التصنيفات » دراسات

مركزية القدس والهيكل في الفكر الصهيوني ” الوثني ”




مصطفى إنشاصي
الحلقة الأولى
باحث في شئون الاسلام وفلسطين
تقديم المفكر الاسلامي
محمد حسني البيومي الهاشمي
مدير موقع الساجدون في فلسطين

الباحث مصطفى إنشاصي الذي اعرفه هو صاحب رؤية إسلامية تربط ببن الاسلام والقرآن والمشروع الفلسطيني الالهي هو الرؤية الحقيقية التي تحدد البديل في خيارات ثورتنا الالهية المقبلة …
والبحث المطروح من حيث المبدأ هو بحث جيد وقيم واهم  نقاط موضوعاته الجديرة هو الربط  بين المشروع الصهيوني والعقيدة الماشيحانية .. وهذا الموضوع فصلته في مباحثي المنشورة وخاصة بحثي بعنوان سقوط نظرية الهرمجدون الزائفة .. وهنا القيمة البحثية في حسم قضية الصراع الأزلي بين الحق والزيف الابليسي وهذا هو التشخيص الالهي في القرآن وإسرائيل الوثنية المشخصة في القرآن تأتي الصهيونية الوثنية المعاصرة  لتعبر بها وأساطيرها الزائفة من خلال فكر الماشيح الزائف والصهيوني الماسوني الوثني ثيودور هيرتزل  .. وأزلام المدرسة الدموية التلمودية المعادية لثورة الفكر الانساني والحقوقي عبر مناهج التلمود القائمة على تبرير الحقد الافسادي لتعويض أزمات الفشل الاسرائيلي التاريخي بثورة لسحق الانسان وهذا هو فكر الدجال الماشيح الكاذب القادم والذي وصفه الرسول صلى الله عليه وعلى آله  وسلم  بالدجال وحذر منه أمته بشدة .. ووصفه النبي عيسى عليه السلام  بالنبي الكذاب وأوصى بالاحتراز من الأنبياء الكذبة القادمين باسمه والمنتحلين سماته !! والفكر الصهيوني الوثني المقاتل هو صورة فريسية متجددة لرواد التاريخ الدموي الذي مارسوه ضد الأنبياء والمرسلين ..وهم يروجون اليوم عبر أبواق الفكر الغربي بما يعرف ” المسيح المنتظر المقاتل ”  ومن عبارات السيد المسيح عليه السلام  :
” يا أورشليم يا سافكة دم الأنبياء وراجمة المرسلين !!  وفكرة الصهيونية الوثنية المرتكزة على بروتوكولات الدجال وحكومته الخفية وارتكاب الدم في الأرض كتبرير لقدومه !! وما أركز عليه في تقديمي هو ضرورة  التجديد في ثورة المصطلحات بما يتواكب مع ديمومة المشروع الالهي المهدوي المقبل والقادم سماويا لسحق الفكر الوثني والدموي الاسرائيلي الافسادي : وهنا يجب ان يقدم المشروع الصهيوني في المصطلح الصراعي بسماته ” الصهيونية الوثنية ” ” صهيونية الدجال الوثنية ” ” إسرائيل الوثنية ” ” إسرائيل قاتلة الأنبياء ” والنقطة المهمة في ثورة المصطلحات القادمة وكما ذكرت سابقا هو الضرورة الحتمية نحو التركيز على وجود قيادتين في الفترة المقبلة وهما :
القيادة الالهية السماوية ويمثلها خليفة الله المهدي عليه السلام ”
والقيادة الوثني المحتوم سحقها  وهي قيادة الدجال الوثنية !!  وهكذا نحدد المصطلح في العقل الاسلامي والبشري من جديد .. وبهذا ننجح في تشكيل جيل تعبوي قادر على حمل الفكر الثوري بروح قدسية إلهية وليس بروح وطنية تجريدية !! عليها لمسات دينييه لتفريغ الدين وامتطائه لرغبات الدجالين الأعراب الذي لا زالوا يعبثون في مشروعنا الالهي المقدس في فلسطين والأرض المقدسة .والقيادة اللادينية الفكر  التي قادت المشروع التحريري لفلسطين هي من أساسها جماعات لا تحمل الصورة القدسية للصراع ولا زالت تترنح في عقليتها التوفيقية من ألفها إلي يائها .. بدأت بسقوط الأنموذج الديني عن ثورتنا الالهية في فلسطين بمشاريع متغربة من أساسها  انتهت بأزمة مع العقل والانسانية …
وعجز خارق على تحديد ماهيتها “  الوطنجية ” والتي انتهت بإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني عبر وعود أوسلو ومدريد وبقية طوابير فكر المؤامرة الأعرابية التاريخية  الأشد كفرا ونفاقا !! فكان المسيخ الدجال المنتظر لليهود ” الأعور الدجال ” هو الصورة المرجوة في سمات هذا المشروع.. وما أود التذكير فيه  ومن قلب وجهتي وثقافتي ما عرفته في نثرياتي الهامة والمنشورة التركيز على وصف المشروع الاسرائيلي بالمشروع ” الوثني الابليسي ” أو ما أسميته في دراساتي جميعا بمشروع ” ابليس الأعرابي ” الذي يريد أن ينتقم من أصوله الأعرابية فولد المشروع الاسرائيلي الفرييسي الوثني هو صورة وثنية تربى عليها كل قادة إسرائيل . .وفي المختصر اثمن البحث واشد على يد الباحث الكريم بضرورة وجود ثورة مصطلحية جديدة في تاريخية الصراع المقبل بين الخيار المهدوي ” الالهي المحمدي ” في مواجهة الخيارات الوثنية الإسرائيلية والصهيونية الوثنية التي تروج اليوم لقيادة السامري الدجال الوثني .. شكرا للبحث والباحث ..
************************************
في الوقت الذي نجلس فيه متفرجين على مخططات التهويد وتغيير معالم مدينة بيت المقدس التاريخية والأثرية والجغرافية، وطمس وتزييف هويتها الدينية والثقافية، وتغيير معالم الواقع وإزالة كل ما يؤكد حقيقتها العربية التاريخية وهويتها الإسلامية، التي تقوم بتنفيذها حكومات العدو الصهيوني ضد المدينة وتحت/في ساحات المسجد الأقصى الذي شارف على الانهيار والسقوط، لإعادة بناء ما يزعمون أنه (الهيكل الثالث) ليكون رمزاً للسيادة العالمية اليهودية، والأمة عاجزة عن فعل شيء يمنع أو يحد من تلك السياسات الإجرامية الصهيونية بحق المدينة ومعالمها الدينية الإسلامية والنصرانية.
وفي الوقت الذي زال فيه أي اختلاف جوهري وحقيقي وفعلي وعملي على الأرض أو في الممارسة في البرامج بين دعاة التفاوض المباشر بعد غير المباشر بغطاء عربي رسمي، وبين دعاة المقاومة ورمي اليهود في البحر ـ عفواً لم يَعُد هناك أحد يريد رمي اليهود في البحر ولكن الجميع ينشد رضاهم وقبوله الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ـ بالكلام، والشعارات الطاحنة من نوع (الانتقام المزلزل والرد المدمر…) على عمليات التصفية والاغتيال لقادة المقاومة وعناصرها، وليعذرني الشهداء من عامة الشعب فهم للأسف لا عزاء لهم لدى الساسة ـ التي لا نرى منها أي نوع من أنواع الدقيق الذي يمكن أن يشكل غذاءً ووقوداً حقيقياً يمكن أن تتزود منه الأمة في تحريك مشروعها الحضاري ليواجه المشروع الحضاري اليهودي ـ الغربي، وفي بعث وتنشيط عوامل وحدتها ونهضتها ومقاومتها ورفضها لكل أشكال الهيمنة اليهودية ـ الغربية، فكل البرامج أذعنت واستسلمت إما علناً أو سراً، وتركت أهلنا في القدس يواجهون مصيرهم وحدهم، والأقصى له رب يحميه، واختزلت القضية في رام الله في شخص الرئيس والصراع على خلافته، وفي غزة في فك الحصار وجعله القضية المركزية للأمة!.
وفي الوقت الذي نحن ـ ككتاب ومثقفين ـ نعلن فيه أيضاً عجزنا عن فعل أي شيء عملي، ونفتقد لأي فعل مؤثر يمكن أن يقلب المعادلة أو يُغير الواقع ويكسر جموده وسكونه! إلا أن اعترافنا بعجزنا يجب ألا يُقعدنا عن المحاولة لفعل شيء وأقله الكلمة الواعية المسئولة، التي تُلقي الضوء على ما خفي من حقيقة العقيدة الصهيونية وأبعاد مخططاتها وسياساتها ضد مدينة بيت المقدس والمسجد الأقصى، على أمل أن تفعل تلك الكلمة والمعلومة فعلها الإيجابي في نشر الوعي وتحريك الأمة في الوقت المناسب! فقد كانت الكلمة فيما مضى مع قلة وسائل الإعلام وأدوات توصيلها لأكبر عدد من القراء مقارنة بالوقت الحاضر، تحرك الأمة أو قطاعات واسعة منها في لحظة ما، وكانت كفيلة بإفشال كثير من المؤامرات التي تستهدفها!.
لذلك إيماناً منا بقيمة الكلمة وأهمية القراءة التي هي أول كلمة نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم “اقرأ”، سنحاول تعريف أبناء الأمة الغيورين والحريصين على القراءة والمعرفة بحقيقة ما ينتظر القدس والأقصى في حال بقيت الأمة صامتة عن التحرك للدفاع عن حقوقها وحمايتهما،
ظناً من البعض أن المفاوضات التي بدأت منذ نحو عشرون عاماً (1991) في مدريد قد تنتهي بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها شرق القدس، أو ظناً من البعض الآخر المخدوع بشعارات المقاومة الزائفة التي منذ الخروج الصهيوني من غزة عام 2005، وفوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وسيطرتها على غزة في أحداث 2007، لم تَعُد باحثة عن التحرير ولكن عن شرعية، أي شرعية! لذلك هي لم تَعُد معنية بِهَم الأمة في التحرير واستعادة الحقوق، ولا الحفاظ على قدسها وأقصاها.
لذلك إيماناً منا بقيمة الكلمة وأهمية القراءة سنحاول تعريف الأمة بحقيقة العقيدة الصهيونية وأهدافها الحقيقية ضد القدس والأقصى. ولأن البعض يرى أن مقالاتي أو تقسيمي لأبحاثي يكون أقسام كبيرة، فإني سأحاول تقسيم هذا البحث الذي نُشر في (العدد (18) من مجلة شؤون العصر، السنة التاسعة، يناير ـ مارس 2005)، إلى أقسام صغيرة تشجع القراء الذين يرغبون في المعرفة والمزيد من المعلومات، ولا وقت لديهم أو صبر على القراءة على قراءته.
عقيدة المسيا/المسيحانية اليهودية
اعتبر السواد الأعظم من مؤرخي الحركة الصهيونية الحديثة أن الحركة الصهيونية حركة سياسية علمانية، استغلت اليهود لتحقيق مشروع يخدم مصالح الدول الغربية التي كانت تحتل وطننا آنذاك، وأن اليهود لم يفكروا منذ أن دمر هدريان وجودهم في فلسطين وشردهم خارجها عام 135م في العودة إليها، وأن ارتباطهم بفلسطين اقتصر على الارتباط الديني والروحي فقط. ونرى أن هذا الرأي قد جانب الحقيقة كثيراً، لأنه تم إساءة فهم حقيقة اليهودية كديانة من وضع البشر، اختلط فيها الإلهي بالإنساني، والديني بالقومي، والأخروي بالدنيوي… إلخ . ولم يتم تحديد دقيق لهوية ما يسمى بـ(القومية اليهودية) إن كانت (قومية علمانية) حسب المفاهيم القومية الغربية أو بمعنى (الأمة الدينية)، لأن اليهود لا يتوفر فيهم أي عنصر أو مقوم من عناصر أو مقومات القومية العلمانية على اختلاف مفاهيمها، في الوقت الذي لا ينطبق عليها سوى مفهوم وهوية واحدة هي (الأمة الدينية)، أي دين يعتنقه أناس من أعراق وجنسيات متعددة ومختلفة.
وإذا كانت الأدلة والحجج التي استشهد بها من قالوا بعلمانية الحركة الصهيونية، و”القومية اليهودية” وكيان العدو الصهيوني كثيرة، إلا أن أهم مسألة قد تكون أحدثت كل ذلك الخلط، أو الضبابية في الرؤية في تحديد هوية (القومية اليهودية) وفهم حقيقة وأهمية دور بل مركزية الدين في الحركة الصهيونية بالإضافة إلى إسقاط  الكتاب والمفكرين العلمانيين من غير اليهود فهمهم للعلمانية على أنها فصل تام للدين عن السياسة على اليهود وقادة الحركة الصهيونية، دون إدراك ـ إلا القلة ـ أنهم لو جردوا ما يزعمون أنه (القومية اليهودية) من محتواها الديني فإن تلك القومية تتحول إلى وهم وسراب، لأنها لا يتوفر لها أي مقوم من مقومات القومية العلمانية، كان:
اعتماد أنصار ذلك الرأي على موقف ورأي طائفة دينية أو أكثر من الطوائف الدينية اليهودية وفهمها لمعنى عقيدة (المسيا أو المسيحانية) أي حضور المسيح اليهودي آخر الزمان، وإعادة اليهود إلى أرض الميعاد، وتحقيق كل وعود (خرافات) التوراة بالسيادة العالمية، في تحديد هوية الصهاينة واعتبارهم علمانيين. إلى جانب أدلة أخرى لا تصمد عند المناقشة العلمية والموضعية وشواهد الواقع، معتبرين أن اليهود طوال شتاتهم المزعوم يؤمنون بالعودة السلمية للمسيح اليهودي، بدون عنف أو فعل بشري، وأن فكرة العودة بالقوة والخداع السياسي التي أتى بها اليهود الصهاينة هي فكرة دخيلة ومستحدثة.
وبناءً على ذلك تجاهلوا أن اليهودية الأرثوذكسية التي خرج من أحضانها كل المسحاء الدجالين اليهود، وكل حركات تطوير وتجديد فكرة المسيا اليهودية التي كان آخرها الحركة الصهيونية، التي تحالفت معها اليهودية الأرثوذكسية في تثبيت دعائم الكيان الصهيوني في فلسطيننا، على الرغم من تظاهرها أنها مازالت محافظة على عقيدة عودة المسيح اليهودي سلماً ونزول الهيكل من السماء إلى الأرض لأنه مُصنع ومُعد في السماء وينتظر بعث المسيح فقط ـ تجاهلوا أن اليهودية الأرثوذكسية التي وُضِعت لبناتها الأولى في السبي البابلي هي التي وضعت كل تلك الخرافات، وأنها هي التي قادت اليهود طوال مراحل شتاتهم، وهي التي فرضت عليهم أسوار الجيتو كما أراد أنبيائها المؤسسين عزرا ونحميا. كما أنها هي التي قامت بتطوير مفهوم الخلاص المسيحاني عبر مراحل الشتات، وأفرزت حركة (القبالاه الصوفية اليهودية) التي نشأت في القرن الحادي عشر الميلادي، والتي تُشكل رؤاها الدينية للخلاص الخلفية الدينية والفكرية للحركة الصهيونية. وقد اشتدت عمليات التطوير لفكرة الخلاص المسيحاني، وربطها بواجب شراء أو اغتصاب الأرض في فلسطين، وبلورة المفهوم القومي اليهودي منذ بدايات القرن السادس عشر الميلادي، أي من قبل حركة مارتن لوثر والانشقاق البروتستانتي على الكنيسة الكاثوليكية.
ذلك لأن عقيدة المسيا التي وُضَعت أسسها اليهودية الأرثوذكسية هي عقيدة دينية سياسية وليست عقيدة دينية صوفية تأملية، تمثل الحركة الصهيونية ذروة غلوها ونتاجها الفكري الذي أشرف على بلورته الحاخامات طوال قرون. تلك اليهودية أسقطها الكتاب من حساباتهم واعتمدوا على موقف اليهودية الإصلاحية “الداعية لدمج اليهود في شعوبهم”، واليهودية المحافظة التي تظاهرت بالعلمانية لإفشال مخططات اليهودية الإصلاحية، بهدف الحفاظ على الانتماء اليهودي وعدم ذوبانه وسط (الأغيار أو الجوييم)، متجاهلين أننا نخوض صراعنا المباشر مع تلك اليهودية واضحة المعالم والأهداف، وليس مع تلك اليهوديات التي يقيسون عليها، ويبنون عليها دراساتهم ويستخلصون نتائجهم وتحليلاتهم الخاطئة بناء عليها عن اليهودية الصهيونية.
يقول الدكتور (سمير أيوب) مؤلف كتاب “وثائق الصراع العربي الصهيوني”، خمسة أجزاء، عن دور الدين اليهودي والحاخامات اليهود في الإعداد للحركة الصهيونية: … هكذا يثبت وبلا “شك أن المعتقدات الدينية التلمودية وما يتبعها من اجتهادات وتفسيرات أطلقها الحاخامون خلال القرن السادس عشر والسابع عشر قد أحدثت تطوراً واضحاً في الحركة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي ظهرت بين اليهود خلال القرون الخمسة الأخيرة ومن بينها الحركة الصهيونية. وهي التي تقف وراء العديد من أسسها ونظرياتها بل كلها. وأيضاً وراء العديد من الحقوق والمتطلبات الاستثنائية التي تدعيها الصهيونية المعاصرة في مواقفها من باقي الشعوب والدول”[1].
أما الدكتورة (منى كاظم) فإنها ترى أن الحركة الصهيونية لم تكن وليدة فكرة قومية غريبة عن أوساط اليهود المتدينين بل هي ثمرة جهودهم عبر قرون طويلة، وما “الصهيونية إلا الرداء الحديث للأمل المسيحاني القديم الذي حافظ اليهود على إحيائه خلال العصور الماضية، إنه الأمل الذي يهدف إلى تحقيق شقين ـ كما يقول الأنبياء ـ فهو يهدف إلى إعادة اليهودي لحياته القومية في أرضه الوطنية في فلسطين، كما أنه يهدف أيضاً إلى إعادة إنشاء إسرائيل الذي يساعد على إعادة خلق البشر جميعاً”[2]. لذلك قام الحاخامات بتغذية الحركة الصهيونية منذ اللحظة الأولى بأفكارهم، ما ذكا روح اغتصاب الأراضي في فلسطين دينياً، واعتبار ذلك أنه الجهد البشري الذي يسبق ظهور المسيح المخلص، وليس غريباً أن يقال عن ثيودور هرتزل: أنه المسيح أو أنه النبي الذي يسبق مجيء المسيح.
لا صهيـونيـة بـدون التــوراة
وما يزيد من عجبنا تلك الظاهرة التي سيطرت على كتابات وعقول مثقفينا؛ التي ربطت ربطاً عضوياً بين (الديانة اليهودية) و(القومية اليهودية)، حيث أسقط الكتاب والمثقفين العرب القوميين والعلمانيين مفهومهم أو رؤيتهم لمكانة ودور الدين الإسلامي في فكرهم، الذي كان يعتبر في أحسن الأحوال أحد المقومات الثانوية للقومية العربية، بمعنى أنه موروث ثقافي وتاريخي، وفي تسعينيات القرن الماضي تقريباً اعتبره أحد الاتجاهات القومية في وطننا المقوم الثقافي للقومية والعروبة. المهم أن أولئك الكتاب والمثقفين العرب أسقطوا مفهومهم للدين على اليهود الصهاينة ولم يأخذوا الفارق بين كلا الدينين (اليهودية والإسلام)، وبناء على ذلك بنوا مفاهيمهم عن الصهيونية، وكتبوا دراساتهم ورؤاهم وتحليلاتهم، وحددوا أهدافها ومدى عمالتها للغرب أو قربها وبعدها من المشروع الغربي، وصنفوا اليهود الصهاينة إلى متدين وعلماني وملحد، وإلى متطرف ومعتدل، وإلى دعاة السلام وصديق أو حليف يمكن التفاوض معه وعدو لا يمكن التحالف معه، وفي النهاية تفاجئوا بأن جميع الصهاينة هم يهود صهاينة قبل أن يكونوا أي شيء آخر.
لذلك هم وقعوا في خطأ ربطهم بين (الدين اليهودي) و(القومية اليهودية) بحسب مفاهيمهم، واعتبارهما بالنسبة لليهودي المتدين شي واحد هو (الدين) ، أما بالنسبة لـ(ليهودي العلماني) الذي لا يؤمن بالدين اليهودي ـ بحسب مفهومهم ـ اعتبروا الدين بالنسبة له (موروث ثقافي)! علماً أنهم لم يحددوا لنا تحديداً دقيقاً الفوارق البينة بين ما يسمونه (الدين اليهودي) و(الثقافة اليهودية)! ولا مدى الإيمان والاعتقاد الديني لدى مَنْ يعتبرونهم (يهود علمانيين) بما يزعمون أنه (الثقافية اليهودية) التي هي (الدين اليهودي)، وتأثير ذلك الإيمان على توجهاتهم وأفكارهم وممارساتهم ومواقفهم السياسية من قضايا الصراع الجوهرية، أو ما يمكن أن نسميه قضايا الحل النهائي، وعلى رأسها قضيتي القدس واللاجئين؟! ولكن الذي فسر لنا تلك الظاهرة تفسيراً دقيقاً وصحيحاً يستقيم والفهم الصحيح لحقيقة الحركة الصهيونية وموقفها من الدين، هو المفكر (ناثان وينستوك) في كتابه “الصهيونية ضد إسرائيل” بقوله:
“إذا كانت المظلمانية (نزعة) الانغلاق وإعاقة المعرفة والتقدم (الربانية قد انتصرت في “إسرائيل”) فما ذلك إلا أن التصوف (الإيمان المطلق القائم على التسليم والعاطفة لا على العقل وهو قريب من التعصب الأعمى) الصهيوني لا يتماسك إلا بالرجوع إلى الدين الموسوي. ألقوا مفاهيم (الشعب المختار) و(الأرض الموعودة) ولسوف ينهار أساس الصهيونية، ولذلك نجد أن الأحزاب الدينية تستمد قوتها بشكل متناقض في التواطؤ بين الصهيونية واللا أدريين. لقد فرض التماسك الداخلي في الكيان الصهيوني (إسرائيل) على قادتها تقوية سلطات الكهنوت. وقد كان الحزب الاجتماعي الديمقراطي (الماباي) ـ بالتحريض من بن غوريون ـ هو الذي جعل دراسة الدين إجبارية في مناهج المدارس وليست الأحزاب الدينية”[3]. أي أنه لا يمكن لليهودي أن يكون صهيوني بدون التوراة والدين اليهودي، سواء اعتقد به دينياً أو اعتبره موروث ثقافي على حد زعم كتابنا ومثقفينا! بمعنى أن كل الصهاينة مسخرين لخدمة الغايات الدينية وليس العكس الذي درج عليه الكتاب! وذلك ما يؤكد أن اليهودية كدين لها غايات سياسية، وأن التوراة لها معنى سياسي، تعبر عنه عقيدة المسيا اليهودية. وذلك ما سنعرض له في الحلقة التالية.
التاريخ 8/8/2010
________________________________________
[1] سمير أيوب، الصراع العربي الصهيوني، الجزء الأول، صامد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1984، ص11.
[2] منى كاظم، المسيح اليهودي ومفهوم السيادة الإسرائيلية، الاتحاد للطباعة والنشر، أبو ظبي، سلسلة ثقافة (نحن وهم)، ص252-253.
[3] رجاء جارودي، فلسطين أرض الرسالات الإلهية، ترجمة وتعليق وتقديم عبد الصبور شاهين، مكتبة دار التراث، ص241.


 

2011-01-05 11:15:10 | 2114 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية