التصنيفات » ترجمات

الأمم المتحدة و"إسرائيل"

 

الأمم المتحدة و"إسرائيل"

معهد المشروعات الأمريكي American Enterprise Institute

آب 2004

 

 

 

 

المشاركون

تال بيكر (Tal Becker) بعثة "إسرائيل" الدائمة لدى الأمم المتحدة.

مارك لاغون (Mark Lagon) وزارة خارجية الولايات المتحدة.

كارين فان ستيجيرين (Karen Van Stergeren) السفارة الهولندية [الشاغل الحالي لمنصب رئاسة الاتحاد الأوروبي].

روث ويدجوود (Ruth Wedgewood) جامعة جونز هوبكنز.

 

رئيس الجلسة

جوشوا مورافتشيك (Joshua Muravchik)، معهد المشروعات الأميركي AEI.


محضر الندوة

السيد مورافتشيك: لقد عقدنا خلال هذه السنة سلسلة من الندوات التي تتناول مواضيع تتعلق بالأمم المتحدة، وسنستمر في عقد المزيد منها خلال الخريف القادم. إننا نتوقّع عقد ندوتنا القادمة في وقت ما خلال شهر أيلول في موعد لم يحدد بعد، وستكون حول الوكالة العالمية للطاقة الذرية والمواضيع التي تواجهها الآن.

إن موضوع ندوتنا هذا الصباح –كما تعرفون- هو الأمم المتحدة و"إسرائيل"، فـ"إسرائيل" أمّة تتميّز بعلاقاتها الفريدة مع الأمم المتحدة. إن ولادتها كأمة كانت بناء على قرار من الأمم المتحدة، وخلال السنوات الأخيرة لم تستحوذ أمّة من الأمم على انتباه واهتمام الأمم المتحدة مثلما فعلت "إسرائيل"، كما وأن أي من الأمم لم يكن لها نفس الوضع التركيبي داخل الأمم المتحدة كـ"إسرائيل".

بالطبع، هذه العلاقة الخاصة صارت مؤخراً موضوعاً متداولاً بكثرة في الأخبار نتيجة إحالة الجمعية العمومية موضوع إنشاء "إسرائيل" "للجدار" إلى محكمة العدل الدولية.

لدينا هذا الصباح أربعة متحدثين مميّزين، وإنني ممتن جداً لكل منهم لموافقته على الحضور والمشاركة. ثلاثة منهم يمثلون حكومات والرابع أكاديمي مستقل. لذلك سيكون الأكاديمي آخر المتحدثين كي تكون له الكلمة الأخيرة، بينما سيكون ممثل حكومتنا أوّل المتحدثين. لديكم داخل الحوافظ هؤلاء المشاركين، ولذا، سأعفي نفسي من مهمة تقديمهم أو التعريف بهم لأنكم تستطيعون قراءتها بأنفسكم. ولكن، كون العديد من شبكات التلفزة ستقوم ببث هذه الندوة، ونظراً لأن ليس لدى المشاهدين حوافظ مثلكم فوق كراسيهم، لذا سآخذ قليلاً من الوقت لإعطاء تعريفٍ موجزٍ عن كل من متحدّثينا.

الأول هو ممثل لحكومة الولايات المتحدة وصديق حميم لي يدعى "مارك لاغون"، يشغل حالياً منصب الوكيل المساعد لوزير الخارجية لشؤون التنظيم الدولي. قبل شغله لهذا المنصب كان "لاغون" يعمل ضمن طاقم موظفي تخطيط سياسة الوزارة كأحد كبار أعضاء لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ، وما يجعله أكثر قرباً إلى قلبي إنه قبل ذلك بكثير كثير كان أحد موظفي "معهد المشروعات الأميركي". إنه مارك.

السيد لاغون: كم هو رائع أن أعود إلى "معهد المشروعات الأمريكي". أيامها كنت أعمل مع المندوبة الدائمة السابقة للولايات المتحدة – السيدة جيني كيركباتريك- حينها كان يتم تشذيب وتقييم العديد من وجهات النظر التي كنت أحملها، والتي تتعلّق بما على "إسرائيل" أن تتوقعه في الأمم المتحدة، وذلك عبر الدروس التي علّمتني إياها السيدة كيركباتريك إثر عودتها من عملها الذي دام خمس سنوات متتالية لدى الأمم المتحدة. ولسوء الحظ لم تحدث منذ ذلك الحين أية تغييرات تذكر. يبدو وكأننا قد عدنا إلى ما يشبه الفترة المستقبلية التي كانت سائدة منذ عقدين من الزمن بالنسبة لوضع "إسرائيل" في الأمم المتحدة.

"إسرائيل" هي الديموقراطية، إنها أكثر ديموقراطية من الأمم الأخرى في المنطقة، وبالرغم من ذلك فإن سيادتها وحقّها بالدفاع عن نفسها غالباً ما يكونان عرضة للمساءلة لدى منظومة الأمم المتحدة. إن التقدّم الجوهري الذي تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من الدول الأخرى لبنائه في مجال خلق آليات مناهضة للإرهاب داخل منظومة الأمم المتحدة فيه ثقب في وسطه، وهذا الثقب يتعلق بالإرهاب المصوّب نحو "إسرائيل". إن العديد من شعوب الأمم المتحدة، ممّن هم مستعدون لتجميد تمويل الإرهاب ومحاربته، نراهم غير مستعدّين لتعريف العنف والنشاطات المنظّمة الهادفة لمسح "إسرائيل" من على وجه الخريطة بأنه إرهاب، وهذا ما يجعل منظومة مناهضة الإرهاب داخل الأمم المتحدة كقطعة من الحلوى (دُوْنَت) بثقب كبير في وسطها.

ولكن إحدى مصادر القلق من وجهة نظر الولايات المتحدة هي عملية اللاتوازن، المرتبطة بالقرارات التي يتمّ تبنّيها ضد "إسرائيل"، وهو عدم توازن من ناحيتين. الأكثر أهمية هو أن العدد الهائل من القرارات المخصصة لـ"إسرائيل" هو في الحقيقة غير ملائم. للأمم المتحدة عمل هام جداً تقوم به سواء ارتبط ذلك بحقوق الإنسان أو بالتنمية الاقتصادية أو بشؤون الأمن، وهذا الكم الهائل من الوقت الذي تخصصه لبلدٍ واحدٍ هو أحد المواقف المثيرة للجدل، التي تستحق بعض التركيز، والتي نعتبرها عملية إلهاء من جانب العديدة من الحكومات الاستبدادية التي تستحق ملفاتها دراسة جادّة لما تحتويه من مشاكل تنموية وأمنية.

ولكن، هنالك عدم توازن أيضاً حتى داخل القرار الواحد إن كان ذلك القرار يتعلق بـ"إسرائيل"، لأنه عادة نجد أن القرارات المتخذّة داخل مجلس الأمن، وخاصة داخل الجمعية- بناء على اقتراح مقدّم من الآخرين، تؤدي إلى قيام بعثة حقوق الإنسان بتفحّص مسؤوليات "إسرائيل" ... مسؤوليات "إسرائيل" في كبح جماح نفسها، ولكن دون النظر في الوقت نفسه إلى مسؤوليات السلطة الفلسطينية أو مسؤوليات الشعب الفلسطيني في منع وحصر الإرهاب، وبالتالي خلق مسؤوليات وشفافية وحكومة غير متعصّبة في الجانب الآخر. إن وجهة النظر القائمة على أساس دولتين حسب ما أوضح لرئيس بوش –أي "إسرائيل" وفلسطين المستقبلية- كلاهما مسؤول وديموقراطي، يعيشان بسلام جنباً إلى جنب هو أمر غير ممكن طالما أنه، وبصورة منتظمة، يتم اتخاذ قرارات في الأمم المتحدة تنظر فقط إلى مسؤوليات طرف واحدٍ مُظهرة معاصيه وأخطائه المزعومة، أي طالما ينظر إلى جانب واحد فقط من المعادلة.

هنالك أمثلة صغيرة وقليلة على النجاحات أو التحسينات الخجولة التي حصلت داخل الأمم المتحدة فيما يتعلّق بهذا اللاتوازن. لقد حققت الولايات المتحدة هدفها في مسارح الحدث المختلفة بالأمم المتحدة، والذي يرمي لدمج القرارات المتخذة ضد "إسرائيل"، وقد نجحت في حالة واحدة فقط تتعلّق ببرنامج الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، إذ تم دمج عدد من القرارات في قرار واحد لدى الجمعية العمومية السنة الماضية. وإن أنت نظرت إلى ما حدث في دورة فصل الربيع لتلك السنة، أو إلى بعثة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، فسترى حقيبة متفاوتة المحتويات، وإن أنت نظرت إلى الكوب واعتبرته نصف ممتلئ، أو بكلمة أخرى لو حاولت أن تكون متفائلاً في نظرتك إلى الأمور، فإن أقصى ما تمّ تحقيقه من نجاحات هو عدم وجود عدد كبير من القرارات المعادية لـ"إسرائيل".

واحد فقط من القرارات التي لم تستند إلى أي أساس قد تمّ استبعاده فعلاً من الشعائر السنوية لبعثة حقوق الإنسان، وهو قرار يتعلّق بمحتجزين لبنانيين تحتجزهم "إسرائيل". وهذا خفّض العدد الكبير من القرارات قراراً واحداً، ثم جاء دور البهيمية المضحكة في بعثة حقوق الإنسان وذلك بتعيين جلسات خاصة لمناقشة أمور عاجلة. وقد كان هنالك جلسة خاصة واحدة عندما أمسكت "إسرائيل" أمنها بكلتي يديها وقامت بتصفية قائد حماس. وهذه الجلسة الخاصة قد دعت إليها باكستان، حيث تم اتخاذ قرار بإدانة "إسرائيل" على فعلتها تلك، وهو قرار أعدّته الباكستان. ولكن جلسة خاصة مماثلة كان من الممكن أن تُعقد، وذلك عندما تم قتل زعيم ثانٍ لحماس أثناء انعقاد جلسات الأسابيع الستة لبعثة حقوق الإنسان، ولكن ذلك لم يحدث.

وهكذا يمكنك الحصول على نوع من الاندفاع، إذ كان من الممكن الحصول على كمّ هائل من القرارات ضد "إسرائيل"، ولكن –بكل أسى- لم يحصل أي انخفاض في عدد تلك القرارات.

من الواضح أننا نواجه الآن قرار محكمة العدل الدولية داخل منظومة الأمم المتحدة والأصداء التي سيحدثها ذلك القرار في مسارح الحدث. لقد تمّ تمرير قرار غير متوازن في الجمعية العمومية بالرغم من أن قرار محكمة العدل الدولية هو قرار غير ملزم. إنه ليس قرارً مقدّماً من قبل "إسرائيل" كطرف مثلما هو الإجراء الاعتيادي لدى محكمة العدل الدولية. لقد خاب أملنا عند رؤيتنا عدداً قليلاً من الشعوب مستعدّة لتقول "لا" لذلك القرار. في الحقيقة، لقد خيّب أملنا الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، حينا قام بتوجيه أسئلة قانونية عند بداية عملية محكمة العدل الدولية تتعلّق بأهلية هذه المحكمة للنظر في تلك القضية مقترحاً عدم أهليتها للنظر وللفصل فيها. ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي قد صّوت لصالح القرار.

قد يكون هنالك إجراءات لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مترتبة على صدور القرار عن الجمعية العمومية ومرتكزة على قرار محكمة العدل الدولية. سوف نقرأ النص. علينا أن نقيّم النص. ولكن، كونوا على ثقة تامّة بأن الولايات المتحدة ستكون مستعدّة للقيام بما يلزم –إذا دعت الحاجة- لإعادة دراسة الحالة الموضوعية للنص من أجل منع صدور قرار شامل غير متّزن.

هنالك عدد من النقاط التي أريد ملامستها لو سمحتم لي. فيما يتعلّق بـ"إسرائيل" هنالك موضوع لدى الأمم المتحدة هو معاداة السامية. لقد عارضت مجموعة من الدول اعتبار السامية كشكل من أشكال الكراهية في قرارات الأمم المتحدة. لقد أحرزنا بعض النجاح الطفيف في زيادة عدد مرجعيات معاداة السامية كأداة معاقبة في مسارح الحدث بالأمم المتحدة. فخلال الانعقاد الأخير للجمعية العمومية تم اتخاذ قرارين يتضمنان إشارة إلى معاداة السامية. الأول ... قرار البرازيليين بشأن تعارض العنصرية مع الديموقراطية، وهو ما أضاف مرجعية جديدة إلى مرجعيات معاداة السامية، والقرار الثاني هو متابعة التغيّر المريع في مؤتمر ديربان [Durban Conference] حول العنصرية وممارستها. ولم تتمكن الولايات المتحدة من المشاركة لدعم ذلك القرار ولمتابعة المؤتمر نفسه، إلا أنها كانت سعيدة بنتائجه لأنه –هو الآخر- قد أضاف مرجعية جديدة لمعاداة السامية.

في بعثة حقوق الإنسان، خلال فصل الربيع –لم يتمّ فقط اتخاذ قرارين مطابقين للقرارين المتعلّقين بالعنصرية والديموقراطية اللذين تم اتخاذها، بل جرى أيضاً اتخاذ قرار حول التعصّب الديني تضمّن هو الآخر مرجعاً إضافياً محدداً لمعاداة السامية.

السنة الماضية، وخلال اجتماعات الجمعية العمومة للأمم المتحدة عبّر الإيرلنديون –الذين كانوا يشغلون منصب رئاسة الاتحاد الأوروبي آنذاك- عن تحفّظهم تجاه اعتبار اللاسامية شكلاً من أشكال الكراهية، وذلك في قرار حول التعصّب الديني... مُبدين حماسهم الشديد لإبقاء ذلك القرار "نظيفاً"، دون تعداد أشكال الكراهية، مُتذرعين بعدم ذكر كافة أنواع وأشكال الكراهية لئلا يصبح القرار شبيهاً "بقائمة الغسيل". لقد حصل نقاش مُقتضب حول اتخاذ قرار مستقل بشأن معاداة السامية، أيّدته إلى حد ما الشعوب الأوروبية؛ ولكن الشعوب العربية والإسلامية وقفت بصلابة ضد اتخاذ مثل هذا القرار المستقل. لقد سُرِرنا لأنه منذ ذلك الحين تم اتخاذ قرار في بعثة حقوق الإنسان يتعلق بالتعصب الديني ويتضمّن معاداة السامية، كما وأننا نأمل بأن يُؤتي عملنا مع الاتحاد الأوروبي –الذي سيرأسه الألمان- ثماره هذه السنة بحيث يتم اعتبار "معاداة السامية" شكلاً من أشكال التعصّب الديني.

أعتقد أن آخر ما أريد الإشارة إليه هنا هو سبب عدم التعامل مع "إسرائيل" –بشكل عام- كأمة عادية وطبيعية، لها نفس حقوق الدول الأخرى داخل منظومة الأمم المتحدة، لقد رفضت المجموعة الآسيوية –وهي المكان الطبيعي الذي تنتمي إليه "إسرائيل"- عند انعقاد المداولات لاختيار المرشحين لمناصب هيئات الأمم المتحدة، رفضت قبول "إسرائيل" كعضو فيها، بالرغم من أن "إسرائيل" –وأقولها مرّة أخرى- هي الأمة الأكثر ديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط، كما وأنها بالفعل أكثر ديموقراطية من العديد من دول المجموعة الآسيوية. وهكذا قامت المجموعة الغربية التي تعرف باسم "المجموعة الأوروبية الغربية والدول الأخرى" بالسماح لـ"إسرائيل" بالانضمام إليها ضمن "ردهة نيويورك" التابعة للأمم المتحدة، وذلك بغية إجراء عملية الاقتراع.

ولكن حتى ضمن تلك المجموعة الغربية، لا تزال "إسرائيل" محرومة من القيام بدورها في مسارح الأمم المتحدة، سواء كان ذلك في جنيف أو فيينا أو نيروبي، وهي الأماكن التي تمارس فيها الهيئات والوكالات التابعة للأمم المتحدة أعمالها. لقد دأبت الولايات المتحدة على التأكيد بشكل دائم على ضرورة إدخال "إسرائيل" إلى كافة مسارح الأمم المتحدة سواء الغربية منها أو الأوروبية أو "الدول الأخرى"، وذلك من أجل عمليات اختيار الأشخاص المرشحين لمناصب الأمم المتحدة. عندما باشرنا جهود الأسابيع الستة لدى بعثة حقوق الإنسان هذا الربيع، لم يتحدث رئيس الوفد الأميركي لدى "المجموعة الأوروبية والدول الأخرى" –السيد ريتشارد وليامسون- (Richard Williamson) عن القرارات الموضوعة أمام "بعثة حقوق الإنسان"، بل طالب قائلاً أنه يتوجب أن تكون "إسرائيل" جالسة إلى جانبنا على هذه الطاولة.

ولكن عندها –كما هو معتاد- جوبه برفض الاتحاد الأوروبي الذي أفاد بتعذّر الوصول إلى اتفاق جماعي بشأن قبول "إسرائيل" ضمن المجموعة، مما يعني أن عدداً من الدول –داخل الاتحاد الأوروبي- لا ترغب بوجود "إسرائيل" معنا ضمن المجموعة الأوروبية لأن العديد منها يعتبر بأن "إسرائيل" بحد ذاتها مشكلة بالنسبة لحقوق الإنسان، وبالتالي هي ليست شريكاً لدى بعثة حقوق الإنسان وليست مؤهلة للتعامل مع حقوق الإنسان.

"إسرائيل" أمة مثل باقي الأمم، لها الحق بالوجود ولها سيادتها ولها الحق بالدفاع عن نفسها. ويجب أن يكون لها –على الأقل- حق التشاور مع باقي الأمم المتحدة، كما ويجب أن تحظى بمكانها الطبيعي داخل الكتلة التي تتبعها ضمن منظومة الأمم المتحدة.

السيد موارفتشيك: شكراً جزيلاً يا مارك. والآن كون حديثنا قد انتقل إلى "إسرائيل"، فسنعطي الكلمة للسيد/تال بيكر. السيد تال هو المستشار القانوني للبعثة "الإسرائيلية" لدى الأمم المتحدة في نيويورك. لقد عمل كنائب لرئيس اللجنة القانونية للجمعية العمومية، كما سبق له أن شغل منصب المستشار القانوني للمفاوضين "الإسرائيليين" في عملية السلام بالشرق الأوسط. تفضل سيد تال.

السيد بيكر: أشكركم كثيراً ... من دواعي سروري أن أكون هنا، معظم الناس يستهلّون كلامهم بقولهم "يسرّني أن أكون هنا"، ولكنكم لا تصدقونهم أبداً، فأنتم تصيحون قائلين: "هيا إبدأ كلامك مباشرة". ولكن إن كان لديكم فكرة طفيفة –وقد بدأ مارك يكوّن هذه الفكرة- عما يعنيه تمثيل "إسرائيل" لدى الأمم المتحدة فإنكم ستدركون عندئذٍ بأنني فعلاً عنيت ما قلته، أي "يسرّني أن أكون هنا". وأنا سأنتهز أي فرصة لأخرج.

أودّ أن أتناول خمس نقاط عامة، ولكن قبل قيامي بذلك، ونظراً لكون معظم تلك النقاط دقيقة وحرجة، أودّ أن أبدأ بشيء إيجابي. النقطة الأولى هي أن "إسرائيل" تؤمن تماماً بمبادئ الأمم المتحدة. لقد نشأنا نحن الاثنان فوق رماد المحارق. إن "إسرائيل" بالرغم من أنكم لا تسمعون عنها الكثير في الصحافة تمنح وتبذل الكثير من العناء والجهد كي تساهم وتشارك في كافة الأعمال التي تقوم بها الأمم المتحدة. إن عضويتنا الجزئية في "مجموعة غرب أوروبا والدول الأخرى" [WEOG] قد ساعدت على ذلك.

لـ"إسرائيل" دور طليعي مثلاً في مناقشات حقوق المعوقين فيما يخص "ميثاق حقوق ذوي الإعاقات"، فمن خلال عضويتنا في "مجموعة غرب أوروبا" ترانا نقوم بدور رائد في كل من "البرنامج البيئي للأمم المتحدة" و"بعثة دعم التنمية" و"بعثة مكافحة المخدرات" وأمور أخرى. وبالرغم من تضافر جهود عدد كبير من الشعوب، إلا أننا نشعر –في الأمم المتحدة- بنوع من التهميش والإهمال عند التعامل مع الأزمة، فنحن بالتأكيد لدينا برنامج أوسع، وهذا ما أردت أن أستهل به حديثي.

إن المشكلة التي تواجهنا –على أي حال- هي أنه غالباً ما يتم استغلال تلك المبادئ النبيلة للأمم المتحدة.أحياناً تستغلّها دول أعضاء وأحياناً –لسوء الحظ- نشعر أن أمانة السر تشارك أو تسهّل ذلك الاستغلال. وأودّ أن أخطو خطوة إلى الوراء لأعطيكم المزيد من الانطباعات الشخصية التي يكوّنها شخص يقضي تقريباً كل يوم من أيامه في الأمم المتحدة.

قبل مجيئي إلى هنا، شاركت في مفاوضات عملية السلام. من الأساسي لأية عملية سلام –وبالتأكيد لأية مبادرة سلام- في الشرق الأوسط، بما فيه خارطة الطريق، أن تنظر لهذا الصراع بين شعبين. كلاهما له حقوقه وكلاهما له مسؤولياته. "إسرائيل" تقرّ بأن للشعب الفلسطيني حقوق، والفلسطينيون بالمقابل يقرّون، أو بحاجة لأن يقروا، بأن لـ"إسرائيل" حقوق أيضاً، وعندما يكون لديك مجموعتان من الحقوق فإن الشيء الوحيد الذي يمكنك فعله هو التحدّث أو النقاش، كي تتمكن من إيجاد تسوية أو توافق بين تلك الحقوق.

لو كنت في نفس موضع الشك الذي أنا فيه عند حضورك عدد كبير من المناظرات في الأمم المتحدة، فإنك لن تحصل على ذلك الشعور، أي الشعور بأن ذلك النزاع هو نزاع قائم بين مجموعتين من الشعوب أو بين مجموعتين من الحقوق أو بين مجموعتين من المسؤوليات. إن الشعور الأساسي الذي ينتابك سيكون مختلفاً تماماً، لأنك عندما تجلس في الجمعية العمومية ستتكون لديك نظرة بأن هذا النزاع هو نزاع حول ظلم أجور، أي هنالك ضحية في هذا النزاع وهناك مجرم، وإن أنت أردت إنهاء هذا النزاع عليك اجتثاث هذا الظلم. الظلم هنا هو وجود "إسرائيل" في الضفة الغربية وغزة منذ العام 1967، هذا هو كل ما في الأمر، جانب له حقوق وآخر عليه مسؤوليات، وإن أنت أردت إنهاء النزاع عليك إزالة حالة الظلم تلك.

إن الأمر بالنسبة لـ"إسرائيل" ليس بهذه البساطة، لأن الموضوع بالنسبة لنا ليس موضوع "أسود وأبيض"، ونحن نقول "لو كان الاحتلال هو السبب الوحيد لهذا النزاع لما وجد شعور بالعداء والكراهية تجاه "إسرائيل" قبل 1967، ولو كان الاحتلال هو السبب الوحيد لهذا النزاع لنشأ في العام 1937 حلّ بقيام دولتين في ظل بعثة بيل  (Peel Commission)، وأيضاً في العام 1947 في ظل مشروع التقسيم، وأيضاً في ظل كامب دايفيد و"العقبة". إن الرد على كل هذه المشاريع كان بالرفض بدلاً من التفاوض. إن كان الاحتلال هو السبب الوحيد للنزاع لما كنا نتسلّم الرسالة نفسها التي نتسلمها كلما صعد مفجّر انتحاري إلى حافلة أو دخل ردهة مطعم لبيع الفطائر، وقام بتفجير نفسه هناك. إن الرسالة التي تحملها مثل هذه الأفعال بسيطة جداً، وهي ترجع إلى شيء ما في لبّ هذا النزاع: رفض الاعتراف بحقوق الشعب اليهودي في تقرير مصيره جنباً إلى جنب مع جيرانه الفلسطينيين والعرب.

والآن ما هي نتيجة وجهة النظر القائمة على "أبيض أو أسود"؟ حقوق لأحد الجانبين ومسؤوليات على الجانب الآخر! أولى هذه النتائج هي تجاهل إخلال الفلسطينيين بالتزاماتهم، والنتيجة الثانية هي التركيز الدائم على الإذعان "الإسرائيلي"، وأنا لن أوقِع الكآبة أو الملل في نفوسكم بإيراد أمثلة كثيرة على ما أقول. هناك مثال تقليدي هو بصراحة، اللجوء إلى رأي محكمة العدل الدولية. لدينا هنا حالة تتعلق بجدار أمني، فمع الجدل الدائر حوله، نجد أن عدداً قليلاً من الأشخاص يشكّون في أن الهدف من الجدار هو حماية الأرواح وقد نجح الجدار في ذلك. لكن في السؤال المقدّم للمحكمة جرى الاستفسار عن الرد على الإرهاب وليس عن الإرهاب نفسه.

السنة الماضية، ككل سنة، أصرّ الفلسطينيون على التقدم بقرار. هناك قرار واحد يطال الخدمات الاجتماعية لكافة أطفال العالم، وهنالك قرار مستقل يتعلق بالخدمات الاجتماعية للأطفال الفلسطينيين. أطفال السودان لم يتحصلوا على قرار مستقل ولا حتى الأطفال الآخرين في أي بقعة من العالم تحصلوا على مثل ذلك القرار. لكن عندما اقترحت "إسرائيل" أنه أسوة بأطفال فلسطين فإن أطفال "إسرائيل" يستحقون قراراً مستقلاً أيضاً جُوبه هذا الاقتراح بالرفض مباشرة.

والآن، يحصل أمران – على أما أعتقد- نتيجة لهذه المنهجية الأساسية الموجودة في أماكن عديدة داخل منظومة الأمم المتحدة. الأول هو التأثير السلبي على عملية السلام، والثاني هو التأثير السلبي على الأمم المتحدة نفسها.

فيما يتعلق بالتأثير السلبي على عملية السلام، فإن وجهة النظر التي تضع الردّ على الإرهاب قيد الاختبار بدلاً من الإرهاب نقسه، والتي تتفحّص بدقة مسؤوليات طرف واحد فقط، إنما تتعارض في أساسها مع "خارطة الطريق"، لأنك لو نظرت إلى "خارطة الطريق" فستجد أنها تستند إلى مفهوم راسخ وملازم لأية عملية سلام، وهو وجوب تحمّل كل طرف لمسؤولياته. ليس هنالك احتكاك للحقوق ولا احتكار للمعاناة ولا احتكار للمسؤوليات.

إن النزعة الثابتة لتلك القرارات والمبادرات، الواحدة تلو الأخرى، هي أيضاً عائق وعقبة أمام الإذعان الفلسطيني. لماذا إذاً، بعد هذا كلّه، يجلس الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات آخذين بجدّية إمكانية تحقيقهم بشكل أو بآخر أقصى المطالب التي يسعون إليها؟ إلى الحد الذي تحقق فيه المبادرات الفلسطينية نجاحاً في الأمم المتحدة، أي إلى الحد الذي لا يشعر بعده الفلسطينيون بضرورة الجلوس وجهاً لوجه مع "إسرائيل" كي يتوصلا إلى تفاهم فيما بينهما. إن هذه النزعة تُعتبر أيضاً –وبكل صراحة- عائقاً أمام "إسرائيل"، لأننا لو أدركنا أنه فهما فعلنا فإن المجتمع الدولي –عبر الأمم المتحدة- سيقوم بالتركيز على "إسرائيل" وعلى انتقادها، ولكنه لن يركّز على الحقوق "الإسرائيلية" أو على المسؤوليات الفلسطينية، وبالتالي سيتعذّر دفع عملية السلام إلى الأمام طالما ليس لديك شريك، وأنا أعتقد أن ذلك قد أدّى –جزئياً- إلى خطة الفصل.

إن رأيي الشخصي هو أنه مهما كان مقدار الضرر أو الأذى الذي يلحقه ذلك النوع من وجهات النظر بـ"إسرائيل"، فإن الضرر الذي سيلحق بالأمم المتحدة نفسها سيكون أعظم بكثير. دعوني أوضح شيئاً واحداً وهو أن "إسرائيل" فخورة إذا ما نظر إليها على أعلى المستويات. نحن الديموقراطية، ومن الصواب أن يتم انتقادنا. إنه أمر عادل، إنه لشرعي أن يتم انتقادنا. إن المعايير التي يتوجّب معاملتنا على أساسها هي الكاملة والمطلقة، هي ليست معايير نسبية لأنها لا تعتمد على إذعان الآخرين. ولكن، إن أنتم طبّقتم تلك المعايير على "إسرائيل" فقط، ولم تطبقوها حتى على الديموقراطيات العظيمة المتواجدة بجوارنا، فإن ما تفعلونه لا ينمّ عن اهتمام صادق بالعدالة وبالقانون، بل هو برنامج لاستخدام العدالة والقانون والقانون الإنساني وكافة الأمور الأخرى التي تُتّهم "إسرائيل" بانتهاكها كسلاح. فأنت عندما تسنّ القوانين كسلاح، وعندما تستخدم مؤسسات المجتمع الدولي كسلاح فإن أول الأضرار التي تكون قد أحدثتها إنما تكون قد ألحقتها بالقانون نفسه وبالمؤسسات نفسها.

لقد ذكر "مارك" بعثة حقوق الإنسان، الفكرة مثلاً بأنه يوجد ... أستطيع إعطاءكم عدة أمثلة، إنما هي مُجفّلة للعقل. لكن إن أنت دخلت إلى موقع البريد الالكتروني لبعثة حقوق الإنسان فسترى البند رقم (9) من البرنامج الذي يتناول حقوق الإنسان في العالم البند رقم (8) من نفس البرنامج يتناول أوضاع حقوق الإنسان في "إسرائيل". هنالك قسم خاص بالفلسطينيين داخل أمانة السر نفسها، وهي الهيئة المفترض بها أن تكون محايدة، والتي يطالبها الدستور بأن تكون محايدة في حين أن جدول أعمالها يقوم على دفع مصالح أحد الأطراف إلى التنازع. هنالك عشر قرارات كل سنة ضد "إسرائيل" في الجمعية العمومية. إن "إسرائيل" هي الجماعة الوحيدة التي لا تقوم لجنة واحدة أو لجنتان، بل سبعة من لجان منظومة الأمم المتحدة بمراقبة نشاطاتها. ليس لدينا أي نوع من الاستشارات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في بلاد مثل سوريا وإيران والصين. إن استفسارنا هو بشأن المشروع الضخم للتركيز الغير متكافئ على "إسرائيل".

وماذا ستكون نتيجة ذلك؟ حسن، بادئ ذي بدء، ستجعل من الصعب أخذ الأمم المتحدة على محمل الجدّ أو أخذ حكم سيادة القانون على محمل الجدّ، لأنك عندما تطبّق القانون على جانب دون الآخر، فما هو الدرس الذي ستجنيه من ذلك؟ ستجعل من الصعب على الأمم المتحدة أن تركّز على المشاكل الأكبر أو الأهم. إن الدفع بمواضيع مثل الأزمة في السودان التي ستحال الآن إلى مجلس الأمن تعتبر عملية صعبة. لقد استنفذ هذا التركيز على "إسرائيل" وقتاً طويلاً جداً.

الآن، أعتقد بأن رأي محكمة العدل الدولية قد كشف الضرر الذي لحق بالأمم المتحدة بطريقة حقيقية وحاسمة. لقد طُلب من مجلس الأمن –في هذه المناسبة- أن يعالج موضوع الجدار الأمني فقال –حسناً- هذا موضوع مستقل وهنالك مجموعة من الآليات، إنها أزمة مركّبة ولا نستطيع أن نفصل موضوع الجدار لوحده. الجمعية العمومية لم تشعر بتلك المشكلة وفكّرت أنه لا ضير في طرح سؤال على المحكمة، وهذا السؤال هو: ما الذي وضع الردّ على الإرهاب على المحك بدلاً من أن يكون الإرهاب نفسه على المحك. بعدها، قدّم الأمين العام إلى المحكمة ملفاً مليئاً بالمعلومات وبأشياء أخرى تتعلق بالجدار، ولم يرد فيه ذكر الإرهاب الذي جعل بناء ذلك الجدار أمراً ضرورياً؛ ثم أن المحكمة قد ذهبت إلى أبعد من ذلك فأصدرت رأيها إنطلاقاً من ذلك السؤال المشوّه الذي لم يذكر الإرهاب الذي استدعى إقامة الجدار، وذلك قد أظهر تاريخ النزاع وكأن النزاع بين "إسرائيل" وجيرانها قد تجسّد في الهواء، ولو نحن قرأناه (أي ذلك الرأي) كما هو أو كما يبدو ولظهر وكأنه تهمة منافية للعقل والطبيعة، حيث لا يحق لـ"إسرائيل" أن تدافع عن نفسها ضد الإرهاب ولا ضد هؤلاء الذين لا دولة لهم.

لو كانت تلك هي الطريقة التي ستُقرأ فيها المحكمة فإن تطبيقاتها ستكون أعظم بكثير على "إسرائيل"، فأي دولة تهتم بالدفاع عن نفسها ضد الإرهاب ستُواجه بتلك الفكرة، وأي دولة تسعى لتحمي مبادئ الأمم المتحدة ولتضمن التطبيق العادل لتلك المبادئ ستواجه ببرنامج عمل يتحكم فيه –أحياناً- من هم أكثر انتهاكاً في هذا المنحى.

والآن، كيف يحدث ذلك؟ سوف لن أخوض في تفاصيل كثيرة. إسمحوا لي أن أخبركم بأنني قد أمضيت بعضاً من طفولتي في أستراليا، لهذا تأثرت "لكْنتي" التي تلاحظونها. في أستراليا –لست أدري إن كان الأمر كذلك في أميركا- لديهم قول مأثور هو "إن أردت تناول النقانق فلا تحاول معرفة كيفية صنعها". وأنا أعتقد –لسوء الحظ- أن ذلك غالباً ما ينطبق على قرارات الأمم المتحدة، لأنك إن أردت أن تؤمن بشرعية العديد من قرارات الأمم المتحدة فلا تحاول أن تعرف كيف صُنعت. لا تأتي إلي بالطبع لتسألني.

كثيرة هي المرات التي أتانا فيها مندوبون –بما فيه مندوبون أوروبيون- قائلين لنا: "اسمعوا، أنتم تعرفون أننا ندرك أن هذا الرأي الاستشاري كان أحمقاً ولا عقلانياً إلى حد بعيد، ومن الغريب أن يركّز بهذا الشكل على الردّ على الإرهاب، لا على الإرهاب بحدّ ذاته. هناك من جاءنا قائلاً: "أنتم تعرفون أننا نودّ ألا ندعم هذا القرار الفلسطيني ولكن كي يتم انتخابنا في عضوية مجلس الأمن كان علينا أن نفعل ذلك، فنحن نسعى إلى مراكز دبلوماسية، وبالتالي لسنا بحاجة لشكاوى من 22 بلداً عربياً ومن 56 بلداً إسلامياً ومن 114 بلداً.

لسوء الحظ، نحن نعتقد أن المجتمع الأوروبي يساهم بنشاط في هذه اللعبة أو المبادرة، فبدلاً من أن يرفض الانخراط في تلك المبادرات المتطرّفة نراه يُقبل عليها، وبدلاً من أن يقرّ التركيز على "خارطة الطريق" وعلى مسؤولية كلا الطرفين، نراه يشغل نفسه بدون طائل بذلك القرار، مشيراً بصعوبة كبيرة إلى الإرهاب ولو إلى حدٍ ما – ونحن أحياناً نقدّر لهم تلك الجهود.

ولكن، ليس هذا هو الموضوع، فالأوروبيون يعودون إلينا قائلين –أوه، إن الأمر سيكون أسوأ بكثير لو أننا لم نشارك. ليست هذه هي الفكرة، لأننا نفضّل قراراً متطرفاً يعوزه دعم الاتحاد الأوروبي، يتضّح من خلاله مدى ضرورة أن تنظر الأمم المتحدة إلى الموضوع بجدية عوضاً عن قرار أقل سوءاً يُخلّد المشكلة الأساسية التي تنظر إلى العملية على أنها حقوق لطرف ومسؤوليات على الطرف الآخر.

سأختم كلامي بسرعة بعد أن أطلعكم على شيء أخير، إنكم قد تتعجّبون لماذا أنا لست في مصحّة عقلية بعد السنوات التي أمضيتها في الأمم المتحدة، والحقيقة هي أنني بعد انقضاء سنة ونصف على عملي هناك أصابني القنوط. شيئان اثنان حدثا. الأول أنني كنت في "إسرائيل" وكنت جالساً داخل أحد المقاهي خلال شهر آذار من العام 2002 عندما دخل أحد المفجّرين المجّرين الانتحاريين حاملاً بيده جهاز تفجير أسود اللون، ضغط عليه ولكن شيئاً لم يحدث. لذلك فإنني بمزاجٍ جيّد منذ ذلك الحين.

الشيء الثاني هو أنه استناداً إلى التاريخ اليهودي وإلى خبرات "إسرائيل" الواسعة، فإن أحد الأشياء التي نحسّها بعمق هي أنه بالرغم من رفض الأمم المتحدة اعتبارنا ضحيّة فإن ردّنا على ذلك هو رفضنا بأن نكون ضحية. إن كل ما حدث، وكل ما قالته المحكمة لنا، وكل ما قالته الأمم المتحدة إنما هي رسالة يراد تبليغنا إياها. والآن آمل أن يكون بعضكم سعيداً لعدم تعرّضي للإصابة أو للقتل بسبب عملية التفجير التي ذكرتها لكم، ولكن ستظل لكم أسبابكم لتسألوا: هل يجب أن تكونوا سعداء بالنسبة للشيء الثاني، ولتسألوا: هل أن هدف الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية من إرسال تلك الرسائل التي ترسلها هو تدعيم الشعوب بأنه علينا الاعتماد على أنفسنا فقط وليس على أحدٍ آخر، وألا نضع ثقتنا في مؤسسات دولية. إن الرسالة المرسلة من محكمة العدل الدولية -بغض النظر عن مدى نُبلها- هي أنها يمكن تسييسها والتلاعب بها، وهذا ما سيكون له وقعه على (ICC) أيضاً.

ما هو الدور الذي على الأمم المتحدة أن تضطلع به في ظل هذه الديناميكا؟ هل عليها أن تشجع السلبيات أم عليها إيجاد طريقة لتجعل كلا الطرفين يركّز على حقوقه وعلى مسؤولياته وأن ينظر كل منهما إلى معاناة الطرف الآخر؟ وأقول لكم –في معرض اختتامي لحديثي- إن هنالك مشكلة جدّية في الجانب الفلسطيني، حيث أن النظرة إلى الفلسطينيين كضحية،قد حوّلتها قيادتهم من حالة وضعية إلى حالة استراتيجية، والسلام لن يخطو إلى الأمام ما لم نكن جادّين بشأن تحمّل كل طرف لمسؤولياته وتمتعه بحقوقه، وعلى الأمم المتحدة أن تلعب دوراً في ذلك.

السيد مورافتشيك: أشكرك يا تال ... الآن في غياب الكياسة البالغة، وحيث أن ثلاثة من الرجال قد تحدّثوا إلينا، ننتقل الآن إلى السيدات. لقد سمعنا عن الاتحاد الأوروبي والآن لدينا الفرصة لنسمع منه. تحتفظ هولندا الآن ولمدة ستة أشهر برئاسة الاتحاد الأوروبي، والآنسة كارين فان ستيجيرين (Karen Van Stegeren) –أعتذر لأنه من الصعب عليّ تعلم لفظ حرف "الجيم" بالألمانية- تعمل بالحقل الدبلوماسي، وهي من هولندة، وتشغل حالياً منصب السكرتير الأول بالسفارة الهولندية هنا في واشنطن، وهي الخبيرة المقيمة للسفارة بما يختص بالمواضيع الشرق أوسطية. تفضلي يا كارين.

الآنسة فان ستيجيرين: أشكرك كثيراً، وصباح الخير. أودّ أن أشكرك يا "جوش" على تقديمك لي. أنا بالفعل مسرورة بوجودي هنا اليوم، ويشرّفني الجلوس خلف طاولة يجلس إليها أربع من الخبراء المميّزين بالنسبة لموضوع اليوم.

تحديداً، أودّ أن أشكر "جوش" ومعهد المشروعات الأميركي ككل على إرسالهم هذه الدعوة لي، وبالتالي على منحي الفرصة لتمثيل بلدي –هولندة- بصفتها رئيسة الاتحاد الأوروبي، في موضوع قريب جداً إلى قلوبنا، ألا وهو الأمم المتحدة و"إسرائيل".

أريد أن أعقّب بشيء واحد ردّاً على ما قاله "بيكر" منذ لحظات، كما وأودّ أن أوضّح شيئاً. إن الاتحاد الأوروبي يضع الإرهاب ضد "إسرائيل" فعلاً قيد الاختبار، ونحن نرفضه بكافة أشكاله ونماذجه، وكلما حصل هجوم إرهابي في "إسرائيل" تجد أن بياناً يصدر عن الاتحاد الأوروبي. نحن لا نفرّق بين الإرهاب أينما كان في العالم أجمع. تلك كانت البداية فقط.

أنا لست خبيرة في الأمم المتحدة مثل "مارك"، ولا أنا خبيرة قانونية مثل "تال بيكر". إن خبرتي قد تكمن أكثر ما يكون في "إسرائيل" أو الشرق الأوسط ككل. لكن "جوش" أقنعني بأنه سيكون من المناسب في سياق مناقشات هذا اليوم أن يعرض الاتحاد الأوروبي وجهة نظره حول بعض الأمور التي استحوذت مؤخراً على الكثير من الاهتمام، ويسرّني أن أفعل ذلك.

إنني أدرك أنكم تنتظرون بشغفٍ سماع حديثي عن طريقة تعاطي الاتحاد الأوروبي في الجمعية العمومية مع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية. لقد جرى إثارة هذا الموضوع سابقاً، ولكنني سآخذ دقيقة أو اثنتين لأتحدّث عمّا يقال بأننا ننظر إلى الأمم المتحدة وإلى تلك المنظومة التعددية ككل لا يتجزأ، لأن ذلك ضروري جداً من أجل فهمٍ أفضل للطريقة التي تعاطى بها الاتحاد الأوروبي مع الرأي الاستشاري، كما وأن ذلك سيساعدكم على فهم حقيقة نظرتنا إلى الأمم المتحدة على أنها شريك وثيق لإحلال السلام في الشرق الأوسط.

إن الـ25 عضواً في الاتحاد الأوروبي يمثلون 450 مليون نسمة –أي ضعف عدد سكان الولايات المتحدة تقريباً- ويربطهم التزام أساسي بالمنظومة التعددية، ويشكّلون دعماً صادقاً للأمم المتحدة وللمنظمات العالمية الأخرى التي تشجّع على السلام والأمن والتطوّر. نحن ملتزمون بدعم وتطوير القانون الدولي، ونعتبر ميثاق الأمم المتحدة الإطار الأساسي للعلاقات الدولية. ولا يوجد –في نظرنا- أي بديل للأمم المتحدة كراعية وحامية للنظام العالمي على أساس القانون.

وهكذا، فإن الاتحاد الأوروبي سوف لن يخذل المنظومة التعددية مع العلم بأننا لسنا عميان عن حقيقة أن تلك المنظومة –بالنسبة لبعض المواضيع- قد بدأت تخذلنا. لا عجب إذاَ أن نرى أن المنظمة قد نشأت في ظل ظروف عالمية مختلفة تماماً. بالنسبة للاتحاد الأوروبي لم يكن ذلك سبباً للتخلي عن البيت التعددي أو السكن فيه فقط متى ناسبنا ذلك، على العكس، إن الاتحاد الأوروبي قد ألزم نفسه بتحديث وتجديد هذا البيت وتقويته بطريقة تجعله يصمد في وجه الأمطار الغزيرة والعواصف العاتية السائدة في أيامنا هذه. إن الولايات المتحدة قد ألزمت نفسها بالمساعدة على خلق نظام تعددي فعّال وهي تتابع منها الهدف بعينه، ونحن نعمل معاً عن قربٍ وبشكل بنّاء.

ففي الوقت الذي بدأت هذه العملية بالتحرّك، وفي الوقت الذي نرى فيه الخلل والعيب داخل المنظومة، نظلّ مخلصين وأوفياء للأمم المتحدة وللتنظيمات التابعة لها. لذلك، عندما تتحدث أعلى هيئة في القانون الدولي، التي هي محكمة العدل الدولية فإننا لا نتجاهلها. إن احترامنا لها –بكل بساطة- يمنعنا من تجاهلها.

إن هذا يقودني إلى موضوع الرأي الاستشاري، وأنا أعتقد أن النقطة الرئيسية في هذا الانتقاد الذي وُجّه إلى الاتحاد الأوروبي خلال الأسابيع الماضية هي أن الاتحاد الأوروبي قد تصرّف بشكل متناقض ومتضارب.

سأثبت لكم اليوم أن الاتحاد الأوروبي قد تصرّف بشكل ثابت ومتناغم تماماً في فهمه وتعاطيه مع عملية السلام في الشرق الأوسط، التي نؤمن بها ونرغب في حمايتها، ثابت ومتناغم مع موقفه فيما يتعلق بالمخاوف "الإسرائيلية" الأمنية والمشروعة.

إنني أعتقد أن لبّ الخلاف في وجهات النظر يمكن شرحه بسهولة. لقد حاولت أن أضع قدمي في حذاء منتقدينا، أي حاولت أن أنظر إلى الأمور بعيني منتقدينا فساعدني ذلك على رؤية الأمور من زاوية مختلفة. إنني أسألكم أن تفعلوا ما فعلته أنا ولو للخطة واحدة، ولن أطلب منكم أكثر من ذلك، مع علمي بأن ما أطلبه سيكون صعباً جداً على معظمكم.

 نظراً لأن الاتحاد الأوروبي قد امتنع عن التصويت على قرار الجمعية العمومية، التي أحالت مسألة التبعات القانونية "للحاجز" (نحن نسميّه حاجزاً في لغة الاتحاد الأوروبي) إلى محكمة العدل الدولية، فقد توقّع العديدون كما يبدو أن يتجاهل الاتحاد الأوروبي إستنتاجات محكمة العدل الدولية نتيجة لذلك الامتناع. لقد كان من الممكن لذلك التوقّع أن يكون صحيحاً لو أن امتناع الاتحاد عن التصويت قد بُني على عدم أهلية محكمة العدل الدولية للنظر في هذا الموضوع. لكن الأمر ليس كذلك.

سأقرأ عليكم ما جاء في البيان الذي أصدرته رئاسة الاتحاد الإيطالية في ذلك الوقت لشرح تصويت الاتحاد الأوروبي. لقد ذكر البيان أن الاتحاد الأوروبي يؤمن بأن الرأي الاستشاري المقترح من قبل محكمة العدل الدولية لن يساعد جهود الطرفين لإعادة إطلاق الحوار السياسي، وبالتالي، فهو غير مناسب. لقد اعتبرنا –لأسباب سياسية وليس لأسباب قانونية- أن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية غير مناسب، وهذا كالفرق بين الليل والنهار، ففي ظل خلفية كخلفية منهجيتنا العامة تجاه محكمة العدل الدولية –كما سبق وأسلفت- تستطيعون أن تدركوا أنه حالما تكلّمت محكمة العدل الدولية أصبح كلامها من المعطيات بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وبتعبير آخر، فإن إحالة هذا الموضوع إلى محكمة العدل الدولية لم يكن خيارنا نحن. ولكن محكمة العدل الدولية بصفتها الهيئة المؤهّلة لم تدر أن حججنا تفوق الاعتبارات الأخرى وزناً وقيمة.

لقد جادل الكثيرون بأنه كان على الاتحاد الأوروبي أن يتجاهل الرأي الاستشاري أو على الأقل ما كان عليه أن يباشر التفاوض بشأن نص القرار الذي تقدّمت به المجموعة العربية لنفس السبب السياسي الذي أورده الاتحاد الأوروبي في شرحه لعملية التصويت. وأنا قد استشهدت بتلك التفسيرات المتعلقة بعملية التصويت. ولكن أريد أن أعكس هذا الجدل. إن تناغم وثبات موقف الاتحاد الأوروبي هو ما جعل العملية السياسية –حسب ما تخطط له خارطة الطريق- أكثر أهمية بحيث اعتبرنا أنه من الحيوي البدء بالتفاوض حول نص لم يتضمن ذلك التوجّه. إن هدفنا –أثناء إدارة المفاوضات- كان ثلاثي الأبعاد أولاً وقبل كل شيء، أردنا توازناً جيداً في القرار، بمعنى أن يشتمل القرار على حقوق والتزامات كلا الطرفين، أي كلا طرفي النزاع.

لقد أردنا أن نضمن تقييد الجمعية العمومية للأمم المتحدة لنفسها باعتراف بسيط بالرأي الاستشاري، أي بما لا يترتب عليه أي مصادقات أو موافقات أو حتى فتح المجال لإجراءات مستقبلية ضد "إسرائيل". وبالمناسبة، هذا بالضبط ما يتوافق مع موقف وزير خارجية بلدي، الوزير بوت، الذي أوضح رغبته بإبقاء كافة القنوات مع "إسرائيل" مفتوحة، لأنه لا يريد الانزلاق إلى الممر المؤدي لفرض إجراءات على "إسرائيل".

إنني أستطيع أن أؤكد لكم أن لدينا اتصالات منتظمة مع وزير الخارجية "الإسرائيلية" (سيلفان) شالوم. النقطة الثالثة أو البعد الثالث كان رغبتنا في إدراج أهمية العملية السياسية ضمن فقرة عملياتية.

نحن نؤمن أن الاتحاد الأوروبي قد قام بعمل جيد عندما ضمّن القرار مبادئ هامة، مثل حق جميع الدول في حماية أرواح مواطنيها، إضافة إلى نص جوهري يتعلق بالعملية السياسية وخارطة الطريق. إن حقيقة تبنّي القرار من قبل ما يقرب من 150 عضواً إنما لها مدلولها الهام. نحن نعرف بالطبع –وهو ما تمّ تأكيده منذ قليل- أن "إسرائيل" كانت تفضّل عدم صدور أي قرار، ولكن ذلك لم يكن خياراً وارداً، إذ كان لا بد من صدور قرار على أي حال، سواء كان ذلك القرار جيداً أو سيئاً. ويظل الموضوع المحيّر  –بالنسبة لنا- تفضيل "إسرائيل" صدور قرار سيئ يدينها ويهددها بإجراءات مستقبلية، والذي –بالطبع- ما كان ليحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، عوضاً عن صدور قرار جيد يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي بحسب مفهومنا، هذا ليس منطقياً.

نحن في الحقيقة نؤمن أن هذا القرار يعمل لصالح "إسرائيل"، لقد عمل الاتحاد الأوروبي بجدّ لتكون الرسالة التي يبعثها القرار واضحة. وكما أوضحنا، على هذه الرسالة أن تشمل اعترافاً بالرأي الاستشاري الذي يتطابق إلى حد بعيد مع موقف الاتحاد الأوروبي من قانونية "الحاجز"؛ ولكن الأهم من ذلك أنه لا بد لها (الرسالة) من أن تشير إلى طريقة العمل التي تجعل من أي إجراءات مستقبلية من جانب الأمم المتحدة أمراً سطحياً وغير ذي أهمية. إنها عملية سلام حقيقية حسب ما تقترحه خارطة الطريق التي ستقود بلا شك إلى حلٍ مبني على قيام دولتين، وهو الحل الذي يعتنقه الرئيس جورج بوش.

نقطة انتقاد عاطفية جداً هي أن الاتحاد الأوروبي لا ينظر إلى فعّالية الجدار ولا إلى الشعور بالأمان والاستقرار الذي يولّدهما هذا الجدار بالنسبة للمواطنين "الإسرائيليين". لقد استخدمت كلمة "عاطفية" هنا عن عمد، لأن هذا يعتبر موضوعاً عاطفياً بالنسبة للاتحاد الأوروبي أيضاً.

أنا متأكدة أن هذا الجمهور سيقدّر –وقد سبقت الإشارة إلى ذلك- أن الاتحاد الأوروبي و"إسرائيل" –بالرغم من اختلاف الطريقة- كلاهما نتاج برز في وسط رعب وأهوال الحرب العالمية الثانية. إن الاتحاد الأوروبي لن يبيع أبداً مصالح "إسرائيل" الأمنية. إن حق "إسرائيل" في الوجود ليس موضوع شك، وأنا أستطيع أن أؤكد لكم أن رئاسة الاتحاد الأوروبي بما لها من سجلاّت تشهد لها بمساعدة مئات الآلاف من اليهود السوفيات على ركوب طائرات "العال" متوجهين إلى "إسرائيل"، إضافة إلى إرسالها صواريخ باتريوت (Patriots) إلى "إسرائيل" إبان حرب الخليج. إن هذه الرئاسة لن تتصرّف ضد مصالح "إسرائيل" الأمنية، فقط من أجل الحصول على توافق جماعي أوروبي.

لقد تم تقديم هذا الادعاء وقد صُدمنا به. إن شرح الاتحاد الأوروبي لعملية التصويت قد أكد بوضوح أنه يقر بمخاوف "إسرائيل" الأمنية وبحقّها للتصرف دفاعاً عن نفسها. إن الاتحاد الأوروبي يرى بوضوح ويقدّر أن هنالك أوسع دعم ممكن داخل "إسرائيل" للجدار، وهذا ما يمكن فهمه، ونحن إذاً لا نعارض قيام الجدار من هذه الزاوية، علماً بأننا  –لأسباب واضحة- نُفضّل عدم مشاهدته يُبْنى. إن ما نقوم به هو الاعتراض على مسار الجدار، ويجب ألا ينشأ أي سوء تفاهم حول ذلك، فنحن قد طالبنا "إسرائيل" منذ أشهر عدّة كي تتوقف وكي تعكس بناء ذلك الجدار، وبالتالي ليس هنالك أية أسس للادعاء بأن الاتحاد الأوروبي قد طالب "إسرائيل" بهدم الجدار بهذه السهولة.

في الحقيقة، أعتقد أن السؤال الذي كان من المفترض أن أجيب عليه هو ما إذا كانت الأمم المتحدة جرّدت نفسها من أهليتها للمساهمة في عملية السلام بالشرق الأوسط. أنا أعتقد أن الوقت المخصص لي قد شارف على الانتهاء، لذلك أودّ أن أشير إلى شيء أخير يتعلّق بالموضوع الذي أثاره كلا المتحدثين اللذين سبقاني، وهو هذا الكم الهائل من القرارات التي يتم تبنّيها سنوياً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وفي بعثة حقوق الإنسان إلخ ... إننا ندرك أن تلك القائمة الطويلة من القرارات المتعلقة بـ"إسرائيل" وبالممارسات "الإسرائيلية"، سواء داخل الأمم المتحدة أو داخل المنظّمات التابعة لها تنظر إليها "إسرائيل" وكأنها ضربات عنيفة ضدها وتحامل كبير عليها من جانب الأمم المتحدة.

لكن، دعونا نخطو خطوة واحدة إلى الوراء. هل أننا نعتقد بأن تلك القرارات تفعل أي شيء لحل هذا النزاع؟ إن الإجابة حتماً هي "لا". هل أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة والقرارات الأخرى هما السبب لهذا النزاع السياسي؟ هنا، الجواب بكل تأكيد هو "لا". هل ستساعد الأمم المتحدة في حال وجود عملية سلام حقيقية جارٍ تنفيذها على الأرض؟ الجواب هنا بوضوح هو "نعم". إن الفعل داخل الأمم المتحدة هو بكل بساطة إنعكاس لـ"اللافعل" في الأماكن الأخرى.

إن الاتحاد الأوروبي قد فعل وسيفعل كل ما بوسعه للمساعدة على تفعيل عملية السلام ثانية. أرجو أن تدركوا بوضوح إننا نتحدث عن جيراننا مباشرة. إن خطة رئيس الوزراء آرييل شارون لفك الارتباط هي "خطوة أولى، هامة وشجاعة باتجاه كسر الجمود، والاتحاد الأوروبي يقف مستعدّاً لدعم تلك الخطة، جنباً إلى جنب مع أعضاء "اللجنة الرباعية" – الولايات المتحدة والأمم المتحدة وروسيا. إلا أننا نرى أنه من الأسمى أن تتحوّل هذه الخطة إلى طريق مزدوج، وهي عملية يستطيع المجتمع الدولي أن يدعمها.

السيد مورافتشيك: لك جزيل شكري يا كارين. والآن جاء دور "روث ويدجوود" (Ruth Wedgwood) البروفسورة في الدبلوماسية والقانون الدولي بجامعة جونز هوبكينز. لقد كانت عضواً في اللجنة الاستشارية للأمن القومي فيما يخصّ القانون الدولي، لقد شغلت أيضاً منصب مستشارة لعدد من هيئات الأمم المتحدة المختلفة، كما ولها كتابات كثيرة تتناول مواضيع القانون الدولي. أظنكم ستجدون داخل حوافظكم عدداً من مقالاتها.

الآنسة ويدجوود: حسناً، أنا أيضاً سعيدة جداً لوجودي هنا، كما وأنني مسرورة بلقاء كارين فان ستيجيرين. إن مدينة "هيج" هي إحدى مدني المفضّلة في أوروبا.

الآنسة فان ستيجيرين: جيد...

الآنسة ويدجوود: مكتبات عظيمة (أي أن المشاركين هم من ذوي الاطلاع الواسع)، وإنها عطلة القانون الدولي، لذلك اعتبر نفس ثنائية الجنسية، أي أحمل جنسيتين على الأقل.

عليّ أن أقول أنني أمضي الكثير من وقتي الآن منكبّة على أمور الأمم المتحدة. أقضي تسعة أسابيع سنوياً مع لجنة حقوق الإنسان، وهذا يؤلم عمدائي في جامعة جونز هوبكينز. إنني أتحدث بصفتي الشخصية الصرفة، وحتى بصفتي تلك أعتبر نفسي خبيرة مستقلة، ونحن قد أصدرنا رأياً جماعياً على هذا الأساس، بخصوص الجدار، وقد حظي ذلك الرأي بموافقة وأصوات الأكثرية.

لكن دعوني أخبركم عن موضوع قلقي بالنسبة لوضع اللعبة الحالي، وأنا كمحامية دولية عامة –أقولها ثانية- أكنّ تبجيلاً واحتراماً كبيرين لماضي ومستقبل محكمة العدل الدولية، وليس دائماً لحاضرها. إنني قلقة على مستقبلها مثل قلقي على الأمم المتحدة. أنا لست قلقة "تال بيكر" لأنه يستطيع تدبّر أموره بنفسه. إلا أنني أعتقد أن العديد من الهيئات العامة المختلفة قد أقحمت نفسها في ورطة هائلة في ظل نوبة الهياج السياسي الحالية.

دعوني أبدأ –لو سمحتم- بموضوع القرار. إن إحدى ورطات مجلس الأمن المثيرة للانتباه في عصرنا الحالي، الذي تسوده صراعات وحروب مدنية هي أنه يدعو الناس كافة لاحترام القوانين الإنسانية كما يدعوهم لبذل جهدهم من أجل تفادي التهديدات التي تواجه السلام والأمن الدوليين. إن غالبية بنود جدول أعمال مجلس الأمن هذه الأيام –بصراحة- تتعلق بالصراعات المدنية. لذلك لا يكفي قيامك بمخاطبة الدول.

لو أنك نظرت إلى اللغة المؤثرة للقرار الذي صدر مؤخراً عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة –هي قالت بصفتها الشخصية- فإنه يدعو كافة الدول الأعضاء للوفاء بالتزاماتهم القانونية وفقاً للرأي الاستشاري، وذلك يعني تفعيل هذه الإدانة للجدار. كذلك دعت كلا من "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية إلى التطبيق الفوري لالتزاماتهم بموجب خارطة الطريق. إنها (أي الجمعية العمومية) على أي حال لا تطالب أياً من الممثلين الذين لا دولة لهم بوقف انتهاكاتهم للقوانين الإنسانية العالمية والكفّ عنها.

لذلك أعتقد –والحالة تلك- أن الجمعية العمومية لم تستوعب الدرس من مجلس الأمن، الدرس الذي يستوجب مخاطبة كافة أطراف النزاع –على قدم المساواة- حتى وإن لم تكن الشخصية الرسمية لحالة الدولة قد تحققت بعد. هذا فيما يخص قرار الجمعية العمومية.

عليّ أن أقول إن الجمعية العمومية ... لقد كنت منشغلة بأمور غير ذي أهمية تتعلق بصندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة، وبعدها تسكّعت وفي نيويورك حول وداخل الأمم المتحدة لمدة ثلاث أو أربع سنوات، كنت خلالها أعمل في فرع العلاقات الخارجية. بالتأكيد يختلف تماماً طعم النقانق إن أنت شاهدت طريقة صنعها (أي أن وقع القرار يختلف كثيراً إن أنت عرفت كيفية صياغته). إن الأمم المتحدة –أكره أن أقول ذلك للناس- هي مكان سياسي إلى أبعد الحدود، حيث لا يمكن تعليم القانون الدولي كمسألة منطق استنتاجي، إذ عليك أن تنظر إلى الأمور السياسية التي تشكل أساس كل قرار.

 العديد من المواضيع لا تصل أبداً إلى الأمم المتحدة ... لا تيبت (Tibet) ولا شيشان (Chechnya) ونادراً كشمير. المهم في الموضوع هو من يسأل السؤال وعمّن يسأل. لذلك، لا تفترضوا أن العقيدة الخلاصيّة لـ"عمانوئيل كانت" قد هبطت إلى الأرض. إنها (أي الأمم المتحدة) عالم من العواصف والأمطار، إنها اتحاد المصارعة العالمي، وعليكم أن تقرأوا النتائج في ضوء تلك الحقيقة. على أي حال، لديّ أمل يشاركني فيه كل محام دولي عام بالحصول على مجموعة من المبادئ والقواعد المقيّدة والملزمة للدول، مدمجة في الشخصية الذاتية لكل منها. وبالتالي، على المرء أن يتعايش معها.

ولكن دعوني أقلق على كيفية إحضار هذه القضية إلى المحكمة والنتائج التي تمخّضت عنها. أولاً، لقد كانت عملية سريعة بشكل غير اعتيادي، حيث أن التصويت على القرار بطلب الاستشارة القانونية جاء في أوائل شهر كانون الأول، وفي نهاية شهر كانون الثاني أصبحت مذكّرة خلاصة وقائع الدعوى ونقاطها القانونية جاهزة. عندما كنت أطلع أطفالي (أي تلامذتي) في كلية القانون على آراء محكمة العدل الدولية كانوا يستغربون كيف أنها غالباً ما كانت تستغرق سنوات لمعالجة حتى الأمور العاجلة مثل قضية البوسنة ضد الإبادة الجماعية الصربية. لذلك فإن مثل هذا الاندفاع الذي لم يستغرق أكثر من شهرين يعتبر غير اعتيادي.

تعاني محكمة العدل الدولية من صعوبة في تقصّي الوقائع، فهم لا يعيّنون أكفّاء متخصّصين. إنهم غالباً ما يعثرون على كل ما يستطيعون العثور عليه بطريقة –أخشى ما أخشاه- كثيرة الثرثرة والضوضاء. في الحالة هذه لم تقم أية محاولة لتقصّي الوقائع، ولم يكن هنالك أي حافز لتعيين أشخاص أكفاء خاصّين ليبحثوا عن الحقيقة على أرض الواقع. ولكن إن كنت تقوم بعملية موازنة بين الأذى النسبي والمنفعة النسبية، فالمؤثر في هذه الحالة هو –لربما- الحِمل النسبي الذي سيلقى على كاهل الشعبين. فهل كان بمقدور المحكمة أن تأخذ قراراً يحتّم بناء بوابة كل خمسمئة متر؟ وأن يتمّ تخفيض فترة الانتظار إلى عشر دقائق؟ وأن تفتح البوابات لفترة 24 ساعة يومياً؟ عوضاً عن ذلك فإنهم  –بالتأكيد- قد عملوا بما اختاروا أن يكون بحوزتهم وذلك هو الرأي الذي حصلتم عليه.

النقطة المقلقة الثالثة –حسب اعتقادي الشخصي- هي أن ذلك الاندفاع للوصول إلى حكم إنما هو إغفال وتجاهل لخارطة الطريق، كما هو تجاهل لاتفاقات جنيف، وتغاض عن العرض "الإسرائيلي" المرحّب به للانسحاب من غزة. شيء أخير أودّ ذكره ما دمنا نسير بخطى جيدة –أو هكذا يقال- وهو أن المحكمة، حسب اعتقادي، كأداة سياسية، قد اختارت أن تتدخل وأن تصدر بياناً رسمياً، ملزم دولياً، وأنا أعتقد أنه ما كان عليهم فعل ذلك لأن قانونية القضية الحالية تمنحهم الحق بأن يرفضوا آراء استشارية. بمقدورهم أن يعدّوا برنامج عملهم الخاص. لقد رفضوا كما فعلت "المحكمة الدائمة للعدل الدولي" وهي المحكمة السابقة لعصبة الأمم المتحدة، رفضت بالفعل طلب آراء استشارية. وبالتالي لم يكن من الواجب إصدار ذلك القرار هذا الربيع، ونحن على أبواب الانسحاب من غزّة.

رابعاً، أنا أعتقد أن سلطة التشريع والبت في الدعاوى المبنية على الإذعان إنما هي هامة جداً بالنسبة لمستقبل "المحكمة"، إذ ليس لدى المحكمة سلطة ضبط الأمن. إن كل ما تقوم به المحكمة الآن هو التعويل على استعداد الدول للتقدم بنزاعاتهم على أمل الحصول على مرافعات ومداولات عادلة. إن مصدر التشريع للمحكمة يعتمد على الإذعان سواء بالنسبة للمعاهدات والمفاوضات الهامة أو بالنسبة لما يُعرف بالتحكيم الإلزامي، حيث توافق الأطراف على إحالة كل شيء للمحكمة، أو فيما يتعلّق بالحلول الوسط، حيث تقوم أنت وخصمك بصياغة سؤال ما ثمّ تقومان معاً بالإجابة عليه.

يعتبر هذا من البديهيات الهامة جداً بالنسبة للنجاح المستقبلي للمحكمة، وهو ما تمّ التغاضي عنه هنا. لقد صوّتت الجمعية العمومية على رأي إستشاري، وامتنع عدد كبير من الدول عن التصويت. إن التصويت للحصول على رأي استشاري يعتبر حاسماً بالنسبة لأي مطالعات مرتكزة على الإذعان والقبول. إنه شيء يمكن استخدامه ضد هولندة أوب بلجيكا أو ألمانيا أو فرنسا أو حتى الولايات المتحدة نظراً لعدم وجود حق النقض في الجمعية العمومية. إنها ببساطة رغبة الأكثرية التي هي الآن مجموعة الـ77 والتي تُعرف أكثر باسم مجموعة الـ133 التي تشكّل ما يقارب ثلثي الأصوات التي تحتاجها للأسئلة الهامة.

لذلك، على المرء أن يعي نوعية الألعاب النارية المنطلقة في الهواء وأن يعي أين ستسقط هذه المفرقعات في المرة التالية. إن هذه المنهجية، أي طلب رأي استشاري من الجمعية العمومية هي في جوهرها التفاف على حق النقض.

إن المادة 12 (1) من شِرعة الأمم المتحدة تنص على أن الجمعية العمومية تفقد أهليّتها حتى لأعداد توصية بشأن مسألة ما عندما تكون تلك المسألة معروضة على مجلس الأمن، إذ تصبح تلك المسألة في قبضة المجلس، وخاصة إن كانت مرتبطة بالأمن والسلام الدوليين. إن ما قامت به المحكمة الآن هو أنها عادت متقهقرة إلى العام 1950 أي إلى أيام دين اتشيسون، إلى غزو كوريا الشمالية لأراضي كوريا الجنوبية، إلى التضافر والتضامن القديمين للحصول على قرار بالسلام. هذا هو ما أعيد كتابته ثانية –المادة 12 (1) و"تطبيق استنباطاتها".

مع ذلك –سواء بُني الرأي الاستشاري على قانون صارم خال من الاستثناءات أو حتى استثناء اقتضائي فعلى المحكمة– برأيي -أن تكون على دراية تامة بأن دور المجلس- باعتباره الأداة الأساسية للسلام والأمن –وهو الدور الذي غالباً ما تلام الولايات المتحدة على عدم احترامه الكافي- فإن كنت أنت من محبذي اضطلاع الأمم المتحدة بدور مركزي في الأمن العالمي، عليك عندئذٍ ألا تنتزع من المجلس سلطته.

لذا، فأنا أعتبر أن الكيفية التي وصلت بها القضية إلى هنا كانت مزعجة ومقلقة. لقد كان للمحكمة كامل حرية التصرف للتعامل معها (أي مع القضية) بطريقة مختلفة.

أما بالنسبة للقرار الفعلي فمن الواضح أن هنالك شعبين ولكل من هذين الشعبين حقوق، ومن وجهة نظر الولايات المتحدة فإن أكثر الأمور التي أجدها مزعجة –فيما يخصّ الرأي الاستشاري- هي قولها بأن حق الدفاع عن النفس يقتصر على الدول في العالم، أي أن هنالك فريق لا دولة له، ممن تريد الجمعية العمومية والمحكمة أن تعتبره شبه إقليمي، بالرغم من أن المادة (51) من الدستور الحالي تنص على أنه لا يجوز لأي شيء أن يحد أو ينتقص من الحق الطبيعي للفرد أو للجماعة بالدفاع عن أنفسهم في حالة وقوع هجوم مسلّح على أي عضو في الأمم المتحدة. بكل بساطة لقد وضعت المحكمة التفجيرات الانتحارية جانباً بقولها: "إنتبهوا، من قام بهذه التفجيرات الانتحارية ليسوا بدولة، بل هم أفراد لا دولة لهم، إنهم جماعات إرهابية، وبالتالي فإن المادة (51) لا تنطبق عليهم. حقاً، ليس لغة المادة (51)، وليس ما جاء في القرار (1373) الذي تمّ التصويت عليه من قبل مجلس الأمن إثر اعتداءات 11 أيلول هو ما جعل المجلس يعتبر أن هجوماً شنّه أناس لا دولة لهم –كالقاعدة مثلاً- يرقى إلى مرتبة الهجوم المسلّح الذي تنطبق عليه المادة (51). كذلك، ما يزعج كثيراًَ بالنسبة لهذا الموضوع –من ناحية المبدأ- هو سلب أو إلغاء حق الدفاع عن النفس.

وفيما يتعلق بالتناسب، ونظراً لأن هنالك حقوق، فإنه من الطبيعي أن يكون للفلسطينيين حقوق هنا. يبدو لي أنه لو تعاملنا مع التناسبية باعتبارها نموذجاً أو معياراً جدياً، عندئذٍ أن تنظر إلى الوقائع على كلا الجانبين، وإلى الدراسات التي تدلّ على الأماكن التي قدِم منها المفجّرون الانتحاريون، وإلى الأسئلة التي تنم عن مواضيع وجوب بناء أو عدم بناء الجدار، ولربما الطرق القاسية لتجنّب تحمّل الأعباء الملقاة على الشعب الفلسطيني بحيث تتأكد من أنه ليس على الناس الانتظار في صفوف لساعات طويلة قبل السماح لهم بالوصول إلى العناية الطبية أو إلى مزارعهم أو عائلاتهم.

بإمكان المرء أن يضع أعباء ثقيلة على الشخص الذي يقوم ببناء الجدار كجزء من تلك الطريقة لموازنة الأمور. ولكن أن نقول بكل بساطة وبطريقة سطحية أننا قد قررنا مسبقاً بأننا نعرف ما هو غير كاف، وبأن هنالك طرق أخرى لحماية الناس، فإنني لا أعتقد أن هذه هي العدالة بالنسبة لتقصّي الوقائع التي من أجلها وُجدت وأقيمت المحاكم.

لذلك أنا قلقة على محكمة العدل الدولية وأظن أنني قلقة على البنية التكوينية للأمم المتحدة ... فمجلس الأمن الآن قد تم إخضاعه إلى الجمعية العمومية، أي وضعه في مرتبة أدنى بالنسبة لها.

إنني أقلق على مصداقية أحكام المحكمة، وأودّ أن أشير إلى أن أحداً من أعضاء الاتحاد الأوروبي لم يشارك في النقاش الشفهي، لقد شاركتْ في النقاش ثلاثة عشر دولة ولم يكن بينها دولة واحدة من الاتحاد الأوروبي، وهذا شيء غريب وغير متناسق نظراً لأن حصيلة ونتائج ذلك النقاش –كما كان يحصل في الماضي- ستقيّد بها بدون شك كل عضوٍ من أعضاء الأمم المتحدة وستكون بالتأكيد مُلزمة له.

لذلك فإن الاتحاد الأوروبي –كما يبدو لي- قد يكون راغباً في أخذ دور مختلف بعد صدور الرأي الاستشاري.

وبالنسبة للمشكلة الأخرى المتعلقة بالأمم المتحدة وعضوية "إسرائيل" فيها، فإنني كعادتي أولاً أن أؤمن بالأفضل، وأنا ملتزمة بالأمم المتحدة. ولو لم يكن لدينا أمما متحدة لوجب علينا أن نُوجد واحدة بديلة، ولربما ستعاني البديلة من نفس المشاكل التي تعاني منها الأمم المتحدة الحالية. إلا أنني أعتقد بأن هنالك الكثير من الخصوصية فيها، لدرجة أن الناس الذين يعرفون المؤسسة ونقاط ضعفها لا يرغبون في إبلاغ الآخرين بضرورة عدم مشاركتهم لهذه الخصوصية لأن ذلك سيسيء للمؤسسة نفسها.

إنني في الحقيقة أعتقد أن الطريقة الوحيدة لجعل الأمم المتحدة كما نريدها أن تكون هي، بأن نكون صريحين بشأن الطريقة التي غالباً ما تدار فيها الأمور هناك. إن أحد الأمور التي لا يمكن التغاضي عنها أو إغفالها هي أن الأمم المتحدة عبارة عن مجموعة من الهيئات الإقليمية. هكذا تجري الانتخابات وهكذا تدار جلسات اختيار المرشحين، وهكذا توزّع المقاعد في مجلس الأمن. إنها مجموعة من خمسة أو ستة أقاليم، فذلك يعتمد على كيفية إحصائك لها. إن إقصاء "إسرائيل" الاستثنائي عن أية مجموعات إقليمية في جنيف يعني أنها لا تستطيع المشاركة في المناقشات التي تعتبر هي مصدر النزاع فيها، كما وأن أفعالها هي موضع مساءلة فيها أيضاً. ذلك بالنسبة لي هو محض جنون.

لقد عمل ريتشارد هولبروك بنجاح في نيويورك لمنح "إسرائيل" نصيحة بعد السعي وراء عضوية أي شيء مؤقت. وهذا ما يجعل حصول تال بيكر على منصب نائب الرئيس في أية جمعية أمراً مذهلاً. ولكن لسوء الخط، لم يمتد ذلك إلى جنيف لأن المجموعة الأوروبية الغربية والدول الأخرى [WEOG]، هذه المجموعة الصغيرة المضحكة لم تكن معروفة منذ أمد طويل. إنها المجموعة التي تضمّ في عضويتها الولايات المتحدة. نحن نتبع مجموعة أخرى، وكذلك هذا الأمر بالنسبة إلى أستراليا ونيوزيلاندا وتركيا، إنها لا تضمّ الأوروبيين فقط، ومع ذلك فإن المجموعة الأوروبية قد رفضت بكل بساطة –سنة بعد سنة بعد سنة- أي استعداد لقبول عضوية "إسرائيل". لقد أبلغني عدد كبير من الدبلوماسيين الذي أعرفهم أن لا شيء أقل من طلب ثنائي من جورج بوش أو جون كيري –إن سارت الانتخابات الأميركية على نحو آخر- يمكنه حل هذه الإشكالية، أي بكلمة أخرى، من غير الممكن نجاح معالجة مشكلة عضوية "إسرائيل"، ولسنة خلت منذ الربيع المنصرم قال أعضاء الاتحاد الأوروبي –خلال مؤتمر المجموعة الغربية الأوروبية والدول الأخرى- بكل بساطة، أنتم تعرفون بأننا على جداول انتخابية مختلفة، لذا فإننا لا نستطيع إعطاءكم جواباً هذه السنة، إسألونا ثانية السنة القادمة.

إن العديد من الدول التي تُعتبر حكوماتها قريبة من الولايات المتحدة كانت مشاكسة في هذا الخصوص، دول لا تريد أن تُذكر أسماؤها، دول قد ينتهي بها المطاف بإعلان أسمائها، قد كانت مُعرقلة في هذه المسألة. إنها ليست الدول التي تظنونها. إنها دول تمتاز بتطلّعاتها الخلاصية، دول تعتبر نفسها حسنة السلوك والتصرّف. إن ما يجري هو أشبه ما يكون بلعبة تبادل القبّعات بحيث أنك لا تعرف من سيرفض ومن سيوافق في المرة التالية. لو كان لدى اليابان أو ألمانيا أي طموح ليصبحا عضوين بمجلس الأمن لتمّ لهما ما يريدان، لأنه ليس بالإمكان الحصول على مجلس أمن موسّع. إن كانت الولايات المحتدة ستوافق على ذلك باعتبارها أحد الأعضاء الخمسة الدائمي العضوية، فلما لا يتم حل مشكلة العضوية العالمية داخل المنظمات الإقليمية.

قد يكون لدى "إسرائيل" مشاكلها، وأنا معجبة دائما بكل ما تفعله، ولكن لو قارنّا أفعالها بأفعال دول أخرى لوجدنا أن عدداً كبيراً من الحكومات الغير جذابة والأماكن الغير جذّابة التي تقوم بأفعال غير محبّبة لشعوبها، بالرغم من أن جميعها أعضاء بتنظيمات إقليمية، ولذلك فأنا أؤمن بضرورة حل فضيحة "المجموعة الغربية الأوروبية والدول الأخرى". أشكركم.

السيد مورافتشيك: أشكرك يا روث ... يا آنسة كارين، لقد وردت هجومات عديدة أخرى على الاتحاد الأوروبي. قبل أن نفتتح النقاش للجميع، هل ترغبين بالردّ على أي منها؟ تفضلي إن كنت ترغبين في ذلك.

الآنسة ستيجيرين: حسناً، أجل لقد وردت بعض التهجمّات بالفعل.

الآنسة ويدجوود: لكنها تهجّمات ودّية.

الآنسة ستيجيرين: لستم سيّئين إلى ذلك الحد. لربما "مارك لاغون" قد أشار إلى موضوع معاداة السامية والحصول على قرار خلال انعقاد الجمعية العمومية. أعتقد أننا ننوي تكرار ما فعلناه في بعثة حقوق الإنسان، وسنقوم بشيء مماثل في الجمعية العمومية، أعني قراراً بشأن التعصّب الديني، مع ذكر موضوع معاداة السامية تحديداً.

كثير من النقاط التي وردت بشأن محكمة العدل الدولية قد سبق وتناولتها في كلمتي، ولذلك سوف لن أكرر ما قمت بعرضه.

أما بالنسبة لموضوع "المجموعة الأوروبية الغربية والدول الأخرى" فليس لدي معلومات كافية لأعطيكم ردّاً على ذلك، فكما قلت، أنا لست خبيرة بالأمم المتحدة، وهذا موضوع تتمّ معالجته داخل مؤسسات الأمم المتحدة. أنا أعرف أن الخطوة التي تم القيام بها للسماح لـ"إسرائيل" بدخول المجموعة إلى أن يحين الوقت الذي تصبح فيه جزءاً من المجموعة العربية الشرق أوسطية، فذلك يعتبر خطوة إلى الأمام، وقد تعني أن بمقدور "إسرائيل" أن تجلس داخل مجلس الأمن، بالرغم من أنني أعتبر هذه الخطوة نظرية أكثر مما هي حقيقية، ولكنها ممكنة.

هذا كل ما أستطيع قوله الآن عن المجموعة وأنا على استعداد تام للإجابة على أية أسئلة أخرى.

السيد مورافتشيك: أشكرك يا كارين ... حسناً، نفتح المجال الآن أمام الأسئلة. إنني أفضّل الأسئلة على الملاحظات، ولكن بإمكانكم إبداء ملاحظاتكم بشرط أن تكون مختصرة. حالما أنادي على أي منكم أرجو منه الانتظار إلى أن يتسلّم مكبّر الصوت وبعدها يبدأ كلامه بالتعريف عن نفسه.

السؤال: إسمي سيّد عريقات من جريدة القدس اليومية، وسؤالي موجّه للسيد لاغون. هل أن ما ذكرته اليوم هو الموقف الرسمي لحكومة الولايات المتحدة؟ وإن كان كذلك، أفلا يتعارض هذا مع الموقف التقليدي للولايات المتحدة التي صوّتت مرّة تلو المرّة لصالح القرار رقم 194 الذي يدعو إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين؟ والقرار 242 الذي يدعو إلى الانسحاب "الإسرائيلي" من الضفة الغربية وغزة؟ وسؤالي الأخير للمندوب "الإسرائيلي" الذي أخفق في تذكّر أن أول عملية تفجير انتحارية قد حصلت بعد ثلاثة عقود من الاحتلال، أوليس للفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال حق بالدفاع عن أنفسهم؟ وسؤالي لك يا سيد مورافتشيك، لماذا لا يوجد بينكم مندوب فلسطيني مع أن هذه الندوة هي حول "إسرائيل"، والوجه المقابل لها هو الفلسطينيون؟ أشكركم.

السيد لاغون: سأردّ بإيجاز. إن المواقف التي ذكرتها تتطابق بالتأكيد مع سياستنا، ولا تشكل انحرافاً عنها، وعندما أشير إلى مسؤوليات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فيما يخصّ متابعة التصور المبني على قيام دولتين، فإنني أقوم بذلك ليس فقط لأنه يعكس موقف رئيس الولايات المتحدة، بل لأنه ولا شك يمثّل أيضاً خطة "المجموعة الرباعية". إنني اقترح أن تقوم الأطراف الثلاثة الأخرى للمجموعة –أي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا إلى جانب الولايات المتحدة- بالتفكير في توازن الحقوق والمسؤوليات، وهو ما أشار إليه السيد تال.

السيد بيكر: تفجيرات انتحارية، أجل، أحياناً لدينا ذكريات مقتضبة، والتفجيرات الانتحارية ليست سوى شكل من أشكال الإرهاب. لكن هنالك الخطف وقتل أطفال المدارس، والهجومات على الحافلات وما شابه، طوال فترة هذه الصراع، وإنني لا أدّعي الكمال بالنسبة لـ"إسرائيل". أنا أعتقد –بحق- أن هنالك مجال للانتقادات، ولكنني أشكّ في أن أي من الجانبين كان دوماً ضحية أو كان دائم المعاناة.

إن المشكلة التي نواجهها، والمشكلة التي تواجه الفلسطينيين تحديداً هي –بحسب اعتقادي- أن الإرهاب بحد ذاته يعتبر شكلاً من أشكال العنف لأن المتورطين بالإرهاب لا يفرّقون بين أنفسهم والمدنيين، فهم لا يعرّضون فقط المدنيين الذين يستهدفونهم بل يعرّضون للخطر أولئك المدنيين الذين يتخفّون في وسطهم. إنهم –لسوء الحظ أيضاً- يعرّضون المدنيين الفلسطينيين الأبرياء للخطر. إنه لمن المواقف الصعبة جداً أن تحاول البحث عن إرهابيين في وسط السكان المدنيين.

عليه، أعتقد أن الطريقة الوحيدة التي تقود كلينا إلى الأمام هي تمكين هؤلاء الملتزمين باللاعنف وبالتفاوض والاعتراف بوجود وبحق الآخر، تمكينهم ومنحهم السلطة والدعم. إن الاتحاد الأوروبي وكارين –التي أقدّر لها ملاحظاتها- قد أثارا نقطة واحدة. سأعطيكم مثلاً واحداً لأحد القرارات السنوية التي يدعمها الاتحاد الأوروبي. هنالك قرار وحيد –مثلاً- يدين العنف ضد المدنيين وخاصة المدنيين الفلسطينيين، والاتحاد الأوروبي يصوّت لصالح هذا القرار. إن ذلك القرار قد كان حلاً وسطاً لأنه في الأصل، أي عند صياغته كان يدين فقط العنف ضد المدنيين الفلسطينيين، ولكن لدينا الآن عنف ضد المدنيين كما هو ضد المدنيين الفلسطينيين، وأنا لا أعتبر هذا انتقال من قرار سيء إلى قرار جيد. إن التغيّر الذي حصل هناك هو إرسالنا رسالة إلى "الإسرائيليين" بأن أرواح المدنيين الفلسطينيين –بشكل أو بآخر- أثمن من أرواح "الإسرائيليين"، وهذا باعتقادي خطر على عملية السلام.

السيد مورافتشيك: جزء من السؤال موجّه لي بصفتي رئيساً لهيئة المشاركين في هذه الندوة، ويسعدني أن أجيب عليه، والسؤال كان: لماذا لم يُدع ممثل عن الفلسطينيين أو عن العرب ليكون ضمن هيئة المشاركين؟ إن مواضيع النقاش المختلفة تستلزم دعوة مشاركين مختلفين، ولو كان موضوع نقاشنا المباشر اليوم الصراع "الإسرائيلي" -العربي أو "الإسرائيلي"- الفلسطيني عندها سيكون عقد الندوة بدون مندوبين عن الجانب العربي من دون مغزى أو معنى.

يبدو لي أن مناقشة الأمم المتحدة و"إسرائيل" مختلفة إلى حدٍ ما لأن عدالة وسخافة الموقف واضحة وجليّة، فهناك 22 عضواً في الجامعة العربية و56 عضواً في المؤتمر الإسلامي، وتلك الأغلبية التلقائية في الأمم المتحدة يتم استثمارها على أفضل وجه، أي إلى الحدّ الذي جعل 4% من القرارات التي يتمّ التصويت عليها في الجمعية العمومية كل سنة هي إدانات لـ"إسرائيل". إن غالبية القرارات التي تكيّفها الدول، والتي تُعرض على بعثة الإنسان التابعة للأمم المتحدة هي إدانات لـ"إسرائيل".

وهكذا يصبح لدينا نموذجاً للاستغلال الغير ذكي لتلك الغالبية التلقائية في الأمم المتحدة، وبالتالي فإن أي قرار –بغضّ النظر عن مضمونه- يدين "إسرائيل" سيتم على الأرجح المصادقة عليه.

لقد بدا لي أنه من المفيد تبادل وجهات النظر فيما بين الدول الغربية حول كيفية ردّنا على ذلك الاستغلال السيئ والفاضح للأمم المحتدة، وبالتالي ذاك كان العنوان الذي تطلّب مجموعة معيّنة من المتحدثين، وهي مجموعة تختلف عما كان سيستلزم فها نقاش حول عملية السلام في الشرق الأوسط مثلاً، أو حول موضوع آخر في ذلك الاتجاه.

السؤال: إسمي بوليت (Paulletto)، مستشارة الاتصالات ... أودّ أن أشكركم جميعاً على عروضكم وخاصة السيد بيكر. لقد أدليت بتصريح ملزم حول حقوق متساوية ومسؤوليات متساوية، ومع ذلك فإنني أعتبر عدم وجود ممثل فلسطيني أو عربي فكرة ساذجة إن كان السبب في ذلك هو عدم تناولنا لذلك الموضوع بالذات.

ولكن، إن كان التصريح –فعلياً- عن وجود صرخات جور وعن وجود نشاطات وأفعال ومواقف معادية لـ"إسرائيل" من جانب الأكثرية داخل الأمم المتحدة، فلربما الأجدر بنا هو أن نسأل السؤال التالي الذي لم أسمعه، ألا وهو: لماذا تقوم "إسرائيل" كما هو واضح بتوبيخ وتقريع هذا العدد الكبير من الناس؟

السيد مورافتشيك: هل هنالك من يودّ الإجابة على ذلك؟ نحن لا نريد...

السيد لاغون: لست بحاجة لأدافع عن صديقي وزميلي جوش مورافتشيك فيما يخص تنظيم جماعة المناقشين بالرغم من أنني سأعرض وجهة نظري في هذا الخصوص.

كي أجيب على الشق الأخير من سؤالك، أودّ أن أؤكد بأنني أتّفق مع "تال" على أن الدولة الديموقراطية لا بد وأن تتعرّض للنقد، وأن تتقبّل النقد، وأن تتعايش مع أعلى المعايير، وأنا أقرّ بوجود سبب لهذا الاندفاع في انتقاد "إسرائيل" ... إنه الرغبة في استعمال ذلك للإلهاء عن المشاكل الأخرى. هنالك مواضيع حقيقية أخرى محل رهان "للإسرائيليين" وللفلسطينيين، ولكن إنفاق مثل هذا الكم الهائل من الوقت عليها هو إلهاء متعمّد، إلهاء تمارسه الدكتاتوريات المنتشرة في العالم، بهدف إبعاد أنظار العالم عن نشاطاتهم القمعية وعن أمور أخرى.

لكن دعوني ... بدلاً من النظر إلى هذا مثلما تفعلون أنتم، تدركون مدى الوضوح في الموقف "الإسرائيلي" مقارنة بالموقف الفلسطيني، لأنه على المرء أن يقبل بحقيقة أن الفلسطينيين الذين ليس لديهم دولة حتى الآن، إنما هم ممثلون أحسن تمثيل داخل منظومة الأمم المتحدة، سواء داخل أمانة السرّ أو داخل هيئات الأمم المتحدة، حيث تُعرض وجهات نظرهم بشكل جيد. ولكن دعونا ننظر إلى التفاوت الواضح الذي تظهره لقطة واحدة سريعة.

في "بعثة حقوق الإنسان" هنالك –كما قال "تال"- بند على جدول الأعمال هو البند 8 مخصص لـ"إسرائيل" والأراضي المحتلّة. إن كافة الدول الأخرى قد تتعرض لإدانة دولية محددة أو للتعنيف بموجب ما يعرف بالبند 9، إلا "إسرائيل"، التي لها تصنيفها الخاص في تعرّضها لوابل من الإدانات أو التعنيفات الرسمية.

لماذا إذاً، عند مناقشة موضوع الصين التي بالرغم من نجاحاتها في مجال التطوّر الاقتصادي تظل دولة قمعيّة يحكمها حزب واحد، له ممارساته الخطيرة في مجال الحريات المدنية ومراقبة الشبكة الحاسوبية البينية (الإنترنت) وقمع الحريات الدينية، ولكن عندما يُعرض قرار على "بعثة حقوق الإنسان"، يتمّ منع دراسته حتى بناء على تصويت أساسي، وذلك عن طريق تحرّك إجرائي لا تنفيذي، وعن طريق تهميشات مكثّفة، وبالمقابل تتعدد القرارات المتعلّقة بـ"إسرائيل". لا بد وأن هنالك خطأ ما.

السيد مورافتشيك: لقد سألت لماذا، وأنا في الحقيقة قد أجبت على السؤال في ملاحظاتي حتى قبل أن تتقدم بسؤالك.

سؤال: اسمي ديك هيلمان من (CPAC) ... في الحديث عن مجموعة القرارات التي اتخذها مؤخراً مجلس النواب الذي أنا عضو فيه، وفي الحديث عن رأي السفيرة جين كيركباتريك بأنه من الأمور التي يجب أن تشغل الولايات المتحدة هي العدل والمساواة بين الشعوب، بما فيه العدل والمساواة تجاه "إسرائيل". فما مدى الفائدة التي ستحققها متابعة مجلس النواب لقراره الذي اتخذّه مؤخراً بالنسبة لمجموعة أوروبا الغربية والدول الأخرى، والذي يتعلّق بالتهديد بقطع المساعدات المالية أو بقطعها فعلاً عن أجزاء من الأمم المتحدة إن لم يتم تحقيق تلك العدالة تجاه "إسرائيل"؟

وثانياً، في الحديث عن وعد الرئيس بوش –الذي كان آنذاك مرشحاً للرئاسة- فيما يخصّ إيلاء الأولوية لنقل سفارتنا إلى القدس، وفي الحديث عن الملاحظة التي أبداها الوزير باول، أثناء جلسة استماعه الأولى، التي كانت –على ما أعتقد- في البرلمان، بأن الإدارة الأميركية تنوي "نقل سفارتها إلى القدس –عاصمة "إسرائيل"- حسب قوله. فمتى سيتمّ ذلك؟ ومع اقتراب موعد الانتخابات، إلى متى سينتظر الرئيس ليقوم بتنفيذ ذلك الوعد الذي قطعه أثناء حملته الانتخابية الأخيرة؟ مع أنه كان منصفاً جداً وإيجابياً مع "إسرائيل"، على ما أعتقد؟ وبالنسبة لـ"كارين"، متى سيقوم الاتحاد الأوروبي بإظهار نفس الاهتمام بالانتهاكات الفلسطينية لحقوق الإنسان كانتهاكهم لاتفاقية عدم إشراك الأطفال –فتيات وفتيان- في الأعمال الحربية، وكذلك قيامهم بالتحريض على عمليات الإرهاب والتدمير التي يقوم بها الأطفال –ومعهم آخرون- وذلك في وسائلهم الإعلامية والثقافية الرسميتين؟ وبالنسبة للآنسة "روث"، ما الأعمال التي يمكن القيام بها داخل الأمم المتحدة لتُظهر نفس الاهتمام بما يحدث في السودان مثلما تفعل بالنسبة لما يجري في "إسرائيل"؟

السيد موارفتشيك: حسناً...

السؤال (متابعاً): أنت تشعرني بأنني أغفلتك...

السيد موارفتشيك: إنتظر، لا، لا، لا.

السؤال: هل هذا كافٍ؟ حسن.

السيد موارفتشيك: لا، هذا كثير جداً.

السؤال: حسن، سأتخلّى عن سؤالي الموجّه إلى "تال"، وسأتحدث إليه لاحقاً يا "جوش".

السيد مورافتشيك: هذا كثير جداً لأننا نريد أن نعطي أكبر عدد ممكن من الناس الفرصة لطرح أسئلتهم، وكان عليّ أن أوقف سيل أسئلتك قبل ذلك، دعونا نطرح الأسئلة واحداً واحداً.

السيد لاغون: سأجيب باختصار شديد لنعطي الفرصة لمزيد من الأسئلة. بالنسبة لمسألة "مكان" السفارة الأميركية في "إسرائيل"، من المنطقي جداً أن تكون في القدس. إن مجلس النواب يقوم فعلياً بلعب دور مساعد كعادته ... أقول ذلك كوني قد كنت عضواً سابقاً بلجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ، وكوني قد عملت مع قيادة البيت الأبيض أيضاً.

ويركّز مجلس النواب على المواضيع ذات الأهمية، التي يتوجّب إثارتها، ولكنني لا أستطيع التحدّث عن التوقيت لأنني كما تعرفون لست ممن هم مسؤولون عن مباني السفارات ولا عن سياسة العلاقات الثنائية مع "إسرائيل"، لذلك لا يمكنني التحدّث بهذا الأمر.

كما تعلمون، كوني قد عملت مع السيناتور السيئ السمعة –هليمز، الذي كان عضواً في لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ في الوقت الذي كان السفير هولبروك يعمل جاهداً لقبول "إسرائيل" –عبر التفاوض- كعضو في "المجموعة الأوروبية الغربية والدول الأخرى"، في نيويورك.

لقد أسهم –بشكل جزئي- التشريع الذي ترجع مسؤولية إعداده للسيناتور هيلمز، حيث تم وضع شرط على السياسة الأميركية في الأمم المتحدة وهو حصول "إسرائيل" على عضوية "المجموعة الغربية الأوروبية والدول الأخرى". أنا لا أستطيع الاقتناع بالعدول عن الدور الجماعي عند التحدث عن هذه المواضيع، وعليّ أن أقول بأنني في موقفٍ مضحك وغريب الآن، حيث لا يمكنني –كما تعرفون- حجب التمويل أو إخضاعه لشروط من قبل مجلس الشيوخ فقط من أجل قضايا وعلاقات تشريعية تنفيذية. ولكنني أؤكد على الدور الهام لمجلس الشيوخ في تركيز وتوجيه التفكير إلى المسائل أو الأمور التي يتوجّب القيام بها لأنها صحيحة ومنصفة.

الآنسة فان-ستيجرين: أشكرك على السؤال، لقد أوضحت في بداية عرضي أننا نولي بالفعل أهمية لانتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الفلسطينيون. أنت سألت عن القرار الواضح، وما أستطيع قوله رداً على ذلك هو أنه يُستحسن أن نسير في اتجاه آخر. لطالما كانت هولندة نشيطة جداً، كموقفها مثلاً خلال السنة الماضية في الجمعية العمومية، كواحدة من بين ستة ممن حاولوا تنظيم وتبسيط جدول أعمال الجمعية العمومية بحيث يشمل مواضيع ذات الاهتمامات الحالية، وهذا عمل بالغ الصعوبة، فكما تعلمون لسنا نحن من يتقدّم بمشاريع القرارات ضد "إسرائيل"، ونحن نفضّل الذهاب –خاصة داخل الجمعية العمومية وداخل بعثة حقوق الإنسان- في اتجاه آخر، وهو تنظيم وتبسيط جدوى الأعمال بحيث يتحدّث أكثر عن الأمور والمواضيع الحالية. شكراً.

الآنسة ويدجوود: فيما يتعلّق بما يمكن فعله، فإن دعم فكرة قطع المعونات غير مجدية هنا، حتى وإن كنت تعتبرها فكرة سديدة، لأن الأمم المتحدة ليست هي من يتحكّم بالاجتماعات الإقليمية لاختيار المرشّحين. إن الاتحاد الأوروبي هو من يتحكّم "بالمجموعة الغربية الأوروبية والدول الأخرى"، ولذلك أخشى، أنها بالأحرى في المحكمة الموجودة بموطن "كارين" وأنا على يقين بأنها (أي كارين) ستصطحب معها إلى بلدها أخباراً عن "البلاد الأخرى" تدلّ على أن تلك "البلاد الأخرى" تفضّل أن تكون "مجموعة شاملة"، وأنه من المنطقي تحقيق ذلك لأن الوقت قد حان، وأن مطامع ألمانيا هي على المحك الآن.

أما بالنسبة للسيدة التي سألت السؤال الآخر، فإنني أقترح عليها الرجوع إلى الأهازيج الشعبية لـ"توم ليهرير"، ذلك العالم بالرياضيات الذي لا تزال تسجيلاته موجودة في مكان ما على شبكة الإنترنت، إن كنتم تفهمون ما أقصده.

السيد مورافتشيك: ذلك كان جواباً يا آنسة روث، إلا أنه بالحقيقة يقسّم المشاهدين بحسب الأجيال.

سؤال: اسمي "جون هولستيتير" كبير الزملاء في معهد ديسكوفيري ... سؤالي موجّه إلى مندوبة الاتحاد الأوروبي وهو: فيما يخص المادة (51) وتفسير محكمة العدل الدولية الذي يقول بأن شرط الدفاع عن النفس لا ينطبق على من لا دولة لهم. لنفترض إذا –لا سمح الله- أن الإرهابيين الفلسطينيين قاموا بضرب مواطني الاتحاد الأوروبي خلال الألعاب الأولمبية، فهل سيقوم مواطنو الاتحاد الأوروبي باتخاذ نفس موقف محكمة العدل الدولية القائل بأن ليس من حقهم الدفاع عن أنفسهم ضد الفلسطينيين.

الآنسة فان ستيجرين: كما سبق وأوضحت فإن أحد أهدافنا كان السعي لعدم المصادقة على الرأي الاستشاري، وهذا معروف لدى الجميع، وفي شرحنا لعملية التصويت ذكرنا بكل وضوح "إننا نقرّ بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وخلال شرحنا لعملية التصويت ذكرنا "أننا لا نوافق على جميع عناصر الرأي الاستشاري، وقد تجلّى ذلك بكل وضوح أثناء المفاوضات، فالإقرار الذي لا يُعتبر مصادقة ولا موافقة مضافاً إليه شرحنا لعملية التصويت قد جعلانا نشعر بالراحة على حدٍ بعيدٍ لأنهما موقفنا من الرأي الاستشاري".

سؤال: إسمي فلاديمير من شبكة التلفزة الروسية (RTV). لدي سؤال قصير للسيد بيكر.

أيام الاتحاد السوفييتي كان موقف الكرملن مسانداً وداعماً للعرب، وأثناء رئاسة يلتسين أصبح موقف الكرملن أكثر مساندة لـ"إسرائيل"، فما رأيكم بالموقف الروسي الآن داخل "مجموعة الأربعة"، حيث أن روسيا العضو الوحيد من تلك المجموعة الذي لم يتطرّق إليه النقاش اليوم؟ هل الموقف الروسي اليوم أكثر مساندة لـ"إسرائيل" أو أكثر معاداة لها، أم أنه حيادي؟

السيد بيكر: ... أعتقد أنه من الصعب التقييم في الحكم. بالنسبة لموضوع محكمة العدل الدولية يعتقد الروس بأنها ليست آلية مناسبة كما يؤمنون بأنها تبتر وتجتث خارطة الطريق التي يدعمونها بقوّة. أنا أعتقد أن الروس –لأسباب مفهومة- لديهم نظرة قوية بشأن حق الدفاع عن النفس ضد الإرهاب، وبشأن هذه المواضيع أيضاً، في الوقت نفسه، لو إردت إيجاز رأيي سأقول بأن الروس معرّضون لنفس الضغوطات السياسية من منظومة الأمم المتحدة. ولسوء الحظ، فإن ذلك لا يؤدي –معظم الأحيان- إلى نتائج جيّدة.

سؤال: أدعى جورج .بيرنشتاين من "المنظمة الصهيونية في أميركا"... أعتقد أنكم قد اعترفتم في ملاحظاتكم بوجود كراهية عالمية تجاه "إسرائيل"، ولكن هنالك فجوة وخطأ في التعميم، لأن ملاحظات "ليهرير" تشرح في أساسها أسباب كراهية الكاثوليك للبروتستانت وكراهية الهندوس للمسلمين، ولكن في حالتنا هذه، الجميع يكره اليهود. وهذا في الحقيقة هو الجواب، ولكن كونكم لم تقولوه بوضوح فأنا أعتقد أن مغزى ملاحظاتكم هو عدم قدرة اليهود على الاعتماد أو التعويل على أحد في المواقف الحرجة أو في الأوقات الصعبة؛ فمتى ستتصرف الحكومة "الإسرائيلية" وفقاً لهذه المعلومة؟

السيد بيكر: من وجهة نظري الشخصية، لو كان هذا انطباعك الذي كوّنته من ملاحظاتي، فليس هذا ما قصدت. إنني لا أعتقد بأن معاداة السامية هي ما يقف وراء سياسات كافة الحكومات، ولا هي السبب عند التصويت ولا هي ما يحكم ويحدد التصرفات التي حصلت. قد يكون لها تأثير خفيّ على بعض المواقف بالنسبة لعدد من المواضيع.

من الصعب مثلاً فهم السبب وراء اعتبار فكرة اتخاذ قرار حول معاداة السامية شيئاً مرفوضاً لهذا الحدّ لدى بعض الدول. وفي الوقت نفسه، أظنّ أن تحويل نزاع سياسي إلى نزاع عنصري أو ديني أو ثقافي إنما هو من باب التضليل، بالرغم من جود بعض الحقيقة في ذلك، وأحياناً تكون هذه الحقيقة كامنة وخفيّة. إن هدفنا هو نزع سلطة هؤلاء الذين يريدون تحويل ذلك الأمر إلى مثل هذا النوع من النزاع، مثلما سبق أن فعلوا بالنسبة لمؤتمر ديربان.

أودّ أن أضيف أيضاً أن حدثاً هاماً حصل منذ أسابيع وكان مفترضاً حصوله منذ 58 سنة، وهذا الحديث هو انعقاد أول مؤتمر للأمم المتحدة حول معاداة السامية، وقد عقدته أمانة السر. لقد قام الأمين العام بإبداء ملاحظاته حول حقيقة وجوب أن تكون الأمم المتحدة منزلاً لليهود أيضاً. وقد دعا إلى اتخاذ قرار في الجمعية العمومية بخصوص معاداة السامية، وهذه هي البداية، وعلينا أن نكون متيّقظين جداً لئلا تُطلى الأمور بفرشاة طلاء عريضة. وهذه عين الصواب بالنسبة للنزاع، إذ ليس لدى كل فلسطيني رغبة في تدمير "إسرائيل" تفوق رغبته لإقامة دولة فلسطينية ديموقراطية. هنالك العديد العديد من الفلسطينيين المعتدلين المهتمّين بعملية السلام، وعلينا ألا نسم الجميع بنفس السمة. الشيء نفسه ينطبق على الأمم المتحدة، فهي ليست وحدة متراصّة "ومتناغمة كلياً، فهناك لاعبون متنوعون وممثلون مختلفون، بعضهم دول وبعضهم موظفون رسميّون تابعون للأمانة العامة، ولا يمكن الحكم عليهم إلا وفق ما يستحقه كل منهم. سأترك الأمور عند هاذ الحد.

السيد مورامتشيك: إن ما أخشاه هو أن هذه القصائد الغنائية لا تبدو مضحكة بدون عزف يصاحبها (أي على المرء ألاّ يبالغ المرء بالأسلوب والعاطفة نتيجة الحماس المفرط)... لدينا من الوقت ما يتسع لسؤال أو اثنين. تفضّل سيد والتر.

سؤال: أدعى والتر بيرنز، باحث مقيم، أعمل لدى "معهد المشروعات الأميركي"، ولعشرين سنة ونيّف شغلت منصب المندوب الأميركي لدى بعثة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وسؤالي موجّه لأي من المشاركين بدون تحديد... هل بإمكان أي منكم التفكير بأي شيء جيد تمكنت بعثة حقوق الإنسان من تحقيقه حتى الآن؟

الآنسة ويدجوود: أجل، أنا أستطيع، ولهذا السبب أعتقد مجدداً بأن الحسرة تكون كبيرة عندما تخدع المنظمات الفاضلة والوجيهة بالإكراه والغش، أو عندما يساء استخدام المنظمات.

إن بعثة حقوق الإنسان للأمم المتحدة مثلاً، تقوم فعلاً بتعيين مقرّرين خاصّين ... مقرّر خاص بالنسبة لموضوع الاختفاءات، ومقرر خاص بالنسبة لموضوع التعذيب، والعديد من هؤلاء الفتيان والفتيات هم أشخاص شجعان ينتهي بهم المطاف داخل زنزانات في أكثر العواصم كآبة، وفي مدنٍ إقليمية منتشرة في أنحاء العالم، وهم عادة لا يحصلون على الدعم المالي الكافي ولا على الدعم الكافي من الموظفين المساعدين.

إلا أن بعثة حقوق الإنسان لها ماضٍ مشرّف ونبيل حيث كان أناس ذوي مكانة واعتبار رفيعين يتمّ تعيينهم فيها، ويحضرني ذكر السيدة "لويز آربور" التي عُيّنت مفوضاً سامياً لبعثة حقوق الإنسان ... إنها صديقة قديمة لي من أيام الحكم اليوغسلافي، وهي إمرأة رائعة. إنها ذكية وحصيفة ولبقة، إنها كالزهرة الفوّاحة. إنها تعرف كيف تختار معاركها، وأملي كبير في أنها –عندما تستقر- ستجد طرفاً لاستخدام البعثة بالكيفيّة التي يتوجّب استخدامها بها، نظراً لأنها تتحلّى –حسب اعتقادي- بالقوة والعزيمة الكافيتين لتصمد أمام العواصف الجارفة السائدة هذه الآونة.

أودّ يا "جوش" أن أضيف بإيجاز –فيما يخص أوروبا، خاصة هذه السنة- هذا حدث رنان له صدى واسع جداً. نحن في اللجنة نعدّ الكثير من التقارير عن البلدان الأوروبية، وأنا متأكدة من أن العواصم الأوروبية قلقة بشأن الحديث عن الكراهية والعنف في بلادنا، وكيف يمكن تجنّب وكبح ذلك العنف وتلك الكراهية. وأنا أعتقد أننا لو أعدنا "طوم ليهرير" إلى وسطه السياسي في العام 1968 لتبيّن لنا –لسوء الحظ- وجود تأثير ترابطي بين سياسة الشرق الأوسط والعنف في أوروبا، وبالتالي، كي نحافظ على لهجة الاحترام والمحبّة بالنسبة للشعبين المتورطين في هذا العناق، واللذان يشتركان في نفس تاريخ الترحيل والإحلال من عدّة أوجه، إنما هو باعتقادي درس مواعظي هام الثقافة الديموقراطيات الأوروبية، كما وأنني أعتقد أن أوروبا تخدع نفسها لو أنها افترضت أن بإمكانها تبني لهجة أشدّ إغضاباً في الشرق الأوسط دون أن يكون لذلك تأثير عليها نفسها.

السيد لاغون: لعلي أستطيع الإجابة على سؤالك بسرعة، أنا الآن –بسبب آثامي- القانون بوزارة الخارجية، مسؤول عن السياسة المتعلّقة ببعثة حقوق الإنسان. والجواب على سؤال هو أن هنالك بعض الأشياء الجديرة بالاهتمام، نقوم بها، ولكن ما تفعله بعثة حقوق الإنسان حالياً ضار أكثر مما هو نافع. نحن ملتزمون بسياسة لتنظيفها. إن أحد الأشياء التي نسعى للقيام بها هي متابعتنا لفكرة ربما تكون بسيطة لم تتمّ متابعتها بالمقدار الكافي خلال السنوات الماضية. إنها فكرة تهدف لجمع ديموقراطيات بعثة حقوق الإنسان –التي تشكّل ثلاثة أخماس البلاد الأعضاء البالغ عددها ثلاثة وخمسون- للعمل معاً على تحسين وضع الأعضاء الذين يفرّون من البعثة ومن إنتاجية البعثة إلى مؤتمرات لاختيار المرشّحين، وذلك في محاولة للحصول على دعم البرلمان ودعم الفرع التنفيذي جمهوريين كانوا أم ديموقراطيين ... لكنك تسأل سؤالاً جيد جداً.

سؤال: هل تسمح لي ... فقط عشر ثوانٍ يا جوش، لربما تكون الأمور قد تغيّرت خلال العشرين سنة الماضية يا بروفيسورة ويدجوود، ولكنني أتذكر العمل على استصدار قرار بإرسال أحد المقررين إلى أحد الجمهوريات السوفياتية وهلمّ جراً، مع العلم بأن تلك البلد بالتحديد لن تسمح لذلك المقرّر أن يطأ أرضها بقدمه. ثمّ أنه لم يُسمح له بالدخول إلى البلد.

سؤال: أدعى "دايفيد موزيز" من اللجنة الأميركية اليهودية ... لقد كنت أتساءل إن كانت "روث" أو "تال" يستطيعان التوسّع قليلاً بشأن سخافة أن يكون هنالك جزء من الحقوق الفلسطينية يمثّل 0.01% من مجموع السكان إلى جانب لجنتين متخصّصين تعملان تحت رعاية هذا الجزء، بينما نجد داخل ذلك الجزء مجموعات دولية وعالمية رئيسية.

السيد بيكر: حسن، إن كنت تشير إلى الجزء المتعلّق بالحقوق الفلسطينية تحديداً أو بشكل عام، فإنه كما قلت موضوع نسبي. التناسب هو مبدأ رائع في القانون عموماً، ومن العار ألاّ تكون محكمة العدل الدولية قد تعاطت معه بجدّية حين نظرت الجدار بعكس ما فعلت المحكمة العليا. وأنا أعتقد أنه من العار أيضاً على الأمم المتحدة أنها لم تفعل ذلك أيضاً.

إنه نزاع معقّد، ليس فيه أبيض وأسود. وكما أسلفت بالنسبة لـ"قسم حقوق الفلسطينيين" الذي يمتاز بميزانيته الكبيرة، فهو ينفق ملايين الدولارات في حين أن الهيئات الأخرى –كما يظهر لي- تدعم تماماً عكس ما نريد لو كنّا نؤمن فعلاً بعملية السلام، حيث يتواجد شعبان يعملان معاً ويعترف كل منهما بحقوق الآخر، أو لو كنا نؤمن بأمم متحدة تستند في مبادئها الأساسية على تطبيق المعايير بشكل لا إنتقائي.

السيد مورافتشيك: حسن، أودّ أن أشكر كل فرد من المشاركين الأربعة. لقد كنتم مميّزين ورائعين. أما بالنسبة لمن هم غير راضين عن تركيبة قائمة المشاركين فأرجو ألاّ تحملوا عليهم لأنني أنا المسؤول عن ذلك بالكامل.

أشكركم جميعاً على الحضور، وأرجو أن تتطلعوا إلى جلستنا القادمة التي ستدور حول "الأمم المتحدة والحدّ من الانتشار النووي"، المزمع عقدها خلال شهر أيلول القادم.

 

 

 

 

 

2016-03-24 11:08:31 | 7998 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية