدة القتال؛ التفوّق الإسرائيلي في الميدان العسكري يُستغلّ من أجل المسّ بشرعيتها؛ تكلفة الجيش تتزايد بسبب التكاليف الباهظة للمنظومات التكنولوجية؛ تزايد الاحتياجات الأمنية اليومية؛ الجبهة الداخلية تحوّلت إلى الجبهة المركزية.
10.    تصدّع نموذج "جيش الشعب". كما أن هناك تراجعاً في انخراط الشبان الإسرائيليين في الخدمة العسكرية، مع ارتفاع نسبة العرب والحريديم المعفيّين من الخدمة العسكرية؛ ومعظم جنود الاحتياط لا يؤدّون الخدمة العسكرية، وتراجع قدرات الاحتياط بسبب تقليص التدريبات وارتفاع وتيرة التغيّرات التكنولوجية، وتحوّلات عميقة في المجتمع الإسرائيلي، مثلما هو حاصل في العالم، أدّت إلى تغيير في مكانة قيادة الأمن القومي كمن لديها صلاحيات حصرية.
فرصة لتطبيق مفهوم أمن قومي إسرائيلي جديد
يعتبر "معهد رؤوت" أنه توجد لدى إسرائيل فرصة لتطبيق مفهوم جديد في أمنها القومي يتلاءم مع عالم تغييرات متطرّفة. وتنبع هذه الفرصة، وفقاً للوثيقة، من الدمج ما بين قدرات حكومة إسرائيل على الحكم واتخاذ قرارات وتطبيقها من جهة، وما بين الظروف السياسية والعسكرية والداخلية من الجهة الأخرى. ويستوجب تغيير المفهوم إحداث تغيير في رصد الموارد، وتنسيقاً بنيوياً ومؤسساتياً، وتطوير مفاهيم جديدة لتفعيل القوّة العسكرية.
ويرى المعهد أن الفرص الماثلة أمام إسرائيل في مجال الأمن القومي تنبع من الدمج بين الظروف التالية:
•        أزمات داخلية شديدة في جميع الدول المعادية لإسرائيل. والأزمة السورية تؤثّر على جميع الدول المجاورة لإسرائيل. كما أن تدخل إيران وحزب الله في الحرب الدائرة في سورية أدّى إلى تعرّض حزب الله لـ "هجمات سياسية وإرهابية" داخل لبنان.
•        حماس معزولة في غزّة بين إسرائيل ومصر بعد أن فقدت حليفيها في سورية وإيران. والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تقف وحيدة مقابل إسرائيل ومن دون دعم كبير من جامعة الدول العربية، (مصر أو السعودية)، وترزح تحت ضغط المجتمع الفلسطيني. لكن، هذه الوثيقة ترى أنه أصبح لدى السلطة الفلسطينية حرّية غير مسبوقة من أجل التوصل إلى تفاهمات أو اتفاقيات مع إسرائيل بسبب ضعف الجهات التي تعرقل ذلك في العالم العربي.
•        تغيّر الخطاب العام الإسرائيلي حول العلاقة بين الجيش والمجتمع، وتمّ التعبير عن ذلك من خلال طرح مشروع قانون المساواة في تحمّل العبء والنقاش العام حول الميزانية الأمنية.
•        تراجع كبير في أهمية التهديد العسكري التقليدي، وسيناريو يحاكي هجوم جيوش على إسرائيل أصبح غير معقول في الفترة الحالية.
•        الصراع العربي - الإسرائيلي أصبح في الهامش، بعد أن كان يُعتبر مركزياً حيال عدم استقرار المنطقة طوال العقود الماضية.

خلاصة:
عناصر رؤيا جديدة للأمن القومي
هذا القسم من الوثيقة يرسي مداميك رؤية الأمن القومي الإسرائيلي للسنة الخامسة والسبعين من عمر الدولة، بحيث يشكّل نافذة الفرص المتوفرة.
عناصر الأمن القومي للسنة الخامسة والسبعين من عمر  الدولة هي التالية:
1. مفهوم أمني مرن وفعّال، ويتناسب مع الواقع، ويتمّ تعديله وتطويره في مسارٍ جارٍ تُناط به عوامل مختلفة داخل الحكومة والمجتمع المدني.
القوّة الإقليمية:
- التفوق غير المشكوك فيه، المرن والمتناسب مع الواقع لناحية استخدام الوسائل العسكرية والأمنية في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، بحيث يكون الوجود المادي للدولة مضموناً على مدى سنوات عديدة مقبلة مع توفير الأمان لمواطنيها.
- نسج علاقات مع حكومات ومع المجتمع المدني في شتّى أنحاء الشرق الأوسط، بواسطة هيئات حكومية وغير حكومية مكشوفة أو سرّية.
- دولة عظمى من القوّة الناعمة في المنطقة والعالم – وهذه القوّة الناعمة تتضمّن القدرة على خدمة أهداف إسرائيل في المنطقة والعالم على أساس المساهمة الملحوظة والمميّزة في خدمة الإنسانية، والتي هي مساهمة لا تتطابق مع حجمها ومواردها وسكّانها؛ بالإضافة إلى شبكة علاقات تشمل العالم تنسجها المؤسسات الإسرائيلية، الحكومة والمدنية، والأهداف تتحقّق من خلال تطوير حضور عالمي لقوىً تستخدم وسائل متنوّعة، مثل الدبلوماسية والتجارة والثقافة والفنون والاقتصاد والعلاقات العلمية والتكنولوجية والماركات التجارية.
- الشرعية الزائدة – Legitimacy Surplus  - تحسين مكانة إسرائيل الدولية وشرعيتها الأساسية بشكل ملحوظ، بنتيجة كونها دولة حيوية لصالح العالم Indispensable، بحيث أن الاعتراض على حقّها في الوجود يكون أمراً غير مقبول، وذلك بفضل أمور أبرزها:
- تحطيم دائرة العداء الأساسية إزاء إسرائيل في العالم العربي والإسلامي، من خلال رؤوس جسور من الشرعية العربية والإسلامية تخدم وجود إسرائيل وإقامة العلاقات الطبيعية معها.
- المساهمة المتطورة من قبل إسرائيل في خدمة الإنسانية في الشرق الأوسط وسائر أنحاء العالم، ممّا يشكّل العمود الفقري لشرعيتها.
- ضمان الأغلبية اليهودية في إسرائيل، من خلال إنهاء السيطرة على السكّان الفلسطينيين في إطار تسوية تقوم على الفصل، أو تسوية قانونية تقوم على التعايش ضمن إطار كيانية سياسية متطوّرة.
- المجتمع الإسرائيلي سيكون مدموجاً في منظومة الجاليات اليهودية للعالم اليهودي، من خلال نسج علاقات ما بين الجاليات والمنظمات والشخصيات.
- قيام ميثاق جديد ما بين الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي بخصوص الخدمة الأمنية، بحيث يتمكن أيّ مواطن من أداء خدمة متساوية وذات معنىً. كي تسهم الخدمة الأمنية في نموّ الدولة الاقتصادي، وذلك من دون المسّ بقدراتها الأمنية.
- مفهوم أمني يوازن ما بين التوترات الموجودة في الرؤية؛ ومن هذه التوترات ما يلي:
- على محور "التضامن الداخلي"، نجد أن اقامة ميثاق جديد يعزّز التضامن من ناحية؛ ومن ناحية أخرى يُنهي السيطرة على الفلسطينيين، التي من شأنها أن تؤدّي إلى أزمة داخلية اجتماعية عميقة بسبب عدم توفّر إجماع حول هذا الموضوع، وبسبب الحاجة إلى أن يتمّ بالقوّة فرض قرار الانسحاب أو فكّ الارتباط.
- على محور "مصدر الشرعية"، نجد أن التفوّق المطلق من ناحية معناه القوّة العسكرية الغالبة والاستعداد والقدرة على استخدامها مثلاً في السيطرة على الفلسطينيين، الأمر الذي يؤدّي في هذه الحقبة إلى إدانة دولية؛ ومن ناحية أخرى، نجد أن الشرعية الزائدة ستعني الاستخدام الواسع لوسائل وعناصر معيّنة على حساب "القوّة الصلبة". فالانسحاب أو فكّ الارتباط من الأراضي المحتلة يمكن أن تجلب الشرعية، لكن من شأنه  أن يفسّر على أنه يشكّل تراجعاً في قدرة إسرائيل.
- على محور "تحديد الهوية"، نجد أن الهوية التي تشدّد على المحلية وعلى القرب الجغرافي إنما تتناقض مع الهوية الغربية ومع الحضور العالمي الشامل ومع الهوية اليهودية العالمية.
- المفهوم الأمني سيقوم على قاعدة المرونة والتناسب مع الواقع، بحيث أن فعالية هذا المفهوم سيتم إحرازها من خلال "الاحتكاك الدائم". التناسب مع الواقع يعني اعتماد مفهوم يصنع الواقع بناءً على مختلف أوجهه. والمرونة يُقصد بها القدرة على حصر الجهد وتقديم ردّ على أيّ ظاهرة من الظواهر المتشكّلة ومواصلة التطوير المستمرّ والمنتظم للمفهوم على ضوء التطوّرات. المرونة والتناسب مع الواقع سيسمحان بالإبحار ما بين التوترات المختلفة وفي شتّى الشؤون والموضوعات.
المبادئ المنظّمة للثورة في الأمن القومي الإسرائيلي
هذا الجزء من الوثيقة يفصّل المبادئ المنظمة المقترحة للتغيير في مقاربة الأمن القومي من أجل تحقيق الأهداف الوطنية الآنفة الذكر. والنقطة الأساس تكمن في إدراك أن الأمن القومي الإسرائيلي في القرن الواحد والعشرين سوف يستوجب انخراط المجتمع الإسرائيلي بأكمله، وأنه ليس بمقدور الحكومة تحمّل هذا العبء على عاتقها لوحدها.
الخلفية: تآكل قدرة الحكومة على توفير الأمن القومي لوحدها – إن تعدّد أشكال التحديات بوجه الأمن القومي يتسع، وعدد اللاعبين المؤثّرين عليه يرتفع داخل مؤسسات الدولة وخارجها، في إسرائيل وفي الخارج. على ضوء ذلك تتآكل قدرة الحكومة على توفير الردّ بواسطة الوسائل المتوفرة لديها في إطار "منظومة مغلقة".
بناءً عليه، لا بدّ من الاعتياد على تطوير منظومة الأمن القومي: إن تعزيز رؤية الأمن القومي الإسرائيلي – على خلفية تراجع المفهوم القائم وأمام نافذة الفرص الاستراتيجية المتوفّرة – إنما يستوجب توسيع نطاق مفهوم عمل منظومة الأمن القومي الإسرائيلي على قاعدة المبادئ التالية:
- المشاركة والتعاون مع المجتمع المدني: المشاركة تتعلق بالقدرة على استخلاص المنافع والأرباح، حتّى من لاعبين خارجيين لصالح أجهزة الأمن.
- اللامركزية في تحمّل المسؤوليات.
- ثقافة أمراء الحرب – تطوير رؤية ميدانية وتفاهم استراتيجي وقدرة في صفوف أصحاب المناصب على جميع المستويات.
- الاحتكاك والتجربة والتعلّم في الميدان بواسطة نماذج جديدة ومتجددة تسمح بتطوير مفاهيم تشغيل وإدارة فعّالة.
- الجهود الاستراتيجية التي ستُحدث التغيير المطلوب.
- في هذا القسم من الوثيقة سنتناول المنظومات المختلفة التي سيؤدّي تحقيقها إلى الثورة المطلوبة في الأمن القومي الإسرائيلي وخدمة الحلم.
- رفع مستوى منظومة الأمن القومي، بحيث يؤدّي ذلك إلى بلورة مجمل مكوّنات الأمن القومي لناحية صياغة وتطوير مفهوم الأمن القومي. وهذه البنية الجديدة تتطلب ما يلي:
- رفع مستوى وظيفة مجلس الأمن القومي بحيث يوفّر للقيادة معطيات ذات قيمة فريدة من نوعها – ففي أعقاب حرب لبنان الثانية انتقل مجلس الأمن القومي إلى درجة أرفع في وظيفته وأدائه وصلاحياته، لناحية توفير ما هو مطلوب في مسار اتخاذ القرارات من قِبل قادة الدولة؛ إلاّ أن هذا التحسن يبقى غير كافٍ. ومن أجل تحقيق الحلم الآنف الذكر، لا بدّ من تحسين إضافي في قدرات المجلس، خاصّة لناحية صياغة مفهوم الأمن القومي وتقدير الوضع الأمني الوطني وصياغة وتطبيق مبادرات استراتيجية على هذا الصعيد. ولهذا السبب مطلوب أن يكون مجلس الأمن القومي شريكاً حقيقياً، يقدّم مادّة مميّزة ذات قيمة نابعة من نظرة جبهوية شاملة وقادرة على إرساء القواعد الأساسية للمنظومة برمّتها وعلى إحداث مسارات مستقلة.
- التغيير في مسار تقدير الوضع الوطني، بحيث يتمّ تناول وضع الأمن القومي بصورة شاملة بما يخدم مسارات صياغة حيثيات مفهوم الأمن القومي. وفي الوقت الحالي، نجد أن تقدير الوضع الوطني ينبثق عن تقدير الاستخبارات الدقيق للتهديدات، وهو يحصل من دون اعتبار الرؤية الدولية الشاملة. والنقاط التي يجب التشديد عليها هي التالية:
- تقدير وضع مجمل عناصر الأمن القومي والأهداف الاستراتيجية.
- تحديد الفرص الكامنة في الوضع الإقليمي والعالمي وتطويرها.
- إشراك جهات غير حكومية في تحضير تقدير الوضع، من داخل القطاع المدني مثل معاهد الأبحاث، والباحثين، والوزراء السابقين والمنظمات اليهودية.
- إدارة مسارات تعلّم وتطوير القدرات على صعيد الأمن القومي.
- توسيع نطاق العلاقات الخارجية إلى ما يتجاوز وزارة الخارجية ومكاتب الحكومة ووكالاتها – منظومة السفارات والموفدين الدبلوماسيين تجد صعوبة في توفير الاحتياجات الخارجية في العالم المتغيّر. واقتراحنا يقضي بالقيام بثورة في هذا المجال، من خلال إشراك عناصر المجتمع المدني وقطاع رجال الأعمال لصالح تطوير شبكة علاقات دولية مهنية مستمرّة ونوعية مع نخب حكومية وغير حكومية رفيعة المستوى، بشأن القيام بمبادرات إنسانية ومبادرات تعاون مدني وتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية. والأهداف المركزية في هذا المجال هي التالية:
- انخراط إسرائيل في مهمة تقديم أجوبة على المشاكل الإنسانية (إصلاح العالم) – يجب على إسرائيل بالتعاون مع العالم اليهودي العودة إلى أداء دور مركزي في مواجهة التحدّيات الإنسانية الأساسية في كل ما يتعلق بنوعية الحياة "في قاعدة الهرم" الاقتصادية في العالم.
- إعادة صياغة العلاقات ما بين الشعب والقيادة والعالم اليهودي – يجب بناء قاعدة للتعاون المشترك في المجالات ذات الاهتمام المشترك: المساعدة الإنسانية، النضال ضدّ نزع الشرعية عن إسرائيل وضد اللاسامية، وتقديم المساعدة في المسائل المرتبطة بالهوية اليهودية. يجب على الحكومة والمجتمع المدني في إسرائيل، بالتعاون مع العالم اليهودي، المبادرة إلى تطوير العديد من الأعمال الهامة التي تؤثّر على أواسط واسعة من اليهود والإسرائيليين.
-  بناء شبكة من العلاقات في الشرق الأوسط بواسطة جهات حكومية وعناصر من المجتمع المدني من أجل استنفاد الفرص المتجسدة في المتغيّرات الإقليمية وتحطيم حائط العداء إزاء إسرائيل.
- عقد ميثاق جديد بين الأجهزة الأمنية والمجتمع الإسرائيلي يجمع ما بين حلم الأمن القومي، واحتياجات المجتمع والاحتياجات الأمنية. وإن ميثاقاً كهذا، يرتكز إلى مبدأ المساواة، سوف يقدّم جواباً على احتياجات الجيش ويسهم في خدمة المجتمع الإسرائيلي. وأسس هذا العقد هي:
- صياغة نموذج من الخدمة العسكرية والمدنية يكون محفّزاً للنموّ والاندماج. والنتيجة الناجمة عن ذلك هي امتحان حجم الخدمة ومواصفاتها.
- لا مركزية المناعة والاستعداد لحالات الطوارئ على المستوى الجماعي، من أجل التعامل مع الحرب والكوارث الطبيعية التي ستمسّ جزءاً كبيراً من المناطق في الدولة ومن السكّان.
- اعتماد مفهوم تشغيل جديد للقوى المسلّحة يتناسب مع واقع الميزانية وينبثق عن الميثاق الجديد، بما يحقّق الانسجام مع مفهوم الأمن القومي الشامل.
مبادئ العمل والاعتياد على المنظومات المفتوحة
- تطبيقات المشاركة
- تطبيقات اللامركزية
- ثقافة أمراء الحرب
- الاحتكاك والتجربة والتعلم
حلم إسرائيل بعد 75 سنة على قيامها
- مسؤولية دبلوماسية تتجاوز الحكومة.
- بُنية جديدة لمنظومة الأمن القومي.
- ميثاق جديد بين الجيش والمجتمع.
- مفهوم أمني مرن ومتناسب مع الواقع وفعّال.
- الشرعية الزائدة.
- دولة عظمى من القوة الناعمة في المنطقة والعالم.
- قوّة إقليمية لناحية العلاقات والقوّة العسكرية.
- ضمان الأغلبية اليهودية في إسرائيل.
- شبكة الجاليات في العالم اليهودي.
الدعوة لندوة بن غوريونية جديدة ومستمرّة
- الندوات التي عقدها بن غوريون قبيل إقامة الدولة، وفي سنواتها الأولى، هي التي صاغت نظرية الأمن القومي الإسرائيلي. وتلك الندوات كانت بمثابة ورش عمل للتعلّم بشكل متواصل وخلالها درس بن غوريون الأسس التي شكلت قاعدة مفهوم الأمن القومي للتسوف [الاستيطان ما قبل قيام الدولة] عام 1947 في مواجهة الواقع المتشكّل؛ وهو الذي حدّد الرؤية والاستراتيجية الجديدة. هذه المتغيّرات كانت صعبة على الهضم والاستيعاب بالنسبة لقادة المؤسسة الأمنية في ذلك الحين.
- إن تحقيق الثورة في الشؤون العسكرية RMA في نهاية القرن العشرين يستوجب إعادة تقدير من جديد. في بداية التسعينيات من القرن الماضي حصلت في جيوش الغرب والجيش الإسرائيلي ثورة عملانية ارتكزت على تطوّرات تكنولوجية ومتغيّرات سياسية – استراتيجية مثل انهيار الاتحاد السوفياتي؛ وهذه الثورة التي اعتمدت على الأسلحة الموجّهة ومنظومات الاتصالات الحديثة والسيطرة والرقابة سمّيت باسم RMA Resolution in Military Affairs . ومع مرور الوقت، تمّ تطوير ردود عملانية بوجه التكنولوجيا وبوجه مفهوم RMA، بحيث تضعضع التفوّق الذي أنتجته هذه الثورة.
- حالياً، المطلوب أيضاً إحداث ثورة في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي RNSA – كما ذكرنا ضمن هذه الوثيقة، فإن المتغيرات الراديكالية في محيط إسرائيل الاستراتيجي تفرض تحدّياً بوجه الركائز الأساسية الخاصة بمفاهيمها الأمنية. وبمناسبة قدوم السنة الخامسة والسبعين على قيام الدولة، لا بدّ من إحداث ثورة مفهومية جديدة في شؤون الأمن القومي Revaluation in National security affairs  في روحية ندوات بن غوريون.
جدول رقم1: عناصر مفهوم الأمن في مقابل المتغيرات
العنصر الداخلي في مفهوم الأمن الاتجاه المتشكّل المغزى
دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي. التباعد ما بين دولة إسرائيل والشعب اليهودي. دعم يهود المنفى لإسرائيل لم يعد مفروغاً منه كما كان عليه في الماضي.
أغلبية يهودية في دولة إسرائيل. استمرار السيطرة على السكّان الفلسطينيين وتزايد الصعوبة بوجه إنهائها. لذلك، يقوم اختلال توازن ما بين الهوية الديمقراطية لإسرائيل وبين يهوديتها عقبة الشرعنة الداخلية والخارجية لدولة إسرائيل.
التحالف مع دولة عظمى الولايات المتحدة تواجه أزمة داخلية وارتباطها بالشرق الأوسط يتراجع، في حين يتزايد اهتمامها بالشرق الأقصى. الولايات المتحدة لم تعد صخرة صلبة كما في الماضي.
منظومة أحلاف إسرائيل في الشرق الأوسط وجواره. مصر والأردن يواجهان أزمة داخلية. تركيا تعامل إسرائيل ببرودة. قدرة إسرائيل لناحية التأثير على الشرق الأوسط تتراجع.
الشرعية الأساسية لقيام الدولة على حدودها. معركة مدنية لنزع الشرعية عن إسرائيل. تحدّ متزايد من قبل النموذج السياسي الإسرائيلي (الصهيوني).
العقلانية – والسياسة الواقعية في منظومة العلاقات السياسية لإسرائيل مع العالم العربي. فوضى في الشرق الأوسط، إنهيار العناوين السياسية، دخول لاعبين تحت دولتين متعدّدين، تطرّف ديني. تعقيدات متفاقمة في الساحة، ونقص في الوسائل السياسية للتأثير
المسؤولية الحصرية للدولة في الأمن القومي. فتح الحوار الأمني ومجال النشاط للاعبين من خارج المنطقة. انتقادات متزايدة للأجهزة الأمنية والحكومة في أدائها السياسي والأمني.
مقاربة الجدار الحديدي لإححباط التطلعات الرامية لتدمير إسرائيل من قِبل الدول لعربية، بواسطة النشاط العسكري الرامي إلى المحافظة على الوضع القائم. من ناحية، وصلت إسرائيل إلى التفوّق العسكري المطلق بوجه خصومها على المدى المنظور، والاهتمام بإسرائيل يتراجع في صفوف أوساط عديدة في العالم العربي. ومن ناحية أخرى، مصادر العداء لإسرائيل تتجدّد في صفوف علمانيين ومتدينين، وإيران تسعى للحصول على السلاح النووي. مسار التشكّل الجديد في المنطقة يجعل من التغيّر الدائم كوضع قائم جديد. ومقاربة الجدار الحديدي المحافظة في أساسها قد استنفدت نفسها في الوقت الحاضر.
الردع بواسطة الحسم السريع بوجه جيوش العدوّ على أساس التفوّق التكنولوجي. تطوير مفهوم عمل يمنع إسرائيل من الوصول إلى تحقيق انتصارات سريعة وحاسمة من دون إلحاق الضرر بالجبهة الداخلية. جولات الحرب ستكون طويلة ومكلِفة أكثر، وتحصل بشكل متواتر أكثر من الماضي ومن دون حسم واضح من قِبل إسرائيل.
الردع الوجودي بواسطة السلاح الاستراتيجي. إيران تسعى إلى الهيمنة الإقليمية مع قدرة نووية. الشرق الأوسط من ناحية قد يصل إلى حالة تعايش نووي. ومن ناحية أخرى، لا يعود السلاح الاستراتيجية مناسباً في أغلب المواجهات التي تحوضها إسرائيل.
التحدّي الأمني هو التحدّي المركزي الذي تواجهه الدولة، والمنظومة الأمنية لها الأولوية في مخصّصات الموازنة. تصاعد مركزي التحدّيات غير العسكرية. فعالية الردود تتراجع.
الإنذار الذي يتيح الاستعداد المسبق إحداث استراتيجية تحصل من الأسفل فقدان مساحة الإنذار وتراجع فعالية التقديرات
الاحتياط: "كلّ الشعب جيش". منظومة الاحتياط ستحسم الحرب. عبء الخدمة غير متساوٍ. منظومة الاحتياط غير متخصصة بما فيه الكفاية لأداء مهمة الحسم تآكل العقد الاجتماعي في خصوص خدمة الاحتياط
نموذج جيش الشعب: الجيش يحصل على الافضلية من مخصصات الموارد الوطنية وفي المقابل يأخذ على عاتقه مهام وطنية غير أمنية. الجيش يصبح أكثر تخصّصاً. تقديم أجور أعلى للّذين يخدمون في وحدات النخبة التخصّصية. عدم مساواة في تحمّل العبء. الجيش يوجد فجوات اجتماعية.

جدول رقم: 2


2014-02-18 12:38:27 | 1812 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية