التصنيفات » مقالات سياسية

السعودية واسرائيل



بقلم: العميد المتقاعد الياس فرحات

تلعب المملكة العربية السعودية أدوارا هامة في السياسة العربية والاقليمية والدولية وخصوصا مع الدول الاسلامية .منذ انشاء دولة اسرائيل عام 1948 رفضت المملكة, شأنها شان الدول العربية والاسلامية, الاعتراف باسرائيل واعتبرتها دولة عدوة في سياستها وقوانينها والتزمت بمقررات لجنة مقاطعة اسرائيل التابعة لجامعة الدول العربية.
في الجانب الاسرائيلي تدرك اسرائيل ان المملكة العربية السعودية ما تزال عدوة لها ولم تقم معها اي تمثيل سياسي او دبلوماسي كما انها لم تجر لقاءات رسمية معها .لكن ذلك لا يخفي طموح اسرائيل لتطبيع علاقاتها مع المملكة نظرا لدورها العربي والاسلامي علما ان معظم الدول العربية لا تعترف باسرائيل كما ان دولا اسلامية وازنة مثل باكستان واندونيسيا وماليزيا وبنغلادش لم تعترف بعد باسرائيل ولا تقيم معها تمثيلا ديلوماسيا رغم ان بعضها يجري اتصالات اوعلاقات تجارية معها . تدرك اسرائيل ان نجاحها  في اقامة علاقات طبيعية مع السعودية يفتح لها ابواب العالم العربي والاسلامي.
 في الاونة الاخيرة وردت انباء عن اتصالات ولقاءات سعودية –اسرائيلية علنية ظهرت في وسائل الاعلام, كما تسربت انباء اخرى عن لقاءات سرية . وتضاربت التفسيرات حول اعتبار هذه الاتصالات انفتاحا بين البلدين العدوين او توطئة لاتصالات رسمية ام انها تقف عند هذا الحد من دون ان تتطور الى علاقة سياسية  .في جميع الحالات حرصت الاوساط الرسمية السعودية على تجاهل هذه الانباء وعدم التعليق عليها وحتى نشرها في وسائل الاعلام الحكومية او الخاصة.اما في الجانب الاسرائيلي فقد ابرزت وسائل الاعلام هذه اللقاءات واستضافت صحف ومواقع اخبارية اسرائيلية شخصيات سعودية .كما استضاف موقع "ايلاف"الالكتروني السعودي شخصيات سياسية وعسكرية اسرائيلية. اثناء حضوره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس قال رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو لشبكة سي ان ان :"يوجد تغيير دراماتيكي في العلاقات الخارجية لإسرائيل في المدة الأخيرة, وبينها وجيرانها العرب. السعودية كما هم كثر في العالم العربي, ترى في إسرائيل حليفاً وليس تهديد." لم تصدر مثل هذه المواقف عن السعودية.واقتصر على بعض اللقاءات غير الرسمية  نعرض بعضا مما اعلن منها لنرى ما تقدمه في العلاقات السعودية الاسرائيلية .
كان اهم اللقاءات هو لقاء الامير تركي الفيصل مدير المخابرات السابق والسفير السابق في واشنطن ولندن ونجل الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز بالاضافة الى انه اخ وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل الذي ترأس الدبلوماسية السعودية لنحو اربعين عاما.التقى الفيصل يائير ليبيد زعيم حزب المستقبل في اسرائيل الذي كان يسوق لمبادرة سلام .كان اللقاء في منزلة الوسط بين اللقاء الرسمي واللقاء الخاص .لم يكن اي من الاثنين يمثل حكومته رسميا كما ان كلاهما ليس بعيدا عن مواقع القرار في بلاده.ويمكن اعتبار هذا اللقاء الاكثر سياسيا بين اللقاءات المتفرقة بين شخصيات سعودية واسرائيلية.وفي مؤتمر ميونيخ الاخير جرت مصافحة وحديث بيم وزير الامن الاسرائيلي موشيه يعلون والامير تركي الفيصل.
اما اللقاءات البحثية بين مراكز دراسات سعودية وسياسيين وباحثين اسرائيين فقد اقتصرت على كسر جليد  وتبادل وجهات النظر في عملية السلام العربية الاسرائيلية من دون الدخول في مواقف حكومية رسمية .جرى ابرز هذه اللقاءات بين الباحث السعودي اللواء السابق انور العشقي ودوري غولد مستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو .كما عقدت لقاءات مع عاموس يلدين رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في اسرائيل بالاضافة الى اجراء الفيصل والعشقي احاديث صحافية مع صحف ومواقع اخبارية اسرائيلية .لم تتعرض السلطات السعودية لمن التقى بالاسرائيليين وتركت لهم الحرية .
يبدو مما اعلن ان جميع اللقاءات كانت تتناول عملية السلام العربية الاسرائيلية خصوصا مبادرة السلام العربية التي اطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز وتبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002 وعادت واكدت عليها في قمة الرياض عام 2007 .بمعنى اخر لم تشمل الاتصالات السعودية الاسرائيلية العلاقات الثنائية بين البلدين.
تأتي هذه الاتصالات في وقت تقيم فيه دولتان عربيتان هما مصر والاردن علاقات دبلوماسية مع اسرائيل مع تطبيع محدود ,فيما اكتفت دول عربية,حتى الان , باقامة مكاتب تمثيل اسرائيلية وهي المغرب وتونس وعمان والامارات وقطر. كانت هذه الدول  تهدف الى التمهيد لما اعتقدت انه اتفاق سلام عربي اسرائيلي مقبل بعد اتفاقات اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل. لكن تعثر عملية السلام والاعتداءات الاسرائيلية ,وخصوصا على المسجد الاقصى المقدس عند المسلمين, وانتفاضة الشعب الفلسطيني دفعتها الى اقفال هذه الممثليات و تراجعت الاتصالات لتقتصرعلى اجتماعات متفرقة عقدها مسؤولون في بعض هذه الدول مع مسؤولين اسرائيين .لم تكن السعودية من بين الدول التي افتتحت على اراضيها ممثلية اسرائيلية كما انها لم تعلن عن لقاءات رسمية مع اسرائيل .
السعودية واسرائيل في المسألة الايرانية
ظهرفي السنوات الخمس الماضية تقاطع في المواقف السعودية والاسرائيلية في مسألة الملف النووي الايراني و الاتهامات حول تدخل ايران في المنطقة .تعتبر المملكة ان ايران تشكل خطرا عليها وعلى الدول العربية وتتحدث عن تدخل ايران في شؤون دول المنطقة بدعم الحشد الشعبي والشيعة في العراق ودعم النظام في سوريا ودعم حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.اما اسرائيل فاعتبرت دائما ان السلاح النووي الايراني هو خطرعلى كيانها وامنها القومي ونشطت مع الولايات المتحدة ومجموعة 5+1 من اجل وقف المفاوضات مع ايران واللجوء الى الخيار العسكري . كما اعتبرت اسرائيل ان دعم ايران لحماس وحزب الله هوتهديد حقيقي لها, ولهذا  لم تتردد في مناسبات كثيرة اعلان استعدادها لتوجيه ضربة عسكرية لايران وحشد غواصاتها في مياه بحر العرب وعممت الحديث عن قدرة وطائراتها المزودة بقنابل خارقة للتحصينات على تنفيذ هذه المهمة .
القلق  تجاه ايران هو نفسه في اسرائيل وفي المملكة العربية السعودية ,لكن الفريقين كانا يدركان ان تعاونهما في هذا الملف لن يؤدي الى تحقيق اهدافهما ,بل يطرح ازمات لدى المملكة وهي دولة دينية محافظة من الصعب ان تقيم علاقة علنية مع الدولة العبرية وازمات ايضا لدى اسرائيل التي تعتبر ان التعاون مع السعودية يتطلب تقديم تنازلات تعتبرها مؤلمة اقلها ما ورد في مبادرة السلام العربية وخصوصا دولة فلسطينية عاصمتها القدس.لذلك رأينا كلا الدولتين تتجه الى الولايات المتحدة واوروبا وتستعمل نفوذها وعلاقاتها السياسية والاقتصادية معها من اجل الضغط لعدم التوصل الى اتفاق مع ايران.
في هذا الاطار يمكن فهم الموقف السعودي من اسرائيل انه تقاطع مصالح معها يتعلق بمنع صعود ايران كقوة اقليمية تنافس السعودية وتعادي اسرائيل  وليس بداية لتطبيع علاقات او انهاء حالة حرب مرهقة واحلال السلام كما هي الحال مع الاردن ومصر.   
اسرائيل وايران والمسألة السورية
اما فيما يتعلق بالازمة السورية فالوضع يختلف ,اسرائيل تنظر الى ما يجري في سوريا نظرة استراتيجية وعسكرية وهمها الاكبر هو استنزاف الجيش السوري وتعطيل قدراته والتضييق على حزب الله ومنع وصول السلاح اليه, واذا امكنها, القضاء على قدراته العسكرية .تدخلت اسرائيل مرات عديدة بقصف اهداف اعتبرت انها اسلحة لحزب الله. في جانب اخر اعربت المملكة علنا عن دعمها للمعارضة السورية وتاييدها الاطاحة بالرئيس الاسد واستضافت المعارضة السورية في عاصمتها ولم تخف تمويلها وتسليحها لهذه المعارضة. اسرائيل قبلت بالتنسيق العسكري مع روسيا وهي تدرك ان التدخل الروسي يهدف الى ضرب التنظيمات الارهابية المعارضة وتوطيد سلطة النظام, فيما عارضت السعودية الدور الروسي في سوريا علنا وحرضت عليه اعلاميا لكنها ابقت على اللقاءات السياسية مع روسيا .لذلك  نجد مواقف سعودية اسرائيلية متطابقة في المسألة السورية وخصوصا في منع انتصار محور ايران حب الله.
وفي الحرب اليمنية
في الازمة اليمنية ,بدأت السعودية حربا مفاجئة على اليمن لضرب الحوثيين واخضاعهم, وهي ترمي بذلك ضرب النفوذ الايراني في جارتها اليمن .بدا لاسرائيل البعيدة جغرافيا عن هذا النزاع ان كل ما يعنيها هو حرية الملاحة في باب المندب  ويشاركها في هذا الاهتمام دول البحر الاحمر مصر والسعودية وتشاركها ايضا الولايات المتحدة التي تهدف الى حماية الملاحة البحرية من الخطر لما يتسبب من خطر على الاقتصاد العالمي .انشأت الولايات المتحدة لهذه الغاية, ولغايات اخرى, قوة عمل تتمركز في كامب ليمونييه في جيبوتي .ولهذا فقد بدا القلق الاسرائيلي وقلق باقي الدول محدودا وغيرمهم بسبب الانتشار الاميركي في المنطقة فضلا عن ان الحوثيين اعربوا انهم لا ينوون التعرض للملاحة في ذلك المضيق .لذلك اتخذت  اسرائيل موقف المتفرج في هذا النزاع الذي بدأ منذ نحو سنة ولم ينته بعد لكنها ابدت قلقها من انتصار الحوثيين وزيادة نفوذ ايران في اليمن.
افاق العلاقة السعودية الاسرائيلية
من المتعارف عليه على الصعيد الدولي ان دولا عديدة تلجأ الى اسرائيل لتساعدها بتحسين علاقتها  مع الولايات المتحدة  باستخدام نفوذ اللوبي الاسرائيلي في الكونغرس وفي الادارة الذي لم يعد سرا .هذا الامر لا ينطبق على المملكة العربية السعودية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة منذ ان ارساها مؤسس المملكة عبد العزيز والرئيس روفلت في لقائهما على متن البارجة كوينسي في البحيرات المرة في السويس في شباط فبراير 1945.السعودية حليف استراتيجي للولايات المتحدة وهي شريك هام في الطاقة والهيدروكربونات .غالبا ما تتوافق السعودية مع الولايات المتحدة في مسألة اسعار النفط  برفعها اوبخفضها وفقا للمصالح الاميركية .كما ان السعودية دعمت المجاهدين الافغان بقوة وهم الذين اسهموا في اسقاط الاتحاد السوفياتي .لهذا لا تجد السعودية في اسرائيل اهمية لعلاقاتها مع الولايات المتحدة .
المملكة لا تحتاج الى اسرائيل لتعزيز موقعها الدولي ,علاقاتها مع الولايات المتحدة كما ذكرنا قوية وهي تدعم معظم الدول الاسلامية بتقديم مساعدات مباشرة وفرص عمل في المملكة ومشاريع البنك الاسلامي للتنمية ودعم جمعيات اسلامية في اطار "رابطة العالم الاسلامي" .في الجانب المقابل تحتاج اسرائيل كثيرا للسعودية لفك عزلتها العربية والاسلامية.
من الصعب على قيادة المملكة ان تجري تطبيعا مع اسرائيل لان المؤسسة الدينية المتحالفة مع المؤسسة السياسية لا يمكن ان تجيز مثل هذا العمل. اي قرار بالتطبيع مع اسرائيل  يثيرغضب رجال الدين ويحدث ردات فعل عنيفة .يجب ان لا ننسى ان الوهابية الطهرانية المتمثلة ب"اخوان من اطاع الله"  رفضت قرار الملك عبد العزيز بالتوقف عن التوسع نحو العراق والشام ونشبت حرب بينهما وانتصر عبد العزيز في معركة السبلة عام 1928 .لكن هذا الطهرانية عادت وظهرت مع حركة جهيمان العتيبي عام 1979 الذي احتل الحرم المكي في احتجاج على تغريب المملكة, كما ظهرت بشكل اخطر في التسعينات مع اسامة بن لادن بعد دخول قوات "مسيحية "غربية الى ارض المملكة في عملية درع الصحراء عام 1990 .كما انها ظهرت حاليا في العراق مع ابو مصعب الزرقاوي ثم ابو بكر البغدادي كاحتجاج على عملية تحرير العراق.
في استنتاج موجز ارى ان المملكة لا ترى مصلحة لها بتوسيع اتصالاتها مع اسرائيل ورفع مستواها نظرا لعدم الجدوى ولعدم اثارة الطهرانية الوهابية وهي مختلفة عن المؤسسة الوهابية  المشاركة في الحكم حاليا.

 
 
 

2017-05-17 15:30:20 | 4308 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية