التصنيفات » التقديرات النصف شهرية

15-7-2024

ملخّص التقدير الإسرائيلي

15-7-2024

ملخّص بحث حول أزمة تجنيد  الحريديم في جيش العدو

تشكّل مسألة تجنيد المتدينين الحريديم في الجيش الإسرائيلي واحدة من المسائل المهمّة التي رافقت المجتمع و"الدولة" في كيان الاحتلال منذ تأسيسه. وخلال الأسابيع الماضية، قفز هذا الموضوع إلى الواجهة بشكل خاص مع استمرار الحرب الإسرائيليّة الإجرامية على قطاع غزة، والحديث عن حاجة جيش الاحتلال إلى نحو 20 ألف جندي إضافي. وقد حصل نحو 66 ألف متديّن يهودي، العام الماضي، على إعفاء من الخدمة العسكرية، وهو رقم قياسي، خصوصاً أنه يأتي في ظل حرب وحشية غير مسبوقة تخوضها تل أبيب في قطاع غزة.

يعود موضوع الإعفاء إلى الأيام الأولى لنشأة دولة الاحتلال على أراضي فلسطين بدعم بريطاني عام 1948، حين أعفى ديفيد بن غوريون، أوّل رئيس وزراء للكيان، نحو 400 طالب ديني من الخدمة العسكرية، ليتسنّى لهم تكريس أنفسهم لدراسة التوراة. وكان بن غوريون يأمل من خلال ذلك القرار إبقاء المعرفة والتقاليد اليهودية حيّة بعد أن كادت تُمحى خلال ما عُرِفَ بـ”المحرقة النازية” (الهولوكوست).  لكن المحكمة العليا في "إسرائيل" قرّرت إلغاء قانون صدر عام 2015 يقضى بإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، واعتبرت أنه يمس بـ"مبدأ المساواة" في تحمّل الأعباء. ومنذ عام 2017، أخفقت الحكومات المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي بشأن تجنيد هؤلاء. وفي الوضع القائم، تُعارِض الأحزاب اليهودية المتشدّدة الضغوط التي تُمارَس عليها لإلغاء الاستثناءات الممنوحة لطلّاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، في الوقت الذي يكافح فيه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، للحفاظ على تماسك الائتلاف الحكومي، وتقسيم أعباء الحرب بين أطياف المجتمع بشكل عادل، سيما أن  حكومته تضم حزبين دينيين مهمّين: حزب يهودية التوراة المتحدة وحزب شاس، واللذان يمكن أن يؤدّي انسحابهما من الائتلاف إلى إجراء انتخابات جديدة، تؤكّد استطلاعات الرأي على أنه سيخسرها.

وفي السياق، قال موقع "والا" العسكري الإسرائيلي إن قادة الجيش أبلغوا وزير "الدفاع" الإسرائيلي يوآف غالانت، أنهم بحاجة إلى تجنيد حوالي 20 ألف جندي إضافي كي يتمكّن الجيش من القيام بالمهام الروتينية والعمليات الحربية في ميادين مختلفة. ومعلوم أنّ "إسرائيل" تشهد أزمة سياسية حادّة بسبب القانون المذكور. ففي حين تعارض الأحزاب الدينية المساس بمبدأ إعفاء المتديّنين من الخدمة العسكرية، يُطالِب وزراء، بينهم عضو مجلس الحرب بيني غانتس ووزير "الدفاع" يوآف غالانت وزعيم المعارضة يائير لبيد، بوضع حد لهذا الإعفاء. ويؤكّد كبار قادة الجيش أن هناك ضرورة كبيرة لهذا التجنيد الإضافي في ضوء التهديدات المتزايدة وتقديرات الاستخبارات بشأن مخاطر الجبهة الشمالية مع لبنان بشكل خاص. وبالتالي فإن طول أمَد الحرب على غزة، وضرورة المساواة في العبء شكّلا مبرّراً لتجدّد المطالبة بضرورة خدمة الحريديم، التي أُغلِق الستار عليها لسنوات؛ لكن هذه المطالبة وجدت في وجهها معارضة شديدة من قِبل اليهود الحريديم، بتصديرهم شعار "نموت ولا نتجنّد"، للقضاء على أي محاولة تفكّر في إرسالهم للجيش. ولم يقف الأمر عند حد المطالبة والرفض؛ بل تمادى إلى جولات أخرى، وصلت حد نزول الحريديم، الذين يشكّلون 14% من المجتمع الإسرائيلي، إلى الشوارع، لمعارضتهم أي تعديل يغيّر استقرار أوضاعهم، حيث بلغت التظاهرات حد التشابك بالأيدي مع قوات الشرطة وقطع الطرق لساعات، منها طريق رقم 4 قرب تقاطع جفعات شموئيل، مما تطلّب تدخّل قوات الأمن التي استخدمت العنف مع بعضهم . وتتعدّى أزمة تجنيد "الحريديم" مضامينها العسكرية والسياسية، إلى مضامينها الاجتماعية، حيث تبرز التصدّعات العميقة التي تكشف هشاشة دولة الاحتلال؛ وهو الأمر الذي تحدّث عنه الكاتب نحميا شترسلر في صحيفة "هآرتس" العبرية، حيث قال : "إنّ على الإسرائيليين العلمانيين أن يُدركوا أن الأرثوذكس المتطرفين لا يحترمونهم، ويعلّمون أطفالهم أن يحتقروهم؛ فهم لا يعترفون بالدولة، ومُعادون للصهيونية. وبالنسبة لهم، نحن ببساطة احتياط مالي يجب سرقته". وأضاف: "الحريديم ينظرون إلى الحكومة العلمانية على أنها حكومة أجنبية، يجب استغلالها وخداعها والكذب عليها، وابتزاز أكبر قدر ممكن من المال منها. إنهم لا يرون الدولة على أنها بداية الخلاص، بل على أنها استمرار مباشر للنفي التوراتي". وتابع شترسلر: "إن الحكومة لدى الحريديم هي مثل مالك الأرض غير اليهودي الذي كان يعمل معه اليهود في أوروبا الشرقية، وكان عليهم التعايش معه. ولهذا السبب ليست لديهم مشكلة في عدم الوفاء بأي واجب مدني: تدريس المناهج الأساسية، والعمل، والخدمة في الجيش". وأردف: "يمكننا التعرّف على الموقف الحريدي تجاه الجنود الإسرائيليين من تصريحات اثنين من القادة البارزين في التيّار الأرثوذكسي، أحدهم الحاخام دوف لانداو، الذي ينصح طلّاب المدارس الدينية بعدم حضور الجنازات العسكرية، أو حتى القيام بزيارات المستشفى للجنود الجرحى. ويقول: دَعْهم يموتون في سلام، ماذا يهم؟ والآخر هو الحاخام يسرائيل بونيم شرايبر، الذي يقول: إنّ جنود الجيش الإسرائيلي هم مثل رجال القمامة، ولا يهمّنا من الذي يُقْتَل منهم. ليس لديهم أي صلة بنا، فهم ليسوا إخواننا". وخلص الكاتب: "لقد حان الوقت لأن نُدْرك أن السبب الحقيقي لتهرّب الحريديم من الخدمة هو الرغبة الصريحة والمباشرة في حماية حياة أبنائهم فحسب" .

وفي الخلاصة، إن أزمة قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكريّة هي أزمة جوهريّة تطول لُبَّ علاقة الأحزاب الإسرائيليّة مع جمهور ناخبيها. اليهود المُتَزمّتون دينيًّا (الحريديم) لا يستطيعون العيش مع قانون إعفاء يفرض حصصًا محدَّدة للتجنيد، ويفرض عقوبات ماليّة أو جنائيّة على كلّ من يتهرّب من الخدمة، أو يتحايل على القانون عبْر تسجيل صوري في المعاهد الدينيّة. في المقابل، يقع زعيم العلمانيين غـانتس في مطب أمام جمهور داعميه إذا لم يَفِ بوعده بإلغاء الخلل في "تقاسم العبء" ووقف تهرُّب الحريديم من الخدمة ومن العمل أيضًا.

في هذا البحث، نتناول أزمة تجنيد اليهود المتديّنين "الحريديم" في جيش الاحتلال؛ وهو موضوع سبق له، منذ تأسيس الكيان، أن أحدَث خلافات وشروخات سياسية وقانونية وعسكرية ودينية باتت مُزْمنة وعميقة وتصعب معالجتها. كما نتناول التطورات الأخيرة التي طرأت بعد طرْح نتنياهو قانوناً مُعَدّلاً جديداً يحتال على المشكلة، ويحاول تقزيمها ضمن اقتراحات عملية محدّدة، تُنْقِذه من سقوط حكومته، وتحول دون تعرّضه لمصير سياسي دراماتيكي غير محمود.

لقراءة التقدير كاملاً انقر هنا

2024-07-13 13:41:29 | 134 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية