التصنيفات » التقديرات النصف شهرية

30-12-2024

ملخّص التقدير الإسرائيلي

30-12-2024

ملخّص بحث حول التطورات السورية الأخيرة وتداعياتها

طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا لمدة 61 عاماً، وانتهت حقبة آل الأسد التي شغلت من هذا الحكم زهاء 54 عاماً، وها هي البلاد تدخل مرحلة جديدة لا تزال مجهولة المعالم، على الرغم من محاولات حثيثة وكبيرة يبذلها من هم في واجهة الحدث المفصلي، من أجل تركيب بُنية جديدة للحكم لا صلة لها بما سبق، والسعي إلى الحفاظ ولو على الحدّ الأدنى للتنوّع الديني والطائفي والإتني الذي تميّز به هذا البلد، الذي عانى جحيم الانقلابات العسكرية الدموية منذ عهد حسني الزعيم، قبل الانتقال إلى الحكم التوتاليتاري الذي ربط الدولة بحزب، ومنظومة من القوى السياسية المتحالفة معه.

وبمعزلٍ عن التحليلات التي تتحدث عن رابح وخاسر على المستوى الدولي والعربي والمحلي، والمخاوف المشروعة على التنوّع الديني والطائفي، على رغم من كل المبادرات التي تجري، لتبديدها من جانب الذين أمسكوا زمام الأمور، إلّا أنه لا بدّ من الإقرار بأنّ ما جرى في سوريا شكّل فرصة ذهبية لإسرائيل لكي تفرض هيمنتها على المنطقة، في سعي منها لتركيب شرق أوسط جديد بمواصفاتها ووفق دفتر شروط هيمنتها. فبعد غزة ولبنان، كانت المحطّة السورية الأكثر وضوحاً، وتسليطاً للضوء على خطة الدولة العبرية التي باشرت اعتداءاتها المكثّفة على سوريا قبيل رحيل الأسد، وبالتزامن معه وبعده.

إنّ قراءة متأنّية في نتائج هذه الاعتداءات وأبعادها تدل على الآتي:

أ - تدمير البُنية العسكرية لسوريا من خلال القضاء على قوّتها الجويّة بتدمير طائراتها، والبحرية بقصف البوارج والخافرات، والزوارق، ومراكز البحوث العلمية، وإدارة الحرب الإلكترونية؛ وكذلك قصف مواقع الفِرق والألوية. ولم تقتصر الضربات الإسرائيلية على دمشق، بل طالت كل المناطق السورية.

ب - هذا يعني أنّ تل أبيب انتهزت هذا التوقيت المفصلي من أجل تجريد سوريا من أي قدرة على تشكيل أي خطر قد يستهدفها مستقبلاً، ومنع بناء أي جيش ذي عقيدة قتالية يمكن أن يكون مصدر تهديد لها، وذلك تحت شعار: التحرّك المسبق مخافة وقوع الأسلحة الهجومية بيد «عناصر متطرّفة»، على حدّ زعمها.

ج - إقتصار دور الجيش السوري مستقبلاً على ضبط الأوضاع الداخلية بأسلحة مناسبة لا يمكنها أن تقض مضجع الدولة العبرية؛ وبالتالي كسر نظرية الردع المتوازن، أو حتى المحدود التوازن الذي كان محور الممانعة يعمل على تثبيته. لكن اللافت هو إقدام كيان الاحتلال على انتهاك القرارات الدولية بدخول منطقة فك الاشتباك في الجولان، والتوغل في مدن وقرى محاذية للهضبة المحتلة وضمّها إلى أراضيه، والتمركز في الجانب السوري من جبل الشيخ، والتقدّم أيضاً إلى أماكن قريبة من دمشق، أو تقع على الطريق المؤدّية إليها، وذلك في انتهاك صارخ، ولا يحتاج إلى كثير من الأدلّة، لسيادة بلد هو عضو في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. واللافت أيضاً هو صمت المجتمع الدولي، بدءاً من الهيئات الأممية، والدول العربية، وخاصة مَن يديرون الشأن السوري حالياً، عن الارتكابات الإسرائيلية الإجرامية المُنافية لميثاق الأمم المتحدة، والقوانين الدولية. وهذا مؤشّر بالغ الخطورة، يدل على أنّ تل أبيب ماضية في خطّتها التوسعية حتى النهاية، توخياً لرسم شرق أوسط «نظيف» من العوامل التي يمكن أن تتهدّدها. وقد تشمل عملياتها العراق موضعياً، من دون أن تتوقف المنازلة مع إيران بأشكال شتى، تحدّدها طبيعة تطوّر المعركة المفتوحة بينهما.

وباختصار، يمكن القول إنّ الوضع المستجد في سوريا هو تحت المجهر الدولي والإقليمي؛ وهناك مساعٍ لطمأنة الأقليّات الدينية والإتنية والحفاظ على وجودها وحقوقها؛ لكن مع استمرار القلق والخوف من الفشل في المهمة. ولا يزال الغموض سارياً حول ما سيَرسو عليه نظام الحكم في قابل الأيام بعد انتهاء الفترة الانتقالية: فهل سيقوم على الشراكة المتناسبة بين مكوّنات المجتمع السوري، ويحترم التنوّع في التركيبة الجديدة للسلطة، بما يبدّد مخاوفها ويحدّ من هواجسها؟ وكيف ستتعامل السلطة الجديدة مع الأكراد: هل ستقبل بوضعية خاصة بهم في مناطق وجودهم وامتيازات معيّنة لا تتنافى مع سيادة الدولة، أو تتهيّأ لصدام معهم في توقيت ما، تحدّده المعطيات وتطوّرات الأحداث؟ وكيف ستتعاطى هذه السلطة مع الوضع الطائفي للساحل السوري الحذر والقلق على رغم من بيانات الطمأنة والاستجابة من الفريقين؟ ثم كيف سيكون شكل الحكم وتركيبته؟ وهل سيكون ذا وجه إسلامي أصولي، أو إطار إسلامي، أو مدني علماني. وإلى ذلك، لا بددّ ن الوقوف على ما ينتظر لبنان من جرّاء المتغيّرات الكبيرة في سوريا، لأنّه البلد الأقرب وتربطه به حدود واسعة ومصالح متداخلة؛ وهناك اتفاقات ومعاهدات معقودة بين البلدين منذ زمن الاستقلال إلى زمن الطائف، وأبرزها معاهدة الأخوّة والتنسيق في عهد الرئيس اللبناني الراحل إلياس الهراوي، ومجالس مشتركة أبرزها المجلس الأعلى اللبناني – السوري. ومع أنّه لم تعد للمعاهدة أي مفاعيل على الأرض منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005، ولم يعد للمجلس الأعلى أي مهمّة محدّدة منذ نشوب الحرب في سوريا العام 2011، فيجب الاستعداد للبحث في هذين الموضوعين والبت في مصير المعاهدة والمجلس، لجهة إلغائهما أو إدخال تعديلات جذرية عليهما في ما يتصل بحدود الصلاحية والدور، مع السلطة الجديدة في دمشق، وآفاق المستقبل بينهما. إضافة إلى ملفات الحدود وطريقة ضبطها في الاتجاهين، واستجرار الكهرباء، والمياه وما إلى ذلك. والذي يؤرق لبنان هو عدم استقرار سوريا، لأنّ ذلك سيُفاقم أزمة النازحين الذين سيكونون من هويات وانتماءات مختلفة هذه المرّة، وسيكون تدفّق الأقليّات الأكثر كثافة. من هنا، اهتمام لبنان بمُجريات الأحداث في هذا البلد الذي يشكّل الممر الحيوي له عبر الترانزيت إلى الداخل العربي، والذي تشدّه إليه مصالح حيوية متشابكة. فكلّ خلل على مستوى العلاقة سيكون ولّاداً لمشكلات وتوتّرات مفتوحة. وهذا هو التحدّي الكبير لرئيس الجمهورية الجديد والحكومة التي ستتشكّل بعد انتخابه. كما ثمّة هواجس سورية ولبنانية كبيرة في مرحلة ما بعد الأسد: هل يستطيع الحكم الجديد في سوريا، وهو الواقع بين نفوذ إسرائيلي قسري جنوباً وتركي شمالاً وأميركي شرقاً، من بلورة توجّه استقلالي يسير بين الخطوط المتعرّجة التي يفرضها الواقع الجيوسياسي المستجد؟ وبالتالي هل ستكون سوريا قادرة على حماية وحدتها الوطنية وفق الصيغة المركزية أو صيغة أخرى؟ وكيف للبنان أن يُواجه تداعيات الزلزال السوري وسط الانقسام السياسي العمودي الحاد الذي يرسو فيه؟ كلّها أسئلة وتساؤلات صعبة لا يمكن البت بالإجابة عنها في هذه المرحلة، ولا بدّ من انتظار القادم من الأيام.

لقراءة التقدير كاملاً انقر هنا

2024-12-30 14:22:30 | 68 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية