التصنيفات » التقديرات النصف شهرية

30-7-2024

ملخّص التقدير الإسرائيلي

30-7-2024

ملخّص بحث "إسرائيل والجيل الرابع من الحروب"

لا تُعَدّ فكرة الجيل الرابع من الحروب فكرة جديدة، إذ تحدّث عنها المفكّر الصيني "صن تزو”  قائلاً : إنّه من الصعب أن تدخل في حروب ضدّ قوّة عسكرية أقوى منك بالأسلحة المتناظرة نفسها، ومن ثمّ يجب البحث عن أساليب مختلفة لاستخدامها بهدف إلحاق الخسائر بالقوّة الاكبر. وفي رأيه أن هذا الأسلوب يتمثّل في استهداف وحدة المجتمع المُعادي بحيث إنه عندما يتم تحطيم التماسك الاجتماعي هناك، فسيؤدّي ذلك إلى تحطيم القوّة العسكرية. وتعود جذور هذا النوع من الحروب إلى الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، حيث استخدما أساليب حديثة في القتال تعتمد الحروب السريّة عبر الأفراد والجماعات المدرّبة لإحداث اضطرابات في الدولة المُعادية والقيام بعمليات إرهابية. فقد قامت الولايات المتحدة بدعم تنظيم "القاعدة" الإرهابي التكفيري ضدّ الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. كما استطاعت القوّات الفيتنامية في حرب فيتنام أن تهزم الولايات المتحدة التي تمتلك أقوى جيش في العالم، وألحقت بها أفدح الخسائر البشرية والمادية؛ وهذا خير مثال على حروب الجيل الرابع، حيث استطاعت قوى ضعيفة تكبيد قوّة أكبر منها بكثير الخسائر الفادحة. وتُعَدّ أحداث  11 أيلول 2001  مثالًا آخر على هذه الحروب التي توضح مدى قدرة قوّة غير نظامية، مثل تنظيم “القاعدة”، على استهداف البُرْجَين التجاريين الأمريكيين وإلحاق الخسائر الكبرى بالولايات المتحدة واستهدافها في عقر دارها. من هنا يُطْلَق على حروب الجيل الرابع ” الحروب اللامتماثلة ”، أو “الحروب الغير متكافئة”، والتي تعني وفقاً لأنطونيو إتسيفاريا – الأكاديمي العسكري الأمريكي –  بأنّها ” تلك الحروب التي تعتمد على نوع من المقاومة الذي تستخدم فيه القوّات غير النظامية كلّ الوسائل التكنولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، بهدف إجبار العدو – الذي يمثّل قوّة نظامية- على التخلّي عن سياسته وأهدافه الاستراتيجية “.

وتبدو حروب الجيل الرابع واضحة في المنطقة العربية، خاصة بعد ثورات "الربيع العربي" في أواخر عام 2010م، حيث قامت انتفاضات وثورات في عدد من الدول العربية ضدّ النظم الاستبدادية الحاكمة، فبدأت في تونس ثم انتشرت إلى مصر وليبيا واليمن؛ ونتَج عن تلك الثورات الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية في بعض الدول، مثل تونس ومصر. وهناك دول تحوّلت فيها الثورة إلى صراعات مسلّحة وحروب أهلية مثل سوريا. كما انتشرت التنظيمات والجماعات الإرهابية التي استغلّت حالة عدم الاستقرار والفوضى في المنطقة، والتي تُعَدّ مثالًا لحروب الجيل الرابع. ومن أشهر تلك التنظيمات: تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش”، الذي يُعَدّ من أخطر التنظيمات الإرهابية الموجودة في المنطقة؛ وتعود جذوره إلى جماعة التوحيد والجهاد التي أسّسها أبو مصعب الزرقاوي في العراق في العام 2004. وتتمثّل خطورة هذا التنظيم في أنه استطاع في ظرف  سنوات قليلة أن يحتل أقاليم عراقية كاملة بدون مقاومة تُذْكَر، وذلك بسبب انتشار حالة الفوضى في العراق، والناتجة عن سياسات وقرارات الاحتلال الأمريكي، واستغلاله للصراعات الأهلية في عامي 2005 و2007، وتفاقم الصراع مع إقليم كردستان. كما توسّع "داعش" في مساحات واسعة من الأراضي السورية، مُستغلاً ضعف  الحكومة المركزية والحرب الأهلية. وقد تلقّى هذا التنظيم المساندة من العديد من الجماعات الإرهابية المماثلة، مثل تنظيم القاعدة في دول الخليج، وحركة طالبان في باكستان، والجماعة الإسلامية في أندونيسيا.

حديثاً، أصبح مفهوم الحرب غير المتماثلة واضحاً بعد الحرب الأمريكية في العراق، وذلك لأنّ الولايات المتحدة، بعدما تكبّدت خسائر فادحة، مادياً وبشرياً، نتيجة إطالة أمَد هذه الحرب، تعلّمت أنه من الضروري عدم الدخول في مواجهات مباشرة مع أعدائها؛ بل تكون المواجهات بشكل غير مباشر فقط. وبالتالي، حصل إثر ذلك تطوّر كبير في شكل الحروب في العالم على مدى العقود الماضية، كان آخرها الجيل الرابع من الحروب، الذي يعني كيفيّة تجنّب دولة ما تكبّدها للخسائر في مقابل إيقاع أكبر قدر ممكن منها بالطرف المعادي، عبر استغلال نقاط الضعف لديه وضرب الركائز الأساسية لوجوده وموارده، من دون الدخول معه في مواجهة مباشرة.

في العام 2006، اعتمدت "إسرائيل" في لبنان على أسلوب القوّة الساحقة (نظرية الضاحية)  كرادع، ليس فقط ضدّ «حزب الله»، ولكن أيضاً لتوجيه رسالة إلى خصومها الإقليميين بإظهار قدراتها العسكرية واستعدادها لاستخدامها. لكن مباشرةً بعد وقف إطلاق النار، بدأت ورشة عسكرية جديدة لتحديث قدرات «حزب الله» من عام 2006 إلى 2023 لتطوير التنظيم الداخلي وتوسيع الوحدات القتالية، وتطوير الأسلحة، لمواجهة القوّة التدميرية الإسرائيلية، ولإيجاد توازن مع إمكانات تل ابيب الجويّة وتَفَوُّقها، ولمواكبة ضخامة صواريخها التدميرية، وذلك بهدف الحدّ من تكرار التدمير الذي رافَقَ حرب 2006. وقد طَوَّرَ الحزب مهاراتِ مُقاتليه من خلال برامج تدريب صارمة لوحداته الخاصة، ليس فقط لتشمل تكتيكات الحرب التقليدية، بل تقنيّات الحرب غير المتماثلة وقدرات الحرب السيبرانية واستخدام الطائرات من دون طيّار للمراقبة والهجوم. كما تبنّى هيكلَ قيادةٍ أكثر لا مركزية، ما يسمح بقدرٍ أكبر من المرونة والقدرة على التكيّف في ساحة المعركة لتعزيز الابتكار التكتيكي والفعالية التشغيلية؛ بمعنى أنه استخدم طاقة الحرب النفسية، وما يُصاحبھا من شحنات الصدمة والعجز، لكي ينتزع إلى يديه زمام المبادرة وحريّة الحركة والإرادة، وبأسلوب يستخدم وسائل مُستحدثة، وتكتيكات غير تقليدية. وهاجَم حزب الله مركز الثقل الاستراتيجي الإسرائيلي، بضرْبه الثقة بين الحكومة والجيش والمستوطنين. وقد أثبت حزب الله قدرة ناجحة ضدّ مركز الثقل الإسرائيلي لعدّة أسباب، أهمّها القرب الجغرافي لجنوب لبنان من مراكز "إسرائيل" السكنية، ممّا أعطى حزب الله القدرة على تحويل سلاح صاروخي  قصير المدى، بسيط ورخيص، كالكاتيوشا، إلى سلاح استراتيجي.

من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن الاھتمام الإسرائيلي بمفاھيم وفلسفة الحرب اللامتماثلة وإدراجھا في العقيدة القتالية الإسرائيلية، لا يعني قط اعتمادھا نمطاً وحيداً للحرب القادمة. فالتحدّي الذي تواجھه "إسرائيل" ھو التغيّر المستمر في ديناميكية ساحات المعركة. ولذلك ھي لا تبني عقيدتها القتالية على ضوء الحرب اللامتماثلة فحسب، وإنما أيضاً على ضوء نَمَطين آخرين من الحرب، ھما: الحرب المتماثلة، أي صراع جيش نظامي مع جيش نظامي، والحرب الھجينة، التي تجمع بين خصائص الحرب المتماثلة من خلال امتلاك صواريخ بعيدة المدى، وخصائص الحرب اللامتماثلة باتّباع أسلوب حرب العصابات. والمعركة متواصلة ولن تتوقف؛ وكلّما طوّرت "إسرائيل" قدراتها، يعمل «حزب الله» للّحاق بها ومواكبتها لتخفيف الأضرار على بيئته، وإيقاع أضرار مماثلة حين تستدعي الحاجة في المجتمع الصهيوني المقابل، وذلك لاعتقاده أن الذكاء الاصطناعي يمثّل حرب العقود المقبلة، ويستوجب تحديث الأسلحة ومواكبة التطوّر واستخلاص العِبَر من الحروب الدائرة على جبهة غزة ولبنان واليمن، والتوجّه نحو إغلاق الثغر والبحث عن نقاط ضعف "إسرائيل" ومجتمعها، خصوصاً بعدما وصَل التطرّف المجتمعي في الكيان إلى مستوى غير مسبوق، وأنّ التهديد بالحرب على لبنان سيبقى قائماً.

في الجانب الفلسطيني، شكّلت حركة حماس، وغيرها من المنظمات الفلسطينية التي عارَضت اتفاق أوسلو (عام 1993)، رأس السهم في استمرارية الصراع مع العدو الإسرائيلي. وهكذا استمر الصراع بين "دولة" من جهة، ولاعب من خارج إطار الدولة من جهة أخرى؛ وقد وصل ذروته في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 مع عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها حركة حماس داخل كيان الاحتلال، لتردّ الأخيرة بعملية بريّة شاملة ووحشية على قطاع غزة تحت اسم "عملية السيوف الحديدية".  لكن جرأة "حماس" في بدء الهجوم، أسقطت المبدأ الأوّل لاستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، وهو الردع؛ وضرَبت الحركة أيضاً المبدأ الثاني لهذه الاستراتيجية، وهو الإنذار المبكر، لأنّ عملية "طوفان الأقصى" شكّلت مفاجأة استراتيجية من العيار الثقيل، لتعود بعدها إلى ضرب البُعد الثالث، والمُتمثّل بالحسم السريع. وفي جنوب لبنان، تمكّنت المقاومة الإسلامية من وضع الكيان أمام خيارين أحلاهما مر: كشْف جبهته الداخلية أمام الضربات الصاروخية الاستراتيجية ، أو احتلال جنوب لبنان.

في هذا البحث، نتناول أبعاد "حروب الجيل الرابع" التي يخوضها العدو الصهيوني بمبادرة منه، وبدعم أميركي وإقليمي، ضدّ قوى محور المقاومة بمختلف مواقعها.

لقراءة التقدير كاملاً انقر هنا

2024-07-30 12:46:14 | 133 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية