التصنيفات » دراسات

محاربة المقاطعة: مقاطعة واعلام[*]



بقلم: تسيبي يسرائيلي وميخال حطوال

          حركة المقاطعة بي.دي.اس ضد اسرائيل اعتبرت في الاونة الاخيرة من قبل المؤسسة الاسرائيلية خطرا استراتيجيا. هذه الحركة التي تدعو الى اقصاء اسرائيل من المجتمع الدولي، تعمل في المجال الاقتصادي والثقافي والاكاديمي، وفي الساحة السياسية الامنية بطريقة غير مباشرة. ورغم أن باحثين ومنظمات اجتماعية مدنية وجاليات يهودية في الشتات يشيرون الى الظاهرة منذ فترة طويلة ويحذرون من المخاطر الكامنة فيها، إلا أنها دخلت مؤخرا فقط الى النقاش الجماهيري في اسرائيل.
          الاساس الفكري لسياسة المقاطعة حظي بالتعبير الاولي في مؤتمر الامم المتحدة في دربن عام 2001 حيث صدر من هناك نداء لعزل اسرائيل بسبب ما سمي "سياسة التمييز العنصري". في عام 2005 اتحدت 170 منظمة اجتماعية ونادت بمقاطعة اسرائيل حتى تلتزم الاخيرة بالقانون الدولي وحقوق الانسان العالمية، بالمقابل مع بداية القرن الـ 21 ازدادت حدة للنظرة السلبية لاسرائيل في الصحافة الدولية. مثلا الربط بين كلمة "اسرائيل" وبين "سياسة التمييز العنصري" وهذا أثمر اكثر من 50 مقالة بين السنوات 1967 – 2000 مقابل 1741 مقالة بين عام 2001 – 2015.
          حملة مقاطعة اسرائيل، لم تطرح على جدول الصحافة الاسرائيلية اليومي (باستثناء استعراض الامر في صحيفة "هآرتس") ولكن بدءا من حزيران 2015 حدث تغيير على تعامل الصحافة الاسرائيلية مع هذه المسألة وقد احتلت في هذا الشهر نشرات الاخبار في اسرائيل.
          ففي حزيران تناولت التغطية الاعلامية الاسرائيلية حملة مقاطعة اسرائيل في عدة مجالات: المجال الاقتصادي وكان الموضوع الابرز هو اعلان مدير عام اورانج العالمية والذي قال لو ان باستطاعته لسحب والغى صفقات الشركة في اسرائيل. على المستوى الثقافي تم تناول قضية الفيفا باستفاضة في وسائل الاعلام الاسرائيلية والتي وقفت وراءها السلطة الفلسطينية، حيث تم منع تجميد اسرائيل في هذه المنظمة في اللحظة الاخيرة. وتم الحديث عن محاولة فاشلة لمجموعة اسرائيل لتعزيز جولة في اللوفر الباريسي. في الوقت الذي تم الاستجابة لطلب صوري مشابه من ابو ظبي. 
في المجال الاكاديمي تم الحديث كثيرا عن تشجيع المقاطعة لاسرائيل من قبل مجموعات طلاب بمئات الجامعات الامريكية، بما في ذلك جامعة برينستون، ميشيجن وكورنال. وقيل ايضا انه في السنة الماضية سجلت 520 حادثة معادية لاسرائيل في الجامعات بالولايات المتحدة. وتناولت وسائل الاعلام بشكل مكثف تصويت اتحاد الطلاب القومي البريطاني (NNS) مع مقاطعة اسرائيل.
من الناحية الكمية، كانت الصحيفة الاسرائيلية الابرز في تغطية حملة مقاطعة اسرائيل هي "يديعوت احرونوت". بتاريخ 1 حزيران 2015 بدأت الجريدة مسيرتها لزيادة المعرفة لمخاطر المقاطعة العالمية على اسرائيل وأُعلن بان الجريدة ستنشر عدة مقالات عن الصراع ضد العقوبات الدولية. وقد خصص مكانا واسعا على صفحات الاخبار والملاحق على أنواعها وكذلك مقالات وتحليلات وقد كان هناك عنوانا ثانيا: "محاربة المقاطعة" وكذلك شعار نجمة داود بيضاء على خلفية تتحول بالتدريج من زرقاء الى سوداء. أمثلة على العناوين الكبيرة التي رافقت التغطية خلال الشهر كانت: "صفارة انذار حقيقية" و "وضع طوارىء"، "صرخة الاكاديمية"، "تهديد على حق الوجود"، "الجبهة المشتعلة". وايضا امور لم تكن مرتبطة بالمقاطعة تم استعراضها تحت عنوان "محاربة المقاطعة" والعنوان "لن ننضم ابدا الى المقاطعة ضد اسرائيل" اضيف لمقالة في الملحق الاقتصادي حيث اجريت مقابلة مع رئيس وحدة المواصلات لاتحاد كندي الذي يطمح الى الاندماج في اقامة القطار السفلي في تل أبيب. نشرت "يديعوت احرونوت" في شهر حزيران فقط 80 خبر ومقالة عن المقاطعة لاسرائيل. ومن اجل المقارنة فانه في الاشهر اذار، نيسان، ايار 2015 ظهرت في هذه الصحيفة مقالة او خبر واحد في الشهر عن موضوع المقاطعة. حظي الموضوع بتغطية واسعة في الاشهر الاخيرة في التلفاز ايضا – تغطية التطورات بموضوع المبادرة لمقاطعة اسرائيل بارجاء العالم وكذلك تقارير معمقة في المحطات المختلفة.
يوجد أكثر من مغزى للتغطية الاعلامية الواسعة: من جبهة واحدة سمع الادعاء، بان التغطية مبالغ بها وتخلق الهستيريا لدى الجمهور لا تعكس الواقع كما هو. وهناك من يدعي ان التغطية الواسعة للامر تخدم مؤيدي المقاطعة. وبان العناوين تتحدث عن سيناريو بعيد عن الواقع. وقيل بان نجاحات حملة المقاطعة لاسرائيل قليلة وهامشية. مثال: القرارات الكثيرة ضد اسرائيل في الجامعات بارجاء العالم (بما في ذلك اتحاد الطلاب البريطاني الذي رد عليه رئيس الحكومة نتنياهو بشكل رسمي) لا تلزم هذه القرارات الجامعات من الناحية العملية ولم يتم تبنيها رسميا من قبل المؤسسات الاكاديمية. والعلاقات التجارية ايضا بين اسرائيل والغرب لم تتضرر. وتراجع مدير عام اورانج عن تصريحاته واعتذروا في متحف اللوفر وقال انه كان خللا في الحاسوب الذي اشار الى التواريخ على انها محجوزة. وانه فعليا لا توجد سياسة مقاطعة لاسرائيل. وأخيرا في المجال الثقافي فان التصويت على ابعاد اسرائيل من الفيفا لم يتم وبقيت اسرائيل عضوة في الاتحاد.
من جهة ثانية، يبدو ان التغطية الواسعة في الاعلام الاسرائيلي تلعب دورا مهما في الكشف عن الظاهرة وابرازها. وهذا يخلق نقاشا سياسيا وجماهيريا، فالتحدي هو الانتصارات الصغيرة المتراكمة التي تسجلها المقاطعة كل يوم. مثلا، التقرير حول الحاق الضرر في الصفقات الخاصة بالانتاج الاسرائيلي والتي أدت في حالات معينة الى الامتناع عن العلاقة التجارية مع شركات اسرائيلية، بل واغلاق اعمال اسرائيلية في الخارج. يمكن أن نشاط الحملة في الجامعات يساهم في تراجع تأييد اسرائيل في اوساط الشباب اليهود – هذا التوجه الذي اشارت اليه الاستطلاعات في السنوات الاخيرة – قياسا مع نسبة تأييد اسرائيل في اوساط الجيل الاكبر. اضافة الى ذلك، الحملات المعادية لاسرائيل تجر وراءها مجموعات واسعة في اوساط اليسار الليبرالي المعتدل وتعزز القناعة التي تعتبر اسرائيل دولة كولونيالية، ومن الصحيح القيام ضدها. يمكن الادعاء أن الحملة ضد اسرائيل بجميع مركباتها وتعبيراتها تلعب دورا في زيادة الرأي العام السلبي حول اسرائيل في أنحاء العالم وازدياد التعامل مع اسرائيل كدولة يهودية، وأنها، أي الحملة، مسؤولة ولو جزئيا، عن الزيادة التي سجلت في السنوات الاخيرة في اللاسامية في دول الغرب.
          حتى لو كانت التغطية الاعلامية للحملة مبالغ فيها، فانها قد تشكل ضوء تحذير ضروري ومهم. ففي الفترة الاخيرة، وبشكل غير منفصل عن التغطية المكثفة، وعد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بتحويل 100 مليون شيكل للحرب ضد المقاطعة، وعين وزير رفيع المستوى لمعالجة الظاهرة. الكنيست أجرت نقاشا طارئا في هذا الموضوع، نائبة وزير الخارجية بدأت العمل على خطة شاملة لمواجهة اسرائيل للمقاطعة الدولية، ووعدت بتخصيص 10 موظفين ليعملوا فقط في هذا الموضوع. وتم عقد جلسة طارئة في بيت الرئيس حيث تمت مناقشة الموضوع، وعقد الوزير المسؤول عن الـ بي.دي.اس عدد من الجلسات مع ممثلي منظمات وباحثين يعملون في هذا المجال.
          يبدو أن ايجابيات التغطية الواسعة للظاهرة، التي تعمل على مقاطعة اسرائيل، اكثر من سلبياتها. الكشف عن المسألة يظهر حجم التحدي الذي تواجهه اسرائيل وضرورة مواجهته بمهنية وفي اطار مؤسسي. يمكن تخصيص المصادر المطلوبة لمواجهة هذا التهديد، الذي يتعامل معه المجتمع المدني منذ فترة طويلة، ومن شأن علاجه بأثر رجعي التسبب بنتائج خطيرة لدولة اسرائيل، مواطنيها، وايضا يهود الشتات.
          على خلفية تركيز النقاش السياسي والجماهيري على مغزى توقيع الاتفاق النووي مع ايران، ولجنة لوكر لفحص ميزانية الامن، فقد تقلص في الاسابيع الاخيرة التعامل الاعلامي مع حملة مقاطعة اسرائيل. لكن مهم الاستمرار في الاهتمام بهذا الموضوع الذي له تأثيرات سياسية واستراتيجية واضحة على دولة اسرائيل.
[*]"تظرة عليا"، مركز بحوث الامن القومي، جامعة تل أبيب، تموز 2015.

2015-08-29 11:37:18 | 11526 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية