التصنيفات » مقالات سياسية

حوار مع الباحثة الكويتية إيمان شمس الدين حول العدوان الإسرائيلي -الأمريكي على إيران

حوار مع الباحثة الكويتية إيمان شمس الدين حول العدوان الإسرائيلي -الأمريكي على إيران
21-6-2025

س: يشهد العالم بأسْره هذه الأيام العدوان الإسرائيلي السافر ضدّ إيران وشعبها. لماذا باعتقادك يقوم الاحتلال بارتكاب مثل هذه الجرائم ضدّ العزّل في غزة ولبنان وإيران؟ وما الذي يجعل الكيان يتمادى في عدوانه؟
بداية، كلّ تضامني وتأييدي للشعب الإيراني المُقاوم العزيز وللجمهورية الإسلامية المُقاومة الصامدة ضدّ هذا العدوان الصهيوني- الأمريكي البربري الذي لا يُقيم لأيّ قوانين وزن، وأسأل الباري عزّ وجلّ أن ينصر الجمهورية في هذه المعركة المفصليّة على الكيان الصهيوني المُتوحّش.
إن أصل المسألة يتعلّق بالاستعمار وثقافته وجذوره. فالغرب (وأمريكا) يرتكز مَعرفياً على جذور ثقافية تتعلّق باعتقاده الراسخ  بالمركزيّة الغربيّة، ويَعتبر فيها نفسه مركز القِيم والحضارة والتمدّن، وله الأحقيّة بسبب هذه المركزيّة في الاستحواذ على الثروات بحجّة تحضير "العالَم البَربَري"، الذي هو نحن.
وهذه الثقافة كانت تتمَظهر بالاستعمار العسكري لمنطقتنا سابقاً، لكنها فيما بعد أخذت أشكالًا أخرى بعنوان الاستعمار غير المُباشر؛ ثم تَمركزت في منطقتنا عبر زراعة كيان صهيوني كذراع غربية مُمتدّة مُستعمِرة ومُتقدّمة له في المنطقة، تستخدم فيها الدول العميقة الشعارات الدينية، لتُثبّت هذه المركزية وهذا الاستعمار المتقدّم، وتُوظّف المؤسّسات الدولية التي أنشأتها لخدمة الإنسان الغربي فقط، فتَستغلّها لتثبيت مصالحها على حساب ما أسمَته دول العالم الثالث.
وبالتالي، هي عقيدة تأسّست لها بنية عالمية ومؤسّسات كثيرة، لتَخدم مصالح ومطامع الغرب وأمريكا. حتى أنها شَرعَنت الوجود المُستَعمِر بمواد وقوانين في قرارات الأمم المتحدة. وعلى سبيل المثال لا الحصر:
لقد أسّست منظّمة الأمم المتحدة عام 1945، نظام الوصاية الدولي المُنبثق عن ميثاق الأمم المتحدة، والقاضي بتحميل الدول المُهَيمنة مسؤولية إدارة من يقَع عليهم الاستعمار وضمان حقوقهم في أفق مبدأ تقرير المصير. هذا من الناحية القانونية؛ أما من الناحية التاريخية والسياسية، فقد جاء هذا الموقف نتيجة الحرب العالمية الثانية التي انتهت بإقرار نظام عالمي جديد، بحسابات وشروط مختلفة.
‎وهذا القرار يحمل دلالات مُهمّة في شرعنة الاستعمار، بل ويؤسّس له شروطاً ظاهرية ومَحمولات إيجابية، تَشي لقارئ نصوصه بوجود بُعدٍ إيجابيٍ في الاستعمار من حيث الإدارة، دون تحديد آلياتها ولا تشخيص مَصاديقها، ومن حيث حفظ الحقوق؛ هذا المفهوم، وفق ما يُقال، إنه من بين المفاهيم الأكثر التباساً في الذهنيّة الغربيّة وفلسفتها، خاصّة في البُعد المعرفي كمصادر للمعرفة وقيمة هذه المعرفة. والدليل على هذا الالتباس التجارب الاستعمارية تاريخياً، واشتراكها جميعاً بأسس مُخالِفة لتوصيات الأمم المتحدة كالعادة.
ولو عُدنا لفَهم ما أوصلنا إلى هنا، علينا رصد عدد خروق الدول الغربية وأمريكا لقرارات الأمم المتحدة، وللقوانين الدولية، وللمُعاهدات المتعلّقة بحقوق الإنسان، لوجَدناه عدداً قد لا يُحصى، خاصة بعد 7 أكتوبر، حيث ضرَبت "إسرائيل"، بدعم من أمريكا والغرب، كلّ مُقرّرات الأمم المتحدة وكلّ المعاهدات بضرب الحائط. وأضعَفت أمريكا بعد حرب "طوفان الأقصى" قوّة الإلزام في هذه القوانين، ممّا أدخلنا في فوضى تَفَلّتت فيها "إسرائيل" كالوحش على المنطقة، وبدعم غربي، وغالباً عربي، حيث تحوّلت غزة إلى مُستنقع ترمي فيه "إسرائيل" كلّ وحشيّتها ضدّ البشرية. ولم تستطع هذه المؤسّسات وقف وحشيّة الكيان الصهيوني. ورغم عدد الإدانات التي صدَرت في حق الكيان، إلّا أن وقوف أمريكا حائط  صد لحماية "إسرائيل" وتَوحّشها، من خلال استخدام نفوذها العالمي كدولة عظمى، حالَ دون كَبح جماح هذا الوحش؛ وبالتالي قاد غرور الكيان وفائض القوّة التي شعر بها، للاعتداء على إيران، ظناً منه أنها في أضعف حالاتها، وأنه يمكن التخلّص منها كقوّة داعمة لحركات المقاومة. وهذا الوَهم أوصله اليوم لتتحوّل تل أبيب، وكامل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، إلى مرمى سهل لصواريخ الجمهورية الإسلامية.
يتحدّث كيان الاحتلال الصهيوني عن أهداف مُعلنة، وهي ضرب المشروع النووي  والباليستي الإيراني. لكن الأهداف التي تُضرَب في إيران هي المستشفيات والبنی التحتيّة والمؤسّسات الإعلامية. وعدد کبير من الشهداء حتی الآن هم من الأطفال و النساء. ما هذا التناقض؟ أو بالأحری: ما هو الهدف من ذلك؟
من الطبيعي أن يقوم الكيان الصهيوني بما قام به، لأنه قام بذلك في غزة سابقاً، وما زال، تحت ذريعة وجود "حماس" في المستشفيات وفي المؤسّسات المدنيّة، كما فعَل في لبنان، بحجّة القضاء على المُقاومين وأسلحتهم؛ وهو دَمّر تحت هذا العنوان كلّ الحواضر المدنيّة والخدماتيّة للإنسان، من مستشفيات ومدارس ومحطات كهرباء وطاقة وغيرها؛ ولم يجد رادعاً يردعه، بل وجَد دعماً غربياً وأمريكياً على كافّة المستويات، بما فيها تقنين قوانين تُقلّص من منسوب الحريّة الغربيّة بحجّة "مُعاداة السامية"، التي ليس لها أساس في المنظومة المَعرفيّة، وهي اختراع غربي بامتياز يخدم مصالح الغربية الاستعمارية؛ بل كان العنوان العالمي: حقّ "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها. وهو يتعمّد ذلك كجزء من معركة كيّ الوعي التي يقودها في عقول الشعوب، من أنّ المقاومة  وحكومة إيران هما السبب في استهداف المدنيين، لإخفائهما المُقَدّرات العسكرية بين المدنيين، حتى يَعمل على البُعد النفسي لدى الشعوب، لإبعادها نفسياً ومَعرفياً، في لا وعيها، عن التفكير بمُقاومة "إسرائيل" أو دعم من يقوم بذلك. فالعدو يقوم بعملية كي وعي لتدمير عزيمة وإرادة، بل وفكرة المقاومة للاحتلال والاستعمار في المنطقة. والإسرائيلي يُعَدّ المَظهر الوحيد الاستعماري المُتبقّي من إرث الاستعمار العسكري في منطقتنا. وهو يريد أن يُشرعن وجوده في وعي الشعوب ليصبح جزءاً طبيعياً من هذه المنطقة.
لذلك، فإن جزءاً من استهداف العدو للمدنيين، وربط هذا الاستهداف في وعي الناس بتدمير الأسلحة وقَتل المقاومين، هو معركة كي وعي، وجزء كبير منه يعود لكون القتل وارتكاب المَجازر جزء من عقيدته الصهيونية المتوحّشة ضدّ الشعوب، خاصّة الشعوب المُقاومة التي تمتلك جرأة مُواجهته.
س: ما هي رسالتك للشعب الإيراني في هذه الأيام؟
أتقدّم له بداية بخالص العزاء لشهدائه، والرحمة لهم، والدعاء بالشفاء للجرحى، وبالسداد لجيشه ومُناضليه، وبالنصر له على أعدائه.
كما أتقدّم لهذا الشعب بالشكر والمحبّة العميقة، لأنه اليوم يُجسّد مثالاً عظيماً للرّفض، وهو المَعقل الأخير للمقاومة؛ ولأنه يُقَدّم على هذا الطريق تضحيات كبيرة، سيكتبها التاريخ. وأتمنّى من الله سبحانه أن ينصر الشعب الإيراني، وأن يُسَدّد ضربات الجمهورية الإسلامية ضدّ الكيان الصهيوني وداعميه، وأن يرحم شهداء إيران ويشفي الجرحى، ويلطف بهم؛ فالإيرانيون يقومون بعمل عظيم عن كلّ هذه الأمّة، وهم يُقَدّمون نموذجاً للأمّة الصّلبة المُقاومة الرافضة، التي تَفهم وتُجسّد مفهوم الكرامة والعزّة ورفض الاستعباد والذل.
إنّ أمّة إيران هي أمّة الاقتدار والاكتفاء. والإيرانيون أثبتوا أنهم شعب أبيٌ وصامد، مُقاوم، ووطني؛ يحب وطنه، ويعشق أرضه، وحضارته، وتاريخه، ويُقَدّم الغالي والنفيس لأجلِه.


https://www.habilian.ir/fa/%D9%85%D8%AA%D9%81%DA%A9%D8%B1-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%DB%8C-%D9%85%D9%84%D8%AA-%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%DA%AF%D9%88%DB%8C%DB%8C-%D8%A7%D8%B2-%D8%A7%D9%85%D8%AA%DB%8C-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%8C-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85-%D9%88-%D8%B3%D8%B1%D8%A8%D9%84%D9%86%D8%AF-%D8%B1%D8%A7-%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%87-%D9%85%DB%8C%E2%80%8C%D8%AF%D9%87%D9%86%D8%AFhtml

2025-06-22 12:39:33 | 49 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية