التصنيفات » دورات باحث » دورة اعداد باحث سياسي 2

ملخص محاضرة النائب الدكتور أيوب حميد – عضو كتلة التنمية والتحرير في البرلمان اللبناني بعنوان : تجربة حركة أمل


بتاريخ 11/8/2017، وفي إطار فعاليات الدورة التخصصية ـ 2، لإعداد باحث سياسي، حاضر سعادة النائب الدكتور أيوب حميّد - عضو كتلة التنمية والتحرير في البرلمان اللبناني، حول (تجربة حركة أمل)، بحضور المنتسبين إلى الدورة التخصصية، ورئيس مركز باحث للدراسات الدكتور يوسف نصرالله.
بدأ المحاضِر بمقتطفات من كلام للأمين العام لحزب الله، سماحة السيد حسن نصرالله، في تشرين الثاني 2000، حول المقاوم الأول، الإمام السيد موسى الصدر، والذي أدرك خطر الكيان الإسرائيلي قبل أن يحتلّ جنوب لبنان، وعمل على مواجهة هذا الخطر، سياسياً وعسكرياً وشعبياً.
لقد حذّر الإمام الصدر من الخطر الصهيوني، على فلسطين والقدس، قبل مجيئه إلى لبنان في العام 1959، من خلال إصداره لمجلة فصلية، ثقافية وسياسية، من قلب الحوزة العلمية في قم المقدّسة، حيث لم يكن الانشغال بالقضايا السياسية أولوية لدى القائمين على شؤون الحوزة أو الدارسين فيها.
وقد سعى الإمام الصدر•، الذي كان يمتلك ثقافة عالية ويجيد عدّة لغات أجنبية، بعد قدومه إلى لبنان بطلبٍ من السيد المرجع عبد الحسين شرف الدين، ليأخذ لاحقاً دوره في الاهتمام بشؤون أبناء الطائفة الشيعية وغيرهم من أبناء جنوب لبنان؛ وليمتدّ نشاط الإمام المؤسساتي والسياسي والشعبي لاحقاً نحو باقي مناطق لبنان.
وكانت مدينة صور، بتنوّعها الطائفي والمذهبي، مركز انطلاق نشاطات الإمام الصدر، ولتشهد من خلال التفاف كلّ أبنائها حول شعارات وأهداف الإمام الوحدوية والمعتدلة، على نجاح حركة الصدر وتطوّرها، حيث تمكن الإمام من معالجة العديد من الأزمات والقضايا الاجتماعية الصعبة والمزمنة، عبر المؤسسات التعليمية والتربوية والمهنية التي أنشأها، في صور وغيرها من المناطق المحرومة، والتي أهملتها الدولة اللبنانية منذ عقود، لأسباب طائفية وسياسية معروفة؛ إضافة إلى الظروف السياسية والأمنية التي كانت تضغط بشدّة على أهالي تلك المناطق ( الوجود الفلسطيني المسلّح وانعكاسات المواجهات العسكرية مع «إسرائيل» على الحدود الجنوبية وفي الجنوب عموماً).
لقد لعب الإمام أدواراً مختلفة في سبيل رفع الحرمان عن الناس في المناطق اللبنانية الأكثر معاناة، وصولاً إلى تأسيسه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والذي كان بمثابة (حاضرة وطنية)، ولو بعنوان مذهبي مماثل لباقي المؤسسات الإسلامية والمسيحية التي كانت موجودة آنذاك، وتحت رعاية الدولة اللبنانية المباشرة.
كان الإمام يعتبر محاربة الظلم والفساد والاحتلال والاستعمار من واجبات رجل أو عالم الدين الأساسية. فلا فصل بين الدين والسياسة والممارسة الأخلاقية الراقية.
وقد طرح الصدر، بعد خوضه في الكثير من المعضلات والمشكلات اللبنانية والإقليمية في حينه، عدّة قواعد أو مبادئ لحلّ الأزمات الداخلية المستفحلة:
1 ـ يجب إصلاح النظام الطائفي البغيض أو تغييره.
2 ـ العمل على إزالة أسباب الحرمان والفساد هو أولوية لا مجال للتهاون فيها.
3 ـ يجب إعداد قانون انتخابي متطور وعادل لإيصال ممثّلين واقعيين عن الناس إلى المجلس النيابي والسلطة السياسية.
4 ـ مقاومة العدو الإسرائيلي واجب على كلّ مواطن، كما على الدولة اللبنانية، واقتناء السلاح هو واجب على الجميع للدفاع عن لبنان.
في هذا السياق، كانت الوثيقة التاريخية الشهيرة لمثقفي لبنان، والتي أسّست لحركة المحرومين (ولاحقاً أفواج المقاومة اللبنانية ـ أمل)•، وشكّلت بوتقة صهر وطنية لمختلف الطوائف والمذاهب، بهدف حماية لبنان من المخاطر المحدقة به آنذاك (وهذا ما حصل بعد اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975) ومن ثم احتلال الكيان الإسرائيلي لجنوب لبنان، وانهيار النظام اللبناني وتفاقم النزاعات الداخلية؛ وكلّ ذلك كان قد حذّر منه الإمام الصدر، بل وتوقّعه أيضاً.
وتحدث المحاضِر عن رؤية الصدر العميقة والبعيدة المدى لخطر وجود الكيان الإسرائيلي، الذي أنشأه الاستعمار الأجنبي لغايات ومصالح اقتصادية وأمنية خاصة به. وكان الإمام الصدر يعتبر أن خطر استمرار واستقرار الكيان يتجاوز خطر إيجاده حتى؛ وهذا ما أثبتته كلّ الحروب التي شنّها هذا الكيان ضد الدول المحيطة به، فضلاً عن المشاريع والخطط التي أعدّها أو نفّذها داخل هذه الدول، وضد شعوبها وحركاتها المقاومة، بذريعة حفظ أمنه ومصالحه.
وكانت الحرب الأهلية في لبنان (1975 ـ 1990) من أبرز نجاحات الخطط الصهيونية المذكورة لتفتيت دول المنطقة وفرض الكيان كأمر واقع و«طبيعي» في ما بعد.
من هنا كان رهان الإمام الصدر في محلّه، حين دعا إلى الاعتماد على قدرات الشعوب وعدم انتظار الدول للقيام بواجباتها في الدفاع عن أراضيها ضد العدوان الصهيوني.
وكانت «أفواج المقاومة اللبنانية ـ أمل»، والتي كشف الصدر عن وجودها في ذكرى تأبين شهداء انفجار حصل في منطقة عين البنية لمقاتلين متدرّبين من (أمل)، في العام 1975، ليؤكد الإمام أن هدف (أمل) هو الدفاع عن الوطن وعن الناس، وليس المنافسة على الحصص الطائفية والمذهبية في البلاد.


وفي ردوده على مداخلات واستفسارات بعض المشاركين في الدورة التخصصية، ركّز المحاضِر على النقاط الآتية:
ـ تركيز الإمام على وضع الجنوب كونه المنطقة الأكثر حرماناً في لبنان، ولمجاورته للكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين، والذي دفع أو هجّر عشرات آلاف الفلسطينيين من بلدهم باتجاه جنوب لبنان و«أحزمة البؤس» في ضاحية بيروت الجنوبية والبقاع، وبما أدّى إلى تداعيات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة.
ـ أسهمت تجاوزات أصحاب القضية الفلسطينية وحملة البندقية، من مختلف فصائل منظمة التحرير، في تفاقم الأوضاع، وحرف البوصلة عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي؛ وهو ما كان يحذّر منه الإمام الصدر وعمل على منع حصوله، من خلال المواقف السياسية واللقاءات مع القيادات الفلسطينية ومع رؤساء الدول العربية، بهدف إجهاض مخططات الفتنة بين اللبنانيين والفلسطينيين في مهدها.
ـ هذا الدور الوطني والقومي الفاعل للإمام الصدر كان أبرز أسباب تغييبه وإخفائه في ليبيا، في أواخر شهر آب من العام 1978. ولا نستبعد اشتراك أنظمة عربية وأجهزة استخبارات أجنبية مع معمّر القذافي في مؤامرة اختطاف الإمام ورفيقيه.
ورغم كلّ الجهود التي بُذلت من قِبل قيادة حركة أمل، بعيد إخفاء الصدر وحتى تاريخه، فلا شيء مؤكداً حول مصير الإمام ورفيقيه. وهذا يعني أنه لا يزال حياً حتى يثبت لنا العكس. وما يزيد من غموض هذه القضية الإنسانية الكبرى، هو الواقع الليبي الذي انهار بعد سقوط ومقتل المسؤول الأول عن قضية الإمام الصدر، وبما صعّب الحصول على معطيات دقيقة وصادقة عما حصل للإمام إبّان تلك الزيارة المشؤومة له إلى ليبيا، والتي كانت تهدف لتأمين الدعم العربي لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان!
ـ «أمل» هي حركة إيمانية وليست دينية، بالمعنى الصرف للكلمة، وهي حركة وطنية، تسعى لمكافحة الحرمان والظلم والطائفية؛ وكذلك هي حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي أو أية قوّة تعتدي على الشعب اللبناني، بالتكامل مع كلّ القوى والأحزاب والحركات اللبنانية التي تتفق مع رؤى الحركة.
ـ موقف حركة أمل ممّا يجري في المنطقة من حروب ونزاعات هو موقف واضح. فلا مساومة على قضية المقاومة وأهدافها المشروعة؛ سواء في لبنان أو على المستوى الإقليمي الأشمل.
أما لناحية ترجمة هذا الموقف، فإن الحركة تسعى لعدم «استفزاز» أيّ دولة أو طرف متورّط في الصراعات الدائرة، بهدف إنجاح دور الوسيط، الذي تبنّاه رئيس الحركة، الأستاذ نبيه برّي، في ما يخص العلاقة السعودية ـ الإيرانية تحديداً، والتي تؤثّر بقوّة في مختلف النزاعات الإقليمية (سورية / اليمن/ العراق).
من هنا، فإن طبيعة المواقف السياسية التي تصدر عن الحركة ووسائلها الإعلامية تخضع لهذا المعيار «المعتدل والوسطي» الذي ذكرناه آنفاً، من دون أن يُبعد هذا المعيار «أمل» عن مواقفها وثوابتها قيد أنملة.
ـ حركة أمل تدعو دائماً، وبكلّ مودّة وحرص وصدق، الأخوة الفلسطينيين من مختلف الفصائل والحركات، السياسية والمقاومة، لتوحيد الصفوف وإنهاء الانقسام الخطير السائد منذ سنوات، والذي لا يخدم إلاّ عدوّ الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، أي الكيان الصهيوني.
وإن تجربة (حرب المخيّمات) التي حصلت في لبنان، بين عامي 1985 و1988، والتي لن تتكرر أبداً، هي خير شاهد على خطورة النزاعات الداخلية، مهما كانت مبرّراتها، على تماسك وقوّة أيّ مجتمع؛ هذا مع الإشارة هنا ـ وبمرارة ـ إلى أن السبب الرئيسي لما حصل آنذاك (برأينا)، هو محاولة القيادة الفلسطينية العودة إلى لبنان عسكرياً وسياسياً، بعد خروجها «المؤسف» منه، بفعل تداعيات الاجتياح الإسرائيلي للبنان و(بيروت) في العام 1982.
ـ قضية تدهور الأوضاع الاجتماعية والإنسانية للاّجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، هي قضية حركة أمل وكلّ القوى السياسية المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية. لكن هناك عوامل كثيرة، وخارجة عن نطاق القدرة على معالجتها، سواء من قِبل القوى السياسية في لبنان أو من الدولة اللبنانية، أسهمت في تفاقم أوضاع اللاجئين، وأبرزها مسألة النزوح السوري الهائل، على خلفيّة الحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من ستة أعوام، وتدهور الأوضاع في لبنان نفسه•، على عدّة صعد؛ فضلاً عن الأبعاد السياسية والأمنية الواضحة في هذه المسألة، والتي تسعى حركة أمل (مع حزب الله وغيره) للحدّ منها قدر الإمكان بهدف تعديل أو إقرار قوانين تتيح للفلسطيني المقيم في لبنان المزيد من فرص العمل والعيش بكرامة، حتى حلول موعد عودته إلى بلاده.
ـ حالات الفساد المتفشية في الجسم اللبناني، مجتمعاً وأحزاباً وسلطة سياسية وإدارية، هي حالات خطيرة ومرفوضة من قِبل حركة أمل، والتي لا تنزّه نفسها عن بعض هذه الحالات. لكنها تعتبرها حالات شاذة في جسم الحركة، وهي تعمل على الحدّ منها أو معالجتها، برغم إدراكها للعوامل والظروف المساعدة أو المحفّزة لانتشار حالات الفساد، بل واستفحالها في بعض المواقع.
فالضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تُعتبر معقلاً للمقاومة ومدرسة لتخريج المقاومين والشهداء، طيلة عقود، باتت ـ مع الأسف الشديدـ في الآونة الأخيرة موئلاً لبعض العصابات أو الأشخاص المجرمين أو الخارجين عن القانون، فضلاً عن فارضي الخوّات على الناس، والمستقوين بجذورهم العشائرية، بموازاة غياب أجهزة الدولة (المقصود ربما) عن معالجة هكذا حالات أو آفات، لم يعد السكوت عنها مقبولاً؛ مع العلم بأن حركة أمل وحزب الله لا يغطّيان هذه الحالات الشاذة، كما يشيع المغرضون مراراً وتكراراً.
ـ فيما يخصّ العلاقة بين «أمل» و«حزب الله»، يمكننا التأكيد بأنها تتجذر يوماً بعد يوم، وهي علاقة بين إخوة سلاح ودين ووطن واحد. وهذه العلاقة أثمرت الكثير من الإنجازات السياسية والواقعية، وباتت مثالاً يثير غبطة أو حسد الكثيرين.
وقد طوت الحركة والحزب صفحة الاقتتال الداخلي المؤسف، إلى غير رجعة. وهما اليوم يتعاونان في الكثير من المسائل الداخلية، حيث يظهران كقوّة واحدة في أغلبها، مع الإشارة (رداً على سؤال من أحد الحاضرين في الندوة) إلى أن قيادتا الحركة والحزب ترفضان أية ظواهر سلبية ومسيئة لتاريخ ومسيرة الحزب والحركة، من خلال بعض مظاهر التعصب والتطرّف البغيض التي تبرز في كلّ مرحلة.




2017-08-14 15:46:26 | 1949 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية