التصنيفات » مقالات سياسية

الأهمية الاستراتيجية لمعركة الحريّة والكرامة




بقلم: الباحث في الشأن الفلسطيني
أحمد عيسى

تكمن أهمية إضراب الحركة الفلسطينية الأسيرة، والذي لم يكن صدفة أن تكون شرارة انطلاقته بتاريخ 17/4، "يوم السجين الفلسطيني"، في الجهة التي تخوضه، وفي دقّة التخطيط له، وفي حكمة قيادته، وفي مضمونه وطبيعته، وتوقيته، وأهدافه؛ وأخيراً في تداعياته على البيئة الاستراتيجية الفلسطينية. وستحاول هذه المقالة توضيح أهمية الأبعاد المذكورة أعلاه تباعاً على النحو الموضح أدناه.
فمن حيث أهمية الجهة التي تخوض هذه المعركة، الحديث يدور هنا عن الحركة الفلسطينية الأسيرة، والتي تُعتبر أحد أهم مكوّنات الحركة الوطنية الفلسطينية لما تتميز به من صفات، كالانتماء الواعي لفكر وثقافة الثورة والكفاح، وصلابة الالتزام والانضباط، وديمقراطية القرار، ومركزية التنفيذ، وقوّة الصبر والمقدرة على الاحتمال، وعمق الوعي وحبّ الفداء المتجذّر عميقاً في التجربة الكفاحية الفلسطينية.
وفوق هذا كلّه سعة الانتشار المجتمعي واتساع التجربة وتمدّدها، وقوة التأثير في الكلّ الوطني والاجتماعي. فالحركة الأسيرة لا تعني فقط أولئك الذين يفوق عددهم الآلاف الستة القابعين خلف القضبان الآن، والذين يخوضون بأمعائهم الخاوية وأجسادهم الضعيفة، وإرادتهم الصلبة، هذه المعركة من معارك الصدام والاشتباك المباشر مع العدو وكلّ أجهزته الأمنية وغير الأمنية، بل تشمل الحركة الأسيرة كلّ من عاش تجربتها من المناضلين والمناضلات منذ بدء المواجهة المباشرة مع الاحتلال ومشروعه.
 وبناءً على الحقيقة، التي مفادها أن أكثر من مليون شاب وشابة من الشعب الفلسطيني كان قد جرى اعتقالهم وسجنهم في سجون الاحتلال منذ العام 1967، وذلك وفق معلومات مؤسسات حقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات الفلسطينية وغير الفلسطينية العاملة في هذا المجال، وتأسيساً على قاعدة انتماء هذا العدد من الأسرى والأسرى المحرّرين لعائلات؛ فضلاً عن تموضع وانتشار هؤلاء الأسرى المحرّرين في باقي مكوّنات الحركة الوطنية الفلسطينية.
 فإننا لا نجافي الحقيقة بالقول إن من يخوض هذه المعركة من معارك المواجهة مع الاحتلال الآن هو الشعب الفلسطيني بأكمله، والحركة الوطنية بكلّ مكوّناتها، وذلك تحت قيادة الحركة الأسيرة خلف القضبان، لا سيّما حركة فتح بقيادة مروان البرغوتي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح.
ومن حيث التخطيط للمعركة، تكمن أهمية الإضراب في دقّته؛ إذ يبدو واضحا ً أن المعركة ليست ارتجالية أو حماسية، بل هي تُدار وفق تخطيط دقيق سبق إعلان بدئها، سواء داخل السجون والمعتقلات، أم خارج هذه السجون. وأهم ما ظهر من هذه الخطّة حتى الآن هو التكتيك المستخدم بتقسيم "القوات" المشاركة في المعركة. إذ تُركت البداية لقوات النخبة، على أساس أن تشارك باقي القوات وفق مجريات وتطورات المعركة ومداها ومستوى ردود العدّو عليها. المهم هنا هو الانتصار في المعركة وتحقيق أهدافها، سواء على صعيد تحقيق الكم الأكبر من مطالب السجناء، أم تحقيق غايات المعركة الخارجية وهي كثيرة.
فالحركة الأسيرة تدرك أنها تخوض وتقود معركة باسم الشعب كلّه، في هذه اللحظة من الزمن الذي اصطفّت فيه قوىً عدّة، إقليمية ودولية، لا لنصرته بل لنصرة "إسرائيل" ورؤيتها. فضلاً عن أنها تدرك أنها تخوض هذه المعركة موحّدة نيابة عن الحركة الوطنية الفلسطينية بكلّ مكوّناتها في لحظةٍ من الزمن عجزت فيه هذه الحركة عن توحيد صفوفها واستئصال أسباب انقسامها وفرقتها.
كما وتتجلّى دقّة التخطيط في إطلاق اسم (الحريّة والكرامة) على المعركة. هذا الاسم الذي يتضمن بحدّ ذاته أهداف المعركة، التي لا يستطيع أيٌ كان إلاّ تأييدها ودعمها والالتفاف حولها كونها، قيماً عامة نصّت عليها كلّ الأديان والمواثيق والمعاهدات الدولية، فضلاً عن القوانين الدستورية لكلّ الأمم والشعوب حول العالم.
ومن حيث قيادة المعركة، تكمن اهمية القيادة مرّة أخرى في جماعيتها وإجماعها على اختيار مروان البرغوتي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في قيادة هذه المعركة وإدارة التفاوض بشأن تحقيق مطالبها، لما لهذا الاسم من وزن وثقل في الشارع الفلسطيني والإقليمي والدولي.
كما وقد تجلّت أهمية قيادة الأخ مروان لهذه المعركة في مضمون رسالته للرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي. تلك الرسالة البسيطة والواقعية التي تضمنت أهدافاً واقعية وبسيطة يمكن تحقيقها؛ علاوة على أنها عكست بشكل رائع أن المعركة اليوم ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي في مضمونها حرب أفكار، ما بين "إسرائيل" العنصرية التي تحرم الشعب الفلسطيني من أبسط حقوقه الإنسانية، والمتمثلة في الحرّية والكرامة، وما بين فلسطين الديمقراطية التي يؤكد شعبها أن الحريّة والكرامة هي قيم أصيلة لا يمكن حرمان أيّ إنسان منها، مهما كان معتقده الديني أو لونه أو جنسه.
وإضافة إلى ما تقدّم، تجسدت أهمية قيادة الأخ مروان لهذه المعركة في حكمته وسعة أفقه، التي تجسدت في مقالته الصغيرة والمعبّرة، التي نُشرت عشيّة بدء المعركة في صحيفة "النيويورك تايمز" الأمريكية واسعة  الانتشار، وقوية التأثير في الرأي العام الدولي. هذه المقالة التي جعلت من المعركة خبراً رئيسياً في عناوين الصحف الدولية والعالمية، الأمر الذي بحدّ ذاته أعطى دليلاً إضافياً لتشريع حملة مقاطعة "إسرائيل" ونزع الشرعية عنها، باعتبارها دولة عنصرية تحرم شعباً بأكمله من أبسط القِيم الإنسانية المتمثلة بالحريّة والكرامة.   
أما من حيث مضمون وطبيعة هذه المعركة، فتتجلّى اهميتها في جماعيتها، إذ غاب هذا النمط الجماعي عن معارك الحركة الأسيرة، وربما عن الحركة الوطنية الفلسطينية برمّتها منذ فترة طويلة، وذلك لأسباب متعددة، أخطرها على الإطلاق حالة الضعف الشديد التي تعيشها مكوّنات الحركة الوطنية الفلسطينية نتيجة للانقسام الفلسطيني الذي أعقب سيطرة حركة حماس بالقوة العسكرية على قطاع غزة في صيف العام 2007، وما خلّفته مظاهر الاقتتال المروعة الموثّقة تلفزيونياً التي رافقت هذا الانقسام، على روح الشعب ووجدانه ووحدته الوطنية، فضلاً عن مناعته الوطنية، الأمر الذي تناقض كلياً مع قاعدة: إن تحقيق أقل الحقوق الوطنية والإنسانية الفلسطينية يحتاج إلى أقصى وأقوى أشكال الوحدة الوطنية الفلسطينية.
نعم، لقد غابت أنماط المواجهات الجماعية الفلسطينية عن المشهد الفلسطيني العام منذ فترة طويلة، وحلّ مكانها في الوعي الفلسطيني النمط الفردي في المواجهة، سواء داخل ساحات المعتقلات، أم خارجها، الأمر الذي لا يخلو من دلالة، لا سيّما تلك الدلالة الناطقة بما فيها بأن الشعب (كأفراد) لن يوقف المواجهة مع من يحتلّه ويصادر أرضه وممتلكاته ويقتل ويحرق أطفاله ويهين أسراه ويشرّد أبناءه وبناته وفق أبشع أشكال العنصرية والإبادة الجماعية، إلى حين توافق مكوّنات حركته الوطنية على التوحّد والعمل الجماعي المشترك.
أما أهمية توقيت المعركة، فتكمن في التزامن ما بين بدء معركة الحريّة والكرامة وما يحدث في البيئة الاستراتيجية الفلسطينية، المحلية والإقليمية والدولية.
على الصعيد الفلسطيني المحلّي، بدأت المعركة في توقيتٍ يقف فيه الوضع الفلسطيني برمّته عند نقطة الذروة. فالانقسام على بعد أيام من بدء عامه الحادي عشر، دون أن تبدو في الأفق القريب علامات تشي بقرب انتهائه وطيّ صفحته البغيضة مرّة وللأبد؛ الأمر الذي دفع القيادة الفلسطينية مؤخراً إلى الاتجاه نحو الحسم عبر إجراءات تضمن وضع السلطة الفلسطينية وحركة حماس أمام خيارين: إما نقل ثقل الحكم  كلّه على كاهل حركة حماس التي تنفرد في حكم القطاع، بينما خزينة الشعب العامة تموّل هذا الانفراد في الحكم، منذ أكثر من عشر سنوات، فيما تدرك قيادة حماس وأصغر أعضائها سناً أن الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة، بما فيهم نسبة عالية من منتسبيها، يدعون الله صبحاً ومساءً بقرب نهاية هذا النموذج في الحكم، الذي لم ينجح على مدار العقد الماضي في تلبية أبسط حاجات الشعب المغلوب على أمره؛ إذ يُعتبر مطلب تأمين الكهرباء أحد الشواهد على ذلك؛ أو أنها في المقابل تترك الحكم لحكومة التوافق التي جرى التوافق عليها في مخيّم الشاطئ في صيف العام 2014.
لا يعني ما تقدّم أن النموذج الذي قدّمته "فتح" في الحكم ما قبل سيطرة حماس على غزة هو النموذج المطلوب استحضاره من جديد؛ إذ فشل هذا النموذج، ولأسباب مختلفة، في أن يكون نموذجاً جاذباً للمجتمع الفلسطيني بكلّ مكوّناته. ويكفي القول إن التقرير الأول لهيئة الرقابة العامة التابعة للسلطة الفلسطينية، والصادر عنها في العام 2001، أثبت فساد رموز وازنة في هذا النموذج. ولكن، على الرغم من كلّ ذلك، لم يقتل ذلك النموذج الأمل بغدٍ أفضل لدى الغالبية العظمى من المجتمع كما هو حال الناس في غزة الآن.
كما وصلت مسيرة، التسوية التي بدأت على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي منذ اكثر من عقدين، إلى طريق مسدود نتيجة حسم الإسرائيليين لخيارهم الواضح والمعلن من قِبل قوى اليمين القومي المتدين الذي يحكم اسرائيل حالياً، برفض قيام دولة فلسطينية مستقلة في المناطق الفلسطينية التي جرى احتلالها في العام 1967، وفق الرؤية الفلسطينية لهذا الحل. ولم يبق أمام مسيرة التسوية من فرص إلاّ الفرصة المتمثلة بفترة حكم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي بدوره يتحيز (وفريقه) لصالح الرؤية الإسرائيلية، الأمر الذي يُجبر الفلسطينيين على التوحد والاستعداد للخيار الأسوأ.
 وما بين استمرار الانقسام وغياب الوحدة الفلسطينية من جهة، وانسداد آفاق التسوية من جهة أخرى، وصلت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية إلى أسوأ حالاتها، الأمر الذي يتطلب تدخلات قاسية على أمل إيصال هذه الأحوال إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب. هذا لضمان استمرار صمود الشعب واستعداده للمواجهة.
وعلى الصعيد الإقليمي، لم يكن حال العرب (العمق الاستراتيجي للفلسطينيين)، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أضعف ممّا هو عليه الآن، الأمر الذي جعل من فلسطين وقضيتها في أدني سلّم أولوياتهم. ومن جهة أخرى، أنتج هذا الضعف مؤشرات اصطفاف إقليمي جديد لقوى الإقليم، بما فيها "إسرائيل"؛ تلك المؤشرات التي باتت في حكم اليقين مؤخراً. وهذا الاصطفاف  يتضمن تهديدات وجودية للفلسطينيين وغاياتهم الوطنية، إذا ما نجحت "إسرائيل" في توظيف هذا الاصطفاف لصالحها على حساب المصالح الوطنية الفلسطينية الجوهرية.
كما وتبرز أهمية توقيت معركة الأسرى في كونها المواجهة المباشرة الأولى التي تخوضها الحركة الوطنية الفلسطينية موحّدة بقيادة أحد مكوّناتها، المتمثل بالحركة الأسيرة، ضد الحكومة الاسرائيلية التي تمثّل اليمين القومي الديني في "إسرائيل" المفتون بقوّة "إسرائيل" العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية. هذه العوامل التي حسم اليمين في "إسرائيل" أمره بناءً عليها في هذه اللحظة من الزمن، باعتبارها لحظة حسم صنع وجود (دولة إسرائيل)، الأمر الذي فشل فيه كلّ من قاد "إسرائيل" على مدار العقود السبعة الماضية، لا سيّما في هذه اللحظة من الضعف التي تميّز الواقعين الفلسطيني والعربي.
أما على الصعيد الدولي، فالنظام الدولي يعيش حالة من التحوّل منذ سنوات. ولا بد أن يكون لهذا التحوّل تداعياته على القضية الفلسطينية، إذ كان لهذه التحولات تاريخياً أثرها المباشر على القضية الفلسطينية منذ العام 1917 وحتى تاريخ كتابة هذه السطور.
ومن قلب هذه الصورة للبيئة الاستراتيجية الفلسطينية، التي تحمل في طيّاتها من التهديدات ما يساوي الفرص أو ما يزيد، تفجّر الحركة الأسيرة بكلّ مكوّناتها هذه المعركة الجماعية مع الاحتلال، مستخدمة سلاح الجوع المفضي للموت، لترسل رسالة واضحة لكلّ مكوّنات البيئة الاستراتيجية الفلسطينية، بأن الشعب وقواه الوطنية سيبقى رافعاً لراية الكفاح حتى تحقيق أهدافه في الحريّة والكرامة.      
أما من حيث الأهداف، فتكمن أهمية أهداف هذه المعركة في مسمّاها (الحريّة والكرامة)، إذ يشي هذا الاسم بأهداف وغايات ومقاصد تتجاوز جدران السجن والمعتقل، ولا يقف فقط عند حدود المطالب الحياتية للأسرى على الرغم من أهميتها.
فالحريّة والكرامة هي مطالب واحتياجات فلسطينية عامة، يرفع راياتها الشعب الفلسطيني بكلّ شرائحه،  منذ احتلاله في العام 1967، الأمر الذي يوحّد ما بين الأسرى كمكوّن من مكوّنات الحركة الوطنية الفلسطينية وبقيّة مكوّنات الحركة الوطنية، سواء كانت في المناطق الفلسطينية التي جرى احتلالها في العام 1967، أم في مناطق العام 1948، وكذلك في مناطق اللجوء والشتات.
كما ويتضمن هذا الاسم (الحريّة والكرامة)، أبسط القيم الإنسانية التي تقوم عليها القوانين الدستورية لكلّ الشعوب حول الكرة الأرضية، الأمر الذي بدوره يُظهر للعالم بأسره مدى عنصرية "إسرائيل" في محاربة الشعب الفلسطيني برمّته، بما في ذلك أسراه في هذه القيم التي باتت حقوقاً لصيقة بالإنسان، بغضّ النظر عن دينه ولونه ومعتقده. ويتجلّى ذلك في بوضوح في جهات النداء التي استهدفها القائد الأسير مروان البرغوتي في رسالته عشيّة بدء الإضراب من زنزانته رقم (28) في سجن هداريم، إذ شملت جهات النداء كلاً من "أبناء الشعب الفلسطيني، وأبناء الأمة العربية والإسلامية، والأحرار والأصدقاء في العالم". وفيما يخص الشعب الفلسطيني، استهدف النداء الشعب في الوطن والشتات والمنافي وبلاد الاغتراب.
ومن حيث تداعيات هذه المعركة، تكمن أهميتها فيما ستتركه من تداعيات على العناوين والمحاور المثارة أعلاه، منفردة ومجتمعة.
فمن حيث التداعيات التي ستتركها هذه المعركة على الحركة الأسيرة، كونها الجهة التي تقود المعركة في هذه المرحلة باسم الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية، فقد أعادت هذه المعركة موضعة الحركة الأسيرة في مكانها الطبيعي في جسم الحركة الوطنية الفلسطينية؛ إذ غاب هذا الجسم الكبير عن المشهد لسنوات طويلة، الأمر الذي يفرض على الحركة الأسيرة نفسها البناء على ذلك، واعتماد برامج تعبوية داخلية جديدة تعيد فيها الاعتبار للحركة الأسيرة باعتبارها مصنع الرجال والكوادر والكفاءات الوطنية والتنظيمية.
ومن التداعيات الأخرى المهمة التي ستكون لهذه المعركة على الكلّ الوطني، تلك الرسالة الظاهرة والمباشرة التي مفادها أن إنهاء الانقسام أمرٌ في متناول اليد؛ علاوة على نجاح هذه المعركة في توحيد جهد الشعب الفلسطيني في كلٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق 48 في مسار واحد عنوانه: الحريّة والكرامة.
ومن حيث تداعيات المعركة المتضمنة في توقيتها، فممّا لا شك فيه أن هذه المعركة ستترك ظلالها على طاولة المحادثات الفلسطينية - الفلسطينية بشأن إنهاء الانقسام الذي يقف عند نقطة الذروة في مسيرة إنهائه الطويلة. كما وستترك ظلالها على طاولة لقاء الرئيس محمود عباس مع الرئيس دونالد ترامب، الذي يرى كثير من المراقبين أنه سيكون لقاءً حاسماً سيتحدّد من خلاله مصير التسوية السياسية في المنطقة.  
وفي هذا السياق تبرز أهمية توقيت المعركة على ما ستتركه من تداعيات على مخطّطات اليمين القومي المتدين الحاكم في "إسرائيل"، الذي يعيش بدوره حالة من النشوة المؤسّسة على قوة "إسرائيل" وتفوّقها الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي. هذا التفوّق الذي يؤهّل "إسرائيل" وفق اعتقادهم، على حسم صنع وجود (دولة إسرائيل)؛ إذ يقيناً ستجبر هذه المعركة ذلك اليمين على إعادة حساباته في تنفيذ مخططاته التصفوية للشعب الفلسطيني وقضيته. ومن الشواهد على إدراك اليمين لهذه التداعيات تسارع ممثّليه على الاصطفاف إلى جانب أجهزة الدولة في مواجهة هذا الإضراب، لا سيّما في حفلات الشواء التي ينظّمها نشطاؤه بالقرب من السجون والمعتقلات المضربة عن الطعام.
وممّا لا شك فيه أنه سيكون هناك كثير من التداعيات ذات الوزن الاستراتيجي على الشأن الفلسطيني برمّته، في حال انتصار الفلسطينيين في هذه المعركة. وحتماً سيكون النصر حليفهم لامتلاكهم كلّ مقدرات النصر: تخطيطاً وقيادة وأهدافاً وتوقيتاً، إذ سيكون الوضع الفلسطيني ما بعد معركة الحرّية والكرامة مختلفاً عمّا كان عليه قبلها.
وفي نهاية المطاف، لا تخرج هذه المقالة عن إطار التحليل الذي قد يصيب وقد يخطىء، وآمل هنا أن يكون الصواب أكثر من احتمال الخطأ. وفي كلّ الحالات، هناك حاجة وضرورة من قِبل الكلّ الفلسطيني لا سيّما القيادة الفلسطينية، أن تبني سياستها على أساس إنجاح هذه المعركة.

 

      


 


    

2017-04-28 14:04:12 | 4180 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية