ملخّص التقدير الإسرائيلي
30-11-2024
ملخّص بحث حول مساعي نتنياهو لتشكيل شرق أوسط جديد يتناسب مع طموحاته الجنونية
يريد رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شرق أوسط جديد تكون "إسرائيل" القوّة المحورية فيه، ومفتاحه السياسي والاقتصادي والأمني، وتُعاد فيه هندسة الأفكار والتوجهات والخطاب الديني ومناهج التعليم بما يخدم السلام الصهيوني المزعوم. وهو يعتبر نفسه المؤسّس الثالث للكيان الغاصب. ورغم أنه يرى في الحرب الحالية تهديداً وجودياً لكيانه؛ لكنه أيضاً يعتبرها فرصة سانحة لخلق واقع استراتيجي جديد كان يراوده منذ صباه. وقبل عملية "طوفان الأقصى" بأسبوعين، عرَض نتنياهو، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خريطة متخيّلة للشرق الأوسط الجديد تُهيمن فيه المستعمرة الصهيونية على المنطقة عقب عمليات تطبيع مجّانية مع عدد من دول العالم العربي. وفي الخرائط التي عرَضها، لم يكن هناك تحديد للحدود الجغرافية لغزة والضفة الغربية والقدس، بما يعني الضم الشامل لكلّ الأراضي المحتلة عام 1967 وإلغاء حلّ الدولتين. وبعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة الاستعمارية الإسرائيلية على غزة وتدحرجها بالعنف نفسه إلى لبنان، عاد نتنياهو إلى المنبر الأممي ذاته بخرائط جديدة للشرق الأوسط المتخيّل. ولا ينفصل المشروع الاستعماري الاستيطاني هذا وطموحاته عن المشروع الامبريالي الأمريكي. ففي ظل طغيان عصر الأحادية القطبية، تعاظمت المخيّلة الإمبريالية الجامحة للمحافظين الجدد بتغيير الشرق الأوسط ورسم خرائط جديدة، وشكّلت هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 تحت ذريعة "حرب الإرهاب"؛ فرصة سانحة لهم، بقيادة جورج بوش الابن، لتغيير المنطقة، بغزو أفغانستان ثم العراق. لكن أسفرت المغامرة الإمبريالية الأمريكية في هذين البلدين عن فشل ذريع وانتهت بهزائم مذلّة. وفي مُحاكاة بليدة، استغل اليمين الاستعماري الفاشي بقيادة نتنياهو هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 من أجل المبادرة لخلق شرق أوسط جديد، عبر شن حرب إبادة على غزة ثم لبنان. وفي قمّة العشرين الاخيرة، أعلن نتنياهو عن خطط لممر تجاري استراتيجي وصفه بأنه: " يمتد عبر الجزيرة العربية وإسرائيل، ويربط الهند بأوروبا، ويتجاوز نقاط الاختناق البحرية، ويخفّض تكاليف السلع والاتصالات والطاقة لأكثر من ملياري شخص"، ووصفه بأنه "تغيير تاريخي لإسرائيل التي تقع على مفترق الطرق بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، ويمكن لها أن تصبح جسراً للسلام والازدهار بين هذه القارّات"، على حد قوله. وبعد عمليات تطبيع إسرائيلية مجّانية مع عدة بلدان عربية برعاية أمريكية قبل عملية "طوفان الأقصى" بأسبوعين فقط، ظهر نتنياهو مزهواً خلال خطابه بالأمم المتحدة في 23 أيلول/ سبتمبر 2023، مبشّراً بولادة "شرق أوسط جديد"، واستعرض خريطة من صنعه شملت مناطق مكسيّة باللون الأخضر الداكن للدول التي تربطها "اتفاقات سلام" مع إسرائيل، أو هي تخوض مفاوضات لإبرام "اتفاقات سلام" معها. وضمّت المناطق المكسيّة باللون الأخضر دول: مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن؛ ولم تشمل الخريطة أي ذكر لوجود دولة فلسطينية، حيث طغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة "إسرائيل"، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة، بما فيها قطاع غزة. وأعادت خريطة نتنياهو هذه الجدل الذي تسبّب بانتقادات لوزير مالية الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، عندما عرَض بدوره خريطة لإسرائيل في باريس تضم الأردن والأراضي الفلسطينية، وعلّق قائلاً: "لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره الـمائة سنة".
وفي السياق، قال نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة إن كيانه يقترب من توقيع اتفاق سلام مع السعودية، معتبراً أن الاتفاقيات الإبراهيمية "نقطة تحوّل تاريخية"، وشدّد على أن بلاده "تتقاسم مع دول عربية عدة العديد من المصالح"، وأن توقيع اتفاق سلام مع السعودية سيغيّر خريطة الشرق الأوسط برمّتها، وسيخلق شرق أوسط جديداً. واستدرك في حديثه أمام الجمعية العامة، قائلاً: إن "جهود صنع السلام لم تنجح في الماضي، لأنها قامت على فكرة خاطئة، وهي أن الدول العربية لن تطبّع علاقاتها مع إسرائيل إذا لم يتم أولاً إبرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين". وبالتالي لا جدال في أن خرائط نتنياهو بمحو فلسطين من خارطة الشرق الأوسط الجديد تحت الرعاية الأمريكية عقب عمليات التطبيع العربية، كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت روح المقاومة الفلسطينية؛ وبالتالي أطاحت عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ، الناجحة والمذهلة، التي شنّتها كتائب عزّ الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، داخل المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة المحتل، بالأوهام الأمريكية والإسرائيلية حول إعادة بناء "الشرق الأوسط الجديد" المزعوم.
وهكذا تبدّدت الأحلام الأمريكية الصهيونية بتصفية القضية الفلسطينية وبناء تحالف من الأنظمة الاستبدادية العربية في إطار "الاتفاقات الإبراهيمية"، بأبعادها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية. ولم تكن عملية "طوفان الأقصى" المباغتة سوى استجابة حيوية ضرورية لما أفضت إليه خطوات تصفية القضية الفلسطينية بعد الانقلاب على "ثورات الربيع العربي" وإعادة بناء الدكتاتوريات في المنطقة. وأصبح الوهم القائل بأن الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية يمكن محوهما أو نسيانهما، حقيقة مقبولة لدى المستوطنين الإسرائيليين وحلفائهم الدوليين والعرب. وتنامى الاعتقاد بأن المقاومة الفلسطينية باتت قضية منسيّة ومهجورة، وأن إسرائيل قادرة على الحفاظ على وجودها غير القانوني إلى أجَلٍ غير مسمّى، لأنها صاحبة اليد العسكرية العليا، وعزّزت مسارات تطبيع الكيان الاستعماري مع الدول الاستبدادية العربية برعاية إمبريالية أمريكية في جعل الاحتلال حقيقة دائمة وحالة طبيعية. والنظام الجديد المفترض للمنطقة، كرّس نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وشكّل طوق نجاة للاستبداد العربي؛ فثنائية الاستعمار والاستبداد في ظل هيمنة الإمبريالية الأمريكية، أدّت إلى شرق أوسط استبدادي قمعي، وسيطرة استعمارية إسرائيلية على فلسطين؛ وهو ما جعل من المقاومة الخيار الأوحد للخلاص. وبحسب الدبلوماسي الهولندي نيقولاوس فان دام، فقد كان الشعار الإسرائيلي يقوم على افتراض أنهم إذا "ضرَبوا" المقاومة الفلسطينية وغيرها من الخصوم بقوّة كافية، أو "قصفوهم وأرجعوهم الى العصر الحجري"، فإن هؤلاء سيتوقّفون عن التمرّد ومقاومة الاحتلال، والافتراض بأن الفلسطينيين سيتخلّون عن مقاومتهم نتيجة للقمع الإسرائيلي العنيف، حيث تبيّن أنه -كما كان متوقعاً- غير صحيح، وأن العكس هو الصحيح: إذ بقيت المقاومة وتنامت فقط. وخلاصة القول إن ثمّة شرق أوسط جديداً يتشكّل فعلاً، لكن على أسس مناهضة للتصورات الإمبريالية الأمريكية والاستعمارية الصهيونية والاستبدادية العربية. فقد كشفت عملية طوفان الأقصى المذهلة، وما تبعها من مواجهات شرسة وشجاعة مع محور المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عن هشاشة المنظومة الاستعمارية وراعيتها الإمبريالية وحليفتها الاستبدادية، وذهَب الحديث عن الفرصة التاريخية لتغيير الشرق الأوسط والدفع باتجاه اتفاقية سلام دائم وغير مسبوقة تجعل "إسرائيل" وأمريكا والعالم الغربي أكثر أمناً أدراج الرياح.
في هذا البحث نتناول مشاريع رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، التوسعية، في مخاطرها وأهدافها الإجرامية، والتي ترمي إلى إحداث تغييرات دراماتيكية في جغرافيا الشرق الأوسط تتناسب مع مخططات الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، وأهدافه بجعل أميركا سيّدة العالم بلا مُنازع.
2024-11-30 18:14:09 | 74 قراءة