ملخّص التقدير الإسرائيلي
15-2-2025
ملخّص بحث: معركة الضفة الغربية المحتلّة و"وحدة الساحات"
شهدت فلسطين المحتلّة، الوطن والشعب والجغرافيا، خلال الأعوام القليلة الماضية، مواجهات متصاعدة أقرب ما تكون إلى الحرب الشاملة مع الاستعمار الصهيوني. فمع بداية شهر رمضان2021 بدأت المواجهات الفلسطينية المتحدّية والمقاوِمة لسياسات الاستعمار وجرائمه، على خلفيّة انتهاكات كيان الاحتلال ومحاولته تهجير سكّان فلسطينيين من حي الشيخ جرّاح في القدس، والاعتداء على المسجد الأقصى، ومحاولة فرض واقع جديد في المدينة يهدف إلى إزالة الوجود العربي الاسلامي من الحيّز المادي للمدينة. وسرعان ما تخطّت المواجهات القدس لتشمل سائر المدن الفلسطينية المستعمَرة في الداخل الفلسطيني، لتَتْبعها المقاومة الفلسطينية بالدخول على خط المواجهة في انسجام مع الهبّة المقدسية ضدّ الاحتلال وجرائمه، حيث توسّعت الأحداث وشهدت تصعيداً فلسطينياً غير مسبوق، شمل مواجهات بمختلف الوسائل، وذلك رفضاً لمحاولات السلطات الصهيونية طمس الهويّة العربية الاسلامية، عبر رفض قانون القومية أوّلاً؛ وثانياً للانتقام من عمليات إطلاق النار والقتل المتعمّد المُمارَس بحقّ المواطنين الفلسطينيين. وهذه الاحتجاجات تركّزت في منطقة المركز، ك "يافا واللد"؛ ومن ثمّ دخلت غزة على خط المواجهة اعتراضاً على سلسلة الجرائم الصهيونية التي استهدفت المُرابطين في المسجد الأقصى، الذين اعتصموا في باحات المسجد لمنع المستوطنين من اقتحامه. وكان أحد أهم عوامل اندلاع عملية "طوفان الأقصى" هو مخطّط ضم الضفة الغربية الزاحف الذي أخذت وتيرته تتصاعد في ظل حكومة المتطرّفين الصهيونية بزعامة نتانياهو – سموتريتش – بن غفير.
فخلال قرابة العامين، حاولت فصائل المقاومة، وتحديداً حركتا حماس والجهاد الإسلامي، تصعيد المقاومة في الضفة الغربية وإنشاء عدد من المجموعات المسلّحة، التي تركّز وجودها في شمال الضفة الغربية. غير أن هذه المحاولات كانت تواجهها عوائق كثيرة تُبطئ من سرعة تحوّلها إلى ظاهرة قادرة على مواجهة المشروع الاستعماري الاستيطاني المُتسارع. وقد شنّت "إسرائيل" في أعقاب ذلك عملية عسكرية ضدّ قطاع غزة تحت مُسَمّى "حارس الأسوار" (سيف القدس)، لتتطوّر الأمور بعدها إلى مواجهة عسكرية مفتوحة مع القطاع .
وفي ظل هذه المواجهة، قام العدو بتسريع تنفيذ مخطّطاته في الضفة الغربية، مُستفيداً من الضوء الأخضر الذي حصل عليه من أميركا ودول الغرب الراعية لوجوده. وأعطى دخول غزة على خط المواجهة زخَماً ودفْعاً للاحتجاجات العربية. وبعد دخول قطاع غزة على خط المواجهة، وانخراط فلسطينيي الداخل في المواجهة المفتوحة مع الاستعمار الصهيوني، كانت الأنظار موجّهة نحو الضفة الغربية، لما لها من ثقل وتأثير في مجرى الأحداث إثر التحاقها بالمواجهة مع الاحتلال. ومع أن هناك عقبات كثيرة تُكَبّل الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتمنعهم من الانخراط في المواجهة على مستوى مماثل للفلسطينيين في الداخل، من حيث التغوّل الأمني والسياسات الاقتصادية التي تنأى بهم عن القضايا الوطنية لحساب المسائل الشخصية وغيرها، إلّا أن الضفة الغربية التحقت فعلياً في هذه المواجهة مع الاستعمار، نُصرة ومُساندة للقدس وقطاع غزة. وقد شمل انخراط الضفة في المواجهة مختلف أشكال الاحتجاج والمقاومة. إلّا أن سلطات الاحتلال، بالإضافة إلى رغبتها في الانتقام، فإنها عمَدت منذ بداية الحرب على إدخال تعديلات في أوامر إطلاق النار تُعطي الجنود صلاحيات واسعة وسهلة في قتل الفلسطينيين، فكثرت الإعدامات الميدانية والقتل خارج القانون الذي تمارسه قوّات الاحتلال والمستوطنون بدون أي ضوابط أخلاقية أو قانونية أو سياسية.
وفي تكامل مع سياسات الحصار والتضييق، أخذ عنف المستوطنين يتزايد هو الآخر بمختلف الصور والأشكال. والأمر الخطير هو أن هذا العنف بدأ ينحو نحو المأسسة التي تُنذر بمستويات غير مسبوقة من العنف والتنكيل، والتي تترتّب عليها نتائج خطيرة على الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية. ولم يكتف المستوطنون بالممارسة الفعلية للقتل والتهجير، وإنّما عمدوا إلى بث موجة من الحرب النفسية التي تهدّد الفلسطينيين بالقتل وتدعوهم إلى الرحيل عن أراضيهم، تحت عنوان "إذا أردتم الحرب فانتظروا النكبة الكبرى"؛ وهدّدتهم فيها بالقتل إذا لم يُهاجروا إلى الأردن.
لقد حاولت "إسرائيل" طوال السنوات التي تلَت انتفاضة الأقصى ترسيخ عزل الشعب الفلسطيني عن بعضه جغرافياً وهوياتياً، حيث شدّدت الحصار على قطاع غزة، وأمعنت في فصل الداخل الفلسطيني عن الضفة الغربية التي طوّقتها بجدار الفصل العنصري. وفي مقابل هذا الفصل العنصري عملت على تقسيم الشعب الفلسطيني على مستوى الوعي والهويّة لحساب هويّات فرعية تنطلق من الحيّز الجغرافي وتفاعله مع سياسات الأسرلة التي تختلف بحسب السياق والمكان، وترمي الى نفي الهويّة الفلسطينية وتفتيتها. لكن مجموعة "عرين الأسود" في الضفة دعَت في بيان أهالي الضفة الغربية إلى مزيد من الانخراط في المواجهة، وإلى القيام والنهوض وإعلان الإضراب العام في وجه الاحتلال الإسرائيلي. وذكَر البيان أن "الحياة في قطاع غزة شُلّت بالكامل، فضلاً عن المجازر واستهداف المدنيين. لذلك لا يكفي الحداد فقط، ولا يُعْقَل أن نتعامل مع غزة بإعلان الحداد وكأننا سكّان دولة شقيقة". وعرّج البيان على المواقف العربية الخجولة، مؤكّداً أنّ "أقوى القرارات هي في رفض تهجير الشعب الفلسطيني، في وقتٍ ينعقد فيه مجلس الحرب الصهيوني بشكل دائم، وبحضورٍ أمريكي قوي وصريح". ودعَت "عرين الأسود" إلى الإضراب العام والشامل، واستمراره حتى تعود الحياة إلى غزة. وظهَر من خلال التدابير الأمنية التي قامت بها قوّات الاحتلال والسلطة الفلسطينية، أهمية الضفة الغربية في المعركة؛ وكان نائب رئيس حركة حماس، الشهيد صالح العاروري، قد صرّح في بداية عملية طوفان الأقصى، أن الضفة الغربية هي كلمة الفصل في المعركة. ودعا أبناء الضفة للمشاركة في معركة طوفان الأقصى".
في 28 آب/ أغسطس 2024، أعلن الاحتلال الإسرائيلي البدء بعملية عسكرية مكثّفة على ثلاث من محافظات شمال الضفة الغربية ومخيّمات اللاجئين فيها، شملت جنين ومخيّمها، وطولكرم، ومخيّمي نور شمس وطولكرم، ومدينة طوباس ومخيّم الفارعة، تحت عنوان القضاء على مجموعات المقاومة فيها. ووصَفت العملية العسكرية، التي أطلق عليها الاحتلال اسم “المخيّمات الصيفية”، بأنها الأوسع والأكثر كثافة منذ عملية السور الواقي واجتياح الضفة عام 2002، إذ تُشارك فيها فرقة عسكرية كاملة من جيش الاحتلال، وبغطاء كامل من وحدة المظلّيين والطائرات العسكرية والمسيّرات؛ إضافة إلى الجرّافات ووحدات خاصة من حرس الحدود والجيش. ومع بدء العدوان، أثير العديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية للعملية العسكرية، والمآلات التي قد تترتّب عليها، خاصة وأن سلوك الاحتلال العدواني بالضفة منذ السابع من أكتوبر2023، ارتفعت وتيرته، من خلال فرض إجراءات مشدّدة، وعمليات اعتقال طالَت ما يزيد عن 10 آلاف فلسطيني، والتضييق على تنقّل المواطنين عبر العشرات من الحواجز، ومنع دخول العمّال الفلسطينيين للعمل بالداخل المحتل؛ إضافة لعمليات القتل والاغتيال باستخدام الطائرات المسيّرة والعسكرية من قِبَل الوحدات الخاصة الإسرائيلية. وهنا يُطْرَح السؤال الأبرز: هل يسعى الاحتلال إلى حسم مستقبل الضفة بحسب منظوره السياسي؟ خاصة أن الاحتلال أرفَق إجراءاته العسكرية على الأرض بتصريحات سياسية، ودعوات مباشرة لأهالي المخيّمات المستهدفة لبدء مغادرتها والخروج منها؛ إذ دعا وزير خارجية الاحتلال، يسرائيل كاتس، صراحة، إلى إخلاء مخيّم جنين من المواطنين، ومن ثمّ التعامل معه كما تمّ التعامل مع غزة. وقال إن الحدود الأردنية الفلسطينية مفتوحة لهجرة الفلسطينيين.
وفي الخلاصة، يعتقد الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدّمته تيّار الصهيونية الدينية الذي يسيطر على مفاصل الحكم داخل الكيان، أن التوقيت الآن بات مناسبًا والفرصة مواتية، لفرض برنامجه الذي عبّر عنه سموتريتش عام 2017، فيما سمّي بخطة حسم الصراع بدلًا من إدارة الصراع، والذي يُفضي إلى إقامة "الدولة اليهودية" العنصرية على حساب الوجود الوطني الفلسطيني، والدفع بالفلسطينيين إلى الهجرة، والسيطرة الإسرائيلية الكاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وما يشجّع المتطرفين على ذلك هو حالة الانسياق التام، والغطاء الذي توفّره الولايات المتحدة؛ إلى جانب حالة الصمت والتواطؤ العربي والإقليمي والغربي إزاء ما يحدث بحقّ الشعب الفلسطيني.
لقراءة التقدير كاملاً انقر هنا
2025-02-15 14:50:58 | 58 قراءة