التصنيفات » مقالات سياسية

سياسة قطر تجاه تركيا .. الدوافع والأهداف

سياسة قطر تجاه تركيا .. الدوافع والأهداف


محمد عوده الأغا – باحث في الشأن الإقليمي
 
ليس من السهل تحديد هدف السياسة الخارجية لدولة من الدول، فنادراً ما تكون الأهداف الحقيقية معلنة، كما أن الأهداف ليست واحدة بل متعددة مختلفة ومتنوعة، واختلافها وتنوعها يرتبط بطبيعة الدولة نفسها وطبيعة المنطقة الكائنة فيها وطبيعة قوة الدولة، وعوامل أخرى.
برغم ذلك فإن السياسة الخارجية تهدف، وبوجه عام، إلى تعزيز مكانة الدولة بين أعضاء الأسرة الدولية، لذا ينبغي لأي دولة ترغب أن يكون لها رؤية ودور مؤثر في النظام الدولي، أن تضع في حساباتها تحقيق هدفين رئيسين؛ الأول هو الاستفادة من السياسة الخارجية في توطيد العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول محددة؛ لتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية والتي تعود بالنفع المباشر على المواطن، والهدف الثاني يكمن في بلورة وضع متميز لهذه الدولة والظهور كفاعل مهم في الساحة الدولية، وفق ما تمتلك من مصادر قوة تشارك فيه أقطاب صاعدة لا أن يظل المجتمع الدولي منغلقاً على سيطرة الفاعلين الكبار.
وعلى هذا الأساس سنحاول تحليل دوافع وأهداف سياسة قطر تجاه تركيا.
إن قطر من منظور المساحة وعدد السكان تعتبر من الدول الصغيرة، ومن منظور عناصر القوة المتاحة لديها وخصوصاً القوة الاقتصادية -باعتبارها من عناصر القوة الصلبة-، يمكن وضعها في صف الدول المؤثرة، إلا أن تلك القوة الاقتصادية التي تمكن قطر من إدارة سياسة خارجية ودبلوماسية نشطة، لا تشكل وحدها عوامل القوة في الدول المعاصرة.
لذا عند محاولة فهم السياسة الخارجية القطرية، فإننا نجد أن لها نمطاً مميزاً، يعكس مخاوفها، ومصالحها، ويمتاز في جزء كبير منه بغياب تأثير الأيديولوجيا، وغلبة الطابع البراغماتي، فقطر لها وضع مختلف خلال العمل السياسي الخارجي الذي تتبعه لتحقيق مصالحها، ويصف الكثير ذلك السلوك "بالمثير للجدل".
ويكمن سر ذلك السلوك المثير للجدل، في أن صناع القرار في الدوحة قرروا بأن تلعب قطر دوراً مؤثراً على الساحة الإقليمية والدولية، رغم كل المتغيرات التي تحيط بها.
إن المتغيرات الدولية والإقليمية تؤثر بشكل كبير على السياسة القطرية؛ حيث بدأت قطر تستوعب المتغيرات التي تحدث في العالم، بهدف لعب دورٍ إقليميٍّ وعالميٍّ، وأنتجت تلك المتغيرات الدولية والإقليمية، استجابةً سلوكية قَطرية متباينة، أو حتى متناقضة في كثيرٍ من الملفات، غير أن تلك المحاولة تواجه معارضة إقليمية خاصة من جانب القوى الإقليمية التقليدية.
وعليه تحركت قطر في سياستها الخارجية من خلال اللعب على التناقضات، ونسج شبكة من العلاقات الواسعة، تتميز في بعضها بالتنافس، وترتقي تلك العلاقات في بعض الأحيان لدرجة التعاون، لكن الملفت للنظر، وصول تلك العلاقات لدرجة التكامل خصوصاً مع تركيا، مما أثار تساؤلاً حول سر ذلك التكامل؟
بدأت العلاقات القطرية-التركية بالانتقال من مستوى التعاون الذي كان ظاهراً بقوة في العلاقة بين البلدين لفترة طويلة، إلى مرحلة التكامل خصوصاً بعد أزمة الانقلاب على الديمقراطية التركية، حيث برزت قطر كأول دولة تقف بشكل واضح، وفي الساعات الأولى، وعلى أعلى مستويات الهرم القيادي، إلى جانب الديمقراطية التركية، في محاولة الانقلاب الفاشل على نظام الحكم في منتصف يوليو 2016.
وفي خضمّ أزمة المقاطعة لقطر التي بدأت في يونيو 2017، قامت تركيا بدورها وأبدت دعماً كبيراً لقطر، ورفضت الإجراءات العقابية المتخَذة ضدها، ووقّع الجانبان اتفاقية أرست لها اتفاقية سنة 2014، وفُتحَت بموجبها قاعدة عسكرية تركية في قطر، وأقيمت تدريبات عسكرية مشترَكة، كما نصّت الاتفاقية على إمكانية نشر قوات تركية على الأراضي القطرية.
وخلال الأزمة التي تعرضت لها الليرة التركية أعلنت قطر توقيع اتفاق لتبادل العملات بين بنكَي قطر وتركيا المركزيَّين، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ثم استثمار 15 مليار دولار في البنوك والأسواق المالية التركية، في وقت كانت فيه العملة التركية فقدت خلال 2018 نحو 40 في المئة من قيمتها.
ومؤخراً في نوفمبر 2019 اجتمعت في قطر اللجنة الاستراتيجية العليا القطرية-التركية وهو لقاء القمة السادس والعشرين خلال ستين شهراً، حيث أثمر الاجتماع عن عدة اتفاقيات تضاف لاتفاقيات سابقة في عدة مجالات، ومن الناحية الاستراتيجية يعد الاستثمار القطري في التصنيع العسكري التركي هو أبرز نتائج تلك الاتفاقيات.
ولذلك يتضح لنا بما لا يدع مجال لشك، أن العلاقات القطرية-التركية أكبر من أنها علاقة إستراتيجية تعاونية، بل هي علاقة فريدة من نوعها، تصل لحالة التكامل والانسجام، إذ أظهر التنسيق بين البلدين أن هناك تطابق بوجهات النظر في كثير من القضايا، ولم يقف الأمر عند حد التطابق بل العمل المتكامل والممنهج في القضايا ذات الاهتمام المشترك على الساحة الإقليمية والدولية.
واستناداً لكل ما سبق، يمكننا تصنيف الأهداف والدوافع القطرية في سياستها تجاه تركيا لمحورين رئيسيين:
الأول: التنمية الاقتصادية الاستراتيجية المشتركة.
حيث تضمن تنويع مصادر دعم اقتصادها، وتحقيق استراتيجيات اقتصادية طويلة الأمد، لاستدامة الرفاهية المجتمعية.
ثانياً: تعزيز التحرك السياسي الدولي لقطر.
بحيث ضمان أمنها القومي، وضمان عدم الرضوخ لإملاءات إقليمية ودولية، وتحقيق التوازن في العلاقات في ظل الناقضات الدولية.

 

2020-01-28 10:57:38 | 692 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية