التصنيفات » ندوات

(حرب تموز 2006 - أبرز التحوّلات والمفاعيل). للعميد المتقاعد إلياس فرحات




عقِدت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في بيروت، بتاريخ 3/8/2016، ندوة سياسية لمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لانتصار المقاومة على العدو الإسرائيلي في حرب تموز 2006 ، بعنوان (حرب تموز 2006 - أبرز التحوّلات والمفاعيل). وقد حاضر في الندوة العميد المتقاعد في الجيش اللبناني إلياس فرحات وذلك بحضور:
نائب مسؤول الملف الفلسطيني في حزب الله الحاج عطالله حمود ، والاستاذ مروان عبد العال مسؤول الساحة اللبنانية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، الدكتور كمال ناجي ،الدكتور حيدر دقماق ،الدكتور عبد الملك سكرية ، الأستاذة منى سكرية /صحافية ،الأستاذ عدنان الساحلي /صحافي ، الاستاذ بلال اللقيس ، الدكتور محمود العلي/ منسّق حقوق اللاجئين ، الأستاذ محمود إبراهيم ،الأستاذ حسن شقير/ كاتب ومحلّل سياسي ،الأستاذ منير فوّاز ، الدكتور سلام الأعور ، الأستاذ هيثم أبو الغزلان.
ونخبة من الباحثين والمتخصصين في قضايا الصراع العربي ـ الصهيوني.



في البداية، قدّم رئيس مركز باحث للدراسات، الدكتور يوسف نصرالله، للمحاضِر ولموضوع الندوة، بالدعوة إلى قراءات جديدة ومعمّقة لحرب تموز 2006 التي قلبت الموازين وهزّت أو أسقطت النظريات العسكرية والاستراتيجية التي سادت قبل هذه الحرب، وتحديداً لجهة القتال بين كيانات أو دول وبين جماعات وقوى غير نظامية. وهذا ما سيتحدث عنه سيادة العميد فرحات.
قسّم العميد إلياس فرحات المحاضرة (التي عُرضت على برنامج power point) إلى عدّة أقسام:

1 ـ ما قبل حرب تموز:
شكّلت حرب تموز 2006 محطة فاصلة في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني الحديث، حسب قول العميد فرحات، كما شكّلت ثورة القسّام (1936) محطة تاريخية في مواجهة المشروع الصهيوني الذي نجح بسبب خيانة بعض الحكّام العرب لهذه الثورة، في إقامة كيانه العنصري على أرض فلسطين عام 1948، حين قام وفد عربي (ملكي) بالطلب من ثوّار فلسطين الخلود إلى السكينة بناءً على وعد بريطاني كاذب بحلّ "الأزمة" مع اليهود، لتذوي الثورة بعدها ويُحبط الشعب الفلسطيني الذي قدّم حينها أغلى التضحيات.
وكانت محطة نوعية أخرى في مسيرة المقاومة في العام 1965، وصولاً إلى المقاومة اللبنانية التي نشأت في العام 1982 لمواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان، والتي توّجت تضحياتها بالاندحار الكبير لجيش الاحتلال عن الجنوب في شهر أيار من العام 2000.
ويتوقف المحاضِر هنا عند أهمية السلم الأهلي في لبنان الذي تحقّق بفعل اتفاق الطائف، والذي ركّز جهود وفعاليات المقاومة ضدّ الاحتلال بعد تأمين الجبهة الداخلية لهذه المقاومة.
ويشير العميد فرحات إلى دور القائد عماد مغنيّة (الحاج رضوان) في المقاومة وفي استهداف جيش عملاء "إسرائيل"، والذي أدّى إلى انهيار المنطقة المحتلة بسرعة، مشبّهاً استراتيجية الحاج رضوان باستراتيجية الجنرال (جياب)، العبقري الفيتنامي الذي هزم الاستعمار الأجنبي لبلاده.
ويتابع العميد فرحات: بعد التحرير في العام 2000، بدأت نقاشات واسعة وانطلقت مطالبات بنشر الجيش اللبناني في الجنوب، والذي رفض أن يشكّل حرس حدود لـ"إسرائيل"، التي كانت ولا تزال قضايا عديدة عالقة معها (قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مزارع شبعا وكفرشوبا، قرية الغجر، المياه...).
وقد برز حينها دور مشبوه لكوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، في الدعوة إلى إنهاء النزاع مع الكيان الإسرائيلي ونشر الجيش اللبناني على الحدود مع فلسطين المحتلة.



ويلفت العميد هنا إلى خطورة بقاء أو توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لما لها من تداعيات هائلة على كلّ المستويات في الداخل اللبناني، وعلى الدولة اللبنانية تحديداً.
لكن، بعد تسلّم تيار المحافظين الجدد (المتطرّف) في الولايات المتحدة للسلطة في العام 2001، تصاعد الصراع مع "إسرائيل" وراعيتها الكبرى، حيث أصبحت المقاومة (في لبنان وفلسطين) العدو المباشر والمركزي للحلف الأميركي ـ الإسرائيلي، وليبدأ رسم الخطط المناسبة للقضاء على هذه المقاومة.

2 ـ أسباب حرب تموز 2006:
أدّت عدّة أسباب أو عوامل إلى اندلاع حرب تموز، كان من أهمها سطوع نجم المقاومة كقوّة لبنانية وإقليمية في الصراع العربي ـ الصهيوني، وعلى مستوى المنطقة عموماً، عربياً وإسلامياً. وكان لفشل زجّ المقاومة في أتون حرب أهلية مدمّرة بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في شباط 2005، أثر كبير في تسريع تنفيذ خطّة الحرب الإسرائيلية ـ الأميركية التي أُعِدّت مسبقاً، والتي طبّقت في تموز من العام 2006.
ويتوقف العميد فرحات هنا عند خطورة الدور الأميركي في إطلاق وتسعير هذه الحرب الشعواء ضدّ المقاومة، سواء من خلال المواقف "النارية" التي صدرت عن المسؤولين الأميركيين (رايس ـ مخاض الشرق الأوسط الجديد)، أو من خلال الضغوطات الأميركية على فريق 14 آذار اللبناني المعادي للمقاومة (التحريض على قتال المهجّرين الشيعة والدعوة لنفيهم إلى العراق واليمن...).
وكان في تلك المرحلة موقف مشهود للعماد ميشال عون، الذي أعلن عن تأييده الكامل للمقاومة وعن احتضان الناس الذين تركوا قراهم وبيوتهم، ورفض تهديدات السفير الأميركي فيلتمان للبنان في حينه.




3 ـ أسْر الجنديين الإسرائيليين:
من ضمن مفاجآت المقاومة قبل اندلاع حرب تموز أنها نفّذت عملية أسر الجنود الإسرائيليين في منطقة تقع على خط الهدنة بين لبنان والكيان الإسرائيلي، بينما كانت تحصل عمليات المقاومة قبلها في مزارع شبعا المحتلة (قصف/ تفجير عبوات)، أي ضمن الأراضي اللبنانية المحتلة.
حينها، كانت المقاومة على أتمّ الاستعداد لمواجهة أيّ ردّ فعل إسرائيلي مهما كان حجمه، والذي حصل بُعيد خطاب السيد حسن نصرالله مباشرة، ممّا أفشل مفاجأة العدو للمقاومة باستهداف الصواريخ المتوسطة المدى وتدميرها منذ بدء المعركة (كما زعم العدوّ لاحقاً).
وقد دمّرت الحملة الجويّة الإسرائيلية جسوراً وبنى تحتية ومواقع كثيرة في لبنان، من دون أن تتمكن من ضرب مواقع المقاومة ومخازن أسلحتها وصواريخها..
وكانت المفاجأة الثانية للمقاومة باستمرارها في إطلاق الصواريخ على شمال فلسطين حتى ما قبل وقف إطلاق النار بساعتين من أقرب منطقة إلى الحدود، وقرب موقع رئيسي لقوات الأمم المتحدة، برغم تجاوز الطلعات الجوّية الإسرائيلية 12 ألف طلعة فوق لبنان، طيلة فترة الحرب، والتي فشلت في إيقاف تساقط هذه الصواريخ.
أما محاولات التقدم البرّي للجيش الإسرائيلي، فقد نجحت بشكل جزئي ومحدود في منطقة مرجعيون، وهي منطقة غير عسكرية ولا وجود فيها للمقاومة، فيما فشل الإسرائيليون بشكل ذريع في التقدّم بدباباتهم عبر وادي الحجير، بفعل مجزرة دبابات (الميركافا) الشهيرة، التي أبدع رجال المقاومة في التخطيط لاستهدافها وتنفيذ ذلك، حيث لم يتوقع جيش الاحتلال حصول هكذا واقعة في تلك المنطقة لاعتبارات عديدة.




4 ـ أسباب انتصار المقاومة:
يعدّد العميد إلياس فرحات أهم العوامل التي أدّت إلى انتصار المقاومة على العدوان الإسرائيلي في تموز 2006 على الشكل التالي:
1 ـ التحضير الجيّد للمعركة والجهوزية العالية لوحدات المقاومة للمواجهة مهما كانت قاسية وطويلة.
2 ـ استمرار عمل جهاز القيادة والسيطرة، عبر اعتماد المقاومة لشبكة الاتصالات السلكية التي يستحيل تقريباً التنصّت عليها أو استهدافها، بحيث لم ينقطع التواصل بين قيادة المقاومة والمجموعات على الأرض ولا للحظة واحدة (مثال وقف إطلاق الصواريخ أو استمرارها في الوقت الذي كانت تختاره القيادة).
3 ـ المعنويات المرتفعة لدى مقاتلي المقاومة وشوقهم الكبير لمواجهة جيش الاحتلال وتكبيده أفدح الخسائر.
4 ـ نجاح خطط إخفاء الصواريخ وأماكن تمركز وانطلاق المقاومين بشكل شبه تام، طيلة فترة الحرب (ذهِل المراسلون المحلّيون والأجانب من قدرة المقاتلين على التخفّي وسرعة إطلاقهم لصليات الصواريخ وإخفاء منظومات إطلاقها).
5 ـ الإدارة السياسية الذكية والحازمة للحرب من قِبل قيادة المقاومة، والتي ترجِمت في صدور القرار الدولي (1701)، الذي لم يتمكن من ضرب الوجود المقاوِم في الجنوب بعد الحرب بالحيلة، بعد فشل العدو باستهدافه عسكرياً خلال الحرب (مثال نشر الجيش اللبناني المدروس ومعه القوات الدولية، والذي لم يتجاوز منطقة جنوب الليطاني كما كان يطمح العدو وحلفاؤه الأميركيون والأوروبيون...).
5 ـ أسباب خسارة العدوّ للحرب:
عرض العميد فرحات لأبرز الأسباب التي أدّت إلى فشل عدوان تموز 2006 على لبنان على الشكل التالي:
1 ـ الثقة المفرطة بالنفس وبالقدرات العسكرية الإسرائيلية (خصوصاً على مستوى سلاح الجو).
2 ـ الاستخفاف بقدرات المقاومة والجيش والشعب اللبناني، كما كانت الحال منذ عقود من المواجهة المفتوحة بين الكيان الإسرائيلي ودول الجوار العربي.
3 ـ سقوط أسطورة دبابة الميركافاه بعد مجزرة دبابات وادي الحجير، وكذلك أسطورة لواء غولاني بعد فشله في احتلال مارون الراس وبنت جبيل.
4 ـ الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي الذريع والمهين، سواء في منطقة بعلبك في البقاع (إنزال جويّ كبير لخطف شخص عجوز اسمه حسن نصرالله)، أو في منطقة جل البحر في الجنوب لاغتيال كوادر في المقاومة، حيث حصل اشتباك أدّى إلى مقتل قائد القوّة المهاجمة.
5 ـ غياب الخطة (ب)، أو الخطة الاحتياطية لدى قيادة الكيان السياسية والعسكرية، لما بعد الحرب أو في حال استمرار الحرب لأكثر من الفترة المقرّرة، بموازاة تبعيّة الكيان الكاملة للإدارة الأميركية، ما أدّى إلى ارتباك وضياع قيادة العدوّ لجهة إكمال الحرب أو وقفها.
في نهاية المحاضرة، وبعد استماع العميد فرحات لمداخلات المشاركين في الندوة، ردّ بشكل موجز، وكما يلي:
1 ـ هناك تطوّر هائل في قدرات المقاومة بعد حرب تموز، كما في تكتيكاتها واستراتيجياتها، مقابل التطوّر المستمرّ في قدرات العدو وتزايد مناوراته العسكرية الكبرى استعداداً لما بات يسمّى الحرب الثالثة، والتي لا يمنعها إلاّ توازن الردع الذي حقّقته المقاومة بعد حرب تموز.
2 ـ "ثورات" الربيع العربي أدّت إلى بروز مخاطر كبيرة وجدّية على محور المقاومة، يجري العمل على مواجهتها بكلّ حكمة وحزم (في سورية والعراق واليمن...). وهذه الثورات ـ رغم أحقيّة بعض المطالب التي رفِعت خلالها ـ باتت خنجراً مسموماً في خاصرة الشعوب العربية التي لم تتراجع عن عدائها لـ"إسرائيل" والإدارة الأميركية.
3 ـ حرب تموز 2006 أفقدت الكيان القدرة على احتلال أراضٍ عربية جديدة، كما أفقدته دوره الإقليمي الخطير الذي كانت أميركا تراهن عليه منذ عقود.
4 ـ تدخّل المقاومة المبكر في الحرب السورية (منذ 4 سنوات) حما لبنان من وصول جماعات الإرهاب والتدمير إليه، كما يشهد بذلك الجميع، رغم نكران بعض اللبنانيين الكيدي لهذا الدور الإيجابي والمشرّف لحزب الله في سورية، مع أهمية التركيز على تأثير العامل الأجنبي الخطير في إشعال وتأجيج الحرب السورية، وذلك بهدف محوري لا يخفي على المتابع والمحلّل الحصيف، وهو ضرب وتدمير المقاومة اللبنانية التي أذلّت أميركا و"إسرائيل" في حرب تموز 2006، وما تزال.





2016-08-04 15:08:38 | 8452 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية