التصنيفات » ندوات

ندوة سياسية بعنوان « تركيا في سوريا: المشروع والمكانة والدور.. والتحدّيات المفتوحة على الداخل والخارج»

عُقِدَت في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، بتاريخ 17/4/2025، ندوة سياسية بعنوان « تركيا في سوريا: المشروع والمكانة والدور.. والتحدّيات المفتوحة على الداخل والخارج»، والتي حاضَر فيها الدكتور محمّد نور الدين، الخبير في الشأن التركي.وقد حضر اللقاء، إلى جانب الدكتور يوسف نصرالله، رئيس المركز وعدد من الباحثين والمختصّين، ونخبة من الشخصيات الفكرية والسياسية والإعلامية:


- د. عبد الملك سكريّة: رئيس لجنة مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني
- د. عماد رزق:  مدير عام الاستشارية للدراسات الاستراتيجية
- د. احمد علوان: رئيس حزب الوفاء اللبناني
- ناصر الأسعد: منظمة التحرير الفلسطينية (حركة فتح)
- د. علي حميّة: باحث واعلامي
- د. سلام الأعور
- د. قاسم قصير: اعلامي 
- حسين ايوب: رئيس تحرير موقع 180 بوست
- علي نصّار: باحث سياسي
- حسان عليّان: محلل سياسي وباحث
- حسن شقير: كاتب وباحث سياسي

بداية، رحّب الدكتور نصرالله بالحضور، ثم تحدّث عن التحوّل السوري الكبير وتداعياته على الساحتين المحليّة والإقليميّة من حيث الوقائع والتوقّعات، وما يمكن أن ينتج عنه من تغيّراتاستراتيجية. وكذلك الأمر بالنسبة للدور التركي في سوريا، بما ينطوي عليه من تأثيرات خطيرة على المشهد السياسي في المنطقة،والذي لا يمكن التنبّؤ بما سيؤول إليه مستقبلاً، من حيث شكل الدولة أو الحكم في سوريا، وهو يبدو غير واضح المعالم حتى الآن (دولة واحدة – دويلات متفرقة على اساس مذهبي وعرقي – أو دولة تتقاسمها المجموعات المسلّحة). وأشار إلى نوعين من القلق الذيينتاب الدول المتأثّرة بالحَدَث السوري، وهما: أوّلاً تمدّد النفوذ التركي في المنطقة؛ والثاني الخوف من صعود نموذج إسلامي جديد يجمع في الشكل بين التطرف والانفتاح. وأيضاً، طَرَح الدكتور نصرالله أسئلة تتّصل باشتداد المنافسة الإقليمية على الساحة السورية، لا سيما بين تركيا و"إسرائيل". وأهم تلك الأسئلة هوالسؤال حول قدرة تركيا، بوصفها القوّة الخارجية التي ترعى المرحلة الانتقالية، على إدارة الأزمة السورية الراهنة بما فيها من تناقضات.
 
الدكتور محمد نور الدين:
بداية، يجب عَرْض بعض الإشكاليات التي ستكون محور نقاش فيما بعد. ونبدأ بالسؤال: كيف وصلت تركيا إلى هنا؟ 
في إحاطة تاريخية موجزة، سنتحدّث عن سيطرة الدولة العثمانية على ثلاث قارّات، بدءاً من المشرق العربي وصولاً إلى جزء من أوروبا؛ وكانت نهاية تلك الدولة في العام 1918 مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث انكفأت تركيا إلى الحدود الحالية. ثم في العام 1920 أقرّ البرلمان العثماني حدود تركيا الحالية، مع إضافة شمال سوريا وشمال العراق، وجزء من القوقاز، وذلك، أوّلاً لما تمتلك هذه الدول من ثروات (بترول – نفط،..)؛ وثانياً لوجود الملايين من الأكراد،الذين يجب -حسب الذهنية التركية- أن يعيشوا تحت "العباءة التركية". ومن هنا جاءت سيطرة تركيا على هذه الجماعات من الداخل، وكذلك "حرب التحرير" التي قام بها أتاتورك لتحرير الأناضول.. وتطرّق د. نورالدين إلى نشأة الجمهورية التركية في العام 1923 على أنقاض نظام ديني وإقطاعي (واقتصاد منهار)؛وبذلك تأسّست دولة جديدة، وبدأت السياسة الخارجية الكمالية(نسبة لمصطفى كمال أتاتورك)، والتي استمرّت فيما بعد بالرغم من وفاة أتاتورك، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ وكان شعاره (سلام في الوطن.. سلام في العالم). وتُعَدّ هذه المرحلة مرحلة تحرّر فيها الأتراك على صعيد السياسة الخارجية؛ كما تُسمّى (مرحلة الحياد الإيجابي). بعدها وقّعت تركيا على معاهدة صداقة مع السوفيات في العام 1925، نتيجة تفسير لينين لحركة أتاتورك بأنها ضدّ الإنكليز والفرنسيين. وأشار د. نورالدين إلى استعداد أتاتورك للتخلّي عن الأراضي التي كان أقرّها البرلمان العثماني. وفي العام 1926 وما بعده تمّ رسم الحدود مع العراق وسوريا، مع الإبقاء علىلواء الإسكندرون (السوري) بيَد الأتراك، بالتواطؤ مع الفرنسيين،والذي ضُمّ بشكل كامل إلى تركيا (1939). ومن ثمّ انكفأت تركيا باتجاه تعزيز أمنها القومي، عبر ضمّها لأراضٍ أو تخلّيها عن أراضٍ، وما إلى ذلك.
لقد شكّلت نهاية الحرب العالمية الثانية (1945) مُفترق طرق بالنسبة للسياسة الخارجية التركية، مع مُطالبة ستالين باستعادة بعض الأراضي في شرق تركيا، والتي كان قد تخلّى عنها السوفياتبموجب مُعاهدتين في العام 1921، وأن يكون الاتحاد السوفياتي جزءاً من المنظومة التي تُدير المضائق على البحر الأحمر.
وقد فهمَت تركيا الأمر بأنه انقلاب على سياسة التعاون بين البلدين، وتمّإلغاء معاهدة الصداقة بين تركيا والاتحاد السوفياتي لعدم تلبية مطالبه من قِبَل الأتراك؛ ومن هنا بدأ التحوّل في السياسة التركية الخارجية، وصولاً إلى توقيع اتفاقية عسكرية تركية مع الولايات المتحدة الأميركية في العام 1947؛ ثم أتْبَع الأتراك ذلك بالاعتراف بالكيان الإسرائيلي سنة 1949؛ ومن ثمّ انضمّت تركيا إلى حلف الأطلسي في العام 1952، وصولاً إلى نهاية الحرب الباردة في العام 1990؛ وهذه الفترة عُدّت المُحَدّد الأوّل لسياسة تركيا الخارجية، بتكريس الانتماء التركي للأطلسي، والذي يغلب عليه الطابع العلماني، والسمة الأساسية التي كانت تحكم سياسة تركيا بالعالم الخارجي، وخصوصاً في المشرق، حيث سادَت سياسة إدارة الظهر للعرب وللمسلمين (بوصفهم "خانوا" المملكة العثمانية)؛وهذا الواقع هو الذي قاد النخبة التركية لاحقاً إلى الاعتراف بإسرائيل، الذي اعتبرته كانتقام من العرب. وتلك المرحلة كانيقودها المُحَدّد الأطلسي مَعطوفاً على النزعة العلمانية. وقد ظلّت تركيا لاحقاً على حذَر شديد في التعاطي مع الدول العربية، ثم كانت اتفاقية أضنة التي تنظّم العلاقات العسكرية بين سوريا وتركيا، حيث كانت العلاقات شبه جيّدة بينهما.
بدأت المرحلة الثالثة في العام 2002، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة؛ وهو حزب إسلامي، مع تشكيله امتداداً للحكومات العلمانية السابقة من جهة الانتماء للأطلسي (والذي هو موضع إجماع تركي داخلي)؛ وتحوّلت السلطة من حالة قومية - علمانية إلى حالة أطلسية – عثمانية، والتي انكشفت مع بدء ما سُمّي "الربيع العربي"، حين اتّحدت هذه الحالة مع السياساتالأميركية والأوروبية، وخاصة فيما يخص الأزمة السورية التي اندلعت في العام 2011. وعليه، كان التدخّل التركي ينطلق من أنتركيا يجب أن تكون لاعباً مؤسّساً في أي نظام إقليمي؛ وهذا يتطلب توسيع مفهوم الذهنية العثمانية وإعادة إحيائها، عبر توسيع الحدود التركية (إقامة قواعد عسكرية في قَطَر وجيبوتي وشمال العراق...). وكان موقف تركيا إلى جانب فصائل المعارضة السورية المُسلّحة، حيث كانت الفصائل بمثابة جيش رديف للجيش التركي (تدريباً وتسليحاً وتمويلاً...)؛ وكانت تركيا تستفيد منها لجهة الضغط من أجل إسقاط النظام السوري، أو لاستغلالها حسب الحاجة (في ليبيا – القوقاز..). وقد نسَجت تركيا علاقات مع القوى المؤثّرة في الوضع السوري (إيران وروسيا)، بالرغم من وجود تنافس معهما(نوع من التنسيق عبر مناطق خفض التصعيد  ومنصّة أستانة).
وفي الوقت نفسه، كانت تركيا على صراع مرير ودموي مع إيران في الساحات الأخرى (العراق – القوقاز). فصراع تركيا في سوريا لم يكن بهدف إسقاط النظام فقط، بل لإسقاط النفوذ الإيراني (الشيعي) في سوريا والمنطقة ككل. وكذلك كانت تركيا على خلاف مع بعض القوى العربية التي يمكن أن تكون أيضاً، بدورها، على خلاف مع الإسلامي التركي (السعودية والإمارات ومصر)؛ وهنا يوجد بُعد ديني إسلامي تركي من جهة، وبُعد أزهري وهّابي من جهة ثانية؛ بالإضافة إلى الإسلام الشيعي. وهنا يمكن القول بأن تركيا الأردوغانية باتت على خلاف مع الجميع.
وأشار د. نورالدين إلى أن أردوغان (بعد شعوره بضعف حزبه،ولضمان بقائه في السلطة) دخَل في مصالحات مع السعودية والإمارات ومصر. وبالمقابل، شعَر الروس بعدم الارتياح لتعاطي الرئيس بشّار الأسد مع طلب الأتراك لحوار مباشر، لكن بلا ضمانات. وانطلاقاً من ذلك، بدا وكأنّ هناك شيئاً ما يُحَضّر لسوريا؛ وبالتالي لكلّ محور المقاومة.
لقد بدأت التحوّلات من غزة، ثم انتقلت إلى لبنان، وصولًا إلى وقف إطلاق النار، وبداية سقوط النظام في سوريا، وتدمير "إسرائيل" للقدرات العسكرية السورية، وحتى سيطرة "هيئة تحرير الشام"على الحكم. وكان سقوط النظام بمثابة الجائزة الكبرى لتركيا (دلالات الزيارات التركية للنظام الجديد بعد السقوط)؛ وأيضاً ما حصل كان مُوجّهاً ضدّ الشيعة وإيران ومحور المقاومة؛ وأيضًا ضدّ السعودية؛ مع الإشارة إلى أن هيئة تحرير الشام هي بمثابة أداة طيّعة تماماً لسيّدها التركي.
لقد تحوّلت تركيا في عهد رجَب طيّب أردوغان إلى دولة تواجه تحدّيات جديدة مقابل "الإنجازات" التي حقّقتها (حدودها امتدّت مع: الأردن – العراق – لبنان – الساحل الشرقي للبحر المتوسط –"إسرائيل" – قبرص واليونان، ومصر). وبذلك توسّع النفوذ التركي، وأصبحت تركيا قوّة إقليمية كبرى، ويُحسَب لها حساب.  لكن تركيا تواجه اليوم تحدّيات من القوى التي تقع على الحدود التركية الجديدة؛ وهي على طرفي تنسيق مع القوّة الثانية الأعتى (إسرائيل)، وخَلْفها أميركا، التي تُعَدّ المرجعية الأساس للطرفين).
وخَتَم د. نورالدين: نحن حالياً أمام حملة مُعادية مُثلّثة الأطراف:تركيا و"إسرائيل" وفوقهما أميركا، خاصة بعد الضربة القاسية جداً التي تلقّاها محور المقاومة، وكذلك إيران، ما يتطلّب جهوداً كبيرةلمواجهة هذه الحملة..
ولذا، فإن المنطقة ذاهبة إلى مرحلة قاتمة،نسأل الله اللطف فيها.
ورداً على تساؤلات من قِبل بعض المُشاركين في الندوة، أوضح د. نورالدين أن تركيا لا تزال ترغب بتحقيق أطماعها أو طموحاتها التوسّعية في المنطقة، بغضّ النظر عن مواقف مسؤوليها السياسية والإعلامية. والتاريخ البعيد والقريب يُثبت أن تركيا لم تنسحب من أي بلد دخلته بالقوّة العسكرية، مع اختلاف الذرائع والظروف الخاصة بكلّ بلد تَعَرّض لأيّ شكل من أشكال التدخّل التركي.

 

2025-04-21 01:47:41 | 64 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية