مُلخّص التقدير الإسرائيلي
30-5-2024
ملخّص بحث حول "الدونيّة الاستراتيجية الإسرائيلية ما قَبْل طوفان الأقصى"
تُواكب "إسرائيل"، بدقّة، التغيّرات الجذرية التي ترى أنها تحصل في البيئة الاستراتيجية المُحيطة بها. وهي تعتقد أن هذه التغيّرات تَحْمل في طَيّاتها تَحَدّيات مُتنامية، تقرّ بأن بعضها من نوع جديد، ويختلف عَمّا كانت تُواجهه خلال العقود الأولى لنَشْأتها.
يُشير الكاتب الإسرائيلي إيلي بار- أون، إلى أن الاتفاق المُتَبلور بين "إسرائيل" ولبنان حول ترسيم الحدود البحرية هو "انتصار كبير على مستوى الوعي" للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي كَرّر إنجازه في بدء الألفيّة، ك "مُحَرّرٍ للبنان وطاردٍ للإسرائيليين من الحزام الأمني". وفي مَعْرض قراءته لطريقة مُعالجة "إسرائيل" ملف المفاوضات البحرية مع لبنان، أشار الكاتب إلى أن "الدونيّة الاستراتيجية لإسرائيل تَتَجلّى أمام أعْين الجميع"؛ وأضاف أن "إسرائيل هي المُكوّن المُرْتَدِع اليوم؛ وهي بُغْيَة وقف الحرب الكبيرة المتدحرجة على أعتابها، تسعى لدفع فدْية؛ وهي تَتَنازل عن مُمْتلكات قومية، كما تقوم بوَسْم نفسها بصورة التابع (الذمّي)، الذي يخضع ويدفع رسوم التبعيّة لكسب الوقت". ولَفَت بار- أون إلى أن "إسرائيل" لا يُمْكن أن تَسْمح لنفسها بخَوْض حرب الآن، لأنها تُعايش بالتزامن أموراً داخلية مُهِمّة، وهي: أزمة سياسية داخلية مُسْتَفحلة ومتواصلة، وجبهة داخلية غير مُستعدّة للحرب، وجيش إسرائيلي صغير غير قادر على مواجهة جبهات عدّة في آنٍ واحد، وساحة داخلية مُزَعْزعة، بحيث يُراكم فيها الفلسطينيون من حَمَلة الجنسية الإسرائيلية ثقة بالنفس، فَيَجْمعون السلاح ويَسْتعدّون لـ "يوم الاستدعاء". قطاع غزة مُسْتَعِدٌ للحرب، وقيام ما يُشْبه دولة مُستقلّة في بعض مناطق الضفة الغربية، بالإضافة لإيران نووية.
إنّ مَوْجَة التصعيد الجهادي في منطقة الضفة الغربية خاصة، وسائر الجَبَهات المُحيطة بالعدو، من الشمال والشرق والجنوب، تَرْفض الانكفاء، وتُثْبِت يوماً بعد يوم بأنّ "إسرائيل" تَغْرق بالتدريج في فخ استراتيجي. ذلك أنّ حَجْم التحدّيات الناشئة في ساحات محور المقاومة يَزْداد، وعدد البدائل التي أمام "إسرائيل" يقل، ومنها تلك التي بَقِيت تتراوح – على الأقل حالياً – بَيْن السيّئ والأسوأ.
وتَخْتَلف موجة التصعيد في الضفة الغربية، بمزاياها وبطولها، عن تلك التي نشبت وانطفأت حتى اليوم، وعلى رأسها "انتفاضة السكاكين" التي وقعت بوتائر مُتغيّرة بين نهاية 2015 وبداية 2016. والتصعيد الحالي يعكس مشاكل جوهرية عديدة، تُجَسّد صعوبة مواصلة الحفاظ على الاستقرار النسبي الذي قام على مدى نحو عقدٍ ونصف في "المناطق". وثمّة ميزتان أساسيّتان هما الأبرز للتصعيد الحالي، وتَنْبعان من تيّارات مُقاومة عميقة في الساحة الفلسطينية، والتي تؤثّر مُباشرة على "إسرائيل"؛ الأولى هي رَفْع رأس الجيل الفلسطيني الشاب؛ ذاك الذي أسّس رفاقه شبكات المقاومة، مثل "عرين الأسود" في نابلس، أو "عش الدبابير" في "المناطق". وهذا الجيل يَنْفر من كلّ صلة بالجهات الفلسطينية "المؤطّرة"، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية الفاسدة والعاجزة بقيادة أبو مازن. ويَنْبع هذا النفور في قسمه الصغير من عدم التقدّم في المسيرة السياسية، أو من غياب حوافز اقتصادية، وبقدر أكبر من مزايا الحكم في رام الله: فساد، محسوبية، خرق حقوق إنسان، تَعَفّن سياسي عميق، وغياب الديمقراطية (منذ 17 سنة لم تُجْرَ انتخابات في السلطة).
إنّ التوتّر المتواصل في الضفة الغربية ينطوي على إمكانية كامنة لتَطوّر تهديدات استراتيجية من ناحية "إسرائيل"، وعلى رأسها "نسْخ" نماذج نابلس وجنين إلى مواقع أخرى، بشكلٍ يُضَعْضِع المكانة المُتَهالكة أصلًا للسلطة، ويُلْزِم "إسرائيل" بالدخول إلى فَراغات حكومية تَنْشأ لأجل القضاء فيها على تهديدات أمنية. وثمّة تهديد آخر يُحْدِق من جهة "حماس"، التي تُفكّر كلّ الوقت بالاستيلاء على قيادة الساحة الفلسطينية، وترى في "اليوم التالي" لأبي مازن فرصة جيّدة لهذا الغرض، ضمن أمور أخرى، من خلال الدفع قُدُماً بالمصالحة الداخلية وبالانتخابات العامة.
في ضوء هذا الواقع، تَجد "إسرائيل" نفسها في حالة "انكسار استراتيجي " أو "دونيّة استراتيجية". فالأفكار المرحلية التي تعتمد عليها في السياق الفلسطيني خلال العقدين الأخيرين، والتي أتاحت ظاهراً تجميد الوضع من دون اتخاذ حسم استراتيجي، تَتَبَيّن من خلال التصعيد الحالي بأنها ذات مدى محدود. وإدارة النزاع، والسلام الاقتصادي، مِثْلَما هي أيضاً فكرة تقليص النزاع، كان يُفْتَرض بها أن توفّر الهدوء على مدى الزمن في ظل تجاوز المشاكل الأساسية. أما عملياً، فإنّ كلّ مشاكل الماضي التي تتطلب حلًا تَبْرز بوضوح، وعلى رأسها خطر الاندماج المتواصل بين الجماعتين السكّانيّتين.
لقد أزال الإيرانيون والسوريون تقريباً كلّ القيود الموضوعة على نَقْل السلاح إلى حزب الله و"حماس". وفَرَضيّة العمل لدى الاستخبارات الإسرائيلية هي أن كلّ سلاح، مَهْما كان حديثاً ومتطوراً، موجود لدى إيران أو سوريا، فَسَيصل عاجلاً أو آجلاً إلى لبنان وغزة. وكذلك لدى هذا المحور شبكات أخرى استخبارية وإنذار مُبْكر، ترْصد نشاطات الجيش الإسرائيلي والكيان الغاصب.
في هذا البحث نتناول عوامل الانكسار الاستراتيجي الإسرائيلي، والحالة المُتَدنّية والمُعقّدة في قدرة العدو على اتخاذ قرار أو خيار، عسكري أو سياسي، منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر من العام الماضي.
2024-05-30 13:20:09 | 298 قراءة