التصنيفات » مقالات سياسية

إنتفاضة القدس تدخل عامها الثاني
 
    الأسباب الموضوعية متوفرة لقيام الثورة في فلسطين ؛  وأمام تعذر ذلك بسبب الحصار والظروف التي تحيط بالشعب والقضية ؛ لم يتوقف الشعب الفلسطيني محبطا وعاجزا ؛ بل أبدع وسائله الخاصة في مقاومة الاحتلال ؛ وهو شأنة الذي اتبعه منذ بداية التفكير الصهيوني بغزو ارض فلسطين مرورا بمرحلة الانتداب .. وصولا الى تفجير ثلاث انتفاضات في وجه الإحتلال آخرها لا زالت مستمرة  واكملت عامها الاول ودخلت العام الثاني بسلسلة مميزة من العمليات ضد الاحتلال وجنوده ومستوطنيه ؛
   والفعل الإنتفاضي في الثلاث حالات الأخيرة ابتداء من الانتفاضة الاولى عام1987 وهي الأطول من حيث مدة استمرارها؛ والثانية 2000؛ والثالثة 1015 ؛ جاءت تحمل دلالات؛ فهي تشكل ميدان الفعل الجماهيري الذي تصدر أساليب مواجهة العدو ومخططاتة بعد التصفية السياسية والعسكرية للوجود الفلسطيني في لبنان وبالتالي ابتعاد قوات المقاومة عن خطوط التماس  مع العدو الصهيوني؛ وهو الشكل الذي سجل حضورة كفعل شعبي جماهيري ؛ منذ ذلك التاريخ وتكرر في ثلاث محطات لحد الآن؛ وكانت الإنتفاضة الأولى مؤشر على انتقال الثقل المقاوم من الخارج الى داخل فلسطين المحتلة ؛ وهو ما فتح نافذة أمل للفصائل لمواصلة النضال ببعد شعبي الى جانب العمل المسلح عند من بقي مؤمنا به ؛ أما الأسباب التي استمر وجودها ليشكل الحافز الدائم المتوفر لاندلاع الإنتفاضة تلو الأخرى فيمكن الإشارة الى أبرزها؛ وهوالإحتلال الذي يشكل سببا دائما  بما يحمل من الاضطهاد والظلم والممارسات اللاإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، فالاحتلال المستمر يولد ضغطاً نفسياً يزداد شيئاً فشيئاً  بانتظار سبب مباشر يؤدي الى اندلاع انتفاضة  تلو الأخرى.
    الى جانب سوء أوضاع فلسطين المحتلة منذ عام 1967، التي كانت تسير من سيء الى اسوأ لما تميز به الاحتلال الاسرائيلي على غيره من الاحتلالات الاخرى باداعاءات مسعورة كاذبة من أنه صاحب الأرض والتاريخ والمستقبل، وتميز بسيطرة تعسفية على كل الأصعدة من خلال قانون الطوارئ الى المخططات الاستيطانية، ومحاولات التهويد، ونسف البيوت واعتقال الآلاف من المواطنين وفرض العقوبات الجماعية والسيطرة على مرافق الحياة، ومصادرة الارض، ونهب الموارد المائية والحرب الاقتصادية واقفال المؤسسات العلمية والنقابية والمهنية واعتماد البيروقراطية البطيئة بهدف الاذلال، وصولاً الى ما هو اهم واكثر مصيرية، وهو حرمان الشعب الفلسطيني من هويته الوطنية.
 ويمكن ان يضاف هنا العامل الديموغرافي كباعث على الانتفاضة، فالفلسطينيون لم يعودوا تلك الاقلية التي يستطيع الاحتلال مواصلة حصارها، والاهم هو انتماء اكثر من نصفهم الى الجيل الجديد الذي ولد وعاش في ظل الاحتلال وقيوده، بينما حملته تطلعاته الى اجواء الثورة التي لا تحجبها قيود.
     الى جانب تراجع الإهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية ؛ وترك شعبها وحيدا يواجه مصيرة في مواجهة آلة القتل والتوسع الصهيونية ؛  وانسداد في الأفق السياسي وإهمال واستهتار بالحقوق الفلسطينية ؛ والعمل على حصار وضرب عوامل القوة الفلسطسنية. كل ذلك كان يشكل عامل ضغط يدفع للإ نفجار في وجه العدو في موجات متتالية من الفعل الشعبي .الى جانب كل ذلك كان لكل انتفاضة اسبابها الخاصة وظروفها.
الإنتفاضة الأولى 1987
    جاءت في مناخات الحصار السياسي والعسكري الذي أحاط بمنظمة التحرير الفلسطينية في الخارج  بعد خسارتها للساحة اللبنانية ؛ والحصار الشامل الذي يحيط بالفلسطينيين في الداخل الذي تواصا على مدار عشرين سنة، فلم يكن هناك خيار أما الفلسطينيين سوى النضال باسلوب جديد وعلى قاعدة جديدة، وهكذا انتقل من إمكانية التحرير من الخارج الى الأمل بحتمية التحرير من الداخل لأنه بات واضحاً صعوبة ممارسةالكفاح المسلح لأكثر من سبب يكفي منها فقدان المرتكز لحدود مجاورة مما ولد الاحساس لدى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بأن الدور هو دورهم باعتبارهم الأكثر أهلية وقدرة على التحرك.
فجاءت عمليات الجهاد الإسلامي بداية تشرين اول لتشعل نار الفعل الشعبي الذي تدحرج الى انتفاضة شاملة؛ عندما دهمت شاحنة عسكرية إسرائيلية  عمال فلسطسنيين في طريق عودتهم من العمل  أمام حاجز عسكري صهيوني للتفتيش ، مما أدى الى استشهاد أربعة عمال وجرح سبعة آخرين (من سكان مخيم جباليا في القطاع) ولاذ سائق الشاحنة العسكرية الإسرائيلية بالفرار على مرآى من جنود الحاجز، وعلى أثر ذلك اندلع بركان الغضب الشعبي صباح اليوم التالي ؛ وكانت الصفة الأولى للإنتفاضة الأولى انها إنتفاضة الحجر؛ وتجنبت الى حد كبير استخدام الأسلحة النارية ليأخذ الفعل الشعبي مداه باستعمال وسائل وأساليب وأدوات الثورة الشعبية؛ وهو ماجعل تعريفها عالميا  بين  ثورات العالم الحديث باسم "ثورة الحجارة" .
 وتصاعدت الانتفاضة يوماً بعد يوم حيث تصدى الشعب الفلسطيني بأكمله بجسده ودمه لكل آلة القمع والوحشية الاسرائيلية، ويومياً سطرت الجماهير الفلسطينية آيات من المواجهة البطولية للمحتلين وسقط الآلاف من الشهداء والجرحى من أبناء فلسطين في أضخم انتفاضة جماهيرية عارمة شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنوات طويلة بل شهدها العالم الحديث وأطولها حيث انتهت في الخامس من آيار 1994 مع دخول القوات الفلسطينية الى الاراضي الفلسطينية بعد توقيع اتفاقية إعلان المبادئ الفلسطينية الاسرائيلية – أوسلو.
 وقد لعبت المعتقلات والجامعات والمخيمات دورا رئيسيا في التأسيس للإنتفاضة؛ حيث حول الفلسطينيين واقع الإعتقال من مدخل لليأس والإحباط كما يرغب العدو ؛  الى مدرسة ثورية حقيقية، شكلت مجتمع مصغر مقاتل، منظم بدقة وبتربية تنظيمية ووفقاً لمنهجية علمية شاملة مادية وفكرية، فمئات الآلاف من الأسرى قد شكلوا رسلاً لهذا المنهج في القرى والمخيمات والمدن والأحياء، فتفاعلت هذه التجربة الغنية مع كل المجتمع جغرافيا وديمغرافيا، مما شكل القاعدة في الوعي المتطور التي لعبت دوراً بارزاً في إنضاج الطابع العمومي لفعاليات الانتفاضة، حتى أن الوعي الجماعي قد تمفصل مع هذه التجربة متحولاً من شكله الحماسي إلى وعي مؤطر ومنظم قادر على تجديد نفسه في أطر وهياكل تتبع المنهجية التنظيمية المتسعة دوماً على حساب التلقائية والعفوية والعشوائية .
   ولعبت الجامعات الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة الدور البارز في تشكيل صيغ المواجهة والنضال الجماهيري الأكثر عمومية وتنظيمية وانضباطاً، فهي حاضنات المقاومة التي مكنت الأسرى من إعادة انتاج تجربتهم في أوساط شعبهم فتصدرت الحركة الطلابية داخل الأرض المحتلة المسيرة النضالية بعد تجربة البلديات عام 76م، حتى أن خريجيها الذين استطاعت المؤسسات استيعابهم قد لعبوا دوراً في تصليب عود الوطنية الاجتماعية الاقتصادية والإعلامية ولعبوا دوراً بارزاً في نقل وترجمة التجربة الجامعية النضالية لفعل شعبي مؤطرعلى مستوى مواقع سكناهم يداً بيد مع المعتقلين والكادر المتنايي في موقع سكناه . وهذا ساهم بفعالية في جسر الهوة التي تحول دون دخول فكرة الثورة ومقارعة الاحتلال لكل أسرة وبيت، وكل ذلك في سياق تعبوي مستمر وبتفاعل جاد عمل على اختصار فكره السرية في العمل النضالي المؤهلة للاقتراب من الشعب وليس فقط في إطار النخبة، كل ذلك دفع الاحتلال لإغلاق كل المؤسسات التعليمية في الأرض المحتلة.
     أما المخيمات الفلسطينية في الضفة والقطاع كانت القلاع والمحطات الأوسع التي جاء تفاعلها مع هذه المضامين أسرع من بقية المواقع السكانية الأخرى ، فالفقر والاكتظاظ السكاني والحيز الضيق الذي يحوى عشرات الآلاف من السكان في ظروف معيشية صعبة للغاية على كافة الأصعدة قد أهلتها بتوفير مقومات الثورة المنظمة للتمرد دوماً على واقع الاحتلال، فجاءت المخيمات ممثلة الإطار الشعبي الأوسع الذي احتضن هذه المنهجية وطورها حتى أن الاحتلال أقدم على بناء سور عال على حدود كل مخيم بالإضافة للأسلاك الشائكة وإغلاق كافة مداخلها بالجدران الأسمنتية العالية لفصلها عن المحيط الخارجي. 
فكانت الإنتفاضة الأولى إنتفاضة الحجر؛ وتجنبت الى حد كبير  استخدام الأسلحة النارية ليأخذ الفعل الشعبي مداه باستعمال وسائل وأساليب وأدوات الثورة الشعبية؛ وهو ماجعل تعريفها عالميا  بين  ثورات العالم الحديث باسم "ثورة الحجارة" .
     وقد أشارت المعطيات الإحصائية للإنتفاضة الأولى إلى:استشهاد 1550 فلسطينياً خلال الانتفاضة؛ من بينهم 276 طفلاً ؛ ومن بين الشهداء 40 فلسطينياً سقطوا داخل السجون ومراكز الاعتقال بعد ان استخدم المحققون معهم اساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات.
    واعتقال 100000 فلسطيني ؛وقدرعدد الجرحى بأكثر من 70 ألف جريح، يعاني نحو 40% منهم من اعاقات دائمة، 65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في احد الاطراف بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف هامة.
     وقام العدو بهدم 1800 منزل فلسطيني ؛ و ترحيل 481 فلسطينياً من الاراضي المحتلة ؛
و اصدار 18000 أمر اعتقال اداري ضد فلسطينيين.
 
  وعلى صعيد العدو: قتل 256 مدنياً اسرائيلياً، وقتل 127 رجل أمن اسرائيلياً.
 
الإنتفاضة الثانية 2000
      بدءاً من نهاية عام 1999 ساد شعور عام بالإحباط لدى الفلسطينيين لانتهاء الفترة المقررة لتطبيق الحل النهائي بحسب إتفاقيات أوسلو والشعور بالإحباط بسبب المماطلة وجمود المفاوصات بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني بعد مؤتمر قمة كامب ديفيد صيف عام 2000م، وتوضّح أن محاولة الصهاينة"إسرائيل" بدعم من الولايات المتحدة فرض حل على الفلسطينيين بعيداً عن قرارات الشرعية الدولية (242,338,194)، ذلك بالإضافة إلى عدم تطبيق الصهاينة "إسرائيل" للعديد من الجوانب التي تم الاتفاق عليها في أوسلو أو الاتفاقيات والمفاوضات اللاحقة. واستمرار الصهاينة "إسرائيل"  في سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات لمناطق السلطة الفلسطينية ورفض الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. بالإضافة إلى استمرار بناء المستوطنات واستبعاد عودة اللاجئين واستبعاد الانسحاب لحدود حزيران 1967، جعل الفلسطينيين متيقنين بعدم جدوى عملية السلام للوصول إلى تحقيق الاستقلال الوطني. وفي ظل هذا الشعور العام بالإحباط والاحتقان السياسي، جاءت الشرارة المشعلة عندما  قام رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أرئيل شارون باقتحام المسجد الأقصى وتجول في ساحاته وقال ان الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلة مما أثار الفلسطينيين فاندلعت المواجهات بين المصليين وجنود الاحتلال في ساحات المسجد الأقصى فسقط 7 شهداء وجُرح 250 وأُصيب 13 جندي إسرائيلي وكانت هاذه بداية أعمال الانتفاضة.
  وكانت هذه الواقعة بمثابة الشرارة التي ألهبت الأراضي الفلسطينية بسلسلة من المواجهات الدامية امتدت لتشمل المدن والبلدات الفلسطينية وراء الخط الأخضر.
 وقد ترافقت هذه الانتفاضة مع ممارسة المقاومة المسلحة  والعمليات الإستشهادية ؛الى جانب المواجهات ذات الطابع الشعبي؛ وقد مارس العدو سياسة الإغتيالات المدروسه ضد كوادر الانتفاضة وقاداتها؛ نفذ علية السور الواقي التي اعاد فيها احتلال المدن الفلسطينية؛ وشرع في إقامة الجدار العازل؛ وأقام مئات الجواجز لعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض والتضييق على المواطنين ؛ واطلاق العنان لغلاة المستوطنين للقيام بعمليات الاستيطان بشكل واسع؛ وممارسة الاعتداءات اليومية بحق الفلسطينيين.
     وتفاقمت الأوضاع في كل أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة على نحو لا يطاق وكان صدى القتل والتدمير والفظاعات يصل عبر وسائل الإعلام إلى كل أركان المعمورة فهبت المدن والبلدات العربية والإسلامية في مظاهرات احتجاج على ما يحدث وانتصارا للدم الفلسطيني المسفوك في دروب التوق إلى الحرية والاستقلال.
ولم يعد يحتمل المجتمع الدولي ما يجري. وتحت ضغط النداء المنتشر في كل مكان والمطالب بوقف دورة العنف المتفاقمة أخذت مراكز صنع القرار في العالم باقتراح المبادرات
الدولية والإقليمية الهادفة إلى وقف هذه الدوامة التي توجها ارئيل شارون بالشروع بتشييد جدار الفصل العنصري وسلب آلاف الدونمات من أراضي المواطنين، واجتياح المدن الفلسطينية في ما سمي بعملية السور الواقي التي انتهت بإقامة مئات الحواجز العسكرية بين المدن والقرى حولت حياة الفلسطينيين إلى جحيم. فضلا عن الحصار الذي ضربته قوات الاحتلال على الفلسطينيين والرئيس الراحل ياسر عرفات الذي حوصر لسنوات في رقعة ضيقة من مقره في مدينة رام الله لينتهي به الحصار إلى الموت مسموما.
  وتعرض قطاع غزة خلالها بعدّة اجتياحات إسرائيلية مثل عملية أمطار الصيف وعملية الرصاص المصبوب.
     وتوقفت الإنتفاضة فعلياً في 8 فبراير 2005 بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ والذي جمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون .
 نتائج الانتفاضة:
على الفلسطينيين :-
1. تصفية معظم الصف الأول من القادة الفلسطينيين أمثال ياسر عرفات وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأبو علي مصطفى..
2. تدمير البنية التحتية الفلسطينية؛و تدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية؛وتدمير ممتلكات المواطنين
3. دخول فصائل المقاومة على خط انتاج الصواريخ  وتطويرها في قطاع غزة .
4. فلتان أمني في الشارع الفلسطيني عقب الانتفاضة وقامت قوات الامن الفلسطينية بفرضه بالقوة.
5. بناء جدار الفصل العنصري الإسرائيلي؛ وعملية السور الواقي حيث اعيد اجتياح كافة المدن الفلسطينية.
6. قدم الفلسطينيين 4412 شهيدا ؛ و48322 جريح .
   على الإسرائيليين:-
7. انعدام الامن في الشارع الإسرائيلي بسبب العمليات الاستشهادية
8. ضرب السياحة في إسرائيل بسبب العمليات الاستشهادية
9. اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي (زئيفي) .
10. مقتل قائد وحدة الهبوط المظلي الأسرائيلي (الكوماندوز) في معركة مخيم جنين
11. تحطيم مقولة الجيش الذي لايقهر في معركة مخيم جنين الذي قتل فيها 58 جندي إسرائيلي وجرح 142.
12. ضرب اقتصاد المستوطنات الإسرائيلية
      - وأما خسائر جيش الإحتلال تعدادها 334 قتيل ومن المستوطنين 735 قتيل وليصبح مجموع القتلى والجرحى الإسرائيليين 1069 قتيل و 4500 جريح وعطب 50 دبابة من نوع ميركافا ودمر عدد من الجيبات العسكرية والمدرعات الإسرائيلية. 
     من المفارقات أن الانتفاضة الأولى التي انطلقت في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول من عام 1987 في غزة قادت إلى سلسلة اتفاقات السلام التي بدأت في أوسلو وانتهت عام 1993 بتوقيع اتفاق المبادئ. أما انتفاضة الأقصى فقادت إلى ما يقرب من دفن لعملية السلام وإظهار الرفض الشعبي الفلسطيني لها.
لم يعد الفلسطينيون يتحدثون عن عملية السلام واقتصر الحديث عن قرار 242 الذي يطالب بانسحاب الكيان الإسرائيلي عن الأراضي التي احتلتها في حرب 1967. ولوحظ لأول مرة ارتفاع حدة الخطاب الرسمي الفلسطيني والذي برز في تصريحات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات خصوصا في لحظات تأبين الشهداء فكان يدعو إلى مواصلة الكفاح المسلح وتحمل التضحيات لنيل الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني.
 
الانتفاضة الثالثة (2015)
 
     الانتفاضة الفلسطينية الثالثة أو انتفاضة القدس، وكذلك سُميت انتفاضة السكاكين، هي موجة الاحتجاجات والعمليات التي ابرزها الطعن والدهس واحيانا استخدام الاسلحة النارية؛ لكن الطابع الأبرز هو الطعن ؛ وهو ما جعلها تحمل اسم انتفاضة السكاكين ؛ واحيانا القدس لانها بدأت ردا على الإعتداءات التي تركزت على القدس في محاولة لتهويدها بالكامل لإخراجها من اي عملية تفاوض لاحقة عبر فرض الامر الواقع السكاني الصهيوني
   وفي خلفيات الانتفاضة الثالثة  قام مستوطنون بحرق منزل عائلة الدوابشة في 31 يوليو 2015. وهو ما أدى إلى زيادة في أعمال المقاومة ضد الاحتلال؛ وسبقها عددًا من الأحداث التي اتسمت بصفة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي قابلها الجانب الإسرائيلي بأعمال عنف مضادة، من بين هذه الأحداث كان إضراب الأسرى والذي استمر شهرين، وكذلك مقتل محمد أبو خضير الذي جاء بعد قتل ثلاثة مستوطنين في حزيران من ذلك العاموالحرب الإسرائيلية التي شُنت على قطاع غزة وأوقعت ما يزيد عن 2100 شهيد فلسطيني.
       وبشكل مباشر قام الجانب الإسرائيلي بعدد من الخطوات تجاه المسجد الأقصى في شهر سبتمبر 2015؛ ففي 9 أيلول، صدر عن وزير دفاع العدو قرار بحظر مصاطب العلم والرباط في الأقصى، وفي 14 أيلول اقتحم وزير الزراعة الإسرائيلي أوري آرئيل المسجد الأقصى بصحبة أربعين إسرائيليًا، واقتحمت وحدات خاصة وعناصر المستعربين باحات المسجد، وفي 17 ايلول، قام عشرات من شبيبة حزب الليكود (الحزب الحاكم) باقتحام المسجد الأقصى.
   وعلى الصعيد السياسي غابت الثقة بين طرفي الصراع مع إشتراط حكومة نتنياهو اعتراف الفلسطينين بيهودية دولة إسرائيل، ومنذ مطلع عام 2014 كانت المفاوضات متوقفة وكانت السلطة الفلسطينية توجهت للإنضمام لمحكمة الجنايات الدولية وانتزاع اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في ظل رفض إسرائيلي واعتبار ذلك خطوة من جانب واحد، كما أن حكومة نتنياهو استمرت بطرح عطاءات توسيع البناء في مستوطنات الضفة الغربية ولم تستجب لطلب وشروط السلطة من اجل العودة إلى طاولة المفاوضات وهي تجميد الاستيطان وكذلك الإفراج عن أسرى من السجون الإسرائيلية، وتحديد سقف زمني لإنهاء المفاوضات، ويبدو أن هذا السبب وكذلك يأس الفلسطينين من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي قد لعب دوراً جوهرياً في ذلك وحسب استطلاع للرأي فإن 52% من السكان يرغبون بالمغادرة وأن 57% من الفلسطينيين يدعمون اندلاع انتفاضة مسلحة وأن 80% من الفلسطينيين مقتنعون بأن القضية الفلسطينية ليست على لائحة اهتمامات العرب؛ واعتبر خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة في 30 أيلول 2015 أعتبر سياسياً على أنه نهاية لمرحلة أوسلو ؛ وهو المطلب الذي أجمعت عليه معظم الفصائل الفلسطينية.
الواقع الاحصائي يفيد:-
     فلسطينيا:
      بلغ عدد الشهداء 249 شهيدًا ، استشهد 215 من الضفة بما فيها القدس، و30 شهيداً في قطاع غزة، وشهيدان من أراضي الداخل المحتل؛ من  الشهداء 68 طفلاً وطفلة؛ و22 شهيدة، بينهنّ 9 شهيدات قاصرات أعمارهن لا تتجاوز الثامنة عشرة،
 فيما بلغ عدد الإصابات نحو 18 ألفًا و300 مصاب توزعت بين الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1948.
وارتفع بشكل واضح حجم الاعتقالات حيث بلغ نحو 8500 أسير وأسيرة؛و عدد الأطفال القاصرين 2155، فيما اعتقل 271 من النساء، بينهن 40 من الفتيات القاصرات  .
   اسرائيليا : بلغ عدد قتلى العدو 40 قتيلا  ؛ونحو 672 مصابا في 121 عملية طعن، و27 عملية دهس، و100 عملية إطلاق نار، و1422 إلقاء زجاجة حارقة، و4234 حادثة إلقاء حجارة، و60 صاروخا، و29 قذيفة من غزة.
          وتميزت الاحداث في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ بداية أكتوبر 2015 حتى الآن؛ بتنفيذ الفلسطينيين بعمليات طعن متكررة لعسكريين ومستوطنين إسرائيليين، وكذلك قيام إسرائيليين يهود بطعن فلسطينيين، وإعدامات ميدانية للفلسطينيين بحجج محاولتهم تنفيذ عمليات طعن. تزامنت الأحداث أيضًا مع تنفيذ القوات الإسرائيلية ضربات جوية على قطاع غزة الذي انطلقت منه صواريخ نحو إسرائيل.
 
وفي نظرة الى الواقع المحيط بالقضية الفلسطينية وحجم التواطؤ لصالح الاحتلال والتراجع عن الاهتمام بالقضية والشعب الفلسطيني اقليميا ودوليا ؛ ان الشعب الفلسطيني لازال يعاني من نفس المظاهر التي دفعتة في كل مرة الى الإحتقان من شدة الضغط والعدوان المستمر ؛ واللامبالاة الدولية بمعاناته ؛ وهو ما يرشح الأمور الى هبات مستمرة بين حين وآخر في مواجهة غطرسة العدو ولتذكير العالم القريب والبعيد بأ ن القضية لازالت مفتوحة ولا يمكن اقفالها مهما كانت رغبة ومشيئة العدو واعوانة الاقليميين والدوليين؛ وبالتالي لا إستقرار ولا أمن للمستوطنين وقوات الاحتلال الى ان تتحول موازين القوى لصالح الحق الفلسطيني ويندحر الغزو الصهيوني


محمود إبراهيم
باحث فلسطيني


2016-10-21 12:19:52 | 4688 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية