التصنيفات » ندوات

منهج التكفير وأثره في الصراع مع المشروع الصهيوني




عقِدت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في بيروت، في 27/1/2016، الندوة السياسية الدورية، والتي حاضر فيها الشيخان: توفيق علوية وصهيب حبلي، حول (المنهج التكفيري وأثره في الصراع مع المشروع الصهيوني)، وذلك بحضور جمع من الباحثين والمهتمين.
بداية قدّم الأستاذ وليد محمد علي، مدير مركز باحث، للمحاضرَيْن بالقول إن الكيان الصهيوني يعيش قلقاً وجودياً متزايداً، برغم الواقع العربي والإسلامي المؤسف، وهو يتسلّم المزيد من الغواصات النووية (من ألمانيا) بهدف تسديد (ضربة ثانية) بعد تلقّيه (المفترض) لضربة نووية من إيران، أشدّ وأخطر أعداء هذا الكيان منذ نشأته.
كما تواجه «إسرائيل» معضلة كبرى بعد اندلاع انتفاضة القدس الأخيرة، حيث تقف شبه عاجزة عن لجم شباب هذه الانتفاضة التي أدمت جسد الاحتلال. لكن المدّ التكفيري الجارف تمكن ـ ولو بحدود ـ من إراحة هذا الكيان الغاصب لفلسطين، بفعل الهجمة التي يشنّها التكفيريون في البلاد المحيطة بفلسطين، والتي لم تخدم إلاّ الإدارة الأميركية وكيان الاحتلال.




وتحدث الشيخ توفيق علوية، فأورد عدّة آيات قرآنية (سمّاها بالوصايا العشر) حول طبيعة الدين وأهمية التراحم والوحدة بين المسلمين لمواجهة أعداء الإسلام وحبائل الشيطان في كلّ زمان ومكان.
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [سورة الأنعام، الآيات: 151ـ152ـ153].
وفي هذه الآيات تشديد على أن صراط الله المستقيم يكمن في كلمة التوحيد وفي توحيد الكلمة، فضلاً عن التوصيات والأوامر والنواهي التي تنظّم حياة الناس.
إن الدواعي للوحدة كثيرة، وأهمها فطرة الإنسان والدين واللغة والقانون والعقل والمصالح المشتركة والعدو المشترك ووحدة الكون والعرف والأخلاق.
وأضاف الشيخ علوية: هناك قانونان يسريان في كلّ الأمم: قانون الاستئصال وقانون الاستبدال. فالله تعالى كان يهلك أقواماً وشعوباً بذنوبهم أو يستبدلهم بأقوام آخرين، يسيرون على نهج الحق والإيمان.
وأكد علوية أن موجة التكفير الحالية تناقض المفاهيم القرآنية وسيرة الرسول الأكرم (ص) وتوصياته، وأنها تمكنت من تشويه رسالة الإسلام العظيمة، ومن تأجيل النصر المحتّم على أعداء الإنسانية، الصهاينة المحتلّين لفلسطين، ولو إلى حين.
ولفت إلى أن الغرب هو من يوجّه التكفيريين، ولو أنه لم يكن المؤسّس لهذه الحالة السوداء التي فكّكت بلاد الإسلام وشعوب الأمّة، بناءً على مفاهيم محرّفة وفتاوى مزيّفة ومدفوعة الثمن.





لقد انطلق نهج التكفير على أساس إحداث فوضى شاملة في المنطقة (التوحّش) ونشر الإرهاب ضدّ كلّ من يعترض، مع تكفير من يعادي التكفيريين، تحت شعار إقامة دولة التوحيد والخلافة، والذي استطاع جذب الكثيرين من البسطاء والمضلّلين.
وشرح الشيخ علوية أن السلم هو الأصل في الإسلام وأن الجهاد هو فرع لإزالة الموانع أمام الدعوة وللدفاع عن سيلان الحياة وقدسيتها. فيما يعتبر التكفيريون أن الأصل هو تكفير الناس حتى يثبت العكس!
وهم استسهلوا بناءً على هذا الطرح قتل البشر وهدم المقدّسات وارتكاب المحرّمات، وتجاهلوا قاعدة أن الحدود تُدارأ بالشبهات، وأن أحكام الشريعة الإسلامية وضِعت لحماية أراضي وأعراض وأرواح المسلمين وغيرهم، وأن الحرب لا تكون إلاّ على أعداء المسلمين ومنتهكي مقدّساتهم.
وتحدث علوية عن الآثار السلبية الكبرى لموجات التكفير المدمّرة التي أخّرت الانتصار على الأعداء الحقيقيين للأمّة (أميركا وإسرائيل) وقسّمت بلاد ومجتمعات المسلمين وشوّهت صورة الإسلام والعرب واستنزفت طاقات وثروات الأمّة، البشرية والمادية، في غير محلّها؛ فيما نهج الانتقام التكفيري يكرّس الانتقام من الذات ويعبّء الذاكرة الجمعية بأفكار وممارسات وحشية لن تُمحى منها بسهولة.






ودعا علوية في مقام الردّ على التكفيريين إلى التركيز على مواجهة أسياد هؤلاء، وعلى إقناع الشعوب بطبيعة الصراع القائم في المنطقة وعلى إعادة رسم الأولويات مجدّداً (بقطع الرأس يموت الذيل).
وأكد على أهمية حشد الإمكانات والطاقات لإبقاء قضية فلسطين في الصدارة، مع جزمه بأن ظاهرة التكفير إلى زوال لأنها غير أصيلة وغير طبيعية، وهي ظاهرة شاذّة في الإسلام، وسيتمكن المسلمون الواعون والمقاومون من القضاء عليها في المستقبل.
من جهته، دعا الشيخ صهيب حبلي إلى فهم موضوعي وتاريخي لظاهرة أو حالة التكفير الخطيرة، والتي تمكنت من تضييع طاقات الأمّة وشوّهت صورة الدين الإسلامي العظيم.
وأكد الشيخ حبلي على وجود جذور هذه الحالة في أفكار من سُمّي شيخ الإسلام ابن تيمية، وصولاً إلى محمد بن عبد الوهّاب، مؤسّس الحالة التكفيرية المعاصرة بالتواطؤ مع القوى الأجنبية الطامعة بثروات الأمّة ومقدّراتها، منذ عقود بعيدة [بريطانيا وأميركا...].
وتحدث عن دور الوهّابيين في تقسيم الإمبراطورية العثمانية واستباحة أراضي المسلمين وهتك مقدّساتهم في شبه الجزيرة العربية، وصولاً إلى موقف عبد العزيز آل سعود في بيع فلسطين إلى اليهود الصهاينة، كما ورد في (مذكّرات مستر همفر) وغيرها.
واستغرب التحالف الطارئ الذي نشأ مؤخراً بين رئيس تركيا (الإخواني) أردوغان وملك السعودية (الوهّابي) سلمان، على خلفية العداء لإيران والنظام السوري، ولفت إلى وجود دور بريطاني وغربي فاعل في تأسيس (داعش) وغيرها من جماعات التكفير والدم، بهدف تفكيك المنطقة وإبعاد المسلمين عن التصدّي للكيان المغتصب لفلسطين..
وأشار إلى وثائق وكتب عديدة تكشف عن الموقف الفعلي للسلفيين والتكفيريين من فلسطين، والداعي إلى هجرة هذه البلاد وتركها للصهاينة تحت زعم أنها تشبه هجرة الرسول (ص) من مكّة قبل إعادة فتحها(!)؛ وذكر كتاب (السلفيون وقضية فلسطين) كمثال على هذه الخديعة، فيما يركّز سلفيون آخرون على فقه الأولويات وضرورة إزالة المنكر الداخلي قبل التصدي للعدوّ الخارجي، وهذا أيضاً فيه تجاوز لروح الشريعة ومقاصدها العليا (تغيير المنكر لا يكون إلاّ بمعروف)، فيما وصلت الأمور بهؤلاء إلى اختراع وجود إجماع من علماء الأمّة في هذه المرحلة على عدم جواز الخروج عن الحاكم الجائر!





ودعا الشيخ حبلي إلى اتخاذ إجراءات وإعداد خطط مدروسة لمواجهة مدّ التكفير الجارف، بالتعاون بين القوى الواعية في الأمّة وإيران وسورية والعراق، خاصة أن الكثير من المسلمين لم يتلوّثوا بعد بلوثة الوهّابية التكفيرية، وأن البدء بحملات توعية منظمة في أوساطهم (المساجد والمصلّيات ـ الجامعات ـ النوادي والهيئات) يشكّل منطلقاً عملياً لصدّ هجمات التكفير المتتالية على عقول المسلمين وقلوبهم، كما على أراضيهم ومقدّساتهم.
ورداً على مداخلات بعض الحاضرين، دعا الشيخان علوية وحبلي إلى اعتماد النهج الإسلامي الوسطي في المواجهة، بموازاة شنّ حرب فكرية وفقهية وسياسية على الوهّابية وأتباعها في كلّ مكان، مع التركيز على الدور الخارجي(الاستعماري) في إنشاء أو دعم الحركات التكفيرية التي دمّرت بلاد المسلمين..
كما دعيا إلى البدء بحوارات معمّقة وجادّة مع مرجعيات المسلمين السنّة في الأزهر الشريف وغيره لمحاصرة وعزل التكفيريين، فكرياً وفقهياً وسياسياً، برغم أن النظام السعودي قدت تمكّن ـ لو بحدود ـ من اختراق الأزهر، وحتى النظام المصري الجديد ـ بدولاراته وأفكاره المتطرّفة!

2016-02-01 12:26:40 | 8055 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية