التصنيفات » التقديرات النصف شهرية

15-9-2024

ملخّص التقدير الإسرائيلي

15-9-2024

ملخّص بحث بعنوان: "الصراع الديموغرافي في حرب غزة"

يُعد العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة هو الأقسى ديموغرافياً من حيث أعداد الشهداء والمفقودين وتشريد السكّان وإجبارهم على النزوح من بيوتهم؛ إذ لا شك في أن تهجير معظم سكّان القطاع وتدمير أهم مقوّمات معيشتهم في وقت قياسي أدّى إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لكلّ مدن القطاع ومخيّماته؛ وهذا لا يمثّل كارثة إنسانية فقط، بل أيضاً عقبة كبيرة بوجه إمكانية عودتهم إلى المناطق التي أُجبروا على الفرار منها تحت وطأة القصف الكثيف من البر والبحر والجو، إذ يمكن أن يُسهم هذا النزوح القسري للسكّان في دفعهم إلى الهجرة خارج القطاع قسراً، أو تحت ذرائع متعدّدة. فالعدوان الإسرائيلي أدّى إلى تغيّرات ديموغرافية واضحة في شكل السكّان وتوزيعهم على الأرض والمكان، وخصوصاً أنه تم دفع سكّان مناطق شمال القطاع وإجبارهم على النزوح إلى جنوبه، أو حتى إلى خارج القطاع، لولا صمود هؤلاء ورفضهم الخضوع لتهجيرهم ورفض دول الجوار. وتشير التقديرات إلى أن نحو 1.9 مليون فلسطيني من مجموع 2.2 مليون باتوا نازحين يمثّلون أكثر من 90% من إجمالي السكّان في القطاع. كما أن معظمهم نزح أكثر من مرّة؛ واضطرّت عدّة أُسر إلى الانفصال والتشتّت بين مختلف مراكز الإيواء والنزوح، وخصوصاً في جنوب القطاع، وأصبح يقيم نحو 2 مليون من السكّان بمساحة لا تتجاوز 100 كيلومتر مربّع، أي بمتوسط 20,000 شخص لكل كيلومتر مربّع واحد، ما يُعرّض هذه الأماكن المكتظّة للأمراض والكوارث الصحية؛ وهو ما اضطر العديد من السكّان للعودة من حيث أتوا، مُخاطرين بأنفسهم وأُسرهم، مُفضّلين ذلك على البقاء في هذه المراكز الخطرة نتيجة الكثافة السكّانية الهائلة فيها، ونقص الخدمات؛ إذ تشير الإحصاءات إلى تفشّي العديد من الأمراض والأوبئة جرّاء تكدّس آلاف الفلسطينيين في بقعة محدودة من الأرض، الأمر الذي يُعرّض الأطفال وكبار السن وأصحاب العِلل لخطر الوفاة، وهو ما يعني أن معدّل الوفيات، وخصوصاً بالنسبة إلى الأطفال والأطفال الرضّع، سيتضاعف عدّة مرّات ليصل إلى مستويات قياسية.

في ضوء ما تقدم، يتأكّد أن استراتيجية الحكومة الإسرائيلية الفاشية الحالية، برئاسة بنيامين نتنياهو، إنما تقوم على “حسم الصراع” في المنطقة وفلسطين وفرض أمر واقع ديموغرافي وجيوسياسي، يقضي على خيار التسوية وإمكانية قيام دولة فلسطينية، وفق المرتكزات الآتية: تكثيف الاستيطان في “غلاف القدس” لفصل مدينة القدس عن الضفة الغربية، والإضرار بالتواصل الجغرافي الفلسطيني بين الضفة والقطاع، وتقسيم الضفة الغربية وفرض السيادة والسيطرة الإسرائيلية على المناطق المصنّفة (ج)، وفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن، وشرعنة البؤر الاستيطانية، ودعم “الإرهاب اليهودي”، لتسريع تهجير الفلسطينيين.

وفي ظلّ الصعوبات التي تواجهها هذه المخطّطات، وخاصة عدم القدرة على جذب المزيد من المستوطنين، والفشل في تغيير الميزان الديموغرافي مع الفلسطينيين، برَزت ضرورة إعادة رسم التركيبة المجتمعية والسياسية والديمغرافية الفلسطينية، واندفع اليمين الفاشي إلى إجراء تغييرات جوهرية في نظام الحكم في "إسرائيل"، خاصة فيما يتعلق بصلاحيات السلطة القضائية وعلاقتها بالسلطة التنفيذية، ما أدّى إلى قلق النخبة الأشكنازية، التي بادرت إلى الاحتجاجات، لعرقلة مخطّطات اليمين الفاشي لتغيير طبيعة "الدولة"، ونقل مركزها من الساحل إلى القدس والضفة؛ الأمر الذي دفع الجهات الاستخبارية للتحذير من اتساع انقسام المجتمع الإسرائيلي.

لقد أدرك الإسرائيليون، إزاء المعطيات الديموغرافية التي لا تعمل لصالحهم مع مرور الوقت، حجم المخاطر التي تهدّد أمنهم القومي في "دولتهم" اليهودية التي يحاولون إعطاءها عبَثاً صفة "الدولة الديمقراطية"، التي من المفترض أن تكون لجميع مواطنيها. وفجأة وجدوا أنفسهم أمام معضلة بالغة التعقيد، عندما أدركوا أنه من المستحيل عليهم أن يكونوا ديموقراطيين، وفي الوقت نفسه يحتلّون أراض شاسعة مأهولة بهذه الكثافة السكّانية لمواطنين آخرين. وكان لا بدّ من إيجاد ردٍ على هذا التحدّي؛ وهنا طُرِحَت فكرة ارتكاب المجازر الجماعية، لإحداث حركة هجرة وفرار من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967؛ مثلما طُرِحَت أفكار الترانسفير والترحيل الطوعي أو بالإكراه، خاصة أنه لم يعد في الأفق موجة كبرى من المهاجرين اليهود الى فلسطين، على غرار الموجة الروسية، والفارق العدَدي بين الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين آخذ بالتضاؤل، نظراً لارتفاع الزيادة السكّانية الفلسطينية قياساً على الزيادة اليهودية، ممّا جعل عملية إغراق الأراضي المحتلة عام 1967 بالمستوطنين اليهود، كمقدّمة افتراضية لضمّ هذه الأراضي إلى الدولة العبرية، أمراً شبه مستحيل، مع العلم بأن ضمّ هذه الأراضي يؤدّي في الوقت نفسه إلى اكتساب ثلاثة ملايين فلسطيني للجنسية الإسرائيلية، يُضافون إلى المليون فلسطيني ونيّف الموجودين داخل الخط الأخضر، مما يعني أن هذه الأعداد، وما ستؤول إليه من زيادة، من شأنها أن تقوّض أسس الدولة اليهودية العنصرية برمّتها، إذ من المتوقّع أن يتجاوز عدد الفلسطينيين عدد اليهود في فلسطين بحدودها الدولية الانتدابية في أقل من عقدين من الزمن. وقد شاعَت إزاء هذه المعطيات لدى الإسرائيليين فكرة ترحيل أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى الخارج تحت اسم "ترانسفير"، وقُدّمت في هذا الشأن اقتراحات كثيرة ومشاريع علنيّة وسريّة، مثل اقتراح نقل أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى العراق، أو إلى شبه جزيرة سيناء، أو إلى الأردن ولبنان. إلّا أن الوقائع الميدانية والاقتصادية والظروف الدولية قضت بتعطيل التنفيذ الجديّ لهذه الفكرة الجهنميّة. كذلك ارتسمت محاولات صهيونية أخرى ترمي إلى فرض توطين اللاجئين الفلسطينيين في بلدان الشتات، وتركيز الجهد على ما يسمّيه الخطاب الصهيوني ”القنبلة الديموغرافية”، فيما يخصّ عرب فلسطين 1948، لترحيلهم وإقامة "إسرائيل نقيّة" يهودياً. وقد جاء في وثيقة مؤتمر هرتسيليا الأوّل المُنعقِد في أواخر عام 2000 تحت عنوان “ميزان المناعة والأمن القومي­ اتجاهات لسياسة عامة”، والذي شاركت فيه أكثر من 300 شخصية، تمثّل النخب الصهيونية في مختلف المجالات، حسبما ذكَر الصحافي الإسرائيلي مئير شيلغ في صحيفة هآرتس (23/3/2001)، أن “الشعب الفلسطيني يُضاعِف عدَده مرّة كلّ عشرين سنة، حيث تبلغ نسبة زيادته السنوية 4.2%، وهي من أعلى الزيادات في العالم. كما أن نسبة الولادة في أوساط المسلمين والمسيحيين في "إسرائيل" هي 4.6 مولود للمرأة؛ وهذا يكاد يكون ضعف نسبة الولادة عند اليهود، وهو 2.6 مولود للمرأة. وينطوي هذا الوضع، بحسب وثيقة هرتسيليا، على مغزى أمني خطير يتعلق بحيويّة "إسرائيل" كدولة يهودية؛ كما ينطوي على مغزى اقتصادي، إذ للوسط العربي المُتكاثر في "إسرائيل" ميزات وخصائص اجتماعية واقتصادية تحوّله إلى صخرة ثقيلة تعيق تطوّر "الدولة" ورفاهيّتها، لما يستهلكه السكّان الفلسطينيون من خدمات عامة (تربية، صحّة، تأمينات) بدرجة تفوق نسبتهم من مجموع السكّان. في ضوء ذلك، أوصَت الوثيقة بإلغاء مُخصّصات التأمين للعائلات الفلسطينية كثيرة الأولاد. كما أوصَت بتوطين سكّان يهود في مناطق الكثافة الفلسطينية، وخاصة في الجليل والنقب، لمنع نشوء تواصل جغرافي لأغلبية عربية في هذه المناطق.  كما دعَت الوثيقة إلى تبادل في التجمعات السكّانية بين "إسرائيل" والكيان الفلسطيني المنشود.

في هذا البحث ندرس الأوجه والاعتبارات الديموغرافية في الحرب الإجرامية الصهيونية على قطاع غزة والضفة الغربية، والمتواصلة منذ نحو عام، بما تنطوي عليه من مخاطر هائلة على الأمن القومي الفلسطيني والعربي والإسلامي، وعلى الخارطة الجيوسياسية الإقليمية بأكملها.

لقراءة التقدير كاملاً انقر هنا

2024-09-16 12:18:46 | 185 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية