التصنيفات » دورات باحث » دورة اعداد باحث سياسي 2

ملخص محاضرة الدكتور محمد مرتضى (الخبير في شؤون الحركات والجماعات التكفيرية) - حول التحدّي التكفيري في المنطقة "داعش ما بعد الخلافة"





ضمن فعاليات (الدورة التخصّصية لإعداد باحث سياسي ـ 2)، حاضر الباحث والخبير في شؤون الحركات والجماعات التكفيرية، الدكتور محمد مرتضى، بتاريخ 4/8/2017، في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية بحضور المنتسبين إلى الدورة، من الطلاّب الجامعيين وحملة الشهادات العليا في اختصاصات مختلفة.
في البداية، شدّد المحاضِر على أهمية بحث وتحليل التحدّي التكفيري في المنطقة، والذي مثّل تنظيم داعش الإرهابي أبرز تجلياته خلال السنوات الأخيرة، في العراق وسورية بالخصوص.
وقسّم المحاضِر بحثه إلى قسمين:
1 ـ التطوّر البنيوي للحركات التكفيرية.
2 ـ مستقبل هذه الحركات (داعش نموذجاً).
هذا مع إلفاته إلى التسمية التقليدية لتلك الحركات، بالسلفية الجهادية، لتمييزها عن السلفية الدعوية!
من الناحية الفقهية، ينتمي الفكر السلفي «الجهادي» إلى فقه أحمد بن حنبل، والذي نشأ خلاف تاريخي حول مكانته العلمية (فقيه أم محدّث؟)؛ بمعنى هل كان أحمد بن حنبل متمكناً لجهة قدرته على أستنباط أو استخراج الأحكام الشرعية، أم أنه كان يحمل فقط إجازة في نقل الحديث؟
وقد ساد اتجاه بعد وفاة بن حنبل أنه كان محدّثاً فحسب!
ـ بعد أحمد بن حنبل، نما ما عُرِف بالتيار أو المذهب الحشوي،الذي يتمسك أتباعه بالنص الحرفي للآيات القرآنية لفهم معانيها ومقاصدها (يدالله فوق أيديهم)؛ بمعنى أنهم اعتقدوا بالتجسيم في الصفات الإلهية، والذي أدّى في النهاية إلى سيادة عصر التكفير (في العصر السلجوقي).
ومن ثم جاءت فرقة المعتزلة (المذهب العقلي) وحكم المأمون، حيث جرى اضطهاد أهل الحديث، والذي يرجع إلى زمن الخلفاء العباسيين الذين سبقوه.
بعد عقود، أتى ابن تيمية، الذي أعاد الاعتبار للتيار الحشوي المتطرّف، لنشهد في عصره مجازر كسروان اللبنانية ضد الشيعة (بفعل فتواه التكفيرية بحقّهم)، وصولاً إلى صلاح الدين الأيوبي الذي ارتكز على بعض قراراته إلى أفكار أو فتاوى ابن تيمية المتطرّفة؛ مع الإشارة إلى ضعف مكانة الأخير في الأوساط الدينية المعتبر في عصره.
بعد وفاة ابن تيمية في العام 1328م بعدّة عقود، جاء محمد بن عبد الوهّاب (1703 ـ 1791)، الذي أطلق دعوته (الإصلاحية) من نجد في شبه الجزيرة العربية؛ لكن من المعروف أنه لم يكن فقيهاً أو حتى عالماً في عصره (كتبه تقتصر على النقل أو النسخ). إلاّ أنّه «تميّز بإثارته قضية البدع في الإسلام ووجوب محاربتها، وكانت تشمل زيارة القبور والتشفع بالأولياء وإقامة القبب والمقامات؛ أي بمعنى أن التوسل بغير الله كان شركاً في نظر محمد بن عبد الوهاب، والذي ركّز على بُعد التوحيد في العبادة (التوحيد الربوبي)، بموازاة التوحيد الإلهي، أي أنه لا شريك للخالق في الخلق وإدارة الكون.
لاقى محمد بن عبد الوهّاب رفضاً لدعوته، فهرب إلى منطقة الدرعية، حيث التقى بأميرها محمد بن سعود، ليتفقا سريعاً على تبادل الغطاءين الديني والسياسي؛ بمعنى أن ابن سعود سيؤمّن الحماية السياسية والدعم المالي لابن عبد الوهاب، والذي سيعطي بدوره الشرعية لحكم بن سعود (من خلال الفتوى)!
إذاً، حصل تزاوج سهل في حينه بين البعدين الديني والسياسي، في واقع قبائلي متخلف (حيث كانت تسود أعمال السطو والسرقة والقتل)، لتشكّل جماعة (إخوان نجد) القوّة العسكرية لهذا الحلف الهجين، والذي رفع شعار (الدم الدم الهدم الهدم) لتطهير شبه الجزيرة من مظاهر الشرك والبدع!
وكان انطلاق متزامن للدعوة الوهابية مع بناء الدولة السعودية الوهابية الأولى، والتي تعاقب على حكمها أربعة أمراء (1733 ـ 1818).




وبعد هدم الدرعية من قِبل إبراهيم باشا، الابن المتبنّى لوالي مصر، وإعدام أميرها، بدأت علامات لقيام الدولة السعودية الثانية (تركي بن فيصل)، وصولاً إلى حكم الملك عبد العزيز، مؤسس الدولة السعودية الثالثة، في العام 1924.
يُذكر أن عبد العزيز كان قد حقّق حلمه في تلك المرحلة بعقد اتفاقية حماية مع «بريطانيا العظمى»، والتي شملت نجد والحجاز والقطيف، كما حصل مع الاتفاقيات التي أبرمتها الكويت وسلطنة عمان مع الانتداب البريطاني في العام 1915.
وكانت السلطنة العثمانية قد اتخذت جانب ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الأولى، ليجد عبد العزيز الفرصة السانحة لعقد اتفاقية دارين مع بريطانيا (1915)، وليتحوّل حكم الملك (الذي كان أميراً على الرياض) إلى حكم وراثي  مستند إلى فتاوى وهابية جاهزة!
لكن، وبعد اكتشاف النفط في الأراضي السعودية، وارتباط الاقتصاد الغربي القوي به، وبروز تحوّلات كبيرة في شبه الجزيرة العربية، رفضها (إخوان نجد)، عاد التطرّف الوهابي بقوّة، وخاصة في قضية رفض البدع ومحاربتها.
في الزمن المعاصر، وبعد محاولة لاغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في العام 1954، واتهام حركة (الإخوان المسلمين) بالمحاولة، «هاجر»الكثير من كوادر الحركة إلى المملكة السعودية، والذين تسلّم بعضهم مناصب مهمة في الدولة؛ وتوثّق العلاقة بين الإخوان المسلمين والوهابية أدّى إلى تطور بنيوي في الفكر الوهابي، وكان عماده فكر سيّد قطب وأخيه محمد، الذي اعتُبر المؤسس لنظرية التكفير، والتي ارتكزت على أن الحاكمية لله تعالى وليس للقوانين الوضعية الجاهلية، حيث ينبغي تأسيس «العصبة الإسلامية» لبناء المجتمع الإسلامي الكامل!
لقد تحوّلت السياسة في تلك المرحلة إلى عقيدة، والعقيدة إلى سياسة (عقدنة السياسة وتسييس العقيدة). ولاحقاً، حصل صدام بين الوهابيين والإخوان المسلمين، أدّى إلى طرد قيادات الإخوان من المملكة، لتظهر لاحقاً حركات تكفيرية عنفية داخل السعودية، مثل حركة جهيمان العتيبي التي احتلّت الحرم المكّي في العام 1990، مُعلنة بدء عصر ظهور المخلّص!
وكان قلق آل سعود حينها من أن التلاقي أو التزاوج بين الفكر الإخواني ـ القطبي والوهّابية سينتج إقصاء لهم على أساس افتقادهم للمشروعية الدينية!
بعد انتشار الفكر الإلحادي عالمياً، وغزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، حصل توظيف أميركي لبعض الحركات التكفيرية، بالتواطؤ مع حكّام السعودية، بهدف طرد السوفيات من أفغانستان؛ وهذا ما حصل.
وقد تطورت الأمور لاحقاً إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، وانحسار نفوذ الحركات القومية والاستقلالية في المنطقة العربية، ليبرز مجدّداً دور القوى التكفيرية (الأفغان الغرب وأسامة بن لادن)، وخاصة بعد الغزو الأميركي للعراق (2003)، ولعب هذه الجماعات دوراً في قيادة «الجهاد العالمي» ضدّ الولايات المتحدة وأتباعها في المنطقة.
إذاً، انتقل «الجهاد» في تلك المرحلة من مهمّة محاربة الشرك إلى مهمّة محاربة الأنظمة الجاهلية والتابعة لبلاد الكفر، لينشأ فكر أو نهج تكفيري جديد جسّده أسامة بن لادن (الذي نظّر له سلمان العودة...) وأيمن الظواهري (الذي كان إخوانياً لسنوات طويلة).
وفي الستينات تحديداً، كان قد خرج تيار التكفير والهجرة من قلب السجون المصيرية، ليمارس فكر رفض الآخر وإزالته بشكل عملي، مثلما حصل فيما بعد في العديد من الدول العربية والإسلامية التي «فرّخ» فيها تيار التكفير.
وبعد حصول عمليات تفجير وهجمات داخل المملكة، بين عامي1994 و2003، وخروج الجماعات التكفيرية عن السيطرة، سعى قادة السعودية للتخلص من تلك الجماعات، التي كانت لسنوات طويلة تحت رعايتهم، يإبجاد «مسارب» لها خارج المملكة (البوسنة / العراق...)؛ وكان لهم ما أرادوا حين تأمّنت البيئة الحاضنة لتلك الجماعات الإرهابية في بعض البلدان التي استقرّت فيها، بذريعة دفاعها عن المسلمين هناك ضد القوى الأجنبية أو المحلية التابعة لها.
وهنا يجدر التوقف عند الدور الأميركي الخطير في استثمار ممارسات هذه الجماعات التكفيرية، خاصة بعد تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر 2001، والاحتلال الأميركي للعراق، حيث شهد هذا البلد، خاصة ما بين عامي 2004 و2005، تفجيرات دموية متبادلة طالبت المناطق السنية والشيعية، وبشكل ممنهج ومقصود، ما أوحى بوجود دور أميركي أمني وعملاني مباشر فيها، لإضعاف المقاومة ضد الاحتلال الأميركي وتقسيم العراق وإنهاك شعبه (بندر بن سلطان وجون نيغروبونتي كانا من أبرز القائمين على هذا المخطط)!
كما صبّت عملية تعويم أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتِل في العراق، من قِبل المخابرات الأردنية التي أطلقت سراحه من السجن في الأردن، في الإطار المذكور آنفاً؛ خاصة وأن الزرقاوي كان ينظّر لمقولة (العدو البعيد والعدو القريب)، حين بدأ باستهداف الشيعة في العراق بشكل دموي لم يسبق له مثيل.
وقد حصل خلاف بينه وبين بن لادن بسبب هذه المسألة، ليقرّه بن لادن فيما بعد على طريقته!
ووصلت الأمور في النهاية إلى أبو بكر البغدادي، الذي كان معتقلاً لدى الأميركيين في سجن (بوكا)، كما سلفه أبو عمر البغدادي. أما في سورية، فقد برز أبو محمد الجولاني، ليتمدّد المسار التكفيري بقوّة في هذه البلدين، تحت عيون الأميركيين والدول الموالية لهم.
وهنا بات يمكن التمييز بين تيارين تكفيريين رئيسيين:
ـ التيار الساعي للنكاية فالتمكين قبل إقامة الدولة الإسلامية (القاعدة).
ـ التيار الساعي فوراً لإقامة الخلافة على منهاج النبوّة (داعش).
وقد تمكن البغدادي، بعد إعلان خلافته المزعومة على مساحات شاسعة من الأراضي السورية والعراقية، في العام 2014 تحديداً، من إحراج التيار القاعدي المنافس له، حيث استقطب عشرات آلاف التكفيريين من مختلف البلدان، إلى «دولته الإسلامية»!
واليوم، وبعد ظهور علائم هزيمة البغدادي وسقوط خلافته المزعومة، وتشتّت أنصاره، تسعى «القاعدة» لاستثمار هذه الهزيمة في تأكيد صحّة مقولتها بأن لا خلافة من دون أرض (التمكين)؛ فيما يحاول أعضاء التيارين تأمين ملاجئ آمنة جديدة لهم بعد خسارتهم الساحتين العراقية والسورية، ولو في بلدان إفريقية بعيدة عن الموقع التاريخي للخلافة (بغداد/الشام)، بهدف إعادة تنظيم صفوفهم وتأمين مصادر تمويل جديدة لدعوتهم التكفيرية البائسة.
وعليه، يُتوقع عودة «داعش»، أو أية نسخة جديدة عنه، إلى ما يسمّى مرحلة النكاية، أي التنكيل بالعدو قبل إعلان «الدولة الإسلامية»؛ وهو يقدّر أن هناك في العراق بيئة حاضنة لا تزال صالحة لتطبيق هذه الرؤية، أي صحراء الأنبار تحديداً، فضلاً عن بقايا حزب البعث العراقي والعشائر السنّية المتشدّدة؛ وكذلك هي الحال في سورية!
إن المرحلة المقبلة، في ضوء المعطيات السابقة الذكر، وعلى قاعدة أن الولايات المتحدة والدول التي تدور في فلكها لم تنفك يوماً عن استغلال وتوجيه أغلب الجماعات التكفيرية بحسب مصالحها وتوجهاتها، وهي لم تحاربها بهدف إزالتها، ستشهد (تلك المرحلة) تصعيداً في النزاعات المذهبية، في عدّة بلدان عربية، والتي تسهم فيها بقوة وسائل إعلام مؤثّرة ومموّلة من دول أو جهات أمنية معروفة.
ونشير هنا إلى أن حملة مكافحة الحركات الإرهابية لم تصل إلى ساحات وسائل التواصل الاجتماعي إلاّ مؤخراً، وبما لا يصل إلى حدود الإقصاء الكامل لهذه الحركات عن تلك الوسائل المؤثّرة في الرأي العام (كانت الفيديوهات المنشورة تعلّم المتلقّين أساليب التفجير والاغتيالات بكلّ تفاصيلها).
وفي الختام، وممّا أمكن استخلاصه من التجارب المذكورة آنفاً، أن على الحركات الإسلامية الواعية، والقوى المتقاطعة معها، الإعداد بكل جديّة لإعادة تجديد وتنقيح التراث الإسلامي بكلّ جوانبه، وخاصة منه «فقه الجهاد» بهدف تحديد مكامن الخلل الكبرى في هذا المجال، وعدم الاكتفاء بتسويق نظرية المؤامرة الخارجية، التي لم يكن لها أن تنجح لولا وجود بيئة صالحة ومنافذ أو سمارب واسعة في داخل الجسم العربي والإسلامي المريض!
وبكلام آخر، على كلّ الدول والحركات والقوى المعنية بمواجهة جماعات التكفير وهزيمتها، أن ترسم استراتيجيات متكاملة وواضحة، بهدف تجفيف منابع قوّة هذه الجماعات، الفكرية والأيديولوجية والفقهية بالدرجة الأولى، ولإبعاد الشباب المسلم في البلدان الإسلامية عن تلك الجماعات التي شوّهت صورة الإسلام وقيمه الراقية، مستغلّة الفراغات الموجودة في تاريخنا الإسلامي، وانعدام التواصل المباشر بين القوى والحركات الإسلامية المنفتحة والمعتدلة.
ولا ننسى هنا دور الوهّابيين الخطير، خلال العقود الماضية، إيديولوجياً ومالياً، في استقطاب الملايين لصالح دعوتهم التكفيرية، في الكثير من البلدان الإسلامية، القريبة والبعيدة، وبما وفّر بيئة أو تربة صالحة وخصبة لنشوء الجماعات التكفيرية الإرهابية في ما بعد.
في المقابل، تجدر الإشارة هنا إلى محدودية الخبرات التي تمتلكها معظم الجماعات أو الحركات الإسلامية المناهضة للقاعدة وداعش والدول الداعمة لها، بالمسائل المرتبطة بالشبكة العنكبوتية، وبما أتاح للجماعات التكفيرية (وبتوجيه غربي) الهيمنة على الكثير من منابع ومصادر المعلومات التي تتدفق على هذه الشبكة طيلة الأعوام الماضية.
(مثال: البحث عن ابن تيمية أو الوهابية يُخرج كماً هائلاً من المعلومات، وبما يثير الشك حول إدارة غوغل نفسها).
وفي الختام، وعلى المستوى السياسي والاستراتيجي بالخصوص، فإن على الحركات المقاومة التي تتبنّى وتلتزم قضية فلسطين وقضايا الأمّة، من خلال رؤى واعية ومتكاملة، أن تبادر إلى مراجعة حساباتها وتصحيح أخطائها والعودة إلى مربّع المقاومة وعدم الانخراط في النزاعات العربية الداخلية•، مهما بلغت الضغوطات والمغريات، لأن المواجهة لا تزال مفتوحة وطويلة، ولأن التداعيات الهائلة التي تلقّتها الأمّة بسبب جهل بعض الحركات الإسلامية أو تطرّفها أو تبعيّتها لهذه الدولة أو تلك، يجب أن تُلزم الجميع بإعادة توجيه البوصلة، نحو الأعداء الحقيقيين لهذه الأمّة، بكلّ طوائفها ومذاهبها وتلاوينها.



2017-08-09 14:30:49 | 1471 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية