التصنيفات » مقالات سياسية

قراءة في خيار عقد المجلس الوطني الفلسطيني


محمود إبراهيم
باحث فلسطيني


      يبدو مشهد تجديد مسيرة المفاوضات برعاية أمريكية، في إطار الجهود التي بدأتها إدارة دونالد ترامب، معقّداً، لعدّة أسباب، أولها عدم جدّية الكيان الصهيوني وعدم استعداده لتنفيذ الاتفاقات التي أبرمها سابقاً مع الجانب الفلسطيني، لأن تنفيذها (في ذهن اليمين الصهيوني الحاكم) يُعتبر مدمّراً لفكرة الدولة اليهودية، وأن البديل يكون بالذهاب إلى حل إقليمي يقفز على مطالب الجانب الفلسطيني، ويفرض عليه القبول بما سيُطرح عليه إقليمياً؛ والسبب الآخر هو الانحياز الأمريكي للرؤية الإسرائيلية وتبنّي منطقها وأولوياتها، بحرف المسار التفاوضي عن القضايا الجوهرية وإشغال التحركات السياسية بفرعيات من شأنها أن تُكسب العدو المزيد من الوقت وتبعده عن الالتزام بأيّ استحقاق جديد، فيما يتواصل في المقابل فرض الأمر الواقع الاستيطاني..!
     لقد اعترفت القيادات الفلسطينية منذ زمن أنه لا رهان بعد على مواقف الإدارة الأمريكية التي تقوم برعاية المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن هناك تراجعاً في الموقف الأمريكي الذي يعمل على إدارة الأزمة فحسب؛ وهو الموقف الذي أكد عليه مؤخراً جمال محيسن، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح. 
      وهذا ما أشارت إليه أيضاً عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، بعد اجتماع اللجنة الأخير، حين أكدت بأن الإدارة الأمريكية اتخذت مواقف داعمة بشكل كامل للحكومة الإسرائيلية،ولم تقرّ بحلّ الدولتين، ولم تعمل على وقف الاستيطان، معتبرة أن عدم وجود مفاوضات حتى اللحظة هو نتيجة لهذه السياسات والمواقف ومؤكدة بأن المفاوضات منذ عام 1991 حتى اللحظة لم تؤدّي إلاّ إلى المزيد من الاستيطان والتدهور على كلّ الصعد.
وأضافت عشراوي: «إن المفاوضات ترتبط بطبيعتها ومرجعيتها وأهدافها. ولكن في ظل حكومة يمينية متطرفة، فإنها ترفض مرجعية عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية وحلّ الدولتين على حدود الرابع من حزيران لعام 1967». وتابعت: «نحن نريد تغيير الطريقة العملية التفاوضية بشكل كامل؛ وبالتالي نريد وضوحاً كاملاً في مرجعية القانون الدولي واتفاقاً على الهدف الذي يتمثل في إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، مع حلّ عادل للاّجئين»!
 وأمام انسداد الأفق التفاوضي مجدّداً، ينوي الرئيس محمود عباس  الذهاب إلى الأمم المتحدة في الخريف القادم، للمشاركة في الدورة (72) لها، مع حاجته، كما في المّرات الماضية، للذهاب بموقف فلسطيني موحّد، ومتسلّحاً بشرعية متجددة! ففي المرّة الماضية، وقبل أن يذهب عباس لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية والقرار الأممي حول اللاجئين (194)، انتزع موافقة من حماس وتأييداً لتحرّكه؛ لكن اليوم، وفي أجواء عدم القدرة على حشد موقف فصائلي موحّد، وللقفز على التفاهمات التي تمّت بين حماس ومحمد دحلان والرعاية المصرية لها، وتفاقم مشاكل قطاع غزة، يسعى عباس لعقد المجلس الوطني للتسلّح بشرعيته وتجديد قيادة منظمة التحرير، باعتبار أنها الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني! وهذا التوجه بات حاجة ملحّة لعباس، خاصة بعد الزيارة التي قام بها الملك الأردني إلى رام الله، والتوجهات التي أعلنت بعدها لعقد المجلس الوطني  لتأكيد شرعية المنظمة بعيداً عن مناكفات الفصائل، وخاصة حماس؛ وهذا يستدعي منّا العودة إلى ردّ القيادة الفلسطينية قبل حوالي عامين على خطة (الرباعية العربية) لتوحيد حركة فتح وإنهاء الانقسام الفلسطيني، والذهاب إلى تحرّك سياسي جديد على أساس المبادرة العربية للسلام مع بعض التعديلات؛ في ذلك الوقت ذهب عباس إلى رفض التدخل الخارجي، وعقد المؤتمر السابع لحركة فتح خلال شهر لقطع الطريق أمام فرص عودة محمد دحلان إلى صفوف حركة فتح بضغوط عربية؛ وهو نجح في ذلك. واليوم يريد عباس أيضاً مواجهة عودة دحلان إلى الساحة الفلسطينية كرقم يقيم تحالفات مع أكبر خصوم عباس، وهو حركة حماس؛ فعباس يريد مواجهة هذا الحضور الخطير لدحلان بمحاصرته على المستوى الفلسطيني، عبر تجديد شرعية قيادة منظمة التحرير، لقطع الطريق أمام دحلان لفرضه كطرف سياسي، وربما كبديل لعباس؛ أي أن عباس يريد وضع المزيد من العراقيل والقيود أمام التدخل العربي وإمكانية فرض قيادات بارادة من الخارج؛ لكن من غير المعلوم إلى أيّ مدىً يمكن أن ينجح في ذلك، خاصة أن الأوضاع اليوم مختلفة عن السابق؛ فالدور العربي فرض نفسه كحاجة إقليمية ودولية؛ والدول العربية والغربية المعنية قد لا تنتظر طويلاً؛ وربما كانت تفاهمات حماس دحلان أحد مظاهر عدم الانتظار هذا، لأن حاجات دول الإقليم (بتحالفاتها الجديدة – القديمة) أصبحت أكثر إلحاحاً للاصطفاف في مواجهة محور المقاومة؛ ولم تعد القضية الفلسطينية أولوية عربية وإقليمية، أو حتى دولية، مع تقدّم أولوية محاربةً الإرهاب؛ وهو ما يؤسّس لمزيد من القلق الفلسطيني الرسمي على مستقبل حلّ الدولتين، مع تقدّم الحديث عن الثلاث دول( مصر – الأردن- إسرائيل) كحل إقليمي يتم من خلاله إنهاء القضية الفلسطينية، وتذويب العنصر الفلسطيني في الاقليم، تتويجاً للهدف الصهيوني بعدم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ودفن حلّ الدولتين، وتأكيد الرواية الصهيونية (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) وتكريس «يهودية الدولة الصهيونية»؛ وبما يعني ترحيلاً لمسؤولية الفلسطينيين إلى دول الجوار!
هذه الأجواء القاتمة هي التي فرضت استعجال اجتماع الهيئات القيادية، كاللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. فقد عقدت اللجنة المركزية لحركة فتح مؤخراً اجتماعاً هاماً تبنّت فيه خيار عقد المجلس الوطني، كمهمة وحلقة مركزية في مواجهة التحديات أمام الشعب الفلسطيني وقيادة منظمة التحرير والحكومة؛ لاسيّما وأن الأحداث الاخيرة في القدس، والتداعيات الناجمة عنها، ومواجهة تراجع فرص المصالحة (مع حماس)، واقتراب موعد عقد الدورة ال72 للأمم المتحدة خلال الشهر القادم، وضرورة الاستعداد لها بشكل مدروس، لجهة إمكانية انتزاع قرارات دولية ترفع من مكانة القضية والشعب الفلسطيني مجدداً.
وهنا جرى الحديث من قِبل قيادة السلطة والمنظمة عن استعجال عقد المجلس الوطني وإعطاء الفرصة لمن يشارك من الفصائل، لكن من دون انتظار مشاركة الجميع. ومن يرفض المشاركة فسوف يتحمل مسؤولية عزل نفسه وتخلّفه عن الركب! وتتسلح المصادر الفلسطينية القيادية هذه بالرأي القائل إن  الطاقات الكبرى للشعب الفلسطيني موجودة خارج الفصائل، وإنه لا يمكن إعطاء أيّ فصيل حقّ الفيتو لتعطيل انعقاد الجلسة العادية للمجلس الوطني؛ مع الإشارة إلى أن حماس - على سبيل المثال - ممثّلة في المجلس الوطني الفلسطيني من خلال العضوية الطبيعية لأعضائها في المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية.
وفي الختام، يبدو أن ساعة انعقاد المجلس الوطني قد أزفت بالنسبة للقيادة الفلسطينية، وبشكل أكثر إلحاحاً هذه المرّة!.
 


   


2017-08-16 12:29:25 | 2588 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية