التصنيفات » مقابلات

مقابلة لموقعنا مع مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان الأستاذ مروان عبد العال



أجرت المقابلة: حنين رباح

في البداية، هل من كلمة توجّهونها للأسرى الأبطال في سجون الاحتلال الصهيوني، لمناسبة إضرابهم عن الطعام. والمستمر منذ نحو شهر؟

لا شك أن كلّ الكلام يبقى قاصراً أمام أسرانا الذين يمثّلون رموزاً للحرية ويجسّدون روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، وخاصة أنهم في مواجهة الاحتلال. لا يمكننا إلاّ أن ننحني أمام تلك الهامات الكبيرة؛ هؤلاء الذين صمدوا كلّ هذا الزمن في وجه الحقد العنصري بكلّ أشكاله، وهم أكثر الناس درايةً بالعدو الصهيوني ومكائده.

 

* ما حجم مشاركة أسرى الجبهة الشعبية في هذا الإضراب؟

هي ليست وقفة فصائلية بهذا المعنى. وكما يعبّر عنها دائماً الأسرى في السجون، وخاصة الرفيق أحمد سعدات، الذي قضى معظم حياته في السجون، بقوله: الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، أو يستخدم تعبير مجتمع الأسرى؛ أي أنهم يعيشون بانصهار كامل، و الجميع تحت قهر الجلاّد الصهيوني؛ وبالتالي لا يوجد اختلاف بينهم. والذي يسعى لتدمير هذه الوحدة في السجون، وهذه الروح التي تبثّها حركة الأسرى في أكثر من مجال هو العدو الصهيوني ، فهو حاول تقسيم الأسرى بين الفصائل مع إعطاء امتيازات لبعض الفصائل دون الأخرى؛ ولكن تم إفشال مثل هذه المخطّطات. وفي الإضراب الأخير، من المعروب أن هناك قيادة واحدة  تدير إضراب الأسرى، وهي تشكّلت من الفصائل الفلسطينية الأساسية التي تتمثل بكوادر لها داخل المعتقلات والسجون؛ وهذه القيادة مكلّفة من قِبل 1600 مُضرب عن الطعام، ولديها غطاء من قيادة الأسرى، والتي تختلف عن قيادة متابعة الإضراب. فالجبهة الشعبية ممثّلة من قِبل قيادة الإضراب بأحد كوادرنا داخل السجون. ولكن الرفيق الأمين العام هو حالياً مضرب عن الطعام وليس في قيادة الإضراب، لأنه جزء منه ومن قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة والطليقة، وهو قائد في الداخل وفي الخارج.

* كيف تقيّمون ردود فعل السلطة الفلسطينية والفصائل الرئيسية وتفاعلها مع إضراب الأسرى.

وقفة الأسرى هي مناسبة مهمة جداً، وفيها تحدٍ كبير للعدو. فشعبنا تفاعل معها وكذلك كلّ القوى الوطنية والإسلامية والمناضلة والمقاومة، باعتبار أنها تستعيد الروح، ولو بالمعنى العاطفي عند الذين يؤمنون بأن هذا هو الشكل الوحيد لمواجهة الاحتلال، ولتأكيد التضامن مع الأسرى. لكن لدينا أسئلة سياسية جديّة مطروحة على الفصائل الفلسطينية؛ بمعنى أنه آن الأوان لعدم الاكتفاء بالمراقبة والتعليق وإصدار بيانات الإدانة والشجب، حتى قال أحدهم: نحن سئمنا من تعبير جنرالات الصبر. فالأسرى يناضلون لتحسين ظروفهم في السجن وتعرية «إسرائيل» وانتهاكها للقوانين الدولية بخصوص الأسرى، سواء كان بالعزل أو بالاعتقال الإداري أو بالتغذية القسرية؛ فالأسير الفلسطيني يريد تحسين ظروفه ويطالب بإدخال الهاتف. لكن على الفصائل أن لا تكتفي بهذه المسألة. يجب عليها أن تعمل على تعرية العدو على مستوى دولي، وأن ترفع دعاوى ضدّه؛ لذلك أرى أننا مقصّرون أمام هذا التحدّي. وإذا ما عبّرنا عن رضانا عمّا تحقّق حتى الآن، فهذا يعني فشلنا. نحن نريد حريّة أسرانا ولا نريد أن يموتوا من الجوع، ونريد أن نُنجح هذا الإضراب ليصلوا إلى النتائج التي يريدون.

 

* هل تتوقعون استجابة قريبة من قِبل سلطات الاحتلال لمطالب الأسرى، أو أنها ستستمر في تجاهل مطالبهم المحقّة، لا سيّما بعد وفاة الأسير المحرّر مازن المغربي تضامناً معهم منذ أيام؟

ـ نعم، إذا ظلّت الحركة، بمثل هذه الصلابة في مواجهة العدو، نعتقد أنه بالإمكان تحقيق انتصار. وهذه ليست أول مرّة يحقّق الأسرى فيها انتصاراً. فهم فرضوا الكثير من التعديلات على الواقع المزري داخل السجون. ففي كتاب أصدره الرفيق أحمد سعدات حول تاريخ الحركة الأسيرة، يقول: عندما كان الإسرائيليون يعزلون أسيراً واحداً كانت الطاولة تُقلب على إدارة السجون، وفي كلّ السجون كان الأسرى يحرقون فراشهم؛ ولكن اليوم عدد كبير من المعتقلين في العزل، الذي يعني محاولة كسر الإرادة. ولكن هذه المسألة لها علاقة بقيادة الحركة الأسيرة ومواكبتها من قِبل قيادات الخارج.

 

* وماذا تقولون حول إضراب الأسرى بأنه مسيّس ويخدم أجندة بعض الفصائل أو الشخصيات التي تتصدر واجهته، فيما يتساءل البعض عن عدم مشاركة أكثر من نصف عدد الأسرى في هذا الإضراب؟

ـ هذه محاولة للهروب من الواجب. فهناك اتهام لمروان البرغوثي، حيث يتضح بعد مراقبة الصحف الإسرائيلية أنه جاء نتيجة غضب كبير على رسالة مهمة منه وجّهها عبر صحيفة «نيويورك تايمز» وتكلم فيها عن فضائح العنصرية الصهيونية داخل السجون؛ وبالتالي اتهمته الصحف الإسرائيلية بأنه يحاول أن يقرّب من وجهات النظر بين حركتي حماس وفتح، وأنه يغلق الأبواب أمام التسوية السلمية، رغم أننا مقتنعون أنه لا يوجد أيّ تسوية سلمية. لذلك هم يحاولون تشويه الإضراب، وهذا جزء من عمل الاستخبارات الإسرائيلية لتشويه صورة مروان البرغوثي كقائد والعمل على إضعافه. ونحن في البداية اتخذنا قراراً لمعرفة أهداف الإضراب، وطلبنا من أسرانا التريث؛ ولكن عندما علمنا أن هدف العدو هو إضعاف الحركة الأسيرة التحقنا بالإضراب، واعتبرنا أن هذه مهمة كلّ القوى الوطنية.

 

* على الصعيد السياسي، كيف تقرأون الوثيقة السياسية الجديدة التي صدرت عن حركة حماس؟

ـ من حقّ كل فصيل أو تنظيم أن يجري مراجعات أوكشف حساب لمواقفه وسياساته، وخاصة أننا نطالب بمراجعة شاملة للواقع الفلسطيني، من ناحية أن هناك أخطاء كثيرة قد ارتُكبت وعلينا أن نصحّحها. حماس عقدت عدّة مؤتمرات وأجرت مراجعاتها، وهذا شيء مهم؛ ولكن في القراءة الشاملة للوثيقة، نرى أن فيها نقاطاً متعددة. فهذه الوثيقة تعكس أزمة ناتجة عن بعضالسياسات التي اتّبعت؛ وبالتالي هي محاولة لإيجاد مخارج من هذه الأزمة، عبر الاستجابة لبعض الضغوط. فهناك ضغوطات كبيرة على حركة حماس، التي ترفض فكرة التسوية، والتي تتجسد بقبول إقامة دولة فلسطينية على مساحة 20% فقط من فلسطين. ونحن نعرف أن حماس تكلمت حول الكثير من المسائل الأخرى التي لها علاقة بكلّ فلسطين؛ لكن سيأخذ العالم منها هذه النقطة تحديداً. وهذه التجربة وقعت فيها منظمة التحرير وحركة فتح في السابق. الذي يريد أن يقرأ التجارب لا يجب أن يقرأ تجربته فقط، بل عليه أن يقرأ تجارب الآخرين، وعلى ضوئها يضع استراتيجيات بديلة. نحن نرى أن اختبار أيّ سياسة أو رؤية يكون بالممارسات. فالقضية دائماً هي في إطار ترجمة الرؤى وماهيّة القيادة التي ستترجمها. ونحن نقول إن قضية الاعتراف بحدود العام 1967 في وثيقة حماس، على قاعدة الوفاق الوطني، لا تكفي. فهناك نقاط وقضايا عديدة لم تتحدث عنها الوثيقة . فهل يعني ما حصل مجرّد تقارب داخلي من قِبل «حماس» نحو «فتح»، أو أنه تقارب خارجي أيضاً باتجاه المجتمع الدولي؟ هذا سؤال له علاقة بالسياسة المقبلة لحماس.

 

* وماذا عن مستقبل منظمة التحرير والسلطة والعلاقة بين الفصائل بعد هذا التحول المهم في الطرح السياسي لحماس؛ وبالتالي هل من تأثيرات سلبية لهذا الطرح على مسار المقاومة ضدّ الاحتلال؟

ـ قضية المنظمة ليست قضية بسيطة. فهي مستهدفة عن طريق تجويفها من الداخل؛ بعنى أنه كان لديها محتوى تحرّري لم يعد مسموحاً. والذي أخذ قراراً بالاعتراف بها، عربياً ودولياً، كان أحد أهدافه تحويلها إلى شبه نظام عربي أكثر مما هي جبهة وطنية وحركة تحرّر. وهذه المعركة هي التي أبقت فصيلاً رئيسياً كالجبهة الشعبية داخلها؛ ليس من باب أنها ملتزمة بكلّ ما كان يحصل، بل بهدف الحفاظ على الحدّ الأدنى المطلوب. وحتى عندما جاءت مرحلة أوسلو، وتم وضع خطوط لتأسيس سلطة على أرض فلسطين، اعتبرناها محاولة كي تكون السلطة بديلاً عن منظمة التحرير؛ وبالتالي نشأ نزاع حول من يمثّل الشعب الفلسطيني: السلطة أم المنظمة؟ في كلّ العالم، وحتى في السفارات، كان السؤال عن مرجعيتها؛ وهذا جزء من ضرب فكرة المرجعية معنوياً. هناك محاولة جادّة لتدمير الروح الوطنية الفلسطينية، لأن لها علاقة مباشرة بالشخصية الوطنية الفلسطينية؛ فعندما تتجزّأ الحلول والمشاكل، وتتجزّأ القضية الفلسطينية، يتجزأ الشعب الفلسطيني. وواحد من إنجازات المنظمة هو تمثيلها للشعب في كلّ أماكن تواجده. فالفلسطيني في تشيلي يشعر أن المنظمة تمثّله؛ ولكن في كلّ يوم تصغر موقعية المنظمة؛ ودائماً، الفكرة الناقصة، والكيان الناقص، وفلسطين الناقصة، والحريّة الناقصة، هي المفاهيم التي باتت تحكم مسار المنظمة؛ وهذا يضعف أو يدمّر حتى الوطنية الفلسطينية. فمنظمة التحرير هي هوية نضالية، ويجب على الجميع أن يشعر أنه ينتمي إليها أكثر من كونها حركة فئوية.

 

* هل تتوقّعون استئنافاً للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل»، بعد لقاء محمود عباس بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي سيزور السعودية والكيان الإسرائيلي في وقت لاحق، للإعداد لما سمّاه (الصفقة الكبرى) لتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟

ـ نعم. وقد أُعلِن عن هذا الطرح على ما يبدو في اللقاء الذي حصل بين أبو مازن والرئيس الأميركي ترامب. الجميع اعتبر هذا الإعلان إنجازاً، لأن ترامب التقى حتى الآن قلّة من الرؤساء، ومن بينهم أبو مازن. لكن، وحسب ما علمنا من مصادر خاصة، أنه لم يتم الحديث بينهما في مسائل أساسية، بل تم الاستماع إلى وجهات النظر المتبادلة، على قاعدة أن هناك جولة سيقوم بها ترامب؛ وبعد ذلك سيطرح خطة لشرق أوسط جديد! والمقلق أنه سوف يجري الضغط على الجانب الفلسطيني حتى يدفع ثمن هذا اللقاء أوهذا البرستيج مع ترامب، كي يقبل أبو مازن بعقد لقاء مع نتنياهو في بيت لحم؛ ومعروف أنه يوجد حول ترامب طاقم مقرّب منه جداً، ومن بينهم صهره، وأحدهم يملك بيوتاً في تل أبيب. وعليه، هل سيكون القرار الفلسطيني الرسمي بلقاء نتنياهو لمصلحة الشعب الفلسطيني؟ في السابق كان الموقف العربي (بما فيه موقف سورية) أنه لا يجب أن نقبل بمفاوضات جزئية وأنه يجب أن يكون هناك وفد عربي موحّد، وكانت «إسرائيل» ترفض ذلك، لأنها تريد أن تستفرد بكلّ طرف على حدة. هذا هو الواقع عندما كانت توجد موانع عربية؛ لكن اليوم الكثير من هذه الموانع زالت، لأن سورية تعاني من أزمة كبرى. لذلك، بدأ الحديث عن حلّ إقليمي؛ ومثلما كانت هناك استعانة بالعرب على الفلسطينيين في السابق، هناك محاولة لتفكيك الواقع الفلسطيني حالياً، بالقبض عليه والاستفراد به كما تمّ الاستفراد بمصر منذ كمب ديفيد وحتى الآن، في محاولة لفرض التطبيع قبل «السلام»، لأن التطبيع يحصل عندما تصبح هنالك علاقات طبيعية؛ بينما كان العرب يضعون شرطاً على أيّ تطبيع بأن يتم على قاعدة السلام أولاً. أيّ بمعنى أن تعطي «إسرائيل» الحدّ الأدنى من الحقوق. لكن حتى هذا الحدّ الأدنى يضع زمام الأمور في يد «إسرائيل». إن كلّ هذا التخبط هو نتيجة السياسة الأميركية المنحازة للكيان. فالإدارة الأميركية ليس لديها سياسة مستقلة في الشرق الأوسط، وهي تراعي مصالحها فقط؛ وهذه إحدى القضايا التي تطيل الصراع ولا تسمح بتحقيق أيّ تسوية راسخة. ونذكر أنه بعد اتفاق أوسلو شنّت «إسرائيل» حروباً متتالية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة؛ وأيضاً، شنّت عدّة حروب على لبنان. لهذا كلّه، الصعب على إدارة ترامب أن تفرض أيّ سلام في المنطقة.

 

* صرّحتم مراراً بأن المشروع الصهيوني العنصري بات في أزمة وجودية؛ ما هي ملامح هذه الأزمة، وكيف ترون واقع المشروع الوطني الفلسطيني المناقض لهذا المشروع الصهيوني، في ظل الأوضاع الخطيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني داخل وخارج الوطن المحتل، وانشغال شعوب المنطقة بصراعات مفتوحة، دفعت بالقضية الفلسطينية إلى أدنى اهتمامات هذه الشعوب، خلال السنوات الفائتة؟

ـ المشروع الصهيوني التوسعي مشروع غير ثابت وليس لديه خطّة محدّدة. فهو يسير باتجاهات متعددة. ولدى قادة وشعب الكيان رعب وجودي، بمعنىً له علاقة بشرعية وجود الكيان؛ وإلاّ لماذا هذا الهوس بموضوع «يهودية الدولة»؟ فالعدو يحاول الاستفادة من ظروف المنطقة لنيل أكبر قدر بالاعتراف بحقّه في الوجود كشعب يهودي! لكن كيف يمكن لليهودية والديمقراطية أن يلتقيا؟ تدّعي «إسرائيل» أنها تمثّل التقدم والحضارة، لكنها في الواقع تجسيد للرؤية العنصرية، فهناك قوانين عديدة أصدرتها ضدّ الفلسطينيين ومواطني أراضي الـ48. أضف إلى ذلك تعاملها مع مواطني الضفة الغربية على قاعدة الفصل العنصري؛ وهي تتعاطى مع غزة على أنها أكبر سجن في الهواء الطلق موجود في العالم. لكن هذه «الدولة» كلّما أوغلت في عنصريتها كلّما قرّبت من أجلها، وهذا مبدأ معروف. فالنازية عندما ازدادت وحشية انهارت؛ والرأسمالية الأمبريالية أيضاً ستنهار. لكن هناك من يقول إن الفلسطينيين سينسون أرضهم، ونحن نقول إن اليهود ظلّوا يتحدثون عن أرض الميعاد على مدى 200 سنة قبل تنفيذ حلمهم.

* كيف تقيّمون أوضاع الشعب الفلسطيني في مخيّمات لبنان في هذه المرحلة، على المستوى الأمني خصوصاً، وعلى المستوى الاجتماعي والتربوي بشكل عام؟

ـ وضع المخيمات في لبنان مرتبط عملياً بأمن البلد. والمخيّمات لها خصوصية لأنها خاصرة رخوة بسبب السياسات اللبنانية الخاطئة في التعاطي مع عوامل التهميش التي تصنع مادة لتفجير الأوضاع في كلّ مرحلة. إن أكبر خطر على المخيّم هو فكرة تغيير هوية هذا المخيّم ودلالاته؛ فهو أكبر شاهد على قضية اللاجئين المحقّة، وعلى ثبات الهوية الفلسطينية، وأن الناس لا تزال تتمسك بالحلم من أجل تحرير فلسطين. فيما يسعى البعض لتدمير المخيّمات، سواء في الجانب السياسي بعدم إعطائها حقّها في الحياة السياسية، أو في الجانب الاجتماعي، أو عبر الاختراق الأمني بتدمير المخيّم ذاته؛ وأهم ثلاث نماذج هي: مخيّمات اليرموك ونهر البارد وعين الحلوة. فقد ضُرِبت هذه المخيّمات كظاهرة سياسية. لذلك يجب حماية المخيّمات، ليس من الباب الأمني فقط؛ بل يجب أن توضع خطط شاملة بشأنها، لأن القضية الفلسطينية لا يمكن التعامل معها كأجزاء. والهدف هو خلق بيئة جيّدة تساعد على نشوء جيل فلسطيني متمسك بهويته الوطنية، ولديه فكره وقضيته، لا أن يكون همّه الأول الخوف على حياته ومستقبله، ليلجأ في النهاية إلى قوى متطرّفة مدمّرة للمخيّم وللمحيط، أو يتعاطى المخدّرات، أو يفضّل الهروب إلى أوروبا.

 

* هل لا يزال هناك مكان للثقافة أو للفكر في ساحات الصراع مع أعداء القضية الفلسطينية، الذين نجحوا إلى حدٍ ما في تهميش موقعية هذا السلاح لصالح نهج الغوغائية والتطرّف والانفعال، والذي يخدم العدو بالدرجة الأولى، كما تثبت أدبيات وممارسات الجماعات المتطرّفة على مستوى المنطقة عموماً؟

ـ نحن نعتبر أن هذا هو الجدار الأخير لدينا. عندما كانت الثقافة حاضرة كان القادة هم من يمثّلون المثقفين، أو المثقف المشتبك، كما عبّر غسان كنفاني بصراحة. واليوم، الثقافة لم تنتهِ، لكنها ضلّت الطريق؛ فالسياسة أصبحت مبتذلة حين غابت الرؤية، والخطابات أصبحت باردة وفارغة، وعبارة عن شعارات لا علاقة لها بالاستراتيجية أو بالثقافة. إن المسألة الثقافية هي هويتنا، وبالتالي من يحسم القضية الثقافية هو من يحسم المعركة. يمكن أن يحتلّ العدو الأرض أو القرار السياسي، ولكن عندما يحتلّ العقول فهذه هي قمّة السيطرة. الأفكار الصهيونية التوسعية بدأت منذ العام 1700، وقد تحوّلت إلى دولة؛ فالصهيونية بدأت بفكرة وحركة ومن ثمّ أقامت دولة. «إسرائيل» لم تقم في العام 48، بل حين وضِع الحجر الأساس للجامعة العبرية في العام 1940، وحازت على جوائز نوبل؛ وهذا ما اعتبره غسان كنفاني بمثابة وعد بلفور أدبي للصهاينة.

 

*  أخيراً، هل من كلمة توجّهونها للمقاومين والمناضلين داخل وخارج فلسطين، وللشعب الفلسطيني والشعوب العربية، عموماً؟

ـ نحن نعتقد دائماً بالتفاؤل التاريخي. ومع أننا نمرّ بلحظات جد صعبة، لكن نحن على يقين بأن الحقيقة ستنتصر في النهاية. ونحن، حضوراً ووجوداً ومستقبلاً، نمثّل هذه الحقيقة.

2017-05-16 15:35:59 | 4414 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية