التصنيفات » مقالات سياسية

كورونا وما تركته من أثر على الطبقة الفلسطينية العاملة

كورونا وما تركته من أثر على الطبقة الفلسطينية العاملة

ناصر دمج (*)

 استهلال

مما لا شك فيه أن تفشي وباء كورونا كوفيد (19) المستجد، أضاف تعقيداً جديداً إلى حياة العمال الفلسطينيين والعاملات، وعزز ما قبله من معيقات وتعقيدات، وفي مقدمتها البطالة التي لا تتوقف عن التعاظم والارتفاع السنوي، حيث تجاوز معدلها حد الــ 45٪ في قطاع غزة و27٪ في الضفة الغربية، الأمر الذي تسبب بانحطاط دخل الفرد وتدهوره تباعاً خلال العقد الأخير، ليستقر على أقل من 2 – 5 دولار في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية  20 – 40 دولار يومياً؛ وإلى أقل من ذلك خلال فترة الطوارىء الممتدة من 5 آذار – 5 حزيران 2020م.
وهذا يعني أن الاقتصاد الفلسطيني، الذي يعاني من الهشاشة والضعف المزمنيين لن يكون قادراً على التعامل مع تبعات جائحة كورونا، الذي يعتمد على قطاعات الزراعة وإنتاج المواد الغذائية وزيت الزيتون، وصناعة الحجر والرخام، والصناعات الجلدية والأحذية، وقطاع الأدوية، وقطاع الملابس والمنسوجات، وقطاع المنتوجات اليدوية والحرف التقلدية، وقطاع السياحة والمشغولات التراثية، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والقطاع المصرفي والمالي، وقطاع خدمات التوصيل وقطاع البناء والإنشاءات في سوقي العمل الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء.
وجميع تلك القطاعات تعرضت للضرر والتعطل الفوري، بدءاً من اليوم الأول لإعلان حالة الطوارىء بتاريخ 5 آذار 2020م، وأصبحنا وجهاً لوجه أمام أعظم مخاوفنا، وهو فقدان العمال لوظائفهم، وهم الذين لايتمتعون بأي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية، وتعزز هذا القلق بعد عرض منظمة العمل الدولية لتوقعاتها حول حالة البطالة في العالم في ظل جائحة كورنا، وأفادت بأنه من المرجح أن يخسر العالم 195 مليون وظيفة، نصيب الوطن العربي منها 5 ملايين وظيفة، نصيب فلسطين منها حوالي 100000 وظيفة.
بعد أن تعطل عن العمل وبشكل فوري حوالي 150000 عامل وعاملة من عمال المياومة، و 180000 عامل من العاملين في سوق العمل الإسرائيلي والمستعمرات، تجاوزت خسائرهم حد المليار شيكل، خلال شهري آذار ونيسان 2020م.
وكانت قطاعات السياحة والفنادق والبيع بالجملة والتجزئة، والخدمات العامة وقطاع خدمات الأعمال والإدارة، في مقدمة القطاعات الاقتصادية الأشد تأثراً بضمور الوظائف وفقدان فرص العمل، كإنعكاس فوري للكارثة، التي أطاحت بأي حلول تقليدية يمكنها وقف التحول الجوهري الذي ستحدثه على الاقتصادات العالمية، وفي صميم ذلك ما سيحل بالعمال والعاملات، بعد إضطراب العلاقة بين العرض والطلب، وإغلاق الشركات والمصانع لأبوابهما؛ وإنخفاض أسعار الفائدة.
ما يعني منح مؤشر البطالة فرصة جديدة للاستفحال، ومحاصرة الناس في منازلهم، الأمر الذي سيعيد البشرية للاقتصاد الطبيعي، أي الاكتفاء الذاتي، وهذا يدشن بطريقة أو بأخرى، عصر ما بعد العولمة، في ظل الخوف المتعاظم من تبعات الجائحة الراهنة بما فيها ظهور أمراض وأوبئة مستجدة.
لهذا ستكون الخسائر البشرية من المرض، هي التكلفة الأكثر أهمية، لأنها ستمهد الطريق لتفكك إجتماعي عظيم الأثر ناتج عن الانهيار الاقتصادي، وتفشي البطالة لتصبح التحدي الأكثر تهديداً للسلم الكوني.
العمال في ظل حالة الطوارىء
إجبر العمال الفلسطينيون المقيمون ضمن حدود الولاية الفلسطينية، بملازمة منازلهم، بعد الإعلان عن حالة الطوارىء، بتاريخ 5 آذار 2020م، للحفاظ على سلامتهم، وبات من يعملون في سوق العمل الإسرائيلي، ويقدر عددهم بــ 180000 عامل أمام خيارين، أولهما: البقاء في منازلهم وثانيهما: الذهاب بلا عودة على مدار (60) يوماً لمواقع عملهم في سوق العمل الإسرائيلي، وفقاً لما طلبه منهم أرباب عملهم الإسرائيليون؛ الذين تواطؤا على هذا الشرط مع المستوى الأمني والصحي الإسرائيليان.
وبالفعل شرعت هذه الفئة باجتياز عسير للحواجز العسكرية الإسرائيلية، وكذا فتحات التهريب المنتشرة على طول جدار الفصل المقام داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.
وأمام هذا التطور المهم، شرع الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بالبحث عن الصيغ القانونية التي تضمنتها القوانين السارية في فلسطين، وكذا الإسرائيلية؛ والتي تكفل للعمال حقوقهم في ظل حالة الطوارىء.
الاتفاق الثلاثي                           
حيث وقع كل من (وزارة العمل والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، والمجلس التنسيقي للقطاع الخاص)، على اتفاق يسري مفعولة حتى نهاية نيسان 2020م، وينظم العلاقة المالية بين أرباب العمل والعمال، وكان تحت عنوان (اتفاق أطراف الإنتاج الثلاثة خلال حالة الطوارىء).
وجاء في الاتفاق المذكور "إنه وبالاستناد إلى مرسوم الرئيس بإعلان حالة الطوارىء في فلسطين، وما رافق ذلك من قرارات صادرة عن الحكومة الفلسطينية، لمواجهة انتشار فايروس كورونا، وفي سبيل الحد من الأثار الاقتصادية المحتملة، فقد اتفق الشركاء الاجتماعين على أن يلتزم القطاع الخاص الفلسطيني بقرار وزير العمل بشأن العاملات الأمهات".
كما اتفق الموقعون، على أن يلتزم القطاع الخاص، بدفع الأجور عن شهري آذار ونيسان 2020م، بنسبة 50% من الأجر بما لا يقل عن 1000 شيكل، على أن يدفع المتبقي بعد انتهاء الأزمة.
كما تفاهموا على أن المادة الثانية من الاتفاق نفسه، ومفادها [أن يلتزم القطاع الخاص بدفع الأجور عن شهري آذار ونيسان 2020م، بنسبة 50% من الأجر بما لا يقل عن 1000 شيكل، على أن يدفع المتبقي بعد انتهاء الأزمة].
تسري على القطاعات التي تأثرت وتضررت من الأزمة، أو أوقفت أو قلصت عملها، وعلى القطاعات التي لم تتأثر واستمر عملها كالمعتاد ستدفع الأجر كاملاً وحسب الأصول.
كما اتفقوا على تشكيل لجنة مشتركة من قبل الأطراف الثلاثة لمتابعة وعلاج كافة القضايا المتعلقة بالأثار الناتجة عن حالة الطوارىء، كما اتفقوا على إنشاء صندوق طوارىء لمعالجة الأثار الناتجة عن حالة الطوارىء، بما يشمل تعويض صاحب العمل والعمال في المنشئات التي انهار مركزها المالي بشكل كامل.
الإطار القانوني الضامن لحقوق العمال والعاملات
من المعلوم للجميع بأن الانتقال الجغرافي للعمالة من إقليمها الوطني إلى إقليم آخر، يُسقط عليها البنود المرجعية الخاصة بالاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أُسرهم والتي اعتمدت بقرار الجمعية العامة رقم: (45) المؤرخ في الثامن عشر من كانون الأول 1990م.
وهي اتفاقية لا تقرأ بمعـزلٍ عن سائر المرجعيات الدولية الأُخرى بما في ذلك الصكوك الأساسية للأُمم المتحدة والمتعلقة بحقوق الإنسان، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهدين الدوليين، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، انتهاء باتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين؛ تأخذ تلك المرجعيات في عين الاعتبار السمات الأساسية، الخاصة، التي تميز العمالة الوافدة من إقليم لآخر، وتفرد لها حقوقا تقوم على أساس المساواة فيما بينها وبين ما تسخره حكومات هذه الأقاليم لرعاياها من العمال، كما أنها أوصت باتخاذ تدابير إيجابية بحق تلك الفئة الوافدة وأفراد أُسرها نظراً لما تخلفه (الهجرة – العبور القسري) من آثار قد تتفاقم خلال حدوث طارئ ما كالكوارث الطبيعية أو انتشار الأوبئة.
وبالاستناد لتلك المرجعيات وفي ظل حالة الطوارئ المعلن عنها في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وانتشار وباء كورونا كوفيد (19) المستجد، على أقطاب سوق العمل هناك من سلطات رسمية ومشغلون التقيد في تطبيق البنود المرجعية والتوصيات التي أفردتها هذه المرجعيات دون أي انتقاص منها، إذ أنها تشكل الحد الأدنى من التدابير واجبة المراعاة، وهنا، ترى محامون من أجل العدالة بأنه ليس من شأن إعلان حالة الطوارئ وتفشي الوباء أن يعطـي لتلك الأقطاب أي صلاحيات و/أو مبررات للمساس في الحقوق العمالية المكتسبة للعامل الفلسطيني الوافد، سواء أتعلق الأمر في الأجر، ساعات العمل، الإجازات، ضوابط السلامة الشخصية، التأمينات، وبأنه وفي حال فرضت تلك الحالة قيود استثنائية على هذه الحقوق، بموجب القانون، فلابد من أن يكون التقييد في الحد الذي لا تمس به كرامة هؤلاء الإنسانية ولا تقل مواتاة عن التدابير التي تنطبق على رعايا دولة الاحتلال التي عليها كذلك أن تراعي الضمانات الواردة في متن اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين، أي العمال الوافدون من إقليم محتل، ما يعني في المجمل ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لصون سلامة هؤلاء الجسدية، والنفسية في ضوء الآثار المباشرة وغير المباشرة التي قد تصاحب إعلان حالة الطوارئ وتفشي الوباء سواء من السلطات النظامية أو الأفراد والجماعات رعايا دولة الاحتلال، لاسيما وأن تلك العمالة ستقيم قسراً في ظروف معيشية غير لائقة تحتم على سلطات دولة الاحتلال التدخل الفوري وعلى وجه الخصوص سلطة السكان والهجرة، وزارة الاقتصاد، العمل، ووزارتي الصحة والداخلية، لتوفير بيئة معيشية مؤقتة لائقة تحترم فيها كرامة هؤلاء الإنسانية، وتصان فيها حقوقهم، بما ينسجم والمعايير اللازمة للتصدي للوباء المستجد.
وبالتدقيق نرى بأن قانون العمل الإسرائيلي نظم العمالة الأجنبية، وأعطاها حقوقاً متكافئة ومساوية لرعايا دولة الاحتلال، إلا أن الممارسة أثبتت بأن السخرة، أي العمالة القسرية والاتجار بالبشر، إذ خلقت السلطات الإسرائيلية المتعاقبة بسياساتها الممنهجة ظرفاً معيشي فرض على العامل الفلسطيني الهجرة للعمل داخل الخط الأخضر بحقوق لا تتفق وتلك التي كفلها التشريع المحلي؛ وتزداد وطأةُ ذلك سوءاً في ظل إعلان حالة الطوارئ التي كما أوردنا عاليه توفر بيئة خصبة لأصحاب العمل – المشغل – لانتهاك حقوق هذه الفئة علماً بأن قانون الطوارئ الإسرائيلي لسنة: (2006) وتعديلاته، قد ترك أمر اتخاذ تدابير منصفة للعمالة الوافدة تحديداً في يد "قيادة الجبهة الداخلية" الأمر الذي وفي ضوء تفاوت موازين القوى واستمرار الصراع السياسي ما بين الإقليم الوطني الذي ينتمي إليه العامل الوافد - الإقليم الفلسطيني - ودولة الاحتلال، قد يعـزل ويحجب الآلاف من هؤلاء الآن عما قد يفرد لغـيرهم من حقوق استثنائية منصفة خلال هذه المحطة الطارئة.
وهنا لابد من الإشارة إلى التوصيات العامة التي أطلقتها منظمة العمل الدولية مؤخراً للوقوف على حالة العمالة في ضوء تفشي وباء كورونا كوفيد (19) المستجد وأثره على تلك الفئة؛ حيث أوجبت التوصيات على كافة الدول تبني ثلاث سياسات تدعم مقومات الصحة الشخصية للعمال لاسيما المهاجرين منهم، وتضمن تمتع هؤلاء بحقوقهم دون أي انتقاص.
ملخص للوضع العام في الأراضي العربية الفلسطينة المحتلة
أنتجت الإجراءات الإسرائيلية المتبعة منذ عام 1967م، وقبيل الإعلان عن حالة الطوارىء، بسبب تفشى فايروس كورونا كوفيد (19)، وإلى الآن، مزيداً من التلاشي المفرط لفرص العمل، واستقرار الحالة  الفلسطينية في منطقة غامضة ومبددة لكل أمل.
ويتعاظم هذا الخطر في ضوء إجماع الإحصائيات الوطنية والدولية، على أن هناك (50 مليون) عربي يعانون من نقص التغذية أي ما يعادل 13% من سكان الوطن العربي الكبير - المكان الجاذب سابقاً للعمالة الفلسطينية - وأن هناك مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر القومي، و45% من الشباب لم يحظو بأي فرصة عمل؛ وهناك ثلاثة وسبعين مليون شاب عاطل عن العمل، وأكثر من أربعة عشر مليون شاب نازح أو لاجئ أو مشرد.
هذه معطيات قاتمة؛ تنذر بغرق العالم العربي بما فيه الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة في حفرة التلاشي التام لفرص العمل، يحدث ذلك في الوقت الذي يزداد فيه عديد الشباب والشابات من طالبي العمل، ولم يحظوا بأي فرصة لذلك.
لكن معضلة فلسطين أضحت أكثر تعقيداً بسبب المخيال الإجرامي للمحتل الإسرائيلي؛ الذي منح كل مشكلة لدينا عمقاً إضافياً، وأصبح الإمساك بالحلول جهداً يضاهي ملاحقة السراب؛ نحن الذين نعيش ويلات الغياب الكبير لفرص العمل المستجيبة لاحتياجات القوى العاملة، ونعاني من ارتفاع نسب البطالة وتعاظم معدلات الفقر، وخاصة بين النساء؛ حيث تشير الإحصائيات الفلسطينية الرسمية إلى أن معدلات البطالة بين المشاركين في القوى العاملة (15 سنة فأكثر) في الربع الأول من عام 2020م تجاوز حد الــ 27٪ في حين بلغ إجمالي نقص الاستخدام للعمالة 32٪، وفقاً لمعايير منظمة العمل الدولية المنقحة.
الضرر الفوري والمبكر على العمال
بسبب تعطيل العمال عن عملهم، توقفت العديد من المصانع والمنشئات المتوسطة والصغيرة عن العمل في سوق العمل الفلسطيني، وعاد العمال الفلسطينيين من سوق العمل الإسرائيلي لمنازلهم في مناطق الولاية الفلسطينية، وشمل هذا التدهور كل الصناعات الفلسطينية، وتوقف قطاعي الصناعة والتجارة عن تشغيل العمال وصرفهم لمنازلهم، في ظل غياب أي نظم حماية اجتماعية نافذة في فلسطين.
مضاف لذلك ارتفاع الأسعار، وتعطل كافة منشئات القطاع السياحي الذي توقف بشكل كامل عن العمل، بعد إلغاء كامل الحجوزات للسياح الأجانب في الفنادق وإغلاق المناطق السياحية والدينية أمام الزيارات إضافة الى اغلاق المطاعم وصالات الأفراح ومنشئات  قطاع السياحة بالكامل وقطاعات المقاولات والبناء والمدارس والجامعات وحركة النقل والمواصلات، كما تضررت المحلات التجارية والمشاغل الصغيرة التي تعتمد على أفراد العائلة، والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، وهو ما جعل من عمال المياومة أول الواصلين لمذبح الضرر والتأثر من إعلان حالة الطوارىء.
حدث ذلك، بعد أن تخلى العديد من أرباب العمل عن عمالهم من اليوم الأول لإعلان حالة الطوارىء، والتهرب من دفع أجورهم، أخذين بعين الاعتبار أن هذا الاتفاق يسري على المنشئات والشركات التي تضررت بشكل كلي؛ ولا تسري على القطاعات التي لم تتأثر بالأزمة وبقي عملها على حاله والقطاعات التي تم إسثناءها من إجراءات الطوارىء لتواصل إنتاجها وتقديم خدماتها للجمهور.
رغم ذلك، نواجه العديد من حالات التهرب من دفع حقوق العمال في ظل حالة الطوارىء، فقمنا بتشكيل لجان رباعية في كل المحافظات، مكونة من ممثلي الاتحاد وممثلاً عن القطاع الخاص، وممثلاً عن وزارة العمل وممثلين عن مكاتب المحافظين، كون المحافظين يشكولون المرجعة العليا للسكان خلال فترة الطوارئ.
وباشرت هذه اللجان عملها بإستقبال الشكاوي، والعمل على حلها مع أرباب العمل، مع توقعات منخفضة لدينا حول التوصل لحلول مرضية للعمال،  بسبب تهرب أرباب العمل ومماطلتهم بذريعة تردي الأوضاع الاقتصادية الحالية.
عودة العمال من سوق العمل الإسرائيلي
بعد الإعلان عن حالة الطوارىء، طلب أرباب العمل الإسرائيليون، بعد التشاور مع مستوياتهم الأمنية والسياسية من العمال الفلسطينيون البقاء في إسرائيل، لتخفيض حركية تنقلهم، في ظل وعود بتوفير أماكن نوم أمنة ومريحة لهم، لكن بعد مرور الليلة الأولى أتضح للعمال بأنهم سينامون داخل ورش البناء في ظروف مزرية ودون توفير فرش أو أغطية، مضاف لذلك أن المستوطنون اليهود بدأوا بالإبلاغ عن العمال كمسببين للإزعاج وناقلين محتملين للفايروس، حيث باشرت الشرطة الإسرائيلية باقتحام أماكن نومهم وعملهم وترحيلهم إلى مناطق الولاية الفلسطينية.
فيما بعد بدأ أرباب العمل الإسرائيليون بنقل من يشتبهون بإصابته من العمال إلى الحواجز العسكرية الإسرائيلية؛ بظروف ترحيل خالية من أي معاملة لائقة ببني البشر، حيث يقوم رب العمل الإسرائيلي بإلقاء العامل المرحل على قارعة الطريق دون رحمة أو شفقة.
الأمر الذي دفع العمال للعودة إلى منازلهم، ما خلق حالة من الإرباك لدى الجهازين الطبي والأمني الفلسطينيان، لصعوبة التعامل مع الأعداد الغفيرة، وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية في تصريح رسمي لها، مساء يوم 8 نيسان 2020م بأن العمال العائدون من سوق العمل الإسرائيلي، أصبحوا أحد مصادر انتشار الوباء الرئيسة؛ بالإضافة لمصادر أخرى عديدة.
أخذين بعين الاعتبار أنه لم يعد 50000 عامل فلسطيني من سوق العمل الإسرائيلي لمنازلهم في ذروة الجائحة ولغاية الآن؛ وهذا يعني إطالة أمد الأزمة، لأن الطواقم الطبية الفلسطينية ستبقى بانتظار من لم يعودا للتأكد من إصابتهم أم لا عند عودتهم.
خريطة توزيع العمال
بلغ عدد المشاركين في القوى الفلسطينية العاملة حوالي 1.340.200 شخصاً خلال الربع الأخير من عام 2019، منهم 820.900 شخصاً في الضفة الغربية 519.300 شخصاً في قطاع غزة، وبلغ معدل البطالة بينهم، مع نهاية عام 2019م (15 سنة فأكثر) في الربع الأخير من عام 2019م حوالي  25٪ في حين بلغ إجمالي نقص الاستخدام للعمالة 32٪، وفقاً لمعايير منظمة العمل الدولية المنقحة (ICLS-19th).
بينما بلغ عدد العاطلين عن العمل 15 سنة فأكثر حوالي 334.100 شخص في الفترة نفسها، بواقع 217.100 شخص في قطاع غزة و117.000 شخص في الضفة الغربية، ما يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ المعدل 45٪ في قطاع غزة مقارنة بـ 27٪ في الضفة الغربية، أما على مستوى الجنس فقد بلغ معدل البطالة للإناث 42% مقابل 20٪ للذكور في فلسطين، من بين هؤلاء العمال في سوق العمل الإسرائيلي والفلسطيني، ويمكن توزيعهم على النحو التالي:
أولاً – لدينا 70000 عامل يعملون بشكل منظم في سوق العمل الإسرائيلي.
ثانياً – لدينا 15000 عامل بحوزتهم تصاريح عمل في القطاع الزراعي.
ثالثاً – لدينا 482000 عامل في القطاع الخاص الفلسطيني.
رابعاً - وهناك 35400 عامل وعاملة يعملون في المستعمرات الإسرائيلية، ويمكن إدراجهم تحت بند العمالة غير المنظمة نظراً لحرامانهم من كافة حقوقهم الاجتماعية والقانونية الوارد ذكرها في القانون الإسرائيلي، وتقدر أجورهم ورواتبهم الشهرية بحوالي ٨٠٠ مليون شيكل  شهرياً.
خامساً - وهناك 50000 عامل يعملون في السوق الإسرائيلية السوداء، غالبيتهم لا يحملون تصاريح دخول لإسرائيل، أو يحملون تصاريح بحث عن عمل، وتصاريح تجارية، وتصاريح لغايات زيارة المشافي، وغير ذلك من أنواع التصاريح التي تصدرها المخابرات الإسرائيلية.
عرض النتائج
الظروف التي نشأت حول العالم بسبب تفشي هذا الفيروس لم تكن من صناعة العمال، أو أرباب عملهم، لكنها جائحة مست الجميع بضررها وتأثيرها، لهذا العمال ليسوا مطالبين باللجوء لأي تدبير احتجاجي من شأنه أن يعيق المسعى الوطني والعالمي لمواجهة الفايروس.
وهذا يتم على قاعدة عدم المساس بالحقوق العمالية المقدسة التي كفلتها النظم والقوانين للعمال والعالملات، ولن تشكل الظروف الراهنة أي غطاء لتهرب أياً من أرباب العمل من التزاماتهم تجاه العمال، وأي بادرة غير حميدة بهذا الاتجاه ستواجه بما يتسق مع القانون، من خطوات احتجاجية ورافضة لأي مساس بحقوق العمال، وأي انتهاك لحقوق العمال غير مقبول ومرفوض سلفاً.
أظهرت يوميات الجائحة، غياب أي مسلك تعاوني من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي مع الحكومة الفلسطينية، بدلالة الطريقة اللاإنسانية التي تتعامل بها مع من تشتبه بإصابته من العمال الفلسطينيون، حيث يقوم أرباب عملهم بإلقاءهم بالقرب من الحواجز العسكرية الإسرائيلي.
وهو ما ينذرنا بأن سياسة أرباب العمل الإسرائيليون، ستبقى على حالها وهي القائمة على معايير عنصرية بغيضة، لأنها تحرم العمال من حقهم في الحصول على التأمين الصحي، شأنهم في ذلك شأن العمال الإسرائيليون، أو العمال المهاجرون إلى إسرئيل من جنوب شرق أسيا والصين الشعبية وشرقي أوروبا، عملاً بأحكمام اتفاقية العمل الدولية رقم (17) حول تعويض العمال المصابين، وتدابير اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين، ومنهم العمال الوافدون من إقليم محتل، واتفاقية العمل الدولية رقم (45) المؤرخة في الثامن عشر من كانون الأول 1990م، حول حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أُسرهم كافة.
مضاف لذلك ما نادي به القانون الإسرائيلي نفسه، حيث كفل للعامل المصاب تلق العلاج اللازم واللائق، والعامل المتعطل عن العمل لأسباب قاهرة؛ تلق راتبه كاملاً من رب عمله على مدار 100 يوم، تبدأ من اليوم الأول لتعطله القسري عن العمل، على أن يحصل العامل على 250 شيكل يومياً خلال تلك الفترة.
لهذا فإن الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، طلب من منظمة العمل الدولية الشروع بأكبر عملية إسناد ومؤازة للعمال الفلسطينيين، نظراً للمخاطر التي تهدد حياتهم بسبب:
1- عدم تزويدهم بالمعدات والتجهيزات الطبية المناسبة لدى السلطات الصحية الفلسطينية للتعامل مع أعداد كبيرة من المصابين.
2- امتناع الجانب الإسرائيلي عن تقديم المساعدة الجادة والفعالة للحكومة الفلسطينية رغم توفر الإمكانيات لديه.
الخاتمة والتوصيات
أولاً - المستوى السياسي الفلسطيني، مطالب بتحديث سياساته الهادفة لفك الارتباط بالطرف الإسرائيلي، من خلال خطط محكمة لإعادة بناء الاقتصاد الوطني، وزيادة نصيب القطاع الزراعي من الموازنة العامة، حيث يكمن المدخل الواقعي لتخفيض معدلات البطالة والفقر.
ثانياً - أثبتت الجائحة للجميع بأن عمال معاملات فلسطين، بحاجة لمنظومة حماية إجتماعية راسخة، تعينهم ونعين أسرهم على مواجهة مشقات الحياة ونوائب الدهر.
ثالثاً - ترسيخ قواعد ومنطلقات العمل اللائق، وجعلها عادات متبعة وقوانين فعلية وناظمة لعلاقة أرباب العمل الوطنيين بالعمال والعاملات، بما في ذلك حماية أجورهم واستبقاءهم في وظائفهم، وبناء بيئة جاذبة ومشجعة للعمالة المحلية، والعمل على تعزيز التعاون بين أطراف الإنتاج الرئيسة، وصولاً إلى شراكة فعالة ومستدامة قوامها الاستثمار الأمثل للموارد البشرية والمادية في فلسطين.
رابعاً - العمل على تشجيع المشاريع الاستثمارية المحلية والوافد، ذوات القدرات التشغيلية العالية للعمال والعاملات، ودعم المنتج الوطني وزيادة حصته السوقية، ودعم الاستيراد المباشر من الخارج، وإصدار التشريعات اللازمة التي تسهّل العمل والتشغيل.
خامساً - العمل على تطبيق مضامين ومحتويات العهود والمواثيق الاجتماعية والاقتصادية التي أعلنت فلسطين عن الالتزام بها.
سادساً - يلتزم الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بقيادة النضالات العمالية المطلبية، على قاعدة الحوار الاجتماعي البناء بين الشركاء الاجتماعيين، من أجل التمكين الاجتماعي والصمود.
سابعاً - إعداد مشاريع ومبادرات تسهم في تشغيل العمال والعاملات، التي قد تحتاج لدعم ومؤازرة الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين.


مصادر المقالة ومراجعها

1- تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2019م.
2- مصدر سبق ذكره، تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2019م.
3- تقرير مدير عام منظمة العمل الدولية [جي رايدر] المقدم لمؤتمر العمل الدولي، الدورة [106] 2017م، في جنيف، صفحة رقم 4 و 5.
4- مصدر سبق ذكره، مركز الدراسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس، 8 أيار 2018م.
5- مصدر سبق ذكره، من مسوح الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، 2019م.
6- مصدر سبق ذكره، من مسوح الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، 2019م.
7- مركز المعلومات الفلسطيني – وفا
8- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الإحصاءات التراكمية للحسابات القومية.
9- الملخص التنفيذي للتحليل القطري المشترك لحالة التنمية في فلسطين
COMMON COUNTRY ANALYSIS 2016 Leave No One Behind: A Perspective on Vulnerability and Structural Disadvantage in Palestine. Executive Summary


(*)  ناصر دمج:   باحث ومؤرخ فلسطيني، ومدير وحدة الدراسات والأبحاث في نادي الأسير الفلسطيني

2020-05-13 20:53:16 | 937 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية