التصنيفات » مقابلات

نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الأستاذ فهد سليمان، حول تطورات القضية الفلسطينية.



9/10/2016

■ هل تعتبرون أن الأعمال الإرهابية تسهم في تشويه صورة الصراع مع "إسرائيل"، وفي تشويه عدالة القضية الفلسطينية؟
■■ ممّا لا شك فيه أن ما تقترفه قوى التكفير الظلامية، على مختلف تسمياتها، من أعمال إرهابية، يلحق أفدح الأضرار بسمعة البلدان المسلمة والعربية، ويخدم المساعي الصهوينة الدائبة لتشويه سمعة هذه البلدان، بمؤسساتها الرسمية، وحركاتها الشعبية، ومواطنيها، سواء بسواء؛ وذلك على خلفية السعي بكلّ الوسائل لتشويه سمعة البلدان الساعية إلى تكريس استقلالها الوطني وسيادتها على أراضيها وإمساكها بمقاليد أمورها، كما والحركات السياسية المكافحة من أجل التحرّر الوطني والإستقلال الناجز، والتنمية السياسية والإقتصادية لشعوبها، تحت راية الاستقلال والحريّة والعدالة الإجتماعية.
ضمن هذا المشهد العام، وبالتخصيص نؤكد أن الأعمال الإرهابية التي تتبنّاها قوى التكفير والظلامية إنما تُستخدم من قِبل العدو الإسرائيلي في تشويه صورة ومضمون الصراع مع "إسرائيل"، باعتباره صراعاً مع كيان سياسي عنصري غاصب للحقوق الوطنية لشعب فلسطين بشكل خاص، وللشعوب العربية عامة؛ كما وفي إلحاق الأذى بغرض تشويه عدالة القضية الفلسطينية بما هي قضية شعب مكافح، وحركة وطنية تحرّرية تسعى إلى إقرار حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على ترابه الوطني وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شرِّدوا منها منذ العام 1948.
في إطار ما سبق، يحاول الإحتلال الإسرائيلي على الدوام أن يقدّم مقاومة شعبنا له بأنها أعمال إرهابية، وأن يقدّم نفسه إلى الرأي العام العالمي كجزء من الجبهة العالمية لمكافحة الإرهاب، ليغطّي بذلك على انتهاكه اليومي لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بقضيتنا الوطنية، وانتهاكاته الدائمة للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية؛ وليغطّي، كذلك، على جرائم الحرب التي ارتكبها ومازال ضد أبناء شعبنا، إن في الضفة الفلسطينية أو في قطاع غزة؛ علماً أن الفصائل الفلسطينية دون استئثناء قد أجمعت على إدانة كلّ أشكال الإرهاب العالمي، ومن ضمن ذلك الإرهاب المنظّم الذي يشكّله الإحتلال والإستيطان الصهيوني لأرضنا، وشعبنا.
لقد بادرت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في وقت مبكر، وما زالت في ذراعها العسكري ـ كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، إلى الدعوة لتشكيل غرفة عمليات مشتركة لفصائل المقاومة، تكون ذات مرجعية سياسية موحّدة، هي التي ترسم قرار الحرب والتهدئة مع الإحتلال، وهي التي ترسم أشكال المقاومة المسلّحة، ومناطق عملياتها، وتوفّر لها التغطية السياسية والإعلامية المشروعة، بما يصون حقّ شعبنا في كلّ أشكال المقاومة المشروعة، كما أقرّتها الشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان، ويقدّمنا إلى الرأي العام كحركة تحرّر وطني، تناضل من أجل الخلاص من الإستعمار الصهيوني، ولأجل حقّ شعبنا في الحريّة والإستقلال وحقّ أبنائه اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجّروا منها منذ العام 1948■

■ هل تجدون أن هناك مخطّطاً لإثارة الأزمات والحروب في المنطقة، وذلك لصرف النظر عن القضية الفلسطينية وهل صيّر إلى تحقيق ذلك؟
■■ المنطقة العربية دوماً في عين الإهتمامات الدولية، نظراً لموقعها الإستراتيجي، ولثروتها الباطنية، ولكونها في الوقت نفسه تشكّل سوقاً استهلاكية تُغري الدوائر الرأسمالية في التغلغل فيها. وشكّل قيام "إسرائيل" في قلب المنطقة عاملاً إضافياً للإهتمام الغربي، والأمريكي خاصة، بما يضمن إدامة التفوّق الإسرائيلي على مجمل الحالة العربية، بما في ذلك حرمان الشعب الفلسطيني من حقّه بكيانية مستقلة فوق ترابه الوطني، وعودة اللاجئين. لذلك تعرّضت المنطقة منذ مطلع القرن الماضي وحتى اليوم إلى سلسلة من الغزوات الإستعمارية والإمبريالية، بما فيها الغزوة الصهيونية، تلبية لأطماع ومخطّطات الغرب في منطقتنا، ولإجهاض تحركات حركة التحرّر العربية، وإغلاق الطريق أمام شعوب المنطقة في التقدم والديمقراطية والحداثة وامتلاك ناصية العلم والمعرفة، وبناء أُسس الدولة المدنيّة الديمقراطية و القائمة على المساواة في المواطنة والعدالة الإجتماعية، ولصالح بقاء شعوبنا في دهاليز التخلّف والأمّية والجهل والعيش على هامش المجتمع الدولي. في هذا السياق، لا يمكن أن نتجاهل بعض التجارب المشرقة في تاريخ المنطقة: التجربة الناصرية التي شكّلت علامة مضيئة في تاريخ الشعوب العربية، وتجربة ثورة الجزائر، واليمن الجنوبي، وكذلك تجربة الثورة الفلسطينية وصمودها الأسطوري؛ وهي كلّها ثورات اخترقت السقف الإستعماري والإمبريالي، وهدفت إلى صناعة حالة جديدة في المنطقة. كذلك، لا يمكننا أن نتجاهل المقاومة اللبنانية على مختلف إتجاهاتها وتعاقب مراحلها ضدّ الإحتلال الإسرائيلي التي انطلقت عام 1982، وحقّقت الإنتصار المؤزّر في العام 2000، الذي أسس له أيضاً صمود سوريا، سياسياً وفي الميدان.
إنفجار الأوضاع في عدد من الدول العربية لا يمكن أن نعزوه /فقط/ لمخطّطات خارجية لإثارة الأزمات والحروب في المنطقة، وأن نتناسى فشل النخب السياسية الحاكمة، في بناء الدولة الوطنية، المستندة إلى مبدأ المواطنة والمساواة في المواطنة. وعلينا ألاّ نتناسى الاستبداد السياسي والإجتماعي، والفساد وأنظمة شراء الذمم والزبائنية، وسيادة العلاقات العشائرية، وفشل النخب في حلّ قضايا مرحلة التحرّر الوطني وما بعد هذه المرحلة. وكلّها عوامل أدّت إلى انفجارات، شكّلت فرصاً  للمزيد من التدخل الخارجي في شؤوننا العربية، وللدفع بالرياح بما يخدم مصالح هذا التدخل. ومن الطبيعي أن يكون لهذا تأثيره على القضية الفلسطينية في ظلّ إنشغال الشعوب العربية بهمومها الوطنية. إلاّ أننا، بالمقابل، علينا ألاّ نسلّم بشكل كلّي لهذه المقولة، وأن نُغيّب العامل الذاتي الفلسطيني في إبقاء القضية الوطنية الفلسطينية في مقدّمة قضايا المنطقة، باعتبارها قضية ذات أبعاد قومية تطال في نتائجها مصالح شعوب ودول المنطقة في الصراع ضدّ المشروع الصهيوني. العامل الذاتي الفلسطيني عنصر رئيسي في هذا المجال.
نعتقد أن تبنّي القيادة الرسمية إتفاق  أوسلو وخيار المفاوضات السياسية الثنائية، تحت الرعاية الأميركية المنفردة، خياراً وحيداً، وإصرارها على استبعاد أشكال المقاومة الأخرى، لعب دوراً شديد الخطورة في إضعاف القضية الفلسطينية وفي عزلها عن المسارات النضالية لشعوبنا العربية. كما نعتقد بالمقابل أن العودة إلى برنامج الوطني الفلسطيني، بأبعاده الفلسطينية الوطنية الكفاحية المعروفة، والذي يوحّد نضالات شعبنا، داخل الكيان الصهيوني وفي مناطق الإحتلال عام 67 وفي الشتات، وبأبعاده العربية والدولية، باعتباره نضالاً ضدّ مشروع صهيوني يتهدّد مصير المنطقة وشعوبها، هو المدخل لاستعادة الموقع المتقدم للقضية الفلسطينية.
ودعونا نقول: كما تقدّم القضية الفلسطينية نفسها إلى الرأي العام العربي، يتعامل معها هذا الرأي العام. ولا نعتقد أن الرأي العام العربي معنيٌ كثيراً بالاهتمام بعملية تفاوضية هابطة، وعبثية وعقيمة، يتجرّد فيها الفلسطيني من كلّ أوراق القوّة. ونجزم بالمقابل، وهذا ما تؤكده التجربة، أن شعوبنا العربية ستقف بكلّ قواها إلى جانب شعبنا، حين يكون الخيار هو المقاومة بكلّ أشكالها، بما فيها الإنتفاضة الشعبية والمقاومة المسلّحة. وهذا يفترض، كما أسلفنا، مغادرة إتفاق أوسلو، والعودة إلى العمل بالبرنامج الوطني الفلسطيني الموحّد■

■ نلحظ أن ثمّة تحوّلاً مستجداً على بعض الدول الغربية، بخاصة لناحية اقترابها من تبنّي جوهر القضية الفلسطينية وعدم مشروعية "إسرائيل"، في حين نلحظ أن بعض الأنظمة العربية ينزع نزوعاً مغايراً لجهة تطبيع العلاقات ومدّ جسور الصداقة مع هذا الكيان. ما تعليقكم على هذه المعادلة المفارقة؟
■■ التحوّل في بعض الدول الغربية لم يطل مشروعية "إسرائيل" كما ورد في سؤالكم. بل طال مشروعية الإحتلال الذي بدأ في حزيران (يونيو) 1967. وبناءً عليه، اتخذت تلك الدول مواقف ضدّ الإستيطان، ومع مقاطعة منتجات المستوطنات، واعترفت بالدولة الفلسطينية، دون أن تسقِط اعترافها بدولة "إسرائيل". نورد هذا التوضيح دون أن نقلّل البتّة من أهمية هذا التطوّر؛ بل  ندعو إلى البناء عليه لجهة المزيد من الخطوات الإيجابية لصالح الحقوق الوطنية الفلسطينية ونضالات شعبنا، وفي سبيل نزع الشرعية عن الإحتلال  وعزل الكيان الصهيوني و"دولة إسرائيل".
فيما يتعلق بالشق الثنائي، نلاحظ أن هناك مشاريع لبناء ثنائيات بديلة للثنائية الصراعية العربية ـ الإسرائيلية لصالح ثنائية مذهبية. ونعتقد أن هذه الثنائية تُخفي وراءها مشاريع وصراعات إقليمية تغذّيها الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال سياسات تهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة توتر سياسي، واستنزاف داخلي دون الوصول إلى الانفجار الشامل، توتر، بحيث تنشغل شعوب المنطقة عن قضاياها الداخلية والوطنية والقومية، وتستنزف طاقاتها في صراعات غير مبدئية لا تنتج سوى الفوضى، وسوى تحييد "إسرائيل"؛ بل وأحيانا البحث عن تقاطعات سياسية معها، كموقف بعض الدول العربية من إيران، أو الحديث عن التعاون مع الإرهاب، أو حتى في إطار الصراعات العربية ـ العربية، كما هو حال الوضع في سوريا، واليمن على سبيل المثال.
على كلٍ، نحن لا نرى في هذا مجرّد مفارقة، بل هو انزياح  سياسي خطير، يُفترض معالجته من خلال الدعوة إلى توفير حلول سياسية للصراعات الداخلية في سوريا، واليمن وليبيا، والعراق، وغيرها، بما يُغلق الطريق على التدخلات الخارجية، وتؤسّس لإعادة بناء الدولة الوطنية التي تمارس سيادتها على كامل أراضيها، وتضمن وحدة الأقطار العربية ووحدة شعوبها، وتعيد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، باعتبار أن "إسرائيل" هي عدوّنا القومي، وأن القضية الفلسطينية هي القضية القومية العربية والإسلامية الأولى، وأن "إسرائيل" هي مصدر الخطر الحقيقي على مصالح العرب، ومصالح إيران أيضاً، ما يؤسّس لعلاقات جديدة خارج مفهوم النزاعات الإقليمية التي لا تخدم سوى "إسرائيل" ومصالح الولايات المتحدة بشكل خاص■

■ كيف تقيّمون أداء الجامعة العربية، وخاصة دورها على صعيد الصراع مع الكيان الإسرائيلي؟
■■ الجامعة العربية مؤسّسة، وباعتراف عدد من الدول الأعضاء، ذات آليات قاصرة. ورغم أنها قائمة في بعض جوانب عملها على المأسسة، إلاّ أنها تعاني قصوراً في الدور، إنطلاقاً من قصور دور الأطراف الأعضاء فيها. فالجامعة هي بالأساس تعكس طبيعة الحالة الرسمية العربية. وكلّما تقدّمت العلاقات البينية بين أعضاء الجامعة، كلّما تطور دور الجامعة نفسها. وكلّما تراجعت العلاقات البينية، كلّما تراجع دور الجامعة. وفي حال انقسام العرب إلى محاور، تنقسم الجامعة نفسها، وتعاني صعوبة في أداء دورها، والعكس صحيح؛ لذلك، لا يمكن لنا أن نحكم على الجامعة كمؤسّسة من دون أن نحكم على السياسات العربية ودور الدول الأعضاء. صحيح أن أمين عام الجامعة معنيٌ بأن يقدّم على الدوام، هو والفريق المساعد له، الأفكار والإقتراحات  لتطوير أداء الجامعة. لكن الصحيح أيضاً أن قيمة هذه الإقتراحات أن يؤخذ بها من قِبل الدول الأعضاء، خاصة وأن العرف ينصّ على أن قرارات الجامعة غير مُلزمة للدول الأعضاء؛ وبالتالي يستطيع أي طرف أن يتنصل من أيّ التزام نحو قرارات الجامعة، بدعوى ممارسة حقوقه السيادية.
من هنا ندخل على تقييم دور الجامعة على صعيد الصراع مع الكيان الإسرائيلي، فنقول إننا لا نُنكر الدور الذي تلعبه على الصعيد الدبلوماسي، إن في الأمم المتحدة، أو في العلاقات مع باقي دول العالم، حتى خلال بعثاتها الدبلوماسية. كما لا نستطيع أن نُنكر احتضانها لعدد من الفعاليات الوطنية الفلسطينية. لكننا في نهاية المطاف نعتقد أن تطوير دور الجامعة العربية رهنٌ بالتوافقات العربية، خاصة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالصراع مع الكيان الإسرائيلي■

■ هل أنتم راضون عن المستوى الذي يقدّمه الإعلام العربي لناحية الانتصار للقضية الفلسطينية؟ وماذا تعيبون عليه؟
■■ لا يمكن محاكمة الإعلام العربي باعتباره كتلة واحدة، خاصة الإعلام العربي الرسمي الذي يعكس سياسات بلاده إزاء مجمل المواضيع، ومن ضمنها بالطبع القضية الفلسطينية. لذلك، تتنوّع أشكال الأداء الإعلامي، بين دولة وأخرى؛ فبعضها يتناول القضية الفلسطينية بشكل عام، متبنّياً الموقف المبدئي من الصراع مع الكيان الإسرائيلي، وبعضها الآخر يتناول القضية في انحياز لهذا الطرف الفلسطيني أو ذاك، فيتبنّى مواقفه، وإن كانت لا تعكس في حقيقتها مواقف الإجماع الوطني، بقدر ما تعكس موقف تيار من التيارات الفلسطينية المتعدّدة.
مع ذلك نلاحظ أن الإعلام العربي، بكلّ اتجاهاته، يستعيد إهتمامه بالقضية الفلسطينية كلّما تصاعدت حدّة الصراع مع الكيان الإسرائيلي. فقضية الأسرى تحتلّ موقعاً متقدّماً في اهتمامات الإعلام العربي. وكذلك احتلت موقعاً مماثلاً الإنتفاضة الشبابية، وقبلها الإنتفاضتان الأولى والثانية. كما يُبدي الإعلام العربي اهتمامه بالمناسبات الوطنية الفلسطينية. أي بتعبير آخر، إن الإعلام العربي يتأثر بالحركة السياسية الفلسطينية|، وبحرارة هذه الحركة وبحرارة الحراك الشعبي الفلسطيني.
وإن كان من مجالٍ لتوجيه الملاحظات النقدية، نقول إننا نلوم العديد من المنابر الإعلامية العربية، خاصة الرسمية منها، لأنها تتبنّى الموقف القيادي الرسمي للسلطة الفلسطينية، وتتجاهل في السياق مواقف باقي الأطراف، إن كانت داخل م.ت.ف أو خارجها. وهذا النهج يفقد هذه المنابر موضوعيتها الإعلامية، وبالتالي تفقد مصداقيتها في أعين القرّاء والمتلقّين■
■ نلحظ اندفاعة لبعض الفصائل الفلسطينية للإنغماس بالمشكلات العربية الداخلية على حساب حضور القضية الفلسطينية على مستوى الوعي العربي العام. ماذا تقولون في هذا الشأن؟
■■ من موقع مسؤوليتنا الوطنية إزاء قضيتنا الفلسطينية والقومية، وإزاء مصالح شعوبنا العربية، فإننا في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نتّبع سياسة تحرص على إقامة العلاقة مع أوسع دائرة عربية، إن على المستوى الشعبي أولاً، أو على المستوى الرسمي ثانياً، دون أن يعني ذلك أننا نتدخل في الشؤون العربية الداخلية. فحرصنا على هذه العلاقات ينطلق من موقع حرصنا على توفير الدعم لقضيتنا الوطنية، إنطلاقاً من قناعتنا أن يكون كلّ العرب لفلسطين، وأن تكون فلسطين لكلّ العرب. وفي هذا السياق، نحن حريصون على عدم الزجّ بأنفسنا في أيٍ من الخلافات العربية الداخلية، أو في أيٍ من الصراعات في هذا القطر العربي أو ذاك، دون أن يعني هذا أننا لا نملك رؤية لطبيعة الصراعات الدائرة في المنطقة، إن على الصعيد المحوري، أو في كلّ بلد على حِدة، ودون أن يعني ذلك أننا لا نملك وجهة نظر بالحلول الضرورية لكلٍ من القضايا المثارة.
نحن لا نتردّد في أن ننقل وجهة نظرنا، بكلّ وضوح، وبكلّ صراحة، إلى كلّ أطراف الصراع، ونعلن ذلك في بياناتنا وتصريحاتنا السياسية. يدفعنا إلى ذلك حرصنا على المساهمة في إطفاء الحرائق في المنطقة، وتوفير حلول سياسية للأزمات العربية، على قاعدة وحدة الدول العربية، ووحدة شعوبها، وخروجها من أزماتها المستعصية بالحوار الشامل، خارج أيّ تدخل خارجي، وبما يضمن بناء الدولة العربية الوطنية على أُسسٍ من المواطنة والديمقراطية والحريّة والكرامة الوطنية والعدالة الإجتماعية■

■ في ذكرى إتفاقية أوسلو، أين العرب والمسلمون منها اليوم؟
■■ مازال اتفاق أوسلو يخيّم على الحالة الفلسطينية، بقيوده وشروطه المجحفة بحقّ شعبنا الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة. وما زالت السلطة الفلسطينية تلتزم اتفاق أوسلو وكلّ الإتفاقات الموقّعة مع الإحتلال الإسرائيلي. هذا ما أفصح عنه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في خطابه أمام الأمم المتحدة في نيويورك، في 21/9/2016 رغم أن مجلسنا المركزي (م.ت.ف) في 5/3/2015 قرّر بالإجماع التحرّر من هذه الإتفاقات، عبر وقف التنسيق الأمني مع سلطات الإحتلال، ومقاطعة الإقتصاد الإسرائيلي، وتدويل قضايا الصراع، كالإستيطان والأسرى وجرائم الإحتلال أمام المحافل الدولية، كمحكمة الجنايات الدولية، ومطالبة الأمم المتحدة بتوفير الحماية الدولية لشعبنا وأرضنا ضدّ الإحتلال والإستيطان، والدعوة إلى مؤتمر دولي تحت قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، التي تضمن لشعبنا حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرّف في الإستقلال والسيادة والعودة وتقرير المصير.
لقد وصل مشروع أوسلو إلى نهايته، وهو الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة. لكن هناك محاولات من قِبل السلطة الفلسطينية، وبعض الدول الأوروبية، كفرنسا، ومن قِبل الولايات المتحدة، لإنعاشه وتمديد فعاليته. الصراع داخل الحالة الفلسطينية يدور الآن بين ثلاثة إتجاهات؛ إتجاه يتمسك بإتفاقات أوسلو وآلياته العقيمة، وتمثّله السلطة الفلسطينية؛ إتجاه يتمسك بالإنقسام الداخلي، ويمثّله طرفا الإنقسام حماس وفتح؛ واتجاه ثالث يدعو للعودة إلى البرنامج الوطني الفلسطيني برنامج النضال والكفاح والمقاومة، كما أقر عناوينه المجلس المركزي في م.ت.ف 5/3/2015، ووثيقة الوفاق الوطني 26/6/2006، ومجمل قرارات الإجماع الوطني التي اتخذتها المجالس الوطنية الفلسطينية المتعاقبة وجولات الحوار الوطني في القاهرة. ونحن في الجبهة الديمقراطية، ما زلنا في موقع المعارضة لإتفاق أوسلو، وفي موقع النضال  لتجاور هذا الإتفاق عبر التحرّر من قيوده، وفي موقع النضال لإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني الموحّد والموحّد، والذي يُنهي الإنقسام، ويشقّ الطريق أمام الإنتفاضة الشعبية، على طريق العصيان الوطني الشامل لدحر الإحتلال وطرد الإستيطان، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين.
نعتقد أن على العرب والمسلمين أن يتخذوا الموقف العقلاني، والقوي، والوطني، إنطلاقاً من الواقع المأسوي الذي صنعه اتفاق أوسلو في الضفة والقطاع، وضرورة تحرير شعبنا من قيود هذا الإتفاق الهابط والجائر. وبالتالي الإنحياز إلى الإرادة الشعبية، إرادة الغالبية الفلسطينية، لصالح البرنامج الوطني الفلسطيني، الذي شكّل الأساس للصيغة الإئتلافية التي تمثّلها م.ت.ف ممثّلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا الفلسطيني■




2016-10-14 11:00:48 | 7935 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية