التصنيفات » مقابلات

مقابلة لموقعنا مع عضو المجلس السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة وممثّل الجبهة في لبنان ـ أبو عماد رامز

في ذكرى وعد بلفور

أجرت المقابلة: حنين رباح




* يصف المؤرّخون المؤيّدون لوعد بلفور المشؤوم هذا الوعد بأنه نتيجة للشعور الأوروبي العميق بالشفقة تجاه "الشعب اليهودي" بسبب ما عاناه من "اضطهاد". بعد ما يقارب مئة عام على صدور هذا الوعد، أما حان الوقت لإظهار "الشفقة" العالمية على الشعب الفلسطيني ؟
ـ لقد تعاطف الاستعمار الغربي مع اليهود والحركة الصهيونية في تلك الحقبة، تحت حجّة لم تُثبت تاريخياً حتى الآن، أن اليهود تعرّضوا الاضطهاد الواسع. والحديث عن المحرقة جاء لاحقاً ليعزّز فكرة هذا للاضطهاد الذي وقع على اليهود. والفكرة الرئيسية كانت حول كيفية إنشاء وطن  قومي لهؤلاء اليهود. في البداية لم تكن فلسطين هي الهدف؛ إنما كان الهدف إفريقيا. لكن عندما تمكنت الحركة الصهيونية من حسم الصراع داخلها بدأ التفكير الجدّي أن فلسطين يجب أن تكون هي الوطن القومي لليهود. وأكثر دولة استعمارية كانت حاضرة لتنفيذ هذا المشروع هي بريطانيا. ولكن هذا المشهد استلزم تحضيراً. الحركة الصهيونية ارتضت أن تذهب بالاتجاه التركي (السلطنة العثمانية) التي كانت تحتلّ المنطقة، لأخذ "براءة" بأن تكون فلسطين موطناً لهؤلاء اليهود. لكنها جوبهت بالرفض العثماني. وفي السياق التاريخي، عندما بدأت الحرب العالمية الأولى انحازت السلطنة العثمانية إلى جانب الألمان. وكان هذا هو المشهد المواتي للحركة الصهيونية ولبريطانيا كي تتدخل بقوّة، من خلال استدراج الأمريكي للدخول في الحرب على ألمانيا، بتحريض من اليهود؛ فوجد الرئيس الأميركي ولسن نفسه آنذاك منخرطاً في الحرب تحت ذريعة أن ألمانيا شجّعت المكسيك على خوض حرب ضدّ الولايات المتحدة الأميركية، لأنها كانت اقتطعت من المكسيك ثلاث ولايات هي: نيو مكسيكو وأريزونا وتكساس. وقد وقعت كلّ المحادثات والمكالمات والرسائل ما بين ألمانيا والمكسيك بيد البريطانيين، الذين ذهبوا ووضعوها بيد الأميركي بتحريض أيضاً من اليهود. وهكذا وجدت أميركا نفسها في الحرب إلى جانب بريطانيا. وهذا ما دفع بلفور للذهاب مباشرة إلى الولايات المتحدة لاستطلاع رأيها حول إصدار وعد بلفور عام 1917، حيث وافق الرئيس الأميركي ولسن على هذه الفكرة؛ وبذلك صدر القرار المشؤوم. والبريطاني لم يكن ليتجرّأ على إصدار هذا التصريح من دون ذلك. وعليه، هذا "الاضطهاد" المزعوم دفع الدول الاستعمارية لإعطاء اليهود الوطن الفلسطيني وطرد الفلسطينيين من أرضهم عطفاً منها على اليهود! وبتقديري، المجتمع الدولي كان ولا زال ينظر للمسائل بعينٍ واحدة. نحن نُضطّهد ونُشرّد ونُقتل. ولكن هذا المجتمع الدولي ينظر إلى مصالحه فقط. وجزء من المصالح البريطانية هو حماية قناة السويس التي تُعتبر الممرّ المائي الوحيد ما بين أوروبا والمنطقة. والمجتمع الدولي لا ينظر إلى الشعب الفلسطيني كشعبٍ شرّد وطُرد ومورست بحقّه كلّ أشكال المجازر والاستيطان والتهويد. للأسف، هذا المجتمع الدولي لا يحترم إلاّ الأقوياء.
*تحدّثتم عن أنه لو لم تكن فلسطين وطناً لليهود، لكانت أيّ بقعة في هذا العالم. ما هي دقّة هذه المعلومة؟
ـ الواضح أن جزءاًَ كبيراً من إفريقيا كان واقعاً تحت السيطرة الاستعمارية ما بين فرنسا وبريطانيا. و هناك خيارات طُرحت حينها على اليهود أن فلسطين الآن غير متاحة، ولدينا أوغندا وأكثر من مكان. لكن اليهود رفضوا هذا الأمر. ومع تطوّر الأحداث، وبالتالي اندلاع الحرب العالمية الأولى، تغيّر الوضع. ففي البداية كان الخوف أن السلطنة العثمانية لا زالت حاضرة وتضع يدها على المنطقة بشكل كامل. لكن الحركة الصهيونية استغلّت اللحظة التي اندفعت بها السلطنة العثمانية للدخول في الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا، حيث وجد الغرب الاستعماري (بريطانيا ـ وبتشجيع فرنسي وإيطالي) أن الوقت مناسب للانقضاض على فلسطين. وكان ينقص الدعم الأميركي فقط. وكما ذكرنا، تم التواصل مع الرئيس ولسن ودفعه للحرب الى جانب أوروبا في مواجهة ألمانيا.
* من المعلوم أن آرثر بلفور كان من أكثر الأشخاص كرهاً ومعارضةً لليهود، فكيف يمكن تفسير جهوده للدفاع عنهم ووعدهم بإقامة أرض لهم في فلسطين ؟
ـ نعم، هذه الحقيقة كانت حاضرة بأن بلفور كان من أشدّ المعارضين لليهود. لكن علينا أن لا ننسى أن الجذور الدينية لبلفور هي التي لعبت دوراً مساعداً، لأنه كانت هناك مزاوجة بين المسيحية واليهودية؛ وهذا ما أثّر في بلفور، وهو من مدينة كان نائباً عنها، والمعروفة بالطابع الديني، والحديث العام عن ما تعرّض له اليهود. ولذلك انبثقت فكرة دفع الهجرات اليهودية خارج أوروبا. وأيضاً، المسألة ليست فقط متعلقة بالعامل الديني، بل هناك عامل المصالح، حيث أرادت بريطانيا أن تدفع باليهود إلى خارج البلاد. و هكذا تبلورت الفكرة بتهجيرهم نحو فلسطين.

* هناك حملات داخل و خارج بريطانيا تدعو بريطانيا للاعتذار عن وعد بلفور في مئويته. ما هي برأيكم النتائج المرجوّة من هكذا اعتذار؟
ـ الاعتذار لا يقدّم لنا أيّ شيء على الاطلاق. حتى جاك سترو (وزير خارجية بريطانيا سابقاً) لم يفعل شيئاً، ولم يذهب باتجاه أن يعكس الاعتذار الذي قدّمه على الأرض، لتجاوز الخطيئة الكبرى التي ارتُكِبت بحقّ الفلسطينيين بالمعنى الأخلاقي، وبالمعنى القانوني، وبالمعنى التاريخي؛ وحتى بالمعنى الديني، وخاصة أن وعد بلفور أكد حينها على الحفاظ على مصالح الأقليّات في فلسطين. وكان المقصود الشعب الفلسطيني. وهذا الأمر لم يُطبّق على الأرض. لذلك، نحن لا نعوّل كثيراً على أيّ اعتذار، حتى لو سعت النخب البريطانية لدفع الحكومة البريطانية للاعتذار. فهناك تطورات تاريخية قد حصلت، مثل التوقيع على اتفاق أوسلو في العام 93، والذي سيُبرز في وجه الفلسطينيين للقول لهم: أنتم تنازلتم عن 87% من أرض فلسطين، ومنظمة التحرير اعترفت ب"إسرائيل"؛ فهذا الواقع المؤسف أيضاً من المعيقات. وبالتالي فإن تحرّك السلطة الفلسطينية و منظمة التحرير بطيئ في هذا الاتجاه، وهناك اليوم تلويح بشكل خجول  للإعلان عن هذا الاعتذار. ولكن نحن أصلاً لسنا بحاجته. نحن بحاجة لإعادة الاعتبار لخيار الشعب الفلسطيني في المقاومة. وبتقديري، فإن  بريطانيا، وكلّ المجتمع الدولي، عندما يجد أن الفلسطيني قد عاد مجدّداً إلى المقاومة وأسقط الخيار السياسي الذي له علاقة بالمفاوضات و التسوية والتنازل للكيان الصهيوني، هذا المجتمع الدولي سيضطرّ إلى إعادة دراسة كلّ مواقفه السابقة .
* تتضارب المعطيات حول وجود دور للأيادي العربية في إصدار الوعد المشؤوم. فهل آزر وعد بلفور لليهود وعدٌ عربي؟ أم أنه لم يكن بحاجة إلى ذلك؟
ـ هناك مصالح تدفع الدول الاستعمارية إلى ضرورة أن تأخذ برأي الأنظمة التي نصّبتها في المنطقة، والتي كانت بيد السلطنة العثمانية. ونحن لا نعرف حقيقة مراسلات حسين ـ مكماهون وكلّ تفاصيلها وأسرارها. وبتقديري، هناك دول أوجدت في المنطقة، وكان الشرط الأساسي لإيجادها القبول بالكيان الصهيوني وأن تكون كلّ فلسطين بيد اليهود. نعم، بالتأكيد هناك دورٌ ما للعرب في ما حصل، وتحديداً الأردن في شرق النهر والسعودية؛ وهناك وثائق بدأت تُكشف في وسائل الإعلام بأن الشرط الأساسي لقيام مملكة آل سعود كان القبول بالكيان الصهيوني، وأن تضع الولايات المتحدة الأميركية و(الغرب الاستعماري) يدها على الثروة النفطية. وقد كُشف لاحقاً عن لقاءات وزيارات سريّة في هذا الصدد، ما يدلّل على وجود توافق ما حصل على قيام الكيان الصهيوني. وبعد عام على توقيع اتفاقية وادي عربة بين الأردن والكيان الصهيوني، تحدث الملك حسين عن 20 لقاء سرّي حصل، ليأتي ردّ "الإسرائيليين" أنه حصل 21 لقاء! يعني هذا أن "إسرائيل" "دقيقة أكثر من الملك حسين. وهناك الكثير من الشواهد التاريخية التي تُظهر التآمر بمكانٍ ما من قِبل هذه الدول العربية.
* وعدٌ أعطى الحق لمن لا يملك الأرض أن يهبها لمن لا يستحق . فما هي صلاحيات بريطانيا آنذاك في أن تعِد اليهود بفلسطين كوطن قومي لهم؟
ـ لا توجد أية صلاحيات لها. أوّلاً فلسطين في عام 1917 لم تكن تحت الانتداب البريطاني. هي أصبحت جزءاً من هذا الانتداب نتيجة اتفاقية سايكس ـ بيكو. وبتقديري، هما وجهان لعملة واحدة؛ يعني كانت اتفاقية سايكس ـ بيكو الممرّ للوصول إلى وعد بلفور. ورغم ذلك، لا يحقّ لأيّة دولة محتلة لبلد أن تجيز اتفاقيات أو توقّعها مع أيّ طرف آخر. ومن جانب آخر، فقد اشترطت عصبة الأمم المتحدة في إحدى موادها، على الدول المقبولة عضويتها في العصبة أن تتحلّل من أية اتفاقيات تضرّ بمصالح شعوب موجودة في المنطقة. وهذا ما لم تقم به بريطانيا، والتي استكملت مشروعها لصالح الصهاينة بالتواطؤ مع الولايات المتحدة الأميركية.
* ما هي الإنجازات التي حقّقتها الفصائل الفلسطينية لإسقاط هذا الوعد المشؤوم دولياً؟
ـ هذا التعاطف الذي نراه اليوم في الواقع الأوروبي، رغم أننا لم نصل من ورائه للنتائج المرجوّة، هو ثمرة لنضال و كفاح الشعب الفلسطيني. نعم، لقد أصبح صوت الشعب الفلسطيني مسموعاً، والمجتمع الدولي متعاطف معنا، وكذلك الشعوب؛ وحتى داخل الولايات المتحدة الأميركية، هناك آراء معتبرة بدأت تظهر في مواجهة ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني. لكن بالمعنى الدبلوماسي، هناك سلطة فلسطينية ترهن حلّ القضية بالمفاوضات؛ وتكرّر أنه ليس هناك من بديل عن المفاوضات سوى المفاوضات، وحتى ممثّل فلسطين في الأمم المتحدة ناصر القدوة، قدّم مؤخراً مبادرة من عشر نقاط لحلّ المأزق الفلسطيني، وقال إنه من الخطأ أن تبقى السلطة متمسكة بمفاوضات عبثية لمجرّد أنها تريدها، ويجب أن تذهب نحو خيارات أخرى. والآن، آخر إبداعات السلطة الفلسطينية كان طرح "المقاومة السلمية الذكية". لكن أنا أؤكد أن المزاج في العالم يتغيّر لصالحنا ولو ببطء، وهذا الأمر مفيد. ونحن لا نراهن على أيّ حال على الدول، بل نراهن فقط على الشعوب .
* تتناقض التحليلات حول الدور الذي سيلعبه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بالنسبة للقضية الفلسطينية. ما رأي الجبهة الشعبية في ذلك؟
ـ أنا آسف لهذا التعبير: إن كان الفيل أم الحمار، فبالنسبة لنا كلاهما واحد، وهما (ترامب أو كلينتون) لن يغيّرا شيئاً على الإطلاق، لأن المناظرات والمواقف التي أُطلِقت خلال الحملات الانتخابية هدفت فقط لاستعطاف اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة؛ وبالتالي المشتركات بين كلّ قادة أميركا معروفة: كيفية إبقاء "إسرائيل" قوية ودعمها والمحافظة عليها، وأن تكون الدولة الأقوى في الواقع الإقليمي. لكن نحن سعداء لفوز ترامب حتى يُظهّر الصراع أكثر، لأن أوباما قدّم نفسه على أنه رجل سلام، لكنه أنهى ولايته ب38 مليار دولار تُدفع للكيان الصهيوني على عشر سنوات؛ وهي الصفقة الأعلى التي تُعطى للكيان الصهيوني. ومع أن ترامب قال إنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس لأنها العاصمة اليهودية، نحن نشكّك بذلك، لأن الكثير من الرؤساء الأميركيين قالوا إنهم سينقلون السفارة، فيما الوقائع أثبتت عكس ذلك.
* عائلة روتشيلد التي وعدها بلفور بفلسطين تملك أهم الشركات في العالم. فهل كان وعد بلفور الأساسي اقتصادي التوجّه؟
ـ السياسة والاقتصاد لا ينفصلان، والسياسة هي التعبير المكثّف عن الاقتصاد. ومن يملك الاقتصاد يستطيع أن يفرض قراراته. و الولايات المتحدة الأميركية التي تعاني ما تعانيه حالياً من أزمات، لكنها حتى الآن الدولة رقم واحد مالياً في العالم. نعم، لقد تبنّى اليهود هذه النظرة سابقا،ً وروتشيلد استطاع من خلال هذا الحضور المالي الهائل له في بريطانيا أن يحقّق الحلم الصهيوني بأن يكون لليهود الصهاينة وطن في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   

2016-11-24 18:07:40 | 6851 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية