التصنيفات » مقالات سياسية

ايلول الأسود في ساحة الأردن 1970


*لازال القمع مستمراً... والخروج من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني سياسة ثابتة.
*لازال قمع المقاومة والمقاومين والتنسيق الأمني مع أجهزة العدو الأمنية خطاً ونهجاً وثقافة تحكم سيرة ومسيرة النظام الأردني.
*استهداف المقاومة الفلسطينية، وتصفية قوات الثورة الفلسطينية في الأردن، يُعدّ بمثابة فك الارتباط الفعلي من قِبل النظام الأردني بفلسطين، القضية والأرض والشعب، والخروج نهائياً من دائرة الصراع العربي - الصهيوني.
*العلاقات بين الشعبين الفلسطيني والأردني لا تعبّر عنها تصريحات السلطة ولا تصريحات حكّام الأردن.. فهي قائمة على الخداع والتضليل وعدم المصداقية.. وهي للإستهلاك المحلّي ولخدمة مسارات سياسية خانعة ومذلّة.
*إعادة بناء العلاقات الراسخة بين الشعبين الشقيقين مهمة المناضلين الفلسطينيين والأردنيين معاً وهي أسمى من أن يتحكم بها رموز "أوسلو ووادي عربة".

شهد شهر أيلول إبّان سنوات الصراع الطويل مع العدو الصهيوني سلسلة من الأحداث المأساوية التي عصفت بقضية فلسطين والشعب الفلسطيني. ولعلّ أبرز هذه الأحداث المؤامرة التي تعرضت لها المقاومة الفلسطينية وقوات الثورة الفلسطينية في الأردن على يد النظام الأردني، والتي وصِفت نظراً لعنفها ودمويتها بمجزرة أيلول (عام 1970).. وكذلك المجزرة التي تعرّض لها مخيّما صبرا وشاتيلا في بيروت إبّان الإحتلال الصهيوني للبنان إثر الإجتياح سنة 1982، والتي تُعد إحدى أبشع الجرائم التي ارتكِبت في تاريخ البشرية ضدّ شعب أعزل... وكذلك جاء التوقيع على اتفاق أوسلو في البيت الأبيض في 13 أيلول سنة 1993، من وراء ظهر الشعب الفلسطيني؛ هذا الإتفاق الكارثة الذي ألحق أفدح الأضرار بقضية فلسطين وبمصير الشعب الفلسطيني.
ومن هنا جاء عنوان المقالة منسجماً مع ما شهده شهر أيلول من أحداث مفصلية وخطيرة طالت فلسطين القضية والشعب، وكان اختيار العنوان «أيلول الأسود في ساحة الأردن».
إنّ تناولنا اليوم لمجزرة أيلول في ذكراها السادسة والأربعين ليس بهدف نكأ الجراح.. أو افتعال مشكلات تلهينا عن التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين، أو نبشاً في التاريخ في تجاهل للحاضر بمخاطره المتعدّدة.. بل من أجل أن لا يجري تزوير التاريخ بشكل يلحق أفدح الأضرار بالعلاقة الفلسطينية - الأردنية على المستوى الشعبي.
46 عاماً مضت على مجزرة أيلول في الأردن. وهناك جيلان لم يشهدا الواقعة، وجيلٌ آخر كان لا يزال يافعاً فلم يدرك حقيقة جوهر تلك الأحداث الدامية التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني وثورته الفسطينية المعاصرة. ولأن هناك مشكلة تلازمنا، حول من يكتب التاريخ، ومن يصيغه، ومن يتلاعب به، كان لابدّ من إعادة الوقوف عند هذه المحطة المفصلية في تاريخ الأردن الأسود وفي تاريخ العلاقات الفلسطينية الأردنية.
إن معرفة ماحصل على حقيقته أمر ضروري من أجل الاستفادة من دروس تلك المرحلة. فالتعمية أوالتمويه أوالخداع والتضليل لا يؤسّس لعلاقة مستقبلية راسخة، ولايفسح في المجال لإعادة صوغ العلاقات الفلسطينية- الأردنية على الصعيد الشعبي، بما يؤمّن الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الأخطار الحقيقية التي تهدّد فلسطين والأردن معاً، لأنه ليس بوسع مؤرّخ يهتم بقضية فلسطين أن يتجاهل هذه المحطة السوداء في تاريخ الثورة الفلسطينية وتاريخ النظام الأردني؛ وليس بوسع سياسي يلعب دوراً في الحياة السياسية، سواء في فلسطين أو الأردن على الأقل، أن يتجاهل المعنى السياسي للاعتداء على المقاومة الفلسطينية وإنهاء وجودها في ساحةٍ لها حدود مع فلسطين المحتلة تبلغ 650 كم، وانعكاس ذلك على قضية فلسطين بشكل عام، وعلى المقاومة بشكل خاص، وعلى العلاقات الفلسطينية - الأردنية على نحوٍ أخص.
إن ما حصل في أيلول 1970، في الأردن، من أحداث دامية ليس مجّرد إشتباكات مسلّحة بين قوات الثورة الفلسطينية والجيش الأردني فحسب، ليُطلَق عليها (أحداث مؤسفة)، مع أن كلّ نزاع بين الأشقّاء يُعدّ أمراً مؤسفاً بحدّ ذاته. وأيّ قطرة تسيل في غير موقعها (وموقعها الصحيح هو في مواجهة العدو الصهيوني ) خسارة مابعدها خسارة ، وتدعو للحزن والأسى ، وتحمل من مشاعل المرارة الكثير .
ماحصل ليس حرباً أهلية، رغم حملة التجيش الأعمى والتحريض الأسود الذي طال الوجود الفلسطيني في الأردن، وتأسّس عليه شرخ عميق لازالت تداعياته مستمرّة حتى الآن.
إنها حرب الدفاع عن الثورة الفلسطينية من جانب قوات الثورة في وجه محاولات الإجهاض والإقتلاع والمساس بالثورة، في ساحةٍ تطلّ على أوسع حدود مع فلسطين المحتلة، حيث يجثم الكيان الصهيوني، الأمر الذي يشكّل خدمة للمشروع الصهيوني. وإن أيّ ذرائع تخفي الحقيقة وتصوّرها على غير حقيقتها بأن حرب النظام الأردني كانت من أجل ضمان الأمن والإستقرار في الأردن هي ذرائع واهية.
وفي كلّ الأحوال، فإن عدم تقييم ما حصل في أيلول عام الـ 70 بالعمق، فلسطينياً وأردنياً، يفسح في المجال لحكايا وروايات وقصص تُظهر الأمر وكأنه في مواجهة تمرّد وفلتان، ممّا استدعى إعادة ضبط الأوضاع وفرض الأمن والسيطرة.
لقد كتِب الكثير عن هذه المحطة المفصلية، وهي كتابات لم ترتقِ لدرجة التقييم الحقيقي، ولم تكن عميقة بما فيه الكفاية لامتلاك رؤية واحدة حولها.
كما لم تصدر عن مؤسسة فلسطينية دراسة كاملة تخرج باستخلاصات حقيقية «وربما كان هذا مقصوداً بحدّ ذاته». ولم تفعل الحركة الوطنية الأردنية الأمر نفسه، وهي بالأساس مغلوبة عن أمرها، فبقي تاريخ الأردن هو التاريخ الذي يكتبه ويصوغه النظام نفسه، الأمر الذي فعله منذ تأسيس إمارة شرق الأردن وحتى اليوم.
هناك صفحات مشرقة في تاريخ الأردن الشعبي، منذ ما قبل تأسيس الإمارة ومابعدها. وهناك صفحات سوداء على يد النظام بقيت مجهولة للشعب الأردني. لذلك لم يتمكن هذا الشعب من القيام بدوره والمساهمة في صوغ مشاريع نهضوية للأمّة، لأن جزءاً هاماً من تاريخ الأردن لازال ملتبساً عند كثيرين من أبناء الأردن.
إن استهداف الثورة الفلسطينية في الأردن عام 1970 ، كان بمثابة فك الإرتباط الفعلي بفلسطين القضية والأرض والهوية والشعب. والنظام الأردني في هجومه الضاري على قوات الثورة وعلى حاضنتها الشعبية «المخيّمات الفلسطينية»، كان يخوض معارك الغير في إطار وظيفة محدّدة مسبقاً له.
لقد خرجت قوات الثورة الفلسطينية من الأردن، لكن بقي النظام يلاحق خط الثورة المتوجه صوب فلسطين المحتلة لمقارعة ومنازلة قوات العدو الغاصب.. وكشفت الأحداث اللاحقة حجم وعمق التنسيق الأمني ما بين أجهزة العدو الأمنية وأجهزة الأمن الأردنية. ولسنا هنا في معرض التطرق لهذه الأحداث: بدايتها والمراحل التي شهدتها قبل أيلول الأسود، وصولاً إلى اندلاع القتال المرير وما أسفر عنه من نتائج، فليس هذا موضع بحثنا، وهو لا يفيد أصلاً،
لكن الوقوف عند الدور الذي لازال النظام الأردني يلعبه ويقوم به أمرٌ على درجة الأهمية، مع استمرار ملك الأردن في الانخراط في مؤامرة تصفية قضية فلسطين. وهو شريك في ما يسمّى "الرباعية" التي تهتم أساساً بفرض الوصاية على الشعب الفلسطيني وتمرير مخطّطات تصفية قضيته وطي صفحة الصراع مع الكيان الغاصب نهائياً _ كما يتوهمون.
إن انخراط النظام الأردني في هذه المؤامرة يُعدّ عودة منه للعب دوره الوظيفي الخطير في خدمة مشاريع الغرب الإستعماري، وهو يعتمد أسهل الطرق لبثّ الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة والشعب الواحد.
إن العلاقات الفسطينية – الأردنية أسمى من أن يتحكم بها رموز أوسلو ورموز وادي عربة. فتصريحاتهم  قائمة على الخداع والتضليل وعدم المصداقية، وهي للاستهلاك المحلّي ولخدمة مسارات سياسية خانعة ومذلّة.
وعليه، فإن إعادة بناء هذه العلاقة يتم على أساس أن الكيان الصهيوني خطر على الأردن مثلما هو خطر على فلسطين ويريد فرض الهيمنة على الأردن ويلحقه بمخطّطاته ومشاريعه، مثلما يعمل على فرض مشيئته على الشعب الفلسطيني. وهذه مسؤولية مشتركة بين المناضلين الفلسطينيين ورموز الحركة الوطنية الأردنية.
واليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، هناك مسؤولية مشتركة على الفلسطينيين والأردنيين، وهي أن يتلاحم الكلّ الفلسطيني والأردني في الأردن للنضال المشترك للحفاظ على أمن البلد واستقراره وسلامة أراضيه.. وأن يتلاحم أبناء الشعبين الأردني والفلسطيني في الأردن للعمل معاً ورصّ صفوفهم وتوحيد جهودهم للنضال المشترك من أجل مواجهة المشروع الصهيوني القائم على التهويد والإستيطان والإقتلاع والتصدي لكلّ أشكال وجوده على أرض فلسطين، على قاعدة هدف قومي واحد ألا وهو تحرير فلسطين.
بهذا تتهاوى فزّاعة الوطن البديل.. ويجري ترسيخ العلاقات مجدّداً بين الشعبين الشقيقين.
ويبقى أخيراً في طليعة مهام الحركة الوطنية الأردنية، الضغط بكلّ ما لديها من قوة وإمكانات لكبح تحرّك حكّام الأردن وانخراطهم في مشاريع التصفية. وبهذا فقط يمكن صون العلاقات الإستراتيجية الراسخة والمتينة وحماية الأردن وفلسطين معاً. وعندها تكون أحداث أيلول الدموية عام 1970 مجرّد درسٍ جرى استيعابه جيّداً، وذكرى عابرة لم تعد لها أيّة مفاعيل أو تداعيات سلبية.



بقلم: أبو فاخر
 أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة

2016-09-20 14:05:33 | 3860 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية