التصنيفات » ترجمات

رحلة داخل عقل أستاذ وباحث ومحقق صهيوني "متدين"
 

رحلة داخل عقل أستاذ وباحث ومحقق صهيوني متدين

 

مراجعة كتاب

[The Jewish Revolution] (الثورة اليهودية)...

تأليف الباحث إسرائيل إلداد – مراجعة: هانا سموراك

[Shengold Publishers، Inc.، NY، 1971، 184 pages]

LCCN. 79-163739.

 

عدد الصفحات :22 صفحة.

تاريخ الإصدار: حزيران/يونيو 2002

الطبعة الثانية ت2 2004

ترجمة وإصدار: مركز باحث للدراسات.

 

 

توطئة

الكراس الذي بين أيدينا، وإن كان كاتبه، يوصف كصهيوني متدين.. إلا أن ما جاء فيه، يمثل المفاهيم السائدة لدى جلّ اليهود الذين قبلوا المشروع الصهيوني، وحلّوا مكان الفلسطينيين المقتلعين من وطنهم، وطن الآباء والأجداد.

فالحركة الصهيونية، وإن تم تأسيسها من قبل علمانيين ملحدين، إلا أن لا أحد يستطيع أن يجادل، بأنها استخدمت رمزاً دينياً في اسمها(جبل صهيون)، لإدراكها باستحالة تحويل مشروعها الاقتلاعي الاحتلالي الاستعماري العنصري من مشروع نظري إلى واقع على الأرض، إلا بالاستناد إلى أساطير الديانة اليهودية " أرض الميعاد" و "شعب الله المختار"...تلك الأساطير التي أصبحت مؤسسة للمشروع الصهيوني وسياساته الاستراتيجية والتكتيكية، وهي الأب الشرعي للأفكار التي سنقرأها للمفكر الصهيوني "إسرائيل إلداد".

لنقرأ ونتعظ ونعدّ لهم ما نستطيع من قوة...

 

مركز "باحث للدراسات"

 

 

- قائمة بالمحتويات

·            الكاتب

·            العرب طفيليون... يأكلون لحوم البشر

·            العقلية العربية المختلّة

·            مجزرة  دير ياسين: معركة  ضد أكلة لحوم البشر

·            النازيون كانوا أقرب إلى الإنسانية من العرب

·            لا فلسطين ... ولا فلسطينيون

·            الأردن "نهر" ... وليس دولة لأُمة

·            الصهاينة مختلفون: ... فهم الأقدس

·            تمجيد الصهاينة كأنبياء

·            "إسرائيل":

 

     دولة لأُمة يهودية ويهودية فقط

 حدود "إسرائيل"

 أرض "إسرائيل"

·            الأعلوية والغطرسة

·            تحقير الأديان الأخرى

·            نداء سلام للعرب

·            الصيغة الرياضية للعدالة

·            عن الصراع الشرق أوسطي

·            الحل "الذكي/ المعتدل"

·            تهيئة الرأي العام الإسلامي

·            مجموعات التحرير الصهيونية

·            رياء صهيوني

·            حقوق مدنية للفلسطينيين

·            تشويه صورة اليهود الأرثوذكس

·            تصريحات مغلوطة

·            تكذيب المصطلحات والحقائق

·            إنطباع عام

 

 

الكاتب

يعرّف الأستاذ والباحث المحقق، "اسرائيل إلداد"، عن نفسه،على غلاف كتابه بأنه:

أستاذ الدراسات الإنسانية في معهد تخنيون/حيفا وفي جامعة بيرشيفا (بئر السبع).

ولِد "إسرائيل إلداد"، في غالاسيا، عام 1910. بعد تخرجه من المعهد الحاخامي في فيينا، نال إلداد شهادة دكتوراه في الفلسفة عاد إلى بولندا ليدرس الطلبة اليهود في معهد "دار المعلمين في فيينا". تلبية لدعوة مناحم بيغن، إنضم إلى قيادة وارسو التابعة لمنظمة  [Birit Trumpleldor] – بيتار- جماعة الشبان الحرابيين، أي إلى القسم الشبابي من "الحزب الصهيوني التنقيحي"، الذي أسسه جابوتنسكي. وفي عام 1983، اجتمع إلداد- للمرة الأولى- مع افراهام شتيرن، مؤسس الحركة الصهيونية السرية "المقاتلون من أجل حرية إسرائيل"- ليحي (جماعة شتيرن). ولدى وصوله إلى فلسطين، في عام 1940، إنضم إلى الحركة السرية كعضو في قيادة أركان ليحي... و وزع العديد من المنشورات السرية وكتب العديد من المقالات لإصدارات الحركة.

لّف إلدادا كتباً عدة تضمنت تعليقاً بعنوان هيغيونوت ميكراه؛ وله كتاب يحمل عنوان هيغيونوت "ما عسار ريشون" ..." دعوا الجدران تحكي".

 

العرب طفيليون... يأكلون لحوم البشر

يقول البروفيسور إلداد عن اللاجئين الفلسطينيين أنهم " ... يعيشون على حساب غيرهم... ومعظمهم يفضّل هذا الوجود الطفيلي على العمل المجهد. والذين يعملون منهم لا يفكرون- مجرد تفكير- بشطب أسمائهم من قوائم المساعدات الخيرية..." (ص: 137).

ويضيف الدكتور إلداد، واصفا كيفية تعاطي العرب مع أنفسهم:

"...إنها (المعاملة) نوع من السادية، لا يعرفها حتى أكلة لحوم البشر، الذين يمتنعون عن أكل أبناء قبائلهم على الأقل... (ص: 138 ).

 ويمضي إلداد إلى قول بأن العرب في مقوماتهم كانوا "...يمثّلون بالأحياء والأموات... يقطعون الرؤوس والأعضاء الجنسية... ويبقرون البطون... وما شابه ذلك... وكانوا يفعلون ذلك بشكل اعتيادي. لكن من باب التخفيف يمكن القول أنهم لا يميزون: فهم يعاملون بعضهم البعض بالطريقة نفسها..."  (ص:138).

وعن فهم مشكلة اللاجئين، يقول إلداد: ""... علينا أن نتفهم التطلعات السياسية فقط... وليس التطلعات النابعة من نزعة أكل لحوم البشر..""

(ص : 145).

 

العقلية العربية المختلة

لم يفوّت البروفيسور إلداد فرصة واحدة لإرذال وإهانة العرق العربي وعقليته. وقال في ذلك: "... كل من يعرف الشرق الأوسط والعقلية العربية، أو حتى يطّلع على بلاغات العرب العسكرية، التي تنشر في أوقات الحروب، يدرك ان حس الحقيقة لديهم مختلّ بشكل أو بآخر ... (ص:137). ومن باب التوضيح، يسرد، إلداد "الحكاية العربية" التالية:

"... أب عربي يريد أن يرتاح؛ لكن أولاده يثيرون ضجة ... ولكي يسكتهم، يقول لهم "...في السوق يوزعون الزيتون بالمجان!" ... فيندفع الأولاد إلى هناك ... لكن، بعد عشر دقائق، يرتدي الأب ملابسه بسرعة، متعجبا وهو يقول"...ماذا! يوزعون الزيتون مجاناً في السوق! لماذا اجلس في البيت إذن!..." (ص: 137).

وفيما يتعلق بمواقف اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى وطنهم، يقول إلداد:

"... وهنا، نقول:... كصهاينة، على وجه التحديد، أصبح لدينا فهم وافٍ لهذه المواقف... لكن الفهم شيء والإقرار شيء آخر، لأن الإقرار في نظرنا هو انتحار لنا..." (ص:144-145).

 

مجزرة دير ياسين : معركة ضد أكلة لحوم البشر

 يكشف البروفيسور والباحث المحقق "إسرائيل إلداد" عن أن جيش الدفاع الاسرائيلي (تساحال) سمي على اسم "الهاغاناه " (ص:83)، وهي الجماعة الإرهابية التي أُسست أصلاً لترويع العرب والبريطانيين.

ويقول إلداد بأنه، خلافاً "لأكلة اللحوم البشرية" العرب، "... لم نعمد في يوم من الأيام إلى مهاجمة مواطنين بريطانيين، ولا نساء ولا أطفالاً. أما قرية دير ياسين تلك ... فلم يكن هجومنا عليها هجوما إرهابياً. بل كان عملاً عسكرياً ضد معقل مسيطر (آنذاك) على مدخل مدينة أورشليم، ...ضد معقل كان يؤمّن المأوى لعصابات سلب تكمن للمواطنين اليهود والقوافل اليهودية العابرة ... قتل نحو 250 عربياً ...بينهم النساء والأطفال ... قتلوا في المعركة ..." (ص:145)

وفيما يتعلق بدير ياسين أيضاً، يقول إلداد أن النازيين لم يكونوا جميعا قتلة:"...لم يكونوا جميعاً "إيخمان" ولا "منعّل"..." (ص:146).

وكان ضروريا لتبرير مقولة أن العرب كلهم أشرار (في حالة دير ياسين)؛ ومن هنا، يخلص إلداد الى قول : "...جميع القتلة أشرار؛ لكن الأشرار ليسوا جميعا قتلة؛ وهذا لا ينفي حقيقة أن ما يفعله يبقى شراً..." (ص:146).

 

النازيون كانوا أقرب إلى الإنسانية من العرب

يخلص البروفيسور إلداد إلى القول بأن الزيارة التي قام بها مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، إلى ألمانيا، من أجل بحث موضوع مقاومة الإرهاب البريطاني والصهيوني، جعلت من المفتي"...المستشار النازي لشؤون الشرق الأوسط فيما يتعلق بالمشاكل اليهودية..." ويضيف إلداد في هذا الصدد: "..كشفت بعض المصادر الموثوقة، مؤخراً، عن أنه، حتى هتلر- السيئ الذكر- كان مستعدا لإخلاء سبيل عدد كبير من الأطفال اليهود من المعسكرات في ألمانيا؛ لكن المفتي الأكبر حال دون ذلك؛ فأرسل الأطفال إلى حتفهم..." (ص:112).

لكنني أقول بأنه، إذا كان هناك فرد واحد اجتمع مع النازيين وتحدث إليهم، دون أن يموّل نشاطاتهم أو يضع على جسمه زياً نازياً؛ فهناك المئات – إن لم نقُل الألوف- من الرأسماليين اليهود، الشيب والشبان، الذين مولوا جزءاً من مشروع نازية هتلر وخدموا وسط النخبة التابعة له.

من الواضح أن إلداد يكذب عندما يقول أن "... العرب كانوا يشيرون إلى اليهود بعبارة "أبناء الموت"... (ص:86). فمن المعروف تاريخيا أن العرب (المسلمين) كانوا يطلقون على النصارى واليهود اسم"اصحاب الكتاب" . وبعد غزو الصهاينة لفلسطين، أصبح العرب تقريباً (ومعهم كثير من اليهود الأرثوذكس) يطلقون على الصهاينة ألقابا عدة، منها: المعتدون،والغاصبون، الخ.... الصهاينة كانوا، وما يزالون، وسوف يبقون، "الموت" نفسه...  وليس أبناءه. أضف إلى ذلك أن عبارة "Son of Death" ليس لها معنى اصطلاحي أو تصنيفي في اللغة العربية، إلاّ بالمعنى التجاوزي، وكلمة "الموت" ليست من بين الكلمات المستخدمة في تلك المنطقة.

 

لا فلسطين ولا فلسطينيون

يحب "الباحث المحقق" إلداد ان يستشهد بما قاله هرتزل عن فلسطين... : <<...أعطوا الأُمة التي ليس لها أرض الأرض التي ليس لها أُمة...>> (ص:106).

من الجيد أن نسمع ذلك مرة أخرى؛ فأنت (يا إلداد) لم تقل "أعطوا الأرض لأصحابها"؛ بل قلت أن فلسطين هي ارض بلا شعب؟! (أي أن اليهود ليسوا أصحاب الأرض)؛ ما يعني أن طرحك مغلوط من أساسه.

وفي إطار محاولته إنكار وجود الشعب الفلسطيني، تساءل إلداد:

<<...هل يمكن أن تكون هناك أية مقارنة بين هذا الوجود ]اليهودي[ الغني وبين الأُمة الفلسطينية؟ من هم الفلسطينيون؟ ما هي هذه الأُمة؟ كيف وأين وُلدت؟ ما هي هويتها؟ ما هي ملامحها المادية والعقلية المتميزة؟ وإذا وضعنا جانباً الأعمال "البارعة" التي قامت بها عصاباتها، عصابات السلب و قطع الطرق، بماذا عرفت هذه الأُمة عدا ذلك؟ (ص:119).

خلال سنوات الحرب مع "إسرائيل"، "... لم يُحرّك العرب الفلسطينيون ساكناً..." و "...كل ما فعلوه كان التسكع في القرى، متجمعين في عصابات قاتلة... لم تظهر بسالتهم إلّا في قتل العجزة والأطفال، تماما كما يفعل "الفدائيون" الذين يرمون القنابل اليوم في الأسواق والمقاصف ومحطات الحافلات..."  "...ما نوع هذه الأمة التي مدنا بكاملها- اللد، الرملة، يافا- وتهرب هكذا؟..."(ص:115).

تعليقات إلداد هذه عن فلسطين، ليست جديدة لكنها تستحق الذكر. وفي مكان ما من هذه المراجعة، أشرت إلى خلافي مع الباحث المحقق إلداد حول تعريف "الأمة". لكن إلداد يناقض نفسه في الفصل التاسع، عندما يقول عن فلسطين: <<... ما من أمة كانت تنظر إليها على أنها وطن... والسكان الذين عاشوا هناك لم يصبحوا امة في يوم من الأيام...>> (ص:101).

ما هي "الأمة" أيها الباحث إلداد؟ ... ما هو الدين؟... مسجد الأقصى المقدس هو "قبلة المسلمين الأولى" وثالث الحرمين الشريفين عندهم...قضى صلاح الدين معظم حياته وهو يقاتل الصليبيين، من اجل تحرير فلسطين ]وكسر التقليد الأقدم الذي كان يحظر على اليهود الاستقرار حول الأماكن المقدسة في القدس[ ... وأيضاً... ما هو العرق؟

يفترض البروفيسور والباحث المحقق إلداد أن كلمة "إسرائيلي" لها دلالة ضمنية مرتبطة بالأرض (ص:96)، على الرغم من أنه اضعفَ لاحقا المفهوم القائل بوجود "أمة إسرائيلية"، و هو لا يُعبّر عن معنى ذلك بصراحة. لكن؛ في الصفحتين التاليتين، يناقش إلداد فكرة "الأرض الموعودة" لأبناء وأحفاد إبراهيم واسحق ويعقوب. ونحن لا نعرف شيئا عن مثل هذه "الأرض الموعودة" (التي وعد بها إبراهيم) سوى ما ذكر في سِفر التكوين (15-18) حيث ورد :<<(18)  في ذلك اليوم ،عقد يهوه ميثاقاً مع إبراهيم، قائلاً، لذريتك أعطيت هذه الأرض، من نهر مصر، إلى النهر العظيم، نهر الفرات : >>...

ماذا أعطى الله إبراهيم غير ذلك؟

ثم يطلق البروفيسور إلداد عبارة مغلوطة أخرى عندما يقول أن "الإسرائيليين" القدامى استوعبوا التأثيرات الخارجية دون الانغماس فيها (ص:99). وهو يكشف أيضاً عن أن اللغة الكنعانية لم تحفظ.

لكن؛ ما هي المشكلة؟ اللغة الكنعانية – الفينيقية أثرت في كل اللغات الأخرى، الإغريقية والعربية والعبرية (انظر تعريف الحرف [A] في القاموس، على سبيل المثال، فتجد أن هذا الحرف مشتق من الحرف الإغريقي[alpha]، المشتق بدوره من حرف فينيقي). وأما اليهود، فلم يؤثر الكنعانيون في لغتهم فحسب، بل أثروا في معتقداتهم أيضا. "بعل" و"عشتروت" هما إلهان كنعانيان. وكما تعلم، أيها الباحث المحقق إلداد، "بعل تعني "رب" باللغة العبرية... نعم، لقد محا "جوشو" ذلك عن الورق، لكن الكتب أخذت "بعل" وخلدته فيكم.

 

 الأردن هو نهر، وليس دولةً لأمة

هذا، في الحقيقة، هو عنوان الفصل الثاني عشر: "الأردن هو نهر، وليس دولة".

كما أسلفنا في مواضيع أخرى، لا يعترف البروفيسور بوجود شيء أسمه "الأمة الأردنية". وهو يؤكد ذلك مرة أخرى عندما يقول "...ولا يمكن للسكان على كلتي الضفتين أن يتحولوا إلى امة "أردنية" جديدة..." (ص:131). والسبب في ذلك هو أن "...دولة الأردن بكاملها كانت نتيجة مصادفة وممالأة..." (ص:131). وبطريقة ساخرة، يشير الباحث المحقق إلداد الى الجيش الاردني، مشدداً على الكلمة الأولى "legionaries of Hussein "chivalrous "" ...(جنود الحسين "أصحاب الشهامة والمروءة") (ص:146). لكن الفكرة بكاملها تبدو أوضح في المقطع التالي المأخوذ من الفصل الثاني عشر:

<<... من باب المناظرة أو القياس، يمكن القول أن "أُم" ما يعرف اليوم "بالمملكة الأردنية الهاشمية" كانت أرضاً مهجورة، غير مملوكة، ليس لها شعب أو تراث. أما "أبوها" فكان المشروع الإمبريالي الذي نشر بذوره بشكل عشوائي، وبعمل تلقيحي مصطنع. ولعله من المفيد أن نتأمل هذه الحقيقة، بعد أن أخفقت في إنتاج أي شيء، فضلاً عن إخفاقها في إنتاج أمة، منذ ولادتها الزائفة. وإذا دققنا النظر في الكيان، في ضوء الظروف الحالية المشوشة التي تسوده لا نرى إلا ملكاً نصفه بدوي ونصفه الآخر بريطاني، وأخلاطاً من الجنود السوريين والعراقيين والباكستانيين، والعشرات من المنظمات الإرهابية التي تصطاد في الماء العكر، سعيا إلى تحقيق العديد من الأهداف الأثيمة...>> (ص:129).

ويوضح إلداد قائلاً: <<... لدينا "وعد الهي"و"وعدٌ زماني" (قطعته على نفسها كل من الدول الاثنتين والخمسين التي أقرت وعد بلفور)، بأن الأرض الواقعة شرقي نهر الأردن هي جزء من الوطن اليهودي؛ ونحن نحمل في ذاكرتنا صور الأراضي التي اشترتها المنظمة الصهيونية هناك، منذ الثلاثينيات... وفي ضوء كل ذلك ... هل نجلس عند السياج كمراقبين سلبيين للأحداث التي سوف تقع هناك ...>>(ص:133).

ثم يعيد إلداد عرض رأيه في ما كان سيحدث لو أن ستة ملايين يهودي خُلّصوا من النازية ليصنعوا "إسرائيل" الكبرى؛ ويقول :<< ضمن هذه الدولة العظيمة، على كلتي ضفتي نهر الأردن، كما هو مقترح ومستشرف بالأصل، وكما تملي حقيقة الوضع الجغرافي، ومع نهر الأردن كمصدر فائدة وصلة وصل، كحاجز مهدور القيمة، كان يمكن أن تكون هناك أقلية عربية تعيش متمتّعة بالازدهار والمساواة...>> (ص:148).

 

الصهاينة مختلفون: (هم) الاقدس

 "...ما من عدالة يمكن أن تكون أعظم من عدالتنا وما من التزام يمكن أن يكون أطهر وأقدس من التزامنا.." (ص:126).

لا يتردد البروفيسور عن التعبير عن رأيه لجهة تميُّز اليهود بثقافتهم. ثم يقول في مقطع واحد: <<...الاستمزاج بشع... إنه "ميل"... وبالتالي فهو باطل. وفوق كل ذلك، يمثل الاستمزاج شكلا من أشكال النشوز...>>(ص:57).


وهنا، لم يقدم إلداد أي تفسير (لكنني افترض انه إذا رفض أبناء كل دين من الأديان الاستمزاج مع الأديان الأخرى في بلد واحد، "فلا بد" أن يغدو العالم- في هذه الحالة- مقسماً بين المسلمين والمسيحيين والبوذيين واليهود... إلخ). وبعد ذلك مباشرة، يقول إلداد أن "...الصهيونية شيء جميل... ولم تتمكن أية حركة تحرر أخرى من إدراكها في هذا المجال..."


غير أن غطرسة إلداد تجلّت في اشد الصور انكشافاً عندما قال أن "...آلهة ومدنا طوباوبة مزيفة لا تعد ولا تحصى لم تولّد إلا الفشل. وقد تغلبت الصهيونية على كل تلك المفاهيم، وصمدت، وظلت حركة روحية خيّرة منتصرة، بعيدة عن كل السفاسف... إلخ..." (ص:58).


 


 


 


 


تمجيد الصهاينة كأنبياء


يوضح البروفيسور والباحث المحقق إلداد أنه "...عندما تمّ تأسيس الحركة الصهيونية، كان معظم قادتها من غير المؤمنين؛ لم يكونوا متدينين ولا مراعين للشعائر الدينية. بل كانت أفكارهم قائمة على أساس علماني بحت..." (ص:100). لكنه لا يتردد عن تمجيد هؤلاء القادة وضعهم في مصاف أنبياء الله. وهو صريح في وصفه يوسف بأنه "...النموذج الأولي لماركس، لأنه (النبي يوسف) حل مشاكل مصر الاقتصادية..." (ص:36). ثم يمضي إلداد في عرضه المشوّه لصورة اليهودية عندما يقارن بين هرتزل وموسى(النبي). وإليكم بعض مما يقول في هذا الصدد:"... لذلك، لا نفاجأ إذا علمنا هرتزل كان يشعر أنه موسى هذا العصر..." (ص:28). وبعد ذلك يجري إلداد مقارنة ويضع هرتزل في مرتبة موسى!! وبعدها يسارع إلى مقارنة هرتزل بالمساياه، وإليكم عباراته الحقيقية المأخوذة من الصفحة28:

<<...على أقل تقدير، كان هؤلاء اليهود [الارثوذكس] يتوقعون "مساياه" يهوديا مقيما للشعائر ويفهمون الدولة الجديدة على أنها دولة منسجمة مع الخطوط اللاهوتية. لكن هذا الهرتزل لم يعطهم ما أرادوا .... كانت لغته جديدة... لم يفهموها... وهكذا فإن "المصدرين"، الإيجابي والسلبي، لم يتدامجا...>>.

 

دولة لأمة يهودية ... يهودية فقط

يورد "البروفسور والباحث المحقق" إسرائيل إلداد ما يلي:


<<...ثانياً، ليست هناك أيضا أمّة يهوديّة...>>(ص:122) وقد يبدو ذلك غريباً عندما يكون صادراً عن شخص مثل إلداد؛ لكن المسألة ليست كما تبدو ظاهراً. فعبارة "إسرائيل" (من بني إسرائيل) ترمز إلى "عرق"؛ ويستحيل على الباحث المحقق إلداد أن يثبت أن أيا من الصهاينة الروس والأوروبيين يحمل ولو "وحدة وراثية" [Gene] واحدة تنسبه إلى بني "إسرائيل" الذين وعدهم الله في التوراة بأرض تمتد بين الفرات والنيل.

والفكرة الأخرى التي يريد "الباحث والمحقق" إلداد أن يرسخها هي تلك التي تنزع صفة "المواطنة" أو "الرعوية" عن العرب، لا يمكن لهؤلاء أبداً أن يصبحوا من "الأمة الإسرائيلية"؛  لكن، إذا اعتنق الروسي أو الياباني الدين اليهودي، فإنه يصبح -على الفور- جزءاً من " الامة" في فلسطين. وفي كتابه الذي يحمل عنوان [A Place Among The nation] (مكان وسط الامة) رشح بنيامين نتنياهو ذلك لجمهوره الاميركي وقال أن: 

" التحول إلى اليهودية هو أشبه بعملية التجنيس..."

 

 

 

 

 

حدود "إسرائيل"

يؤكد "البروفيسور والباحث المحقق" إلداد ما ورد في البيان السياسي العام المتلوث لجابوتنسكي، الذي جاء في مادته الأولى:

"... الصهيونية تعني دولة يهودية ضمن الحدود التاريخية لأرض "إسرائيل"، على كلا جانبي (نهر) الأردن ..." (ص:64).

لكن هل هناك فرق بين "إسرائيل" و "إسرائيل الكبرى"؟ ... يبدو أن هناك عند إلداد الذي يميّز بين "إسرائيل" و"أرض إسرائيل الكبرى" (ص:49) قرينتين مختلفتين. وبناء على الاستشهادات الواردة في هذا القسم (من الكتاب)، نستطيع أن نقول: إنه ما من شك في أن المحقق إلداد يكتب عن "إسرائيل كبرى" ممتدة من الفرات إلى نهر (النيل)؛ أي أنه يقتبس من التوراة.

ولا يتردد إلداد هذا عن كشف معتقده الحقيقي فيما يتعلق بحدود "إسرائيل"؛ بل يقول:

"... لعلنا الآن نعيش في دولة ممتدة "من الفرات إلى نهر...". لاحظوا الاقتباس المضاعف. هو يعتقد أن نهر مصر المذكور في سفر التكوين (15:18)هو نفسه الآن قناة السويس.." (ص:105). نكتة طريفة أليس كذلك؟

وفيما يتعلق بالحدود الشرقية لدولة "إسرائيل"، يقول إلداد: <<... لا فعلياً، ولا تاريخياً، يمكن للخطوط الحدودية الحالية أن تكون مسوّغة ودائمة...>> (ص:134)... <<...الحدود الوحيدة يمكن أن تكون الصحراء [الأردنية]؛ وهي حقيقة معترف بها منذ العصور القديمة...>> (المصدر السابق)، (انظر مزيدا من التفاصيل في المقطع التالي).

 

أرض "إسرائيل"

"...نهر الأردن، الذي يقسم أرض "إسرائيل" إلى قسمين، ويعيد ضم النصفين في كل واحد..." (ص:23). و"...لدى الأردن ثلاثة مصادر للمياه... إثنان منها في أيدينا؛ والثالث...الحاصباني...لم يصبح في أيدينا بعد..." (ص:13). [تأليف الكتاب في عام 1971... إلداد كان محقاً]. وهنا، يعرّف إلداد "أرض إسرائيل" بأنها الأراضي الواقعة على كلتا ضفتي نهر الأردن؛ معتمداً على تعريف "فلسطين" حسب الانتداب البريطاني؛ وهو التعريف الذي لم يتغير إلا في عام 1922، عندما تم تعديل حدود الانتداب وإعطاء الهاشميين الضفة الغربية وإطلاق أسم الأردن عليها، لتبقى فلسطين (آنذاك) تضم الأراضي المعروفة حاليا (ص:105). ولا يتفق إلداد مع اليهود الأرثوذكس حول مقولة أن حدود "إسرائيل" هي من الفرات إلى النيل،  كما يؤمن هؤلاء (المصدر السابق). ولا نعلم كيف استنتج أن الله عنى "قناة السويس عندما قال "من الفرات إلى نهر مصر" "؛ فقد أنجز مشروع قناة السويس في عام 1869على يد المهندس فردناند دو لوسپس من "الشركة العالمية لقناة السويس البحرية". وإذا كان البروفيسور إلداد يريد أن ينقب في تاريخ السويس فهي لا يمكن أن تسمى نهرا؛ ولم تُعرَّف في أي أدب يهودي غير صهيوني باسم "نهر مصر".

 

 

الاعلوية والغطرسة

الملاحظة المذهلة هي أن المحقق إلداد لا يستخدم أبداً مصطلح "القوة البشرية" عندما يكون الحديث عن اليهود؛ بل يستخدم مصطلح "طاقة الأدمغة" (ص:112). ويقول إلداد "... لأنه، في مجالات معينة، وخاصة في المجال الفكري، يتمتع اليهود –دون أدنى شك- بنعم ومزايا ومواهب خاصة..." (ص:11). والمفارقة هنا هي في أن "الباحث المحقق إلداد ينسب الفضل في بروز أهل المعرفة من اليهود الأوروبيين –من أمثال آينشتاين، والذين حصّلوا العلوم في أحضان الثقافات الأمريكية والأوروبية الغربية- إلى جميع اليهود على امتداد العالم، بصرف النظر عن خلفياتهم الثقافية. فأنا شخصيا لم أسمع بأي يهودي عربي أو أفريقي فاز بجائزة "نوبل" في أي حقل من الحقول ... واليهود "الفلاشا"، الذين يعرفون بأنهم أكثر التزاما بقوانين التوراة اليهودية، على وجه العموم، لم يتفوقوا على أحد.

وقد يتعثر القارئ بالعديد من عبارات إلداد التي تتحدث عن فوقية اليهود. وأيضاً، قد يظن المرء أن حرف [an] في العبارة التالية ورد سهواً:

["he (Moses) spied an Egyptian smiting an Hebrew, one of his brethren]

<<...أبصر [موسى](من بعيد) مصريا يضرب [an]عبريا، أحد إخوانه...>>(ص:41).

هذا الحرف [an] الذي سبق كلمة [Hebrew] (عبري) ولم يرد بسبب خطأ مطبعي، بل ورد للتأكيد على مكنونات نفس إلداد. "فالبروفيسور" و"الباحث المحقق" لا يريد أن يتقيد بقواعد اللغة (الإنكليزية) عندما يكون الحديث عن العرق "ايڤري" (معنى كلمة عرق العبرية)، بل يريد أن يفرض مفهومه على القراء، بمن فيهم هؤلاء الذين لا يعرفون ماذا يجري.

وفي إشارته إلى انتهاء الانتداب البريطاني، علّق الباحث المحقق إلداد قائلا:

<<...لقد تمكنّا من طرد البريطانيين...نحن... الحركة السرية اليهودية...وليس العرب. وقد هزمنا العرب، وإذا واصلوا القتال... سوف ندحرهم مرة أخرى...>>(ص:82).

على الرغم من أن هناك قصة طويلة وراء انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وهي قصة بعيدة عن الإرهاب الصهيوني، نحن نقول: إن الصهاينة هزمونا فعلا، لكنهم لم يهزمونا إلا بالمجازر الجماعية التي ارتكبوها بحق المدنيين. ولو أن الصهاينة كانوا يتمتعون بقوة عسكرية فائقة في ذلك الوقت، لما كانت حرب تشرين (الأول) (التي دارت رحاها بعد عامين فقط من نشر المؤلف لكتابه) قد أثبتت أن "إسرائيل" يمكن أن تهزم.

... نعم... يستطيع الصهاينة أن يلحقوا بنا الهزيمة مرة بعد مرّة... بعد مرة... لكننا بحاجة إلى أن نهزمهم واحدة... أن نهزم صهيون مرّة واحدة. ونحن – في ظل اسوأ السيناريوهات- نترك ذلك لقانون مورفي: <<...إذا كانت إمكانية الخلل قائمة ... فلا بد أن يحصل خلل ما... >>. وفي يوم من الأيام سوف يحدث ذلك ويكون حدثاً نهائياً... إلاّ إذا أقصى القادة الصهاينة أنفسهم عن الأيديولوجيا الفاشية، وقبلوا بسلام حقيقي في المنطقة.

عندما صدر الكتاب في العام 1971، لم تكن حرب تشرين الأول 1973 قد حصلت لتكذّب إحدى عبارات غطرسة إلداد... تلك التي قال فيها بأن الجيش الصهيوني لا يقهر: <<... هذه هي القوة الدافعة وراء الجيش الإسرائيلي... الذي ليس له نظير...>> والذي تمكن في حرب الأيام الستة من دحر<<...قواتٍ تفوقه عدداً وعدّة...>>.

لو أن "الباحث المحقق" إلداد انتظر عامين آخرين، ليرى "خط بارليف المنيع" وهو يُخرق، وليشهد سقوط "أسطورة الجيش الإسرائيلي القاهر" على أيدي المصريين والسوريين، لما قال تلك العبارة؛ التي –على الرغم من ذلك- ما زالت تردد على السنة البعض.

وسوف نعذر الباحث إلداد الذي لم يأخذ بعين الاعتبار "يوم الكرامة" في الأردن (21/3/1968). وحتى لو لم يعتبر ذلك اليوم هزيمة، ليس بإمكانه أن يتجاهل هزيمة حرب أكتوبر وحقيقة أن الفضل عائد إلى الولايات المتحدة وجسرها الجوي العسكري في عدم إسقاط أسطورة "الجيش الذي لا يقهر".

 

 

إرذال الأديان الأخرى

فيما يتعلق بيسوع المسيح، كتب إلداد العبارات التالية:".. قد يكون يسوع نفسه مجرد وهم نسجه الخيال.. مجرد رجل لم يكن موجودا، لكن اليهودي يوضاس الإسخريوطي ألّف عنه روايات كاذبة، وبارعة، وخانه.." (ص:32).

وفيما يتعلق بمناقشة جرائم الحرب النازية، يعبِّر إلداد عن "امتنانه" لعدم مبالاة".. المؤسسات المعادية الأخرى، كالفاتيكان والديموقراطيات الغربية، والشيوعية"..(ص:91).

أما فيما يتعلق بقدسية فلسطين بالنسبة إلى المسيحيين، فيواصل إلداد توجيه الإهانات إلى المسيحية، ويقول:

".. لا يبدو ذلك معقولاً، أو مقبولاً من الناحية العقلائية، إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الديانة(المسيحية) ولِدت في هذا البلد فلسطين، وأن كل خرافاتها الأساسية قامت على أحداث معينة مرتبطة بفرضية أن مؤسس هذا الدين ولد ومات هناك، لكن ذلك ليس له أية علاقة بأي ارتباط وطني أو سياسي بهذا البلد.." (ص:103).

أي أن الأحداث المرتبطة بالديانة المسيحية هي "أساطير" يزعَم أنها حصلت في فلسطين ..؟ أمر مثير للاهتمام .. أليس كذلك ؟  لكن؛ كيف أنعم الباحث المحقق إلداد على نفسه –كيهودي- بميزة الانتماء إلى أمة، وهو ينكر على المسيحيين والمسلمين حق الانتماء إلى أمة؟ .. لماذا يستحق أبناء الديانة اليهودية أن يكونوا امة ذات "انتماء سياسي"، ولا يكون للمسلمين أو المسيحيين الشيء نفسه؟

 

نداء سلام للعرب

يخاطب البروفيسور والباحث المحقق إلداد العرب، فيقول: ".. نحن مستعدون للاستقرار بسلام، ولشراء الأراضي، كما فعلنا من قبل- من الذين اتفق أنهم مسيطرون عليها، ولاستعادة الأراضي القفراء والصحارى.. لقد أرغمتمونا على استعمال القوة.. ونحن لم نخرجكم قسراً.. بل هربتم بتشجيع من قادتكم، وكان عملكم أخرق، لقد هربتم لأنه ليس لكم جذور حقيقية في هذه الأرض، التي ليست وطناً لكم. ولو أن القادة العرب، أخوانكم، سمحوا لكم بالاستقرار في بلدانهم، أوطانكم الحقيقية، لكانت مشكلة اللاجئين لدينا قد حلّت منذ زمن بعيد... نحن لم نسمح لإخواننا اليهود بأن يعيشوا عيشة خمول في مخيمات اللاجئين.."(ص117)

 

الصيغة الرياضية للعدالة

بعد حديث ينضح بالعاطفة، يجعل الصهيوني إلداد جمهوره يبكي على "إسرائيل" الصغيرة المسالمة ويسخط على القارة العربية الواسعة التي لا تعرف الرحمة، ويقول: ".. إذن؛ أين هي العدالة التي تقضي بتوزيع عادل لثروة العالم؟.. حاولوا فقط أن تجروا بعض العمليات الحسابية.. 11 مليون كيلومتر مربع لمئة مليون عربي، مقابل 90000كم2 لاثني عشر مليون مواطن يهودي محتمل في الدولة اليهودية. ولكي نبسط العملية الحسابية، دعونا ندور أرقامنا- 11000000، بل دعونا ندوّر هذه الأرقام في الاتجاه الذي لا يخدم مصلحتنا.. لنقل 10000000 يهودي على مساحة 100000 كلم2. حتى مع حساب كهذا، يبقى لدينا 10 أشخاص على الكيلومتر الواحد للعرب ومئة شخص على الكيلومتر الواحد لليهود.

في هذا الحساب البارد، ليس هناك نصيب للتاريخ والعواطف والمعاناة والولاء.. هو حساب عقلاني فوق العادة، يقوم على مبادئ المساواة والعدالة بالمعنى الرياضي المجرد. هل العرب بحاجة إلى دولة؟ أو إلى أراض إضافية ؟.. وفي ضوء هذا الحساب البسيط، هل يستطيع هؤلاء الذين يزعمون أنهم يقيمون العدالة والمساواة أن ينظروا في وجوهنا ؟،، (ص:124-125).

وفي الخطاب الذي وجهه إلى ناشطي القضية الفلسطينية، قال الباحث إلداد:

".. دعوهم يلقون نظرة على الامبراطورية العربية وثرواتها الهائلة.. ثم لينظروا إلى خريطة "إسرائيل" الفقيرة- حتى بحدودها الموسعة. هل يبقى بإمكانهم أن ينظروا إلينا مباشرة ويقولون أنهم مخطئون وأنهم –العرب- على حق؟ هل لديهم الجرأة على إنكار أن هناك حركة تحرر وطنية في العالم اليوم وأن هذه الحركة تناضل من أجل قضية عادلة؟ وأن هذه القضية هي قضية حركة التحرر الصهيونية، التي تناضل من أجل تحرير اليهود..؟" (ص:126).

"... ما من عدالة أعظم من عدالتنا.. ما من فهم أنقى و أقدس من فهمنا.." المصدر السابق.

 

عن الصراع الشرق اوسطي

ينكر إلداد حقيقة أن الصراع هو صراع "إسرائيلي"-عربي، ويؤمن بأن الصراع يهودي- عربي، إلا أنه يوافق على تسميته صراعاً شرق أوسطياً (ص:109)، على الرغم من إصراره على أن الصراع هو يبن العرب واليهود (ص:114).. العرب (العرق الذي يضم مسلمين ومسيحيين ويهودا وملحدين وربما بوذيين)... واليهود (الذين أتوا من إفريقيا وروسيا والعالم العربي.. إلخ) كيف يمكن أن يكون ذلك صحيحا ؟ وماذا عن اليهود العرب اليمنيين، الذين حاربوا اليهود الروس، على سبيل المثال؟.

هو يعتقد أن الصهاينة نالوا موافقة المسلمين من خلال اتفاق وايزمان- فيصل، الذي ورد فيه أن ".. السعودية وافقت موافقة كاملة على الصهيونية".."، (ص: 110) ويضيف أنه "حتى مصر قررت الموافقة على قيام دولة يهودية في أرض "إسرائيل" وفعلت ذلك من أجل الحؤول دون إمكانية ان يصبح للعراق أو سوريا موطئ قدم هناك( في فلسطين) (ص:111). وفيما يتعلق بسوريا، يقدم إلداد مناقشة مثيرة، ويقول أن سوريا تسعى منذ عهد الرومان، إلى نزع الطابع اليهودي عن الجنوب.. وبالنتيجة، وفي سعيها الإمبريالي الحثيث والمتواصل من أجل بسط هيمنتها على العالم الإسلامي، لم تستطع سوريا أن تستحسن فكرة قيام دولة منفصلة على أرض "إسرائيل"، خاصة وأن هذه الدولة هي دولة يهودية...(ص:110).

وفي موضع آخر يستحقر البروفيسور إلداد المقاومة الفلسطينية ضد اليهود والبريطانيين. ويصف سبب هذه المقاومة بأنها تجسيد لحصيلة المساعي التحريضية التي بذلها القوميون السوريون.." ص:111، ويقول بأنه" تم تنظيم عصابات السلب والتجسس، التي كانت مكونة- بشكل جزئي- من المتعصبين وقطاع الطرق المحترفين...

 

الحل الذكي/المعتدل

" نحن هنا لنبقى.. هذا ما يجب أن نقوله للعرب" إنها الصرخة التي أطلقها الباحث المحقق إلداد(ص:151)، ثم أعقبها باقتراح ضم ثلاثة(وجدنا أربعة) حلول بديلة للمشكلة:

1-               العكوف على إثارة الحروب.. لكن الباحث المحقق إلداد يذكر العرب بأن الصهاينة انتصروا في ثلاث حروب" .. لقد انتصرنا في ثلاث حروب كبرى، ووسّعنا أراضينا في كل منها".. (ص:151) (صدر الكتاب في عام 1971). " وسوف نربح الجولة المقبلة أيضاً.. ومرة أخرى، سوف يتم توسيع الحدود لتشمل مناطق جديدة مثل منطقة جلعاد (على الضفة الشرقية لنهر الأردن.. وبالنسبة للعرب" ما من شك في أن الخسارة ستكون أفدح منها في أية جولة سابقة.."(ص:152). ويؤمن الباحث إلداد بأن السوفييت لن يتدخلوا، وبأن التهديد سوف يتمثل في مجرد محاولة ابتزاز أخرى والروس المولودون هنا سوف تهزمهم "إسرائيل" أيضا.(ص:152).

2-               أن يوطّن العرب أنفسهم على القبول بالدولة الصهيونية..وفيما يلي مقطع يستعرض أفضل وصف لرأي السلطة الصهيونية:

".. لديهم بديل آخر، هو أن يوطنوا أنفسهم على القبول بوجود دولة "إسرائيل"، كأمر واقع، بصرف النظر عن كونه عادلا أم غير عادل.. وبإمكانهم أن يرضوا بقدرهم.. وهو الأمر الذي لا يجب أن يكون صعبا جدا على مسلمين تعودوا اعتناق عقيدة جبرية قدرية استكانية.. "كله من الله".. كل شيء يأتي من الله.. لقد شاء الله أن يعود هذا البلد إلى أيدي أبناء إبراهيم وإسحق ويعقوب.. لا الله، ولا محمد، وعد أبناء إسماعيل بهذه الأرض، فأولئك عندهم ما يكفيهم من الأراضي الخاصة بهم. وإذا لم يرض العرب بذلك انطلاقا من قبولهم بما قضت به المشيئة الإلهية وبما أتت به تعاليم القرآن، فإن الحقائق التي يجسدها الاستيطان اليهوديي الجماعي، والتطور الصناعي اليهودي، وتفوق الجيش الإسرائيلي، تتمتع بقوة الإقناع الضرورية.. وكل ذلك ينطق بحقيقة واحدة:.. هذه هي أرض "إسرائيل".. (ص:152).

3-               الفرز العرقي ضروري من أجل إحلال السلام.. وهذا الحل موجّه في اتجاه الفلسطينيين الساعين وراء الحرية، والذين يخاطبهم إلداد بقوله: ".. لهذا السبب، لا يسعنا إلا أن نقول صراحة للعرب الوطنيين: نحن نحترم تماما رغبتكم في العيش داخل دولة عربية.. لكن؛ ليس هنا .. هنا أرض "إسرائيل" وسوف تبقى هنا إلى الأبد.. هذا البلد ليس البلد الوحيد لديكم.. أي واحد يريد أن يعيش في ظل حكم عربي يستحق كل احترامنا .. بل يستحق أكثر من ذلك.. يستحق منا مساعدة فعالة له كي يهاجر ويبني حياته في مثل هذه الدولة، خارج فلسطين.. خارج أرض "إسرائيل"..(ص:155)

هذا الفصل في واقع الأمر هو الحل الذي ينطوي على أقل شر أعظم وأعظم خير (المصدر السابق).

والأكثر إثارة للاهتمام هو الحل البديل الآخر الذي يقدمه الباحث إلداد.. فهو يقدم الحل الذكي المعتدل (ص:159).. ويقترح (ص:158-159) مبادلة ربع الفلسطينيين في فلسطين بثلاثة ملايين يهودي في روسيا. وباعتبار أن 1.4 مليون نسمة لا يساوون 3 ملايين نسمة، يقترح إلداد أن تقدم "إسرائيل" مليونا آخر لروسيا. وهكذا، أيها الفلسطينيون، يقول الباحث أن عليكم " أن تختاروا واحدة من الدول العربية الكثيرة لتعيشوا فيها حياة عربية بكل معنى الكلمة .. وأية محاولة أخرى لن تعود عليكم إلا بالمعاناة النفسية والجسدية"".(ص:161).

 

تهيئة الرأي العام الإسلامي

لدى الباحث إلداد فهم ممتاز للعنصرية والصهيونية والتلمودية، لكن عرضه لوجهة نظر الإسلام مثير للاهتمام لجهة إظهار الخداع والتضليل اللذين تنطوي عليهما الآيديولوجيا الصهيونية.

وقول إلداد بأن الإسلام لم يحلم أبداً بإقامة أي كيان سياسي وطني هنا"(ص:102). بالطبع لا، لان الإسلام حارب وسيحارب دائما الكيانات المنفصلة و النزعات القومية المتمايزة.. هل كان للمسلمين"كيان سياسي وطني منفصل" في أي جزء من شبه الجزيرة العربية بعد الخلفاء الأربعة الأوائل؟.. وعندما استقر خلفاء المسلمين في دمشق أو بغداد، هل جعل ذلك مكة او القدس أقل قداسة، في نظر المسلمين؟.

وقد استشهد إلداد بما أورده أحد المؤرخين، فقال أنه "ليس هناك شيء اسمه فلسطين.. على الإطلاق.. "(ص102). وفي هذا الصدد، يحاول إلداد أن يقيم صلة ذكية بين الفلستينيين (العرق غير السامي الذي غزا فلسطين في نفس العصر الذي غزاها فيه العبرانيون تقريبا) وبين الفلسطينيين الحاليين. لكن، صحيح أن الرومان أطلقوا على هذا البلد اسم فلسطين تبعا لتسمية "فلستينيين"، إلا أن فلسطينيي اليوم لا علاقة لهم بهؤلاء. والحقيقة أن كل الكنعانيين والإسرائيليين(بني "إسرائيل") والفلستينيين تدامجوا بعد أن فتح الرومان فلسطين، وظلوا تحت السيادة الرومانية حتى مجئ الإسلام في القرن السابع.

ويبذل البروفيسور إلداد قصارى جهده من أجل التقليل من أهمية القدس، قبلة المسلمين الأولى التي فيها المسجد الأقصى، وثالث الحرمين الشريفين، بقوله إن الأماكن الإسلامية المقدسة هي أقل أهمية بكثير و أخفض شأنا عند المسلمين مما هي الأماكن المسيحية عند المسيحيين (ص:103). وبعد ذلك، توج إلداد مناقشته بطرحه السؤال الصهيوني التقليدي: ".. ولد الإسلام في شبه الجزيرة العربية. فلماذا كان من الضروري أن يصعد محمد إلى السماء من جبل الهيكل في القدس.. من موقع المعبد اليهودي تحديدا..؟ " (ص:103).

نحن بالتأكيد قادرون على الإجابة عن سؤال الباحث إلداد بسؤال آخر هو: لماذا كان على سيدنا النبي موسى(ع) أن يأتي من مصر إلى فلسطين؟ .. لكن هذا ليس جوابنا الحقيقي. جوابنا على سؤال إلداد وسواه هو أن القرآن عبر عن سبب ذلك: القدس مباركة عند الله وهو الذي اختار أن يعرج بالنبي محمد(ص) من القدس. أما فيما يتعلق بالعروج من على جبل الهيكل تحديدا، فردنا هو التالي:

1-               العرب، أصحاب العيون البنية، هم العرق الوحيد الذي يعود بجذوره إلى إبراهيم السامي (ع)، أبيهم، خلافا لليهود الروس والخزريين، أصحاب العيون الزرقاء، الذين ظنوا أن زعمهم الانتماء إلى اليهود يخولهم التمتع بإرث سيدنا إبراهيم(ع).. كم وحدة وراثية[Gene] كان هرتزل يحمل في خلاياه مقارنة بأي فلسطيني من أصحاب العيون البنية؟ وكيف يمكننا أن نتأكد من أن هرتزل- الذي لم يكن يحضر مراسم السبت- كان يهوديا حقيقيا؟ وأين ورد في التوراة أن الله وعد اليهود الذين لا يحضرون مراسم السبت الدينية بأي شيء؟

2-               أية قدس يتكلم عنها إلداد؟ فقد ورد في التلمود أنه كانت هناك مدينتان تحمل كل منهما اسم القدس. وهذا ما يقوله التلمود في هذا الصدد:"التلمود- ماس. آراحين 32ب..

3-               " هناك مدينتان تحملان اسم قادش؟ فهل كانت هناك مدينتان تحملان اسم القدس؟.."

4-               على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، فشلت السلطات الصهيونية في تقديم ولو دليل واحد على وجود مكان مقدس، أو أماكن مقدسة، تحت المسجد الأقصى، حتى بعد استعمال كل أنواع التكنولوجيات المتطورة في مجال التنقيب عن الآثار.

أي انه في الوقت الذي يملك المسلمون أدلة مادية دامغة على وجود أماكنهم المقدسة، لا يفتقر الزعم اليهودي إلى الأدلة فحسب، بل نجد أيضاً أن كتب اليهود المقدسة تعطي معلومات متضاربة عن مكان وجود القدس. وبالطبع، لن نسأل إلداد عن أصل تسمية "قادش" أو "قدش" (القدس) وما تعنيه بالعربية، فقد بات هذا التزييف مفضوحاً بعد مراجعة تمحيصية لترجمات "العهد القديم" " والتاناح"، وبعد تحليل الكلمة العبرية المشتقة من (كوف-داليث-شين). لكن الموضع هنا ليس مناسباً لتفصيل هذه العملية الاشتقاقية.

 

رياء صهيوني

يقول البروفيسور إلداد أن " اليهود خارج أرض "إسرائيل" يشعرون بقوة الارتباط بالأرض والانتماء إليها أكثر مما يشعر بذلك المسيحيون و المسلمون الذين اتفق أنهم يعيشون على تلك الأرض.."(ص:25).

أي رياء هذا.. والمسيحي ينظر إلى فلسطين على أنها أرض مقدسة ولد فيها يسوع.. والمسلم ينظر إلى القدس على أنها تضم المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟.. هل قرأ الباحث إلداد أفكار المسلمين والمسيحيين ليتوصل إلى هذا الاستنتاج؟.. وإذا كان هذا الحكم مبنياً على أدلة علمية ملموسة (على اعتبار أن إلداد يفضل اعتماد مثل هذه الأدلة في مناقشاته)، فما هي المعلومات التجريبية التي يستطيع إلداد أن يعزز بها حكمه؟.

مجرد حقيقة أن القدس ذكرت عدة مرات في التوراة، ولم تذكر إلا مرة واحدة في القرآن، لا تجعلها أقدس عند اليهود. في القرآن ذكر النبي محمد(ص) أربع مرات فقط، في حين ذكر موسى175 مرة، وإبراهيم 73 مرة، ويعقوب 18 مرة، وإسحاق 16 مرة، وعيسى 29 مرة، فهل يجعلنا ذلك أتباعا لموسى أو يسوع (ع)؟

ولا يتردد إلداد أيضاً عن الإيحاء بأن فلسطين "كانت أرضاً بلا شعب". وفيما يلي بعض مما يقوله عن تسويغ "نقل اليهود إلى فلسطين" خاصة وأن هذا البلد لم يكن خالياً من السكان تماما ص(62). ونحن نشكر الباحث المحقق إلداد على اعترافه بأن فلسطين كانت بلدا، ولكننا نعتبر ما قاله عن فلسطين (لم تكن خالية من السكان تماما) الدليل على غطرسته واستعلائه، فهو يستحقر السكان الأصليين بهذا القول.

ونستطيع القول: إن إلداد قدّم أوضح مثال على أسلوب "تهويش" الجماهير الذي تتبعه المؤسسة الصهيونية. ففي الصفحات 84و 85و 86 (من كتابه) يعتمد إلداد طريقة دراماتيكية في الكشف عن بعض الرسائل الأصلية التي يقول بأنها بعثت من آخر قادة يهودا، سيمون باركوحبا(132- 136م) إلى ضباطه في ميادين القتال ضد الرومان. ويورد إلداد بأن هذا الاكتشاف تم على يد " الجنرال الخبير في علم الآثار القديمة ييغال يادين"، في عام 1953، في صحراء يهودا، وأن الرسائل وجدت "مخبأة". في أوان فخارية محفوظة لسبب مجهول.. وأخيراً؛ وقعت الرسائل في أيد صحيحة، سلمت من جيش لجيش.. من قائد لقائد.."

إنه لتحليل مثير، في غاية الرمزية، ذلك الذي ابتدعه إلداد.. وكأن القائد سيمون باركوحبا أمضى أربعة أعوام من عمره وهو يكتب رسائل إلى قادة ميدانيين لم يكونوا قد ولدوا بعد، ثم حفظ هذه الرسائل في أوان، في مكان ما من صحراء يهودا..

ويقول البروفيسور والباحث المحقق إلداد، أيضاً ".. نحن لم ندمر أية دولة عربية، لأنه لم تكن هناك أية دولة عربية. لكن السؤال هنا يتعلق بحقوق الفلسطينيين.. هل يجب أن نعترف بهذه الحقوق؟ .. هذه الحقوق التي لم تصادر .. لأنها لم تكن موجودة في الأصل.." (ص:116).. وفي الصفحة 117، يمضي إلداد إلى قول إن الصهاينة ليسوا استعماريين.. ليسوا كالفرنسيين في الجزائر والهولنديين في جنوب أفريقيا.. "لقد عدنا إلى وطننا".

أيها الباحث إلداد، هل تريد أن تقول: بأن اليهود اليابانيين الذين استولوا على أرض أبي "عادوا إلى بيتهم".. وأنني أنا الغريب؟.

ثم يعلق إلداد واصفاً أعمال الفلسطينيين وأسلافهم فيقول:".. لقد وعد موسى آباءنا الأولين بأرض تجري فيها أنهار من حليب وعسل.. لكن الذين استولوا على هذه الأرض منا، وسكنوها لفترة ما، تمكنوا من جعلها قاحلة جدباء، بسبب الإهمال..(ص:179).

وبالعودة إلى الإهانات التي وجهها "الداد" إلى الإسلام، نشير إلى ما زعمه من أن الكثير من الفلسطينيين غير العرب اعتنقوا الإسلام تحت شعار "دين محمد بالسيف". ويبدو أن الباحث الداد متأثر كثيرا بسفر التثنية(20:12-13). ربما لأنه لم يجد في القرآن والسنة والتاريخ الإسلامي ما يشير إلى أن المسلمين أكرهوا الآخرين على اعتناق الإسلام. وعلى أية حال، نحن نسلم بأن معظم الفلسطينيين ليسوا عرباً كلاسيكيين (كما حال عرب شبه الجزيرة العربية).. .. إذن من هم؟ .. هل هم من أصل "إسرائيلي" (من بني "إسرائيل") ؟ هل هم من أصل كنعاني؟.. إلخ. وإذا كانوا كذلك، أليس لهم الحق في السيادة على أرض عاش عليها أسلافهم القدامى؟.

 

مجموعات التحرير الصهيونية

في الفصل الثامن(ص:79-93)، يعبر الداد عن إعجابه بكل المجموعات الإرهابية الصهيونية. وهو –بكل بساطة- يبرر تلك النشاطات الإرهابية والمجازر الجماعية التي ارتكبت بحق العرب والفلسطينيين والمدنيين، معتبراً إياها "ردات فعل على استفزازت عربية". لكن، كيف يمكن لعربي من سكان قرية دير ياسين، الذين قضوا ضحايا مجزرة نفذتها مجموعة أرغون وسواها، أن يستفز صهيوني روسي كان قبل ذلك يدرس الماركسية في كنيس؟ .. لا بد من الإشارة إلى أن أولئك الذين انطلقوا في مهام تعليم الماركسية انتهى بهم الأمر إلى الاستيطان في فلسطين، باسم التوراة، لقتل المواطنين الفلسطينيين هناك على أرض زعموا أنها "الأرض الموعودة".

وفي السياق نفسه، يضع البروفيسور والباحث المحقق الداد كل افتخاره في أصغر الجماعات الصهيونية الإرهابية.. جماعة "المقاتلين من أجل حرية إسرائيل".. الجماعة الأكثر نزوعاً لممارسة الإرهاب وتعطشاً لسفك الدماء.. التي لم تتردد عن اغتيال الصهاينة الآخرين الذين اكتفوا بطرح فكرة إقامة دولة "إسرائيل" في فلسطين فقط، دون أن تمتد إلى الأردن. وخير شاهد على هذه النزعة هو ما حصل في حادثة اغتيال آرلوزروف في عام 1933، فآنذاك، كان خطأ هذا المسكين انه خالف المادة الأولى من ثالوث جابوتنسكي:

الصهيونية تعني دولة يهودية داخل الحدود التاريخية لأرض "إسرائيل".. على ضفتي نهر الأردن..بعيد ارتكاب آرلوزروف لهذا الخطأ الفادح سارعت جماعة المقاتلين من أجل الحرية  لـ"إسرائيل" إلى الاهتمام به..


أما عن إمكانية التوصل إلى حل سلمي مع العرب والبريطانيين، فيقول الداد: ".. كان ذلك حلماً طوباوياً.. لأنها (فلسطين) يجب أن تؤخذ من البريطانيين و العرب".. (ص:83).

   

 


حقوق مدنية للفلسطينيين

يقول إلداد أن "الأمة اليهودية تعطيهم (تعطي الفلسطينيين) وتضمن لهم كل الحقوق المدنية كأقلية تجني-بحرية الثمار التي أتى بها اليهود إلى هذا البلد..." (ص:124).

الحقيقة؛ أن القارئ يُصدم عندما يطلع على هذا التأويل الذي ابتدعه البروفيسور إلداد. وهنا؛ لدينا قائمة طويلة من الأسئلة الواجب طرحها، لكننا سوف نثير تساؤلاً واحداً فقط؛ وبعدها نعطي تعليقا على هذه العبارة.


سؤالنا متعلق بالعمود الفقري لموضوع الحق المدني: هل يتمتع الفلسطينيون بحق المشاركة في الانتخابات العامة؟... كلا طبعاً... علماً بأن هذا الحق هو من أبسط الحقوق المدنية التي يجب أن ينالها المرء.


أما التعليق، فيأتي ملائماً هنا لجهة ارتباطه بإتفاقي أوسلو. وهو أن "إسرائيل" تحاول التملص من مسؤولية منح الفلسطينيين حق المواطنة؛ فهي توافق على استقلال محدود في إطار حكم ذاتي، دون الموافقة على حق المواطنة للفلسطينيين- كاملا- في إطار دولة مستقلة ذات سيادة. ويمكن القول أن "إسرائيل" لم تعط الفلسطينيين شيئا... وأن الفلسطينيين لم يحصلوا على شيء من "إسرائيل".. باستثناء"قانون الاعتقال المدني" المطبق بحق الفلسطينيين، والذي لا يختلف أبداً عن القانون الذي طبقه هتلر لمحاكمة وإدانة اليهود.


وعلى المستوى الاقتصادي، يمكن القول إن رفع المعايير المعيشية في أوساط الفلسطينيين لا يمكن أن يتحقق أبدا بمساعدة "إسرائيل". فميزان المدفوعات [المتعلق بتحويل الأموال إلى الأراضي (المحتلة)] طالما كان رابحا لصالح الإسرائيليين؛ ما يعني أن "إسرائيل" – على الدوام- تأخذ من الفلسطينيين أكثر مما تعطيهم، منذ عام 1967. وحالة الغبن هذه موجودة على صعيد تحويل الأموال التي يجمعها الفلسطينيون العاملون في كل أنحاء العالم ويرسلونها إلى أسرهم في فلسطين؛ وأيضا على صعيد المساعدات والقروض المحولة إلى الفلسطينيين من قبل المنظمات الدولية.


 


 

 


 


 

تشويه صورة اليهود الأرثوذكس

يعترف الباحث المحقق إلداد بحقيقة أن الصهيونية ليست نابعة من داخل اليهودية؛ بل هي تجسيد مادي للآلة الصهيونية؛وإليكم ما يقول:

<<... باستثناء قلة  قليلة من حاخامات القرن التاسع عشر، الذين استنبطوا "فلسفة العودة الى صهيون" من المصدر الداخلي اليهودي، بقيت القيادة الدينية بغالبيتها متأبية للعقيدة الصهيونية السياسية او معادية لها...>>.(ص:27).


ويوضح إلداد أن أولئك الناس المتدينين كانوا خائفين من الصهيونية لأنهم ظنوا أنها "حركة مبتدعة".


والحقيقة أن جميع اليهود الاورثوذكس تقريبا، وخاصة منهم المتدينون الملتزمون، رفضوا الصهيونية على أساس العلاقة بينها وبين الماركسية و/أو الاعتقاد اليهودي بأنهم لا يستطيعون أن يحكموا أو يفتحوا "أرض إسرائيل" إلا بعد عودة المسايا (المسيح المخلص). وهناك العديد من اليهود الارثوذكس الذين مازالوا لا يعترفون بدولة "إسرائيل" حتى اليوم، بعد أن أدركوا أن الصهيونية ليست مبتدعة أو مزيفة. ومن بين الحركات التي ترفض الدولة الصهيونية انطلاقا من أسس دينية، هناك حركة "ساتمار" وحركة "ناطوري كارتا" (حرّاس المدينة)، اللتان تعتبران أن التوراة "لا يسمح" لليهود بفتح أو حكم فلسطين قبل عودة المسيح.


ويلجأ إلداد إلى استخدام "الثورة الصهيونية" و"الثورة اليهودية" بشكل تبادلي. وبالطبع، لسنا بحاجة إلى الكثير من الأدلة كي ندرك أن الصهاينة ليسوا كلهم يهودا... وأن اليهود ليسوا كلهم صهاينة.


وبأسلوب ينطوي على كثير من الإهانة والتحقير، ويستهدف اليهود الارثوذكس غير الصهاينة، يقول الباحث المحقق إلداد أنه عندما استولى الجيش الإسرائيلي على الحائط الغربي في القدس (في عام 1967)، "... بلغت الهزة (النفسية) عند اليهود العصريين غير المتدينين، في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، مبلغها عند سكان "ميئاه شعاريم" الاورثوذكس، الذين يحملون التعويذات ويغطون رؤوسهم بشالات الصلاة..." (ص:165) [ملاحظة: معظم سكان "ميئاه شعاريم" هم يهود أرثوذكس معادون للصهيونية، ينتمون إلى حركة "ناطوري كارتا"، يقفون بقوة في وجه الدولة الصهيونية، ويصفون الصهاينة بالآثمين والملحدين... الخ. وجدير بالذكر أن هؤلاء اتخذوا موقفاً موالياً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وطالبوا بتمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني. وإلى جانب "ميئاه شعاريم"، لديهم مئات الآلاف من الأتباع، وخاصة في "بني براك "، وفلسطين، وبروكلين (نيويورك)]. وهذا لا ينطبق على اليهود الاورثوذكس فحسب.


ويقول البروفيسور إلداد: إن كل اليهود الذين يعيشون خارج "إسرائيل" هم "آثمون". ثم يضيف: "...عندما لا يكون هناك حكم اجنبي يعيث فسادا في الارض (أرض فلسطين)، يكون العيش في الشتات خطيئة كبرى..." (ص:170).


 


تصريحات مغلوطة

"...الايمان بصهيون [فلسطين]، كوطن لليهود، ظل موجوداً ولم يتم التخلي عنه في يوم من الأيام..."(ص:24)

هذه العبارة متضاربة مع حقيقة أن الكونغرس (المؤتمر) الصهيوني وافق على أوغندا- كوطن لليهود- في انتخاباته الاستفتائية الأولى. ثم تم التخلي عن فكرة أوغندا فيما بعد؛ ما يعني أن كلام الباحث إلداد ليس صحيحا. ففي حزيران 1903، قَبِل هرتزل رسميا بفكرة اعتبار أوغندا كوطن قومي (يهودي)؛ وكان من بين الشخصيات اليهودية الهامة التي اقترعت لصالح اعتماد هذه الفكرة. لكن بعد وفاة هرتزل في عام 1904، إضطر الصهاينة للرضوخ لمطلب الوفد الروسي الذي أصر على المشروع الفلسطيني، بعد اتهام هرتزل (في كييف) بأنه كان "عميلاً إمبريالياً" لا بد من "اغتياله". وعلى الرغم من ذلك ظل بن غوريون معارضا لفكرة إقامة الوطن اليهودي في فلسطين، حتى بعد صدور القرار بذلك.


في أقل من مقطع (ص:46)، يلجأ الباحث إلداد إلى مقاربة استنباطية استدلالية لتوكيد موضوعية الثورة اليهودية والتأكيد على أن اليهود لن يهدأ لهم بال إلا إذا عادوا إلى فلسطين. وهو لا يحرف مفهومي الاستنباط والاستدلال فحسب، بل يعطي صورة مشوهة عن التوراة أيضا، حين يقول: ("...وبين تلك الأمم لن نجد أي أية راحة...")، قاصداً أن اليهود لن يشعروا براحة البال وهم خارج فلسطين(ص:41). وهنا؛ تجدر الإشارة إلى نقطتين هامتين فيما يتعلق بسِفر التكوين (29:56): إحداهما تتعلق بمناقشة قدر أو مصير بني "إسرائيل" في فترة زمنية محدودة؛ كما يبدو واضحا من خلال الآيات الأربع اللاحقة.


 والثانية تتعلق بتعاطي إلداد مع اليهود غير الارثوذكس (وبعض اليهود الارثوذكس).


 ففي هذا الصدد؛ يقول إلداد- في السطر الرابع من المقطع الثاني- أن التوراة كتاب منزل من عند الله:<<...في التوراة... قانون الله...الخ...>>؛ وهذا يشكل نقصا واضحا لفلسفة المادية (الدنيوية) من أساسها. لكن، عندما تكون الغاية مبررة للوسيلة، تغدو مفاهيم "الله" و"الدين" و"التوراة"... مجرد "أدوات".


 


تكذيب المصطلحات والحقائق

في معظم فصول كتابه، يحاول الباحث إلداد إعطاء انطباع دائم بان الصهيونية هي "حركة يهودية بحتة"؛ لكن هذا ليس صحيحا طبعا. وبإمكانكم أن تسألوا نتنياهو عن سبب تسميته بهذا الاسم...تيمُّنا بمن؟

وإذا سألتموه، سوف يخبركم أن أباه سماه باسمه تيمناً بصهيوني مسيحي "عظيم".


ثم يسأل الباحث إلداد: <<...لماذا لم نسمع أبداً عن حركة صهيونية عربية؟...>>(ص:122)...


...أنا متأكد من أن القراء يعرفون أن هناك صهاينة عرب. من هم العرب (المسلمون والمسيحيون واليهود) الذين يجلسون في البرلمان الإسرائيلي ويتكلمون باسم حزبي الليكود والعمل الصهيونيين؟...هذا ليس جوابنا الحقيقي؛ لكنه مباشر او مقتضب.


إحدى هذه الحقائق التي يكذبها الباحث إلداد هي تلك المتعلقة باغتيال حاييم ارلوزوروف، في عام 1933.


فبعد قتل الأخير، الذي كان يهوديا اشتراكيا، سرت شائعات تقول أن منفذي عملية اغتياله كانوا عربا، حسب الباحث إلداد (ص:65). لكن على الرغم من عدم وجود أدلة على هوية القتلة، لا بد من الإشارة إلى أن العرب كانوا الأكثر حرصا على حياة ارلوزوروف. فالاخير لم يكن يؤيّد فكرة "إسرائيل" الكبرى (على كلتي الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن) التي أكدت عليها المادة الأولى من "البيان السياسي العام الثلاثي" الذي وضعه جابوتنسكي(ص:64). وكان معروفا أيضاً أن ارلوزوروف عارض الإرهاب الذي مارسته جماعتا "أرغون" و"المقاتلون من أجل الحرية "لإسرائيل" "... ولهذا السبب تم اغتياله. والحقيقة هي أن كل أصابع الاتهام كانت تشير إلى جماعة "المقاتلون من اجل الحرية "لإسرائيل" "...جماعة إلداد... الأصغر بين الجماعات الإرهابية الصهيونية. وفي عام 1948، عثر على رسالة موقعة من قِبَل ارلوزوروف، مبعوثة الى حاييم وايزمان، مفادها أن الأول يعترض على توسيع نطاق الاحتلال العسكري للضفة الشرقية ويقترح التعاطي سلميا مع الفلسطينيين العرب المحليين. لكن الباحث إلداد يعود إلى نقض استنتاجه، في المقطع الثاني، حيث يقول: <<...بقي اقتراح ارلوزوروف سرّا بينه وبين وايزمان (إلا إذا كان البريطانيون توصلوا إلى معرفة شيء عن هذا الموضوع)... وفجأة، قُتل... على يد من؟...>>.


منذ مقدمة كتابه تبنّى ارلوزوروف التعريف الأكثر انحرافا الذي نجح الصهاينة في صوغه؛ فقد نجح هؤلاء الصهاينة في إسباغ صفة "الأمة" على انفسهم. وفي جملته الأولى يتكلم الباحث إلداد عن اليهود (كشعب)؛ لكنه يجعل منهم "أمّة"في آخر المقطع نفسه. وقد تجرّأ البروفيسور إلداد- أيضاً- حتى على وصف اليهود بالجماعة ذات الصفة السلالية الفريدة ("...اليهودي- بأنفه الطويل المعقوف...") (ص:10).


* الثقافة: في إشارة إلى اليهود، يقول إلداد:<<...إنهم ملتزمون التزاما قويا بثقافتهم...>> (ص: 15). 


من المؤكد أن الباحث إلداد يعرف ما هي الثقافة... وإذا كان لا يعرف، بإمكانه أن يستعين بقاموس. وهنا نشير إلى تعريف قاموس "وبْسْتر"-الطبعة الثالثة للثقافة بأنها: "... أفكار وعادات ومهارات وفنون...إلخ  شعب أو جماعة ما، المنقولة- اكتسابا أو إيصالاً أو تمريرا- إلى الأجيال اللاحقة  أو عبرها...".


وانطلاقا من هذا التعريف نطرح الأسئلة التالية:


·            هل يحمل يهود اثيوبيا واليمن وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأفكار ذاتها؟ والحديث هنا هو عن يهود "الفلاشا" السود، لأنهم- بكل بساطة- لا يملكون "تلمودا"، ولا يستطيعون بالتالي أن يمارسوا العديد من الشعائر الرسمية، كالزواج وإقامة الجنائز، في "أرضهم" التي "أعطاهم إيّاها الله".

·            ماذا عن العادات؟ والمهارات؟ والفنون؟... نأمل أن لا يكون البروفيسور إلداد قد عنى أن لليهود الفلاشا نفس العادات والمهارات الموجودة عند يهود فرنسا واليمن والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والعراق...الخ!

 


بعد ذلك، يلمح الباحث إلداد إلى رأي اليهود الارثوذكس، الذين يعارضون الدولة الصهيونية في فلسطين؛ ويقول: <<...حتى اليهود الاورثوذكس، الذين لم يسعوا يوما وراء التحرر من العبودية والاندماج الاجتماعي، رفعوا أصواتهم معترضين (على الدولة الصهيونية في فلسطين)... لكنهم لم يعترضوا على الفكرة من حيث المبدأ (لكونها مشابهة للفكرة "الخلاصية" التي يؤمنون بها...)؛ بل اعترضوا على طريقة إنجاز الفكرة...>> (ص:59).


هذا التقديم المضلل والفظيع يبدو واضحا للغاية. فمن جهة، يصف إلداد الصهيونية بأنها "...فكرة خلاصية..." (مرتبطة بفكرة "الخلاص على يد المسيح")؛ لكن، إلى أي حد يبقى هذا الادعاء صحيحا عندما لا تكون الصهيونية إلا مجرد "تصوير علماني"، إن لم نقل أدنى درجة حتى؟ كما شاهدنا آنفا، اعترف إلداد بذلك في مواضع أخرى من الكتاب. وعندما ننظر أيضاً إلى حقيقة أن "آغودات" بكامله (الذي يمثل غالبية اليهود الارثوذكس) كان معارضا للصهيونية قبل عام 1935، نجد أن ذلك لم يكن مخالفا "للطريقة"، كما يقول الباحث إلداد. المسألة كانت مسألة وقت وناس ودين وتحالف... ولم تكن مسألة منهجية في يوم من الأيام. وعلى الرغم من ان الصهاينة كانوا ناجحين في مداهنة العديد من اليهود الارثوذكس، نلاحظ أن "الناطوري كارتا" و"ساتمار" وأعضاء العديد من الجماعات الطائفية اليهودية الارثوذكسية الأخرى- الأصغر حجما- مازالوا يشهدون، حتى اليوم، على أن "المنهاج" أو "الطريقة"، اللذيْن تحدّث عنها إلداد، لا يمثلان المبعث الوحيد للخلاف. إذ أن فكرة الصهيونية  ليست سوى كفرا وإلحاداً وإثماً كبيراً...إلخ، بالنسبة إلى مدارك اليهود الاورثوذكس. وإذا كان ما يقوله إلداد صحيحاً، لماذا إذن يطالب "الناطوري كارتا" بتمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني وفي المؤسسات الأخرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية؟


وببساطة؛ يرفض إلداد القبول بمقولة أن المسلمين مشتركون في النضال من اجل تحرير فلسطين، ويقول: <<... أصبحت الحروب الدينية قديمة الطراز... لم تعد ملائمة لعصرنا الحديث...>>(ص:104). وقد يحاول إلداد أن يجيب عن سؤال: ماذا عن اليهود؟... وباسم ماذا احتلوا فلسطين؟... فيقول: <<...لم تعمد الصهيونية أبداً إلى استحضار واستنفار الدافع الديني... بل قامت على أساس الحقوق والاحتياجات الوطنية /القومية للشعب اليهودي...>> (المصدر السابق). وهذا يقود إلى استنتاج: يرى الصهاينة أن اليهود الفلاشا الأفارقة واليهود الروس واليهود الأوروبيين واليهود العرب... هم من قومية واحدة... وأن الشيء نفسه لا ينطبق على المسلمين أو المسلمين الفلسطينيين.


 


إنطباع عام

الانطباع العام الذي يكونه المرء بعد أن يقرأ الكتاب يتوقف على مداركه عن الصهاينة والصهيونية، وعلى تجربته العملية في هذا الصدد. ومما لا شك فيه أن ذوي الخبرة القليلة أو المعدومة سوف تأخذهم العبرات في هذا الموضع أو ذاك. لكن أصحاب التجارب العملية سيصابون بالذهول لرؤية المقاربات المتعددة والمتضاربة التي يتعاطى بها الباحث إلداد مع الحقائق والأحداث التاريخية. والذين يعرفون واقع الصهيونية، يستطيعون أن يقرأوا الرسائل الثلاث التي تحملها كل عبارة من عبارات إلداد، وهي: رسالة "الكذب الصريح"؛ ورسالة "الكذب المبطن" ورسالة "الرياء/النفاق". وأنا شخصيا لم أُحص عدد المرات التي ذكر فيها إلداد المحرقة والستة ملايين يهودي "...الذين احرقوا وصنعت قطع الصابون من لحمهم..." لكنني متأكد من أن القارئ  سيمر على هذه العبارة عدة مرات، في مقامها تارة وفي غير مقامها تارة أخرى. لكن، لماذا على الفلسطينيين أن يعانوا من آثار المحرقة؟


وفي نواح أخرى، لا يجعل إلداد القرّاء يعيشون الماضي فحسب، عندما كان الفراعنة يطاردون اليهود؛ بل يقول أيضاً وبكل صراحة: <<...نحن نعيش في ايام يوسف وموسى ويهوشع وداوود، في آن...>> (ص:56). ويصف المصريين الحاليين بأنهم "...فراعنة اليوم الزائفون..." ولعل هذا هو الذي جعل الكتاب بمثابة عامل تحفيز ودفع لأولئك اليهود الذين يتمتعون بمخيلة واسعة وجامحة، من أمثال غولدشتاين وعضو الكنيست رحبعام زئيفي.


وفي كل فصل من فصول كتابه، يعبّر إلداد عن حزنه العميق على الستة ملايين نسمة؛ لسبب أو لغير سبب. لكن المذهل هو أن الباحث إلداد ينتحب على هؤلاء ليس لأنهم كانوا بشراً تعرضوا لمعاملة وحشية قائمة على التعصب، ... نفس التعصب الذي يحمل –هو- لواءه... بل ينتحب عليهم لسبب مختلف. وإليكم عينة من الاساليب التي اعتمدها في التعبير عن أساه العميق: <<... كم مليونا كان يمكن إنقاذهم، ليعيشوا الآن في "كومنولثٍ داودي عظيم؟... هذا فصل آخر...>>(ص:88).


...نعم ... الصهاينة يشعرون بالحزن على ضحايا المحرقة بسبب حلمهم الكبير... لأن حلم "إسرائيل الكبرى"... حلم "الكومنولث الداودي" لم يتحقق بالمستوى المطلوب. فهناك قوة بشرية يهودية؛ لكنها غير كافية للاستيلاء على الأردن، كما قال شارون- مهدداً- في عام 1983. إلا أن الفلسطينيين سيذكرون دائما "قانون الاعتقال المدني" وضحاياه، من ألمانيا إلى فلسطين.


 


 

 



2016-03-15 12:52:01 | 8763 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية