التصنيفات » مقالات سياسية

اليمين الصهيوني والحقوق الفلسطينية


محمود ابراهيم
باحث فلسطيني
     
 منذ سقوط القدس في العام 1967، أخذت أفكار اليمين الصهيوني وادعاءاته تملأ الساحة الإعلامية. وقد شكّل الاستيطان رافعة لهذا التيار، الذي اعتبر أن السيطرة على الأراضي المحتلة عام 1967 هي عملية تحرير لأراضي «إسرائيل» التاريخية! وفي هذه المناخات صدر (قانون أساسي) يعلن ضم القدس وإعلانها عاصمة أبدية وموحّدة للكيان الصهيوني؛ هذا الخطاب عزّز من حضور اليمين المتطرف واتساع قاعدته، الأمر الذي قاد إلى الإنقلاب الذي أحدثه انتصار تكتل اليمين بزعامة مناحيم بيغن في انتخابات عام 1977، لأول مرّة في تاريخ الكيان. ومنذ ذلك التاريخ واليمين في تقدّم متواصل؛ وبشكلٍ موازٍ له أخذ التيار الديني الأكثر تشدداً بالنمو، والذي ترك بصماته على اليمين القومي، لينقله نحو المزيد من الطقوسية والتاريخانية؛ وتُعتبر حكومة بنيامين نتنياهو الحالية الأكثر تعبيراً عن هذا التحالف، والذي انقلب على رؤية الكيان للتسوية عبر (حلّ الدولتين) وأفرغه من مضمونه، وهو يسير حثيثاً نحو إلغائه من التداول، في ظلّ إدارة أمريكية متواطئة وتتبنّى بالكامل الخطاب الصهيوني اليميني المتشدد؛ فهي انقلبت على المواقف التقليدية للإدارات السابقة. وبدا ذلك واضحاً في موقف إدارة دونالد ترامب من موضوعي الاستيطان وحلّ الدولتين؛ وبالتالي فإن كلّ ما يُقال عن إمكانية للتوصل إلى شكل من أشكال التسوية مع الفلسطينيين ليس إلاّ لتبديد للوقت، للوصول إلى مرحلة تكون القيادة الصهيونية الحاكمة قد نفذت كلّ توجهاتها بفرض الأمر الواقع الاستيطاني، المستند إلى أطروحات اليمين الصهيوني القومي التقليدي بطبعته الجديدة، والتي تقترب أكثر فأكثر من الصهيونية الدينية المتشددة، والتي تطالعنا بين حينٍ وآخر بتصريحات وقوانين تعبّر عن التطلعات التي تسعى إليها وتعلنها بشكل واضح وغير مسبوق. وهذا يمكّننا من القول بأنها الصهيونية الجديدة بطبعة متطرفة، قومياً ودينياً.
       وآخر تجليات هذا التوجه كان تبنّي حركة الاتحاد الوطني "هئيحود هليئومي"، في مؤتمرها الذي عقِد مساء الثلاثاء، في 12-9-2017، "خطة الحسم". وهي الخطة السياسية التي قدّمها عضو الكنيست من 'البيت اليهودي'، بتسلئيل سموتريتش، والذي يقود الحركة التي تعدّ إحدى مركّبات حزب "البيت اليهودي" الذي يرأسه وزير التعليم نفتالي بينيت، ويتلخص مشروعه السياسي بتصفية القضية الفلسطينية، من خلال فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة وتكثيف الاستيطان وحلّ السلطة الفلسطينية وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة إلى خارج فلسطين التاريخية.
   وكشف سموتريتش أن خطّته مستوحاة من "الإنذار" الذي بعث به النبي يوشع بن نون عشيّة اقتحامه مدينة أريحا قبل ألفي عام؛ ويقول إن يوشع بن نون أنذر أهل أريحا بأنه "من هو مستعد بالتسليم بوجودنا هنا فليسلّم بذلك، ومن يريد المغادرة فليغادر، ومن يختار القتال فعليه أن ينتظر الحرب".
  
 ودافع سموتريتش عن خطته السياسية، التي تتركز في جوهرها على التطهير العرقي للفلسطينيين، زاعماً أن «إسرائيل» ستبقى من خلال هذه الخطة دولة ديموقراطية، ومؤكداً أنه لا يوجد فرق جوهري بين (خطة الحسم) التي طرحها والبرنامج السياسي لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عنه قوله: "أيضاً نتنياهو لن يمنح الفلسطينيين السيطرة على الحدود والأجواء البرية والبحرية. كما أنه لا يعطيهم جيشاً، ولا يوجد لهم الحق بالتصويت لبرلمان صاحب سيادة ".
     وقد حظيت "خطة الحسم" بدعم نتنياهو، الذي بعث بتحيّة مسجّلة لمؤتمر الحركة خلال مناقشة الخطة والتصديق عليها، والذي تم بغياب رئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت. لكن الكثير من أعضاء الحزب شاركوا الاتحاد الوطني المؤتمر وإطلاق مشروع الترانسفير.
      وتهدف الخطة لشطب الرواية الجماعية للفلسطينيين مقابل فرض الرواية الإسرائيلية، والغرس في ذهنية الفلسطيني بأنه لن تُقام ولا بأيّ حالٍ من الأحوال دولة أو سيادة عربية في "أرض إسرائيل".
      تقترح الخطة على الفلسطينيين ثلاثة بدائل: الأول أن يتنازل الفلسطينيين عن الحقوق الديموقراطية، ويمتنعوا عن تحقيق تطلعاتهم الوطنية، مع السماح لهم بالعيش في (دولة اليهود)، لكن دون السماح لهم بالتصويت في الانتخابات والمشاركة السياسية في الكنيست.
      أما البديل الثاني للخطة، فهو الترانسفير لكلّ من يرفض المقترح الأول والعيش في (الدولة اليهودية) بموجب الشروط التي يتم تحديدها، بحيث تقترح حركة الاتحاد الوطني على كلّ فلسطيني يريد الهجرة ويقبل بالترانسفير المساعدة المالية بغية توطينه في الدول العربية.
     ومن يرفض، فإن البديل الثالث سيكون القمع والتصفية من قبل قوات الأمن الإسرائيلية في حال قرّر مواصلة مقاومة الاحتلال الصهيوني.
 
وقال سموتريتش: إنه لن يكون هناك سلام بين إسرائيل والفلسطينيين "طالما سيبقى المفهوم الأصلي، الذي بموجبه فُرض على هذه البلاد أن تحوي مجموعتين سكانيتين لديهما تطلعات قومية متناقضة"؛ وأضاف: "يوجد هنا مكان لتقرير المصير وتحقيق التطلعات القومية لشعب واحد فقط، هو الشعب اليهودي؛ هذا عادل وأخلاقي، وهو ما سيحدث. وهذا ليس قابلاً للتفاوض، وسأقتل أملهم بتطلعات قومية؟ فلسطينيون؟ ليس هنا، وليس على حسابنا"، داعياً إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية كلّها.
     يُشار في هذا السياق إلى أن رئيس "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، يطالب بفرض السيادة الإسرائيلية على المنطقة "ج" التي تعادل مساحتها 60% من مساحة الضفة الغربية، والغالبية الساحقة من أراضي هذه المنطقة هي تحت نفوذ المستوطنات أو مناطق عسكرية مغلقة.
       وتدعو خطة سموتريتش إلى حلّ السلطة الفلسطينية، وإقامة "الحكم الذاتي للضفة الغربية"، بحيث يكون مقسّماً إلى ستة ألوية إقليمية، هي الخليل وبيت لحم ورام الله وأريحا ونابلس وجنين، ولا يكون للفلسطينيين حقّ الانتخاب للكنيست.

من جهة أخرى، دعا ما يسمّى بـ "المركز الدولي اليهودي الإسلامي للحوار" إلى مؤتمر سيعقده، تحت عنوان "مؤتمر الخيار الأردني – الأردن هي فلسطين"، في "مركز تراث مناحيم بيغن" في القدس، في 17 تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
      وبحسب الدعوة لهذا المؤتمر، فإن هدفه هو "الإعلان عن حكومة الظل الأردنية برئاسة المعارض والمفكّر والسياسي الدكتور مضر زهران"، وأن ذلك يأتي "تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية في الأردن".

   وفي أعقاب جولة الوفد الأمريكي الذي يجهد لرسم معالم (صفقة القرن) التي تهدف إلى إنجاز تسوية تصفوية للقضية الفلسطينية بغطاء إقليمي،   قال نتنياهو، في الذكرى الخمسين للاستيطان في الضفة الغربية الشهر الماضي: "الضفة الغربية مستقبلنا"... "نحن هنا لنبقى" ... "لن تُفكَّكَ أية مستوطنة ولن يُرحّل أيّ مستوطن" ... 
 وواضح أن جوهر هذا الموقف يقوم على رفض (حلّ الدولتين) الذي قال  نفتالي بينيت، زعيم البيت اليهودي المشارك في حكومة نتنياهو، إنه دِفن مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة، ومنذ اللحظات الأولى التي أعِلن فيها عن فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية.
     هذا مع عدم إغفال تصريحات "إيليت شاكيد"، وزيرة العدل في حكومة نتنياهو وعضو حزب "البيت اليهودي" والمعروفة بعدائها السافر للفلسطينيين، والتي تقف وراء مجموعة القوانين العنصرية التي قدّمتها أو شاركت في تقديمها، حيث لعبت  دوراً مهماً في مصادقة حكومة العدو على مقترح قانون القومية ، الذي يقضي بتعزيز ما يُسمّى الطابع اليهودي لدولة «إسرائيل»، باعتبارها "البيت القومي للشعب اليهودي".
  وشاكيد معروفة بتحريضها الشارع اليهودي على "إبادة جماعية للفلسطينيين" وذبح أمهاتهم "لأنهن ينجبن مقاتلين"، وعلى قتل أطفال الفلسطينيين، واصفة إياهم بالثعابين الصغار؛ والتي على وقع مواقفها أقدم المستوطنون على إحراق الطفل الفلسطيني أبو خضير، في العام 2014.
       إن العدو يسير حثيثاً لتنفيذ خططه. وما تعاطيه مع التحركات السياسية إلا للالتفاف عليها وإفراغها من أيّ مضمون يمسّ جوهر الموقف الصهيوني اليميني المتشدد، الذي لا يرى للفلسطينيين أية حقوق سياسية .. على "أرض إسرائيل" "التاريخية"!
 ... وما  يسعى له العدو هو شراء المزيد من الوقت، لاستكمال أهدافه في الضفة الغربية، عبر "تسمين" المستوطنات وزيادة عدد المستوطنين، وفرض التهويد و”الأسرلة” كحقائق واقعية وثابتة، في ظلّ إدارة أمريكية تتجه نحو تبنّي وجهة نظر رئيس وزراء الاحتلال " بنيامين نتنياهو"، ومواقفه بالكامل؛ وهو ما يتضح من الأفكار والمقترحات التي تتضمنها الورقة الأمريكية التي يجري الحديث عنها، حيث أن "أقصى" ما تقترحه الولايات المتحدة على الجانب الفلسطيني في المرحلة الحالية، هو "حكم ذاتي كامل، وليس حلّ الدولتين"؛ فخيار "حلّ الدولتين" غير واقعي بالنسبة للإدارة الأميركية الحالية، التي لا تريد مواجهة نتنياهو بأيّ حال من الأحوال، وستطلب من الطرف الفلسطيني إظهار الليونة بحجة أن ظروف الفلسطينيين الداخلية والأوضاع الإقليمية لا تسمح بتقديم تنازلات كبيرة لهم.
وتتوقع الورقة الأميركية من “إسرائيل” تقديم بعض التنازلات، من ضمنها تسليم أجزاء من مناطق “ج” و“ب” للفلسطينيين، مع منحهم تسهيلات اقتصادية، لصرفهم عن المطالب  السياسية.
 وتعتقد الإدارة الأميركية أنها تستطيع الضغط على الفلسطينيين لقبول مقترحاتها، عبر ما يسمّى "الحلّ الإقليمي"، مستعينة بحلفائها من الحكّام العرب .
     يبدو من كلّ ما تقدم أن خيارات الجانب الفلسطيني تضيق مع الوقت، وأن فرص تطبيق حلّ الدولتين تكاد تنعدم. فيما قيادة السلطة  بأن أيّ حلّ للقضية الفلسطينية يجب أن يقوم على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها شرقي القدس المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس المحتلة؛ مع إمكانية القبول بتعديلات طفيفة على الحدود وباتفاق الطرفين، وإيجاد حلّ لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس قرارات الشرعية الدولية، خاصة القرار 194.
   لكن كلّ ذلك غير وارد عند الصهاينة والأمريكيين. فخيار التسوية الذي مضى على تبنّيه عقود من الزمن ثبت أنه عقيم، وأنه كان خياراً كارثياً على الشعب الفلسطيني، حيث قدّم التضحيات طوال مراحل إنجاز التسوية المستحيلة أضعاف ما كان يمكن تقديمه في ظلّ خيار الكفاح المسلح ومواصلة مقاومة الاحتلال وفرض التنازلات عليه تحت ضغط الميدان.
 


2017-09-15 09:54:21 | 2225 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية