التصنيفات » مقالات سياسية

إيران تثبت أن " أمريكا نمر من ورق "

إيران تثبت أن " أمريكا نمر من ورق "


يحيى دايخ
منذ انحسار الحرب الباردة بين المعسكرين: الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقاً، والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتفكك الاتحاد السوفياتي إلى دول ودويلات ، ازداد التوجه الغربي نحو تسويق العولمة والنظام العالمي الجديد ( سيطرة النموذج الرأسمالي )،الذي تبنى هذه العولمة، على قاعدة أن العالم بات قرية واحدة، وأن الرأسمالية تمثل قمة الحداثة والتطور، منادياً بالشراكة الدولية لأجل التنمية؛ وقدنشطت الدعاية الإعلامية لهذا التسويق، من قبل  الإدارة الأمريكية ، والتي بالطبع لا تستهدف تحقيق  الحرية والسيادة والاستقلال للأمم والشعوب ،في ظل المبدأ الغير أخلاقي الذي تسير وفقه"الغاية تبرر الوسيلة" .
 ووراء الشعارات البراقة للأمم المتحدة، التي نادت بحقوق الانسان وحريته وتقرير مصيره، والمساواة بين الجنسين، وحقوق المرأة وتمكينها، والعيش الكريم والرفاهية، والعمل للجميع، والتعليم والصحة..
تلطّت الرأسمالية الأمريكية ، لتسوّق لنظامها الحديث الذي سيحارب الفقر والجوع والعوز، وتطبيق الشعارات التي قامت عليها الرؤى والبرامج التنموية البشرية المستدامة في الأمم المتحدة لتلبية حاجات الجيل الحاضر، دون التعرض لقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها .
ومن أقذر الأساليب التي تدين الإدارة الأمريكية في سياساتها الخبيثة تحت شعار التنمية البشرية المستدامة، تأسيسها لما يسمى الوكالة الأمريكية للتنمية .
فقدتأسست الوكالة الأمريكية للتنمية بهدف السيطرة على الدول والشعوب وتنفيذ أجندات وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) ،من تجنيد العملاء، وبث الفرقة والنزاع بين مجتمعات الوطن الواحد، وإرسال السلاح وآلات التدمير والقتل تحت مسمّى المساعدات الإنسانية ...
وأكبر شاهد أودليل في الوقت الحاضر، ما كشف عنه الحوثيون في اليمن أثناء عمليات تحرير مأرب والبيضاء، من وجود مخازن مملؤة بصناديق مختومة ومطبوع عليها اسم وشعار الوكالة الأمريكية للتنمية، وبداخلها أسلحة وذخائر ومتفجرات وصواريخ تعود لعملاء العدوان السعودي ومرتزقته، والتي نشرت في   وسائل الاعلام؛ هذا غير الذي عثر عليه في سوريا بعد تحرير مناطق كانت تحت سيطرة التكفيريين الإرهابيين .
إن  الإدارات الأمريكية المتعاقبة تنفذ سياسة "السيد والعبد" في إطار تعاملها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري وتقديم المساعدات للدول والشعوب، ضمن برامج الأمم المتحدة، وخصوصاً برنامج الأمم المتحدة الإنمائي( UNDP) ،حيث كانت تفرض على الدول التي تحتاج إلى برامج تنموية مستدامة، إملاءات وشروطاً تضمن للأمريكي السيطرة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والجيوسياسية على قرار هذه الدول ومقدراتها  .
وبمواجهة هذا الوضع الاستعماري بشكله الحديث والمذل، انتفض العديد من الدول والشعوب على تلك السياسات الاستعبادية والاستكبارية الأمريكية الظالمة ،ونشأ توجه أممي جديد يرفض الخضوع للأحادية الأمريكية؛ وعلى رأس هذا التوجه برزت روسيا والصين و إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية ....
 ومقابل المصطلحات التنموية التي روّجت لها الإدارات الأمريكية، مثل دول الشمال المسيطرة ودول الجنوب التابعة ، أو المركز القوي والأطراف الضعيفة، والتي هي دائمة الاحتياج لأوكسجين المركز للبقاء على قيد الحياة ( أي بالمعنى الصريح التبعية للرأسمالية الامريكية المتوحشة ) ،
ظهر نموذج تنموي شقّ طريقه مستغلاً التهديدات الأمريكية بالعقوبات الاقتصادية،و الحروب العسكرية المباشرة، أو بالوكالة عبر إثارة الفتن الداخلية أو غزو خارجي، وفرض الحصار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ،محوّلاً  هذاالتهديد إلى فرصة، اعتمد من خلالها على قدراته وإمكاناته وموارده الذاتية المتاحة مادياً وبشرياً، ومصمماً على كسر العقوبات الاقتصادية وتحطيم العنجهية  الأمريكية، وإظهار حقيقة المقولة الشهيرة ذات الدلالات المعمقة " إن أمريكا نمر من ورق " .
وهذا النموذج عبّرت عنه فعلياً، بالقول والعمل، الجمهورية الإسلامية في إيران، بتعاونها الوثيق ،اقتصاديا وعسكرياً، مع الدول التي ترفض الهيمنة الأمريكية ( الصين ، روسيا،..) ، محققة قفزات كبيرة في كافة المجالات التنموية ،واستدامة التنمية البشرية في أبعادها العلمية والعملية،  الاجتماعية،الاقتصادية (لأخذ قرار بتبني التنمية المستقلة لابد من وجود قدرة عسكرية تحمي القرار السياسي بالتنمية المستقلة عن الهيمنة الأمريكية).
    • فعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية الأمريكيةالمفروضة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران 1979)  ، وأشدها قساوة المسماة بعقوبات الحد الأقصى،  التي تفرضها إدارة ترامب الحالية ،وترافقها مع أزمة كورونا، استطاعت إيران وضع برامج للتنمية البشرية المستدامة والتنمية المحلية، متسقة مع برنامج تنموي وطني عام ينفذ على مراحل، ويحاكي أهداف التنمية الإنمائية للألفية والتنمية المستدامة لما بعد 2015، التي أقرّتها UNDPعلى جميع المستويات  ( بيئية، زراعية، صناعية، تجارية، تكنولوجية، فضائية، نووية " تقنية النانوالسلمية) ، آخذة باعتبارها الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية والأمنية والعسكرية. وقد حققت إيران في معظم المجالات اكتفاء ذاتياً، وتخطت مرحلة  الاكتفاء الذاتي إلى التصدير؛  وفي مجالات أخرى حققت شبه اكتفاء ذاتي .  
ولتسليط الضوء على ما حققته ، فيما يأتي نبذة عن بعض ما أنجزته إيران  :
    • عقد بروتوكولات واتفاقيات دولية (اقتصادية ، تجارية، سياسية، عسكرية ، نووية ...) ،مثل :
    • الاتفاق النووي الشرقي - كما أطلق عليه أخيراً - مع الصين، والذي تستثمر الصين من خلاله في إيران 400 مليار دولار لمدة 25 سنة، في البنية التحتية ومشاريع أخرى .
    • المشروع الاستراتيجي، والذي يتمثل بمد خط أنابيب لنقل النفط والغاز إلى مدينة ميناء جاسك على بحر عمان في مدينة بوشهر، والذي بواسطته تسعى إيران إلى ضمان أمنها الاقتصادي وأمن الطاقة، وذلك في خطوة استباقية ذكية في حال نشب صراع مع أمريكا وأتباعها، مما يسبب إغلاق مضيق هرمز .
    • اتفاقات تجارية وتبادل تجاري (دولي وإقليمي) بالمنتوجات الزراعية، مثل: التوابل، الزعفران، المكسرات، التبغ، الشاي، وغيرها ...
    • اتفاقات تجارية وتصدير الكهرباء إلى دول الجوار .
    • تصدير الأدوية والتجهيزات الطبية ومستلزمات المستشفيات.
    • تصدير الأسماك والمنتوجات البحرية .
    • تصدير منتجات صناعية للمعدات الإنشائية والصناعية ووسائل النقل، مثل الإطارات بأنواعها، والبطاريات والزيوت .
إضافة إلى العديد من الصادرات الإيرانية واتفاقات التبادل التجاري بمعزل عن النفط والغاز .
    •   من المجالات التنموية المستدامة، والتي تحاكي أهداف ( UNDP )، والتي استطاعت إيران أن تحقق نتائج ملحوظة فيها، على سبيل المثال لا الحصر :
    • اكتفاء غذائي ذاتي ( أكثر من 2000 نوع من النباتات والمحاصيل)، منها الاستراتيجي في الأمن الغذائي، مثل القمح والشعير والبقوليات والقطن والشاي والزعفران والتبغ والتوابل والمكسرات، والتي تصدّر منها إيران 7 ملايين طن سنوياً .
    • تصنيع وتوليد الكهرباء وتصدير للطاقة المتجددة والطاقة المنتجة من النفط والغاز .
    • بناء ناقلات عملاقة للنفط والغاز تلبّي حاجات إيران وتستغني بها عن السوق .
    • تصنيع وبناء محطات تكرير النفط ومشتقاته وتصديره .
    • المخزون الهائل من الثروات المعدنية في أراضي إيران ، مثل الذهب والحديد والزنك والرصاص والفوسفات واليورانيوم والأحجار الكريمة وغيرها ....
    • إيران رائدة في تصنيع المعدات الثقيلة والمعدات الخفيفة والآلات الصناعية.
    • صناعة السيارات لنقل الركاب والبضائع، والخاصة بالسفر .
    • امتلاك تقنية وتطويرالصناعات العسكرية، من سفن مختلفة كبيرة وصغيرة وطائرات ودبابات ومعدات حربية وصواريخ متنوعة ....
    • الصناعات المستخرجة بواسطة تقنية النانو ( النووية السلمية ) وأجهزة الطرد المركزي النووي وتخصيب اليورانيوم .
    • الصناعات الطبية والصحية من معدات وأدوية وتجهيزات ومسلتزمات طبية وتجهيز المستشفيات .
    • الحفاظ على الإيكولوجيا ومواردها البرية والبحرية ،والحد من التلوث وتنمية الثروات الحيوانية البرية والمائية ومكافحة التصحر واستصلاح الأراضي .
    • تأمين مياه الشرب، وبناء شبكة بنى تحتية من صرف صحي وطرق مواصلات وسكك حديد ومترو وخطوط برية وجوية، تربط كافة مناطق ومدن وقرى إيران ببعضها.
    • تنفيذ برامج محو أميّة وإلزامية التعليم الابتدائي للجميع .
    • تتمتع المرأة في إيران بحقوق مساوية لحقوق الرجل؛ بل أحياناً تتعدى لتصبح أفضل من حقوق الرجل؛ وللمرأة دور في الحياة العامة، اجتماعياً واقتصادياًوثقافياً وسياسياً .
    • توجيه التعليم الأكاديمي والمهني بما يتناسب وحاجات خطط وبرامج التنمية في البلد .
    • ضمان الأمن والاستقرار في البلاد .
    • ضمان الأمن الصحي والاجتماعي والغذائي والاقتصادي .
    • شفافية في السلطات القضائية وأجهزة الرقابة الحكومية  .
    • امتلاك وتأمين التكنولوجيا العلمية والتكنولوجيا الفضائية وإرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء .
هذه نبذة جد موجزة حول التنمية المستدامة، التي عملت عليها الجمهورية الإسلامية، انطلاقاً من المبادئ التي تعتنقها ،و النابعة من الإيديولوجيا الإسلامية الأصيلة الراسخة لدى الأمة الإيرانية قيادة وشعباً، برفض نهج التبعية والهيمنة والاستكبار الذي تمارسه أمريكا ، ما خلق الحافز برفض الوصاية والتبعية، وزاد من إصرارإيران على تبني قرار سياسي مستقل من قبل قيادة واعية وشعب مؤمن بهذه القيادة، يرفض الهيمنة الاستكبارية ويناصر الشعوب والدول المستضعفة ضحية الاستبداد الأمريكي. وقدعملت إيران على تحويل التهديد إلى فرصة،  وبما أكسبهاالقوة والمنعة والسيادة والرفع، وتحقيق النمو، باعتمادها على نفسها ومقدراتها الذاتية وتطوير إمكاناتها المادية والبشرية لتبلغ الاقتدار والمكانة والرفعة التي هي عليها اليوم.   إن الجمهورية الاسلامية أثبتت بالفعل كلمة مؤسسها ومفجر ثورتها المباركة ،الإمام الخميني "قدّس سره" أن "أمريكا نمر من ورق" .  

 

 

2020-08-03 10:04:55 | 925 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية