التصنيفات » مقالات سياسية

الصين وقضايا منطقة الشرق الأوسط

الصين وقضايا منطقة الشرق الأوسط

وداد المساوي

باحثة بمركز الدراسات والأبحاث حول الادارة العمومية

 مع توسع المصالح الصينية الوطنية في منطقة الشرق الأوسط في ظل خطة الطريق والحرير وفي سياق الظروف غير المستقرة للشرق الأوسط ومحاولة الشعوب المنتفضة بالمنطقة رسم واقع جديد، واقع الوصايا الأمريكية ولو بشكل جزئي، إلا أن بكين تبدو أنها لا تزال ملتزمة باستراتجية التنين الحذر إزاء المنطقة سواء من حيث مشاركتها الأمنية أو وضعها الدبلوماسي الضعيفين، فهي غير واثقة من كيفية حماية مصالحها المتزايدة في المنطقة من أمن الطاقة والاستثمارات الاقتصادية.

ولتجاوز ذلك يمكن للصين، نهج علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، في إطار مبادرة الحزام والطريق، سواء باتجاه تعاون أكبر، أو باتجاه تنامي التناقضات والنزعة الصراعية، فعلى مستوى الاتجاه التعاوني، فيجب على الصين الاعتماد على قوتها الناعمة في بناء شبكة العلاقات مع الدول الشرق أوسطية بدون بدون استثناء بما فيها الدول التي يمكن أن تعدها بعض الأطراف بمنزلة الدول التي لا تحوز على الإجماع الإقليمي، كإيران في محيطها الخليجي، وإسرائيل في محيطها العربي. بحيث نجد أن العلاقات الصينية- الإيرانية على الرغم من الصعوبات التي تواجهها فإنها تتميز بنوع من الاستمرارية والاستقرار، لا سيما أن الطرفين يشتركان في أطر متعددة الأطراف كمنظمة تعاون شنغهاي التي تعد الصين من دولها المؤسسة، بينما إيران عضو ملاحظ، كما أن كلا البلدين يتقاسم الرؤى نفسها فيما يخص الحرب في سوريا، مما ينعكس في استخدام الصين لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن إلى جانب روسيا في مجموعة من القرارات التي رآها الثلاثي الصيني-الإيراني-الروسي مجحفة في حق الحكومة السورية. أما فيما يخص العلاقات الصينية-الإسرائيلية، فإنها عرفت تطورا ملحوظا في مجالات البنى القاعدية، والتعاون التكنولوجي، مع استمرار بكين في دعمها للقضية الفلسطينية دبلوماسيا وماليا.

كما يجب على بكين أن تعتمد على البراجماتية الاقتصادية في بناء علاقات تعاون واعتماد متبادل معقد، حيث كرست مبادرة الحزام والطريق شبه إجماع بين كل الأطراف من أجل الاشتراك في هذه المبادرة مع الانخراط أيضا في رأسمال البنك الأسيوي لتنمية البنية التحتية، والذي يعد المدخل الرئيسي للمشاركة في مبادرة الحزام والطريق، كما أن الصين تحاول البقاء على المسافة نفسها من كل أطراف مختلف النزاعات الإقليمية، كالأزمة اليمنية، حيث نجد بكين على البعد نفسه من الأطراف المتصارعة مباشرة أو بالوكالة، كإيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى.

كما تحاول البقاء على المسافة نفسها بين طرفي الصراع العربي-الإسرائيلي، بحيث تقدم الصين علاقات متميزة مع قيادة السلطة الفلسطينية، منذ عهد الراحل ياسر عرفات، مع تقديم هيئات دورية للفلسطينيين كالمساعدة الصينية بمقدار 50 مليون يوان(8 ملايين دولار) التي منحها الرئيس شي في يناير 2016، لكن في الوقت نفسه تسعى يكين إلى تطوير علاقاتها التكنولوجية والعسكرية مع إسرائيل وصولا إلى البنى التحتية كمشروع سكك الحديد بين ميناء إيلات في خليج العقبة وميناءي أشدود و حيفا على البحر الأبيض المتوسط، مما يعني أن إسرائيل بقوة-لو رأى هذا المشروع النور-في مبادرة الحزام والطريق.

من خلال ذلك، فإن بكين ترفض التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، بحيث ترفض بكين استخدام أساليب الدول الغربية نفسها للضغط على الدول من أجل تغيير مواقفها، فقد أعلنت مرارا رفضها للتدخل، ولو بذرائع إنسانية، إذ لا تسنعمل الحكومة الصنية خطاب الحكم الرشيد، ودولة القانون من أجل فرض مشاريعها كما تعتمده بعض الدول الغربية، فهي تصر على التمسك بتعزيز سياسة التعاون والانفتاح من أجل تنسيق الجهود المشتركة والمزايا المشتركة وتكافؤ الفرص للجميع.

في عمومها يمكن وصف السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط خلال الازمات المتولدة عن الثورات العربية بالسمات الرئيسية التالية: العملية والواقعية، والثبات. فهي تؤيد التعامل مع النزاعات في مناخ من التعاون والتفاوض وإدارة الصراع. مع محافظتها على معارضتها التقليدية للتدخل العسكري وما تعتبره سياسة الولايات المتحدة في المنطقة.

لقد كان الشرق الأوسط دائما محل تركيز استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة، في حين أن المنطقة – بالنسبة للصين- ليست بذات أهمية جيرانها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ومناطق أخرى. بالتالي، يتشكل نهج الصين حيال الأزمات التي من علاقاتها مع الولايات المتحدة.

 

تعرف بكين أن وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يعتبر مصلحة استراتيجية في واشنطن، وأن وجود الولايات المتحدة الدبلوماسي والعسكري سوف يستمر لعقود، وأن سياسة الولايات المتحدة أمر حاسم لحماية مصالح واشنطن بالمنطقة. وبالتالي، فإنها تسعى إلى تجنب الأعمال التي من شأنها أن تضعها في موضع مواجهة مباشرة معها. في الوقت نفسه، تريد بكين بناء علاقات سياسية مع كل من الأنظمة الجديدة والقديمة في بلدان المنطقة والحفاظ عليها، من أجل ضمان الحصول على الموارد والأسواق. فمصالحها الإقتصادية تشكل العامل الأبرز في تحديد سياستها الخارجية تجاه المنطقة، التي تتمثل في جوهرها في الاستقرار من أجل ضمان الوصول إلى الموارد الطبيعية دون عائق. مع تنامي حاجتها للطاقة بشكل أسرع من أي بلد آخر. إن الشاغل الرئيسي لبكين في منطقة الشرق الأوسط لا يزال تجارياً وليست سياسياً.

منذ 2011 إلى الآن، استمرت الصين في ميلها إلى اتباع سياسة الانتظار والترقب. تختار بكين الحفاظ على مسافة بعيدة عن المشاركة الفعالة في إعادة تنظيم الشرق الأوسط. يمكن تلخيص سبب هذه السياسة السلبية بالقول أن سياستها الخارجية غير مرنة، وتتجنب اتخاذ مخاطر لا داعي لها. ستحاول الصين الحصول على حصتها من الأسواق العربية والاستمرار في متابعة الاتفاقيات الاقتصادية والعقود التجارية، بدلا من لعب لعبة محصلتها صفر على حساب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة. و ليس من المتوقع أن يتغير موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في المستقبل القريب على الأقل. وإذا ما حدث ولعبت الصين دوراً أكبر سواء في الاستفادة من أحداث الشرق الأوسط أو توجيهها، فلن يكون إلا في إطار تعاوني تشاركي مع الولايات المتحدة وأوروبا، على أساس مصالح إستراتيجية واقتصاديةالمشتركة.

 

 

2024-02-27 12:42:42 | 527 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية