التصنيفات » مقالات سياسية

الأسرى الفلسطينيون.. المطالب الإنسانية ومعركة الحريّة



بقلم: هيثم أبو الغزلان

اختار أسرى الحريّة في المعتقلات الإسرائيلية، يوم الأسير (17-4)، ليكون إضرابًا مستمرًا ومفتوحًا عن الطعام تحت عنوان: "إضراب الكرامة"، مُحدّدين أبسط مطالبهم الإنسانية المحقّة والمعقولة، والتي لم تستجب لها سلطات الاحتلال، ممّا يعني أن الأمور ربما تتطور وتتصاعد باتجاهات لا يمكن للاحتلال وسلطات السجون السيطرة عليها، وأن نُذر التصعيد هي المحتملة في قادم الأيام، سيّما أن إضراب الأسرى لاقى تأييدًا ودعمًا ومساندة مقبولة من الجماهير الفلسطينية على امتداد فلسطين المحتلة، وإلى حدٍ ما في الشتات، وأنصار الحريّة في العالم.
إن سياسة إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية المُتّبعة تجاه إضرابات الأسرى، السابقة والحالية، تتمثل بالتشدد في مواقفها الرافضة لتحقيق أيّ مطلب ولو بسيط، وتتعمد إظهار اللامبالاة والاستهتار بمعاناة الأسرى، والعمل على تفاقمها؛ وما حفلات الشواء قرب السجون، والتصريحات الداعية إلى "تركهم يموتون" إلاّ دليلًا على ذلك. وفي حال لمست مصلحة السجون إصرار الأسرى على مطالبهم، تعلن حالة الاستنفار في جميع السجون، كدليل على عدم قدرتها على مواجهة هذا التحدّي، وتطلب من الحكومة، والجيش، ووزارة الداخلية تحمّل مسؤولياتهم. ولكن الحكومة الإسرائيلية لا تتدخل إلاّ بعد أن تشعر جدّيًا، وبعد وقت متأخر جدًا، أن الأسرى مصمّمون على مطالبهم؛ فتخضع لهم.
..ولكن حتى الوصول إلى مرحلة رفع مصلحة السجون الأمر إلى الحكومة الإسرائيلية، واقتناع الأخيرة بجدّية مطالب الأسرى، هناك وقت قد يكون طويلاً، وستقوم مصلحة السجون بتعمّد إهمال الأسرى، وإحداث البلبلة والاضطرابات في صفوفهم في محاولة منها لإنهائه عبر أساليب ملتوية، منها: "إدخال طعام وادّعاء اكتشافه، أو ادّعاء موت بعض الأسرى، وعدم السماح بإرجاع وجبات الطعام، ووقف المخصّصات عن أُسرهم..". يُرافق ذلك حملات اعلامية إسرائيلية لشيطنة الأسرى عبر ادّعاءات أنهم "إرهابيون، وقتلة، وأنّ تفجُّر الإضراب في هذا التوقيت هو لمنافسات شخصية يريد من خلالها مروان البرغوثي إثبات قدرته على تحريك الشارع ضد قيادة السلطة ورئيسها محمود عباس، مع أن مطالب الأسرى قُدّمت قبل شهرين من إجراء انتخابات اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وحصول الخلاف السياسي الحالي".. لذلك وجب العمل، وبكلّ قوة، على التأكيد أن الأسرى هم ضحايا ومقاومون من أجل الحريّة وتحرير بلادهم، وإظهار "إسرائيل" كدولة لاإنسانية ومخالفة للقوانين والمواثيق الدولية. وما التعذيب الممارَس في السجون الإسرائيلية، وسقوط الشهداء (210 استشهدوا في الأسر)، وسنّ ما يسمّى الكنيست الإسرائيلي القوانين (13 قانونًا يتعلقون بالأسرى)، والحرص الشديد إعلاميًا على حجب حقيقة أساليب القمع والتعذيب التي يمارسها السجّان الإسرائيلي بحقّ الأسرى، حتى لا يتم التعاطف معهم، والاستعداد النفسي لتقبّل جميع الانتهاكات الإنسانية بحقهم، بما فيها الإهمال الطبّي المتعمد، وصمت ومشاركة وموافقة أطبّاء السجون الإسرائيليين على تقديم تقارير طبية تسمح بانتزاع اعترافات من الأسير المصاب، إلاّ دلائل تشير إلى مخالفة الأحكام الصادرة عن معاهدة جنيف الرابعة (1949)، والإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة (1966)، ومخالفة وثيقة نقابة الأطبّاء العالمية الصادرة في (1955)، والتي حدّدت دور الأطبّاء خلال النزاعات المسلّحة بأن "مهمّته الأساسية هي حماية الصحة وإنقاذ الحياة"؛ ولكن ما يحصل هو خلاف ذلك، إذ تُمارس في السجون الإسرائيلية أبشع أنواع التعذيب والقتل البطيء بحق الأسرى، ورغم ذلك، سطّر الأسرى الأبطال أروع ملاحم البطولة والفداء في معركة الحريّة والكرامة على طريق التحرير.
وقد حذّر بعض الكتّاب والمعلّقين الإسرائيليين، حكومة بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه الداخلي جلعاد إردان، من أن عدم الاستجابة لمطالب الأسرى سيُؤدّي إلى اشتعال انتفاضة القدس من جديد، أو حدوث هبّة شعبية جديدة، سيّما أن الدعاية الإسرائيلية عجزت عن تمرير روايتها عن الأسرى بوصفهم مجرمين وقتلة وإرهابيين، مع ترافُق وجود نوع من العزلة الدولية، سيّما من جانب الرأي العام العالمي.
 ويرى الكاتب والمفكّر الفلسطيني منير شفيق، أن الإضراب الذي يخوضه الأسرى اليوم يأتي في ظل "ظروف وموازين قوى مختلفة، ويحمل في طيّاته إمكانات واحتمالات لانتصارات لم تتوفر لأيٍ من الإضرابات السابقة من قبل؛ الأمر الذي يتطلب أن يُعامَل باعتباره معركة فلسطينية كبرى يتوجب الانتصار فيها من خلال ليّ ذراع حكومة نتنياهو ومن ورائها إدارة ترامب".
في الختام، إن تصاعد حملات التضامن مع الأسرى يتطلب حشد جهد الجميع، ووقف التطاول على رموز الأسرى، وعلى رأسهم المجاهد خضر عدنان، الذي يعمل على الحشد والتضامن والمشاركة في كافة الفعاليات نصرة لهم ولقضيتهم.. ويتطلب أيضًا "أنسنة" مطالبهم، وأبسطها أنهم مقاتلون من أجل الحريّة والكرامة، والعمل على إفشال المحاولات الإسرائيلية في الالتفاف على مطالبهم، عبر: الابتزاز، أو المقايضة، أو القوة، وإيصال صوت الأسرى إلى المحافل الدولية المعنية، ممّا يُشكّل رافعة لنصرٍ يرومه كلّ الأسرى والشعب الفلسطيني والأحرار في العالم.

2017-05-06 11:52:47 | 4019 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية