التصنيفات » التقديرات النصف شهرية

28-2-2025

ملخّص التقدير الإسرائيلي

28-2-2025

ملخّص بحث حول لقاء نتنياهو -ترامب في واشنطن

في شهر كانون الثاني/ يناير 2024، اجتمعت الحكومة الإسرائيلية الفاشيّة برئاسة بنيامين نتنياهو، في مؤتمر يميني متطرّف؛ وتحدّث الحضور صراحة عن غزة التي لم تحضر عندهم كمكان لإعادة الإعمار، ولا حتى كموقع يتوجّب احتلاله وإدارته، ولكن كرقعة يجب أن تُمحى من الوجود. ولم يكن النقاش عن فرض سيطرة، بل عن الطرد والإزالة والإخلاء الشامل. واستند المُشاركون إلى ما هو أعمق من السياسة، وإلى ما هو أكثر خطورة من التخطيط العسكري. فتَحوا كتبهم "المقدّسة" المزوّرة، واستلهموا أوامرهم من سفر العدد: “وإن لم تطردوا سكّان الأرض من أمامكم، يكون الذين تستَبْقون منهم أشواكًا في أعينكم، ومناخس في جوانبكم، ويُضايقونكم في الأرض التي تقيمون فيها.” (33:55) هي إذن حرب مقدّسة خلاصية بأدوات حديثة، وتكنولوجيا وتخطيط أمريكي، وصمت عربي وعالمي.

في ستّينيات وسبعينيات القرن الماضي، لم تكن حكومات "إسرائيل" اليسارية أقل التزامًا بمشروع تهجير الفلسطينيين من غزة ممّا تفعله اليوم حكومة اليمين المتطرّف. بل إن مراجعة مَحاضر اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي في تلك الحقبة تكشف أن الأفكار التي تمّ تداولها آنذاك لا تختلف كثيرًا عن خطط التهجير القسري التي يتحدّث عنها بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير اليوم تحت ستار “الهجرة الطوعيّة.

في هذه الأثناء، نقلت صحيفة "معاريف" عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن "نتائج لقاء ترامب ونتنياهو (الأخير في واشنطن في 4/2/2025) فاقت كلّ توقّعاتنا وأحلامنا". وأضافت أن زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض "كانت الزيارة الأكثر وديّة بين رئيس أميركي ورئيس وزراء إسرائيلي"، مُشيرة إلى أن "ترامب توصّل إلى حلول مُبتكرة للمشاكل التي عانت منها إسرائيل منذ وجودها"، على حدّ قولها. والأبرز في هذا المجال هو دعم الرئيس دونالد ترامب لمخطّط تهجير فلسطينيي قطاع غزة بشكل "دائم" إلى دول أخرى، مُعتبراً أن حل الصراع يكمن في خروج الفلسطينيين من غزة، وأن هناك بلداناً أخرى غير الأردن ومصر ستقبل بإيوائهم. وجاءت تصريحات ترامب هذه خلال مؤتمر صحفي عقَده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض، قبيل انطلاق المحادثات الثنائية بينهما. وممّا قاله ترامب إن "الناس في غزة عاشوا الجحيم، وهي ليست مكاناً للعيش، ولا أعتقد أنهم يجب أن يعودوا؛ لا يمكنك العيش في غزة الآن. أعتقد أنّنا بحاجة إلى موقع آخر. أعتقد أنه ينبغي أن يكون موقعاً يجعل الناس سعداء". وأضاف أن "غزة لم تنجح قط؛ وإذا استطعنا العثور على أرض مناسبة وبناء أماكن جميلة سيكون ذلك أفضل من العودة لغزة"؛ وقال: "عندما تنظر إلى العقود الماضية، فإن كلّ ما تراه في غزة هو الموت. لقد كان هذا يحدث منذ سنوات". وقال إنه يريد للناس في غزة "أن يجدوا مكاناً مناسباً يعيشون فيه؛ فما يحصل في الأنفاق وغيرها فوضى". وأضاف أن "سكّان غزة لم يشهدوا سوى الموت والدمار". وتابع مروّجاً لمخطّطه: "ماذا لو استطعنا إيجاد منطقة جميلة لإعادة توطين الناس بشكل دائم في منازل جيّدة، حيث يمكنهم أن يكونوا سعداء، وألّا يتعرّضوا لإطلاق النار أو القتل مثلما يحدث في غزة". وأشار ترامب إلى أن مصر والأردن أبلغا واشنطن بعدم استعدادهما لاستقبال سكّان من غزة؛ لكنه ادّعى أن هناك دولًا أخرى أعربت عن استعدادها لاستقبالهم. وقال في هذا السياق: "عديد من قادة البلدان تواصلوا معنا وأبدوا رغبتهم في إيواء سكّان من غزة". ومنذ 25 يناير/كانون الثاني الماضي، يروّج ترامب لمخطّط نقل فلسطينيي غزة إلى دول مُجاورة، مثل مصر والأردن، وهو الأمر الذي رفضته الدولتان، وانضمّت إليهما دول عربية أخرى، ومنظّمات إقليمية ودولية. ورغم تورّط نتنياهو في جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة جعلته مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية، فإن ترامب قال: "نحن نريد السلام ووقف القتل؛ وهو ما يريده نتنياهو كذلك"، مُعتبراً أنه "الزعيم المناسب لإسرائيل، وقد قام بعمل جيّد. ونحن أصدقاء منذ فترة طويلة". وأشار ترامب إلى نفسه بأنه يستحق جائزة نوبل للسلام، لكن الأكاديمية لن تمنحها له أبداً، حسب قوله. في المقابل، قال نتنياهو: "عندما تعمل إسرائيل والولايات المتحدة معاً، تزداد الفرص. وعندما لا يحدث ذلك تنشأ المشاكل"، وفق ما نقلت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية . ورغم المؤشّرات على صمود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة بعد حرب إبادة إسرائيلية تواصلت لنحو 16 شهراً، فإن نتنياهو جدّد التهديد بعدم التنازل عن أهداف هذه الحرب، مُشدّداً على أن "حماس لا يمكن أن تبقى في غزة". وأضاف: "نسعى لتدمير القدرات السلطوية والعسكرية لحماس، وضمان أن غزة لن تشكّل تهديداً لإسرائيل"، وعبّر عن اعتقاده أن "الرئيس (ترامب) قادر على مساعدتنا في تحقيق هذه الأهداف". وإذا كان نتنياهو وترامب لا يختلفان، نظريّاً، على أهمية هذا الهدف؛ وهو ما أكّده الرئيس الأميركي نفسه، حين أشار إلى أن الحركة «أدارت القطاع بوحشيّة»، مُعتبراً أنه ينبغي عدم السماح لها بالعودة إلى الحُكم؛ فإنه، من ناحية عملية، ثمّة تباينات واضحة بين الرّجلَين إزاء طريقة تحقيق الهدف؛ والنظرة أيضاً إلى مسألة تجديد الحرب، وهو ما من شأنه، إذا حصل، أن يشكّل عائقاً أمام طموحات واشنطن ومشاريعها في الإقليم.

وفي هذا الإطار تحديداً، أوضحت الإدارة الأميركية لإسرائيل، وفقاً لما أوردته صحيفة «هآرتس» العبرية»، أنها «غير معنيّة بأيّ حال من الأحوال بالعودة إلى القتال». وفي المقابل، يبدو أن حركة «حماس»، التي لا تزال تُحكِم سيطرتها على غزة، قرّرت تقديم «سلّم» لنتنياهو يُمَكّنه من «النزول عن الشجرة العالية»، وتعزيز التوجّهات الأميركية في الاتجاه المذكور. إذ، وفقاً للإعلام العبري وتسريبات مُقَرّبين من رئيس الحكومة، فإن «هناك تفاؤلاً» مُستمدّاً من اجتماعات الفصائل الفلسطينية في القاهرة، وخصوصاً بعدما أعربت «حماس» أمام مَن التقتهم عن استعدادها للتخلّي عن السلطة. فهل تختار "إسرائيل" الطريق غير العسكري لتحقيق مطلب إزالة حُكم الحركة، التي لا تُمانع تحميل مسؤولية إدارة غزة لطرف فلسطيني ثالث، على أن تُبقي السيطرة العملية لديها؟ تبدو هكذا فرضيّة مُمكنة، كونها واحداً من المخارج التي تُتيحها الحركة لإسرائيل، في حال عدم تفهُّم ترامب لمطلب نتنياهو في العودة إلى القتال. هذا التوازن الحَرج يجعل نتنياهو عالقًا بين رغبة ترامب في الحفاظ على الهدوء لتمهيد الطريق أمام صفقة أوسع تشمل السعودية، وبين حاجته لإظهار القوّة أمام قاعدته اليمينية المتشدّدة.

ووفقًا للباحث السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحم، فإن "نتنياهو يسعى للحصول على أقصى قدر من الدعم الأميركي دون تقديم تنازلات حقيقية. لكنه قد يضطر إلى تقديم بعض التنازلات المؤقّتة لحماية حكومته من الانهيار". وأحد أبرز المقترحات التي طُرحت في هذا السياق هو "النموذج التونسي"، الذي يُشير إلى إمكانية إبعاد بعض أو جميع قادة "حماس" من قطاع غزة، على غرار ما حدَث مع منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت عام 1982، عندما تم نقل ياسر عرفات وقيادات المنظمة إلى تونس. لكن "حماس" سبق أن رفضت مثل هذه المقترحات، حتى قبل اغتيال الشهيد يحيى السنوار، ممّا يجعلها غير قابلة للتطبيق إلّا إذا كانت هناك ضغوط دولية غير مسبوقة. وهذا المقترح يخدم إسرائيل أكثر ممّا يخدم أي طرف آخر، حيث يسمح لها بإضعاف البنية القيادية لحماس دون الحاجة إلى خوض حرب طويلة الأمَد. لكنه في الوقت نفسه قد يؤدّي إلى تعقيد الأوضاع في المنطقة إذا رفضته "حماس" واعتبرته إعلان حرب عليها. ورأى المحلّل الصحافي يوني بن مناحم أن "ترامب لن يقدّم ضمانات صارمة لحماس، لأنه يدرك أن ذلك سيجعلها تتصلب في المفاوضات القادمة، مما قد يؤدّي إلى إفشال أي محاولة للتوصل إلى اتفاق شامل". وهذا يعني أن الموقف الأميركي يهدف إلى إبقاء الخيارات مفتوحة، بحيث يمكن التراجع عن الهدنة إذا لم تخدم المصالح الاستراتيجية لواشنطن وتل أبيب. ومن جهة أخرى، يحاول نتنياهو استغلال الموقف للحصول على دعم أميركي دون تقديم تنازلات كبيرة، بينما يواجه ضغوطًا داخلية من اليمين المتطرّف. أما "حماس"، فهي تُدرك أن أي اتفاق يجب أن يضمن مصالحها على المدى الطويل. ولذلك فهي لن تقبل بحلول قد تؤدّي إلى إضعافها استراتيجيًا. وبالتالي، فإن اللعب على الوقت هو الاستراتيجية الأساسية لجميع الأطراف حاليًا، حيث يسعى كلّ طرف إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب لنفسه قبل الدخول في المرحلة التالية من المفاوضات.

في هذا البحث نتناول زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن، وما نجَم عنها من مُخرجات سياسية واستراتيجية.

لقراءة التقدير كاملاً انقر هنا

2025-03-01 11:31:24 | 56 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية