ملخّص التقدير الإسرائيلي
30-3-2025
ملخّص بحث بعنوان: متغيّرات في مفاهيم "إسرائيل" الأمنيّة
لا يُمكن للأمن القومي الإسرائيلي، بمفهومه الواسع، أن ينحصر في مجرّد التحرّر من التهديد العسكري الخارجي. كما لا يمكن تحديد مفهومه بسلامة الكيان وأراضيه المحتلّة وسيادته، وإنما هو يشمل آفاقاً أوسع تطال معاني الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي للمجتمع، حيث الأمن يرتبط بعلاقة ديناميكيّة جدليّة بين الاستقرار الداخلي والمَخاطر الخارجية. وبالتالي تُعَدّ الإشكالية التي يواجهها مفهوم الأمن الإسرائيلي ومتغيّراته والتحدّيات المَنوطة به من أهم العوامل التي تُسهم في تحديد التوجّهات الجيوسياسية والجيوستراتيجية الإسرائيلية، داخلياً وخارجياً، وهي إشكالية جاءت نتاجاً لعقائد دينية وسياسية امتزجت فيها الدعوات التوسعيّة المدعومة عسكرياً واستعمارياً. ويتعدّى مفهوم الأمن الإسرائيلي التعريفات التقليدية إلى قضية البقاء على قَيْد الحياة. فالمفهوم الأمني الإسرائيلي مفهوم مَرِن، ويتحرّك وفق السياسات والعقائد والمتغيّرات الداخلية؛ وكذلك البيئة والظروف الإقليمية والدولية. وقد كَرّر بن غوريون هذه الفرضيّة في مناسبات عديدة، منها قوله: "... إن جوهر مشكلة أمننا هو وجودنا بالذات؛ وهذا هو المعنى الفظيع لمشكلتنا الأمنية. إن هذه الحرب تهدف إلى إبادة الإستيطان اليهودي وتدميره؛ وإن العرب يعرفون بأنه لن تكون هناك سلطة عربية في هذه البلاد طالما بَقِي اليهود هنا، مع أنهم يشكّلون أقليّة بالنسبة للعرب؛ وإن الهدف السياسي للعرب يستوجب القضاء على هذه الحقيقة المُزعجة، أي محو اليهود من على وجه هذه الأرض".
وانطلاقاً من هذا التعريف لمشكلة الأمن الإسرائيلية، انبثقت ضرورة البحث عن الحلول والوسائل المتغيّرة دائماً لضمان بقاء الوجود العبري القَهري. ويُلاحَـظ في هذه النظريــة غلبة المكان على الزمان بشكل تام، إذ يُنظَر للشـعب العــربي المُقيم في أرضه، باعــتباره عقبة يجـب القضـاء علـيها تماماً أو تهميشها. والتشديد الدائم على نظرية الحدود الآمنة المتحرّكة هذه إنما يشكّل إعلاناً لإنهاء التاريخ العربي. ومن أجل ذلك، تضع "إسرائيل" كلّ إمكاناتها الإعلامية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية والأمنية لإحباط نهوض أية قوّة عسكرية مضادّة، عربية أو إسلامية، مهما كان حجمها. ويندرج هذا المفهوم ضمن سياق مرتبط بالنظرة الإسرائيلية إلى ذاتها ونظرة اليهود إلى غير اليهود. فالنظرة إلى الذات تعني ذلك الشعور النفسي الداخلي للإنسان اليهودي المتفوّق القادم من الخارج بحثاً عن تحقيق الذات بعيداً عن "موروث الهولوكوست"، والاغتراب في أرض الميعاد في أجواء "دولة" عسكرية تعتمد على القوّة العسكرية - في المقام الأوّل - لاستمرارية وجودها والحفاظ على ما سَلبته وتسلبه مجدّداً من الأراضي العربية المحتلة. وهي بذلك تستغرق في هوَس البحث عن الأمن أوّلاً وقبل كلّ شيء، مع الأخذ بعين الاعتبار نظرة اليهود إلى غير اليهود (غوييم) التي تشوبها مقوّمات الإستعلاء والحذر وعدم الثقة، انطلاقاً من دوافع دينية عنصرية صرفة، أو من دوافع أفرزَتها دواعي احتلال أراضي الغير بالقوّة، واستيطان الأرض المحتلة وإبادة شعبها أو تهجيره، في سياق يُذكّر بالنازيين والفاشيين.
وفي ضوء ذلك، لا يمكن اعتبار نظرية الأمن الإسرائيلية أداة للحماية الذاتية، بل بكونها المنطق الأعوج الذي يُراد به تبرير سياسة السيطرة والاحتلال الدائم وفرض الهيمنة الكاملة على فلسطين المحتلة ومَن حولها من دول الجوار، بهدف ردع أية محاولات مُحتملة لاستعادة الحقوق المسلوبة، وإجبار الطرف المُعتدى عليه على الاستجابة لما تراه "إسرائيل" مُناسباً لمصالحها العليا أوّلاً وأخيراً.
2025-03-29 12:31:09 | 13 قراءة