التصنيفات » مقالات سياسية

الحرب الإسرائيلية - الأمريكية على غزة.. استباحة القِيم الأخلاقيّة!

الحرب الإسرائيلية - الأمريكية على غزة.. استباحة القِيم الأخلاقيّة!

في عالَمِنا اليوم قد نَرى حروبًا بين أفراد الشعب الواحد أو بين شعوب ودول مختلفة، يَنْتج عنها مئات الآلاف، بل الملايين من الضحايا. كما أن المدنيّين يُشَكّلون في سياق هذه الحروب هدَفًا مُباشرًا للهجمات، لا سيما أن التزاوج بين التكنولوجيا الحديثة وعمليات القصف الاستراتيجي أفرَز قدرة غير مسبوقة على إسقاط الآلاف من القتلى، وكأنّ المُنخرطين في هذه الحروب يقولون لنا: «عندما تُقرَع طبول الحرب فلتَذْهب الأخلاق إلى الجحيم».
لقد شَغَلت العلاقة بين الأخلاق والحروب أذهان الكثيرين منذ آلاف السنين. ويرى كاتب بريطاني شَغَل مناصب رفيعة في بلاده، أنه حتى في الصراعات المُسلّحة لا بدّ أن تلعَب الأخلاق دوراً كي تَتحقّق العدالة ويتم تقليل الأضرار الناجمة عنها، مُنتَقداً الحملة الإسرائيلية على غزة في أواخر 2008 وحرب العراق 2003.
وفي كتابه "الأخلاقيّات والحرب"، يؤكّد ديفيد فيشر أن الحرب أداة مشروعة؛ لكن الإخفاق في الالتزام بأعرافها وقواعدها الأخلاقيّة العادلة يُخلّف على الدوام بحاراً من الأسى والألَم.
حرب غزّة تكشف استهتار الكيان بالقِيم الأخلاقيّة
 شَكّل العدوان الإسرائيلي- الأمريكي الأخير على إيران (13/6/2025) حلقة جديدة في المُسلسل الإجرامي للحلف الشيطاني بين الإدارات الأمريكية المُتعاقبة وبين الكيان الإسرائيلي، والذي بدأ منذ أواسط القرن الماضي، مع احتلال الصهاينة لفلسطين وفرض الولايات المتحدة هيمنتها الكاملة على المنطقة.
وبما يخص قطاع غزّة تحديداً، لم تكشف طبيعة ومُجرَيات الحرب الإسرائيلية - الأمريكية المُدَمّرة على غزّة، والمُستمرّة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، عن استهتار الكيان الإسرائيلي وراعيته الأولى، الولايات المتحدة، بالقانون الدولي والإنساني فحسب، لجهة عدم مشروعيّة تلك الحرب الشعواء، من قِبَل كيان مُحتَلّ ضدّ شعب أعزَل ومُحاصَر، أو لجهة رفض هذا الكيان لتنفيذ القرارات الدولية العديدة بشأن الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة في العام 1967؛ بل إنّ تلك الحرب التدميرية قد أطاحت، ومنذ اليوم الأوّل لبَدْئها، بكلّ ما كان يزعمه كيان الاحتلال، ومن خَلْفه الإدارة الأمريكية، حول الالتزام بقوانين الحرب وبالضوابط والقِيم الأخلاقية، في إطار خوض الكيان لمعاركه "الدفاعية المشروعة"، وعلى قاعدة أنّ ما يشفع للكيان "اليهودي" هي "المظلوميّة الكبرى" التي سَبّبتها محرقة الهولوكوست المَزعومة بحقّ اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، بموازاة أداء الجيش الإسرائيلي "المُحترِف والإنساني" خلال حروبه ضدّ أعدائه، وهو الذي يُعَدّ بنظَر رئيس حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، "الجيش الأكثر أخلاقيّة" في العالم!
لكنّ تَهافت الادّعاء المذكور لم تُفضِ إليه حرب غزّة الراهنة؛ فهو يَتأتّى من مسار إجرامي يمتدّ إلى ما قبل إعلان "دولة  إسرائيل" في العام 1948. إلّا أن وقائع حرب غزة كَثّفته إلى معنىً صار معه هذا الادّعاء جريمة بحَدّ ذاتها، وأن مُحاسبة "إسرائيل"، لو قُيّض أمْر مُحاسبتها، يُفترض أن تُباشَر من ادّعاء كهذا.
وفي "إسرائيل"، هناك من لا يزال يُراكِم بُعداً أخلاقياً لحربٍ بدَت منذ لحظتها الأولى أنها تُخاض ضدّ الشعب الفلسطيني أكثر ممّا هي ضدّ “حركة حماس”، وأن إخضاع الأخيرة يَتأتّى بالضرورة من “المُثابرة” على القَتل الأعمى.
لقد تَجَلّت "أخلاقيّة" الكيان وجَيشه المُتعَطّش للدماء في مواضع عديدة، ولا يمكن حَصْرها، خلال الحرب المُتواصلة على قطاع غزة، والتي تمّ ويتمّ توثيقها بالصوت والصورة على مَدار الساعة من قِبل وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والغربية والأُمَميّة (وحتى بعض الإسرائيلية)، فيما تصرّ "إسرائيل" على سَرديّتها المزعومة حول التزامها بالمعايير الأخلاقية والإنسانية في حربها على غزة، وعلى "حقّها المُطلَق" بالدفاع عن نفسها، مع تحميلها فصائل المقاومة مسؤولية سقوط عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بين شهيد وجريح، كون عناصر تلك الفصائل "يَحْتمون" بالمدنيين ويُطلِقون الهجَمات ضدّ جيش الاحتلال من مناطق مَدنيّة؛ فضلاً عن تهجير وتجويع مليوني إنسان منذ شنّ الجيش الإسرائيلي هجومه البريّ الواسع على غزة، في أواخر تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام 2023.
مُمارَسات وجرائم مَهولة..ومُثبَتة
أما أبرز مؤشّرات تلك "الأخلاقيّة المُفرطة" للجيش الإسرائيلي، ولكلّ قادة الكيان السياسيين والعسكريين والأمنيّين، ومن ورائهم أغلب مُكوّنات المجتمع الإسرائيلي المُعَقّد والعُدواني والمُتَغطرس، فقد تَجَلّت في الممارسات الآتية:
-ارتكاب مجازر وحشيّة وغير مُبرّرة ومُتتالية بحقّ المدنيين الفلسطينيين طيلة مراحل الحرب في قطاع غزة.
-تجويع أهالي غزة حتى الموت، بمنع مُقَوّمات العيش الأساسية عنهم، مثل الغذاء والماء والدواء، بذريعة أنهم مؤيّدون للمقاومة، ولِما حدَث في السابع من أكتوبر!
-التهجير القَسري وغير الإنساني لمئات الآلاف من المدنيين من منطقة إلى أخرى، مع تَعَمّد استهداف هؤلاء بالقصف والقتل والتشريد، خلال انتقالهم أو بعد استقرارهم.
-ارتكاب جرائم مُخزية ومَهولة، مثل قتْل آلاف الأطفال والنساء، واغتيال عشرات الأطبّاء والمُمَرّضين والمُسْعِفين، ونَبْش القبور، وسَحْل جثامين الشهداء والجرحى، وإذلال الأسرى وحَرقهم أحياء، وقصف المُجَمّعات والأبراج السكنيّة والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس، وتدمير المستشفيات والمراكز الصحيّة (مذبحة مستشفى الشفاء الأخيرة أنموذجاً) واستهداف الطواقم الإعلامية وفِرق الإغاثة، وأماكن اللجوء، حتى الأمَميّة منها (مدارس ومؤسسات الأونروا)، وتَجمّعات تَلقّي المساعدات، وغيرها الكثير. 
فهل يُمكن، بعد كلّ هذه الجرائم والارتكابات والمُمارسات المُروعة، والتي أقَرّ الكيان ببعضها خلال الأشهر الأخيرة، تصديق مقولة "الجيش الأكثر أخلاقيّة في العالم"، التي يَتبجّح بها رئيس حكومة الكيان وغيره، من أجل دفع تُهَم الإبادة الجماعيّة والقتل والتجويع والتهجير، والتي تُلاحِق "إسرائيل" في كلّ يوم، وتغيير صورة الكيان البشعة في أذهان  معظم شعوب ودول العالم؟!
مواقف قادة الكيان تُدينهم
على قاعدة "من فَمِك أُدينُك"، أو "وشَهِدَ شاهدٌ من أهلها"، تَتّسق بعض المواقف الدنيئة والمُتعَجرفة لأبرز قادة الكيان الإسرائيلي، والتي أُطْلِقت خلال أشهر الحرب على غزة، وهي تكشف عن الاستهتار التام بالقانون الدولي والإنساني، كما بالقِيم والضوابط الأخلاقية، من قِبل هؤلاء القادة والمسؤولين؛ وهم يُطَبّقون فعلاً لا قولًا مبدأ ميكيافيلي اللاأخلاقي: "الغاية تُبرّرُ الوسيلة"!
يقول رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قبيل بدء العدوان البريّ على غزة: "يجب أن تَتذكّروا ما فعله العماليق بكم؛ هكذا يقول كتابنا المُقدّس. ونحن نَتذكّر بالفعل ونُحارِب. قوّاتنا العظمى حول غزّة وإسرائيل يَنضمّون لسلسلة من الأبطال اليهود، وهي سلسلة بدأت قبل 3000 عام مع يوشع بن نون".
وقد اعتبر العديد من الخبراء هذه النكهة الدينية لخطاب نتنياهو، واستشهاده بالتوراة والعهد القديم، وخاصة "العماليق"، دعوة مفتوحة وعلنيّة للإبادة الجماعيّة ضدّ الفلسطينيين. فالعماليق في التوراة هم عدوّ اليهود اللدود، الذين يُمَثّلون الشرّ المَحض، والذي يجب على اليهود قَتْلهم جميعاً، بما في ذلك النساء والأطفال والماشية.
 من جهته، قال وزير الحرب الإسرائيلي(السابق) يوآف غالانت، بُعَيْدَ هجوم "طوفان الأقصى"، إنه أَمَرَ بفَرْض حصار كامل على غزة، مُتَوَعّدًا إيّاها بقطع الكهرباء والطعام والوقود. ووصف غالانت الفلسطينيين بـ”الحيوانات البشرية”؛ وقال إنهم (الإسرائيليون) سيَتصرّفون وفقاً لذلك!
كما اعتبر رئيس الكيان، إسحق هرتسوغ، أن المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة ضالعون في الحرب، مُبَرّراً الجرائم التي يَرتكبها جيش الاحتلال بحقّهم. وقال هرتسوغ إن “هناك أمّة كاملة تَتَحمّل المسؤولية”، في إشارة إلى المدنيّين بقطاع غزة، مُضيفاً: "ليس صحيحاً أنّ المدنيّين غير ضالعين في الأمر" من خلال عدم الانتفاض ضدّ نظام "حماس" في غزة.
أيضاً، قال وزير التراث بالحكومة الإسرائيلية، عميحاي إلياهو، إن إلقاء قنبلة نووية على غزة هو حلٌ ممكن، مُضيفاً أن قطاع غزة يجب ألّا يبقى على وجْه الأرض. كما دعا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، السكّان الفلسطينيين في غزة إلى مُغادرة القطاع المُحاصَر لإفساح المجال أمام الإسرائيليين الذين يُمكنهم "تحويل الصحراء إلى أودِية مُزدَهِرة"!
وقال سموتريتش: "ما يَتعيّن فعله في قطاع غزة هو تشجيع الهجرة... إذا كان هناك 100 ألف أو 200 ألف عربي في غزة وليس مليوني عربي، فإنّ المناقشة المُتعلّقة باليوم التالي ستكون مُختَلفة تماماً".
وفي السياق عينه، دعا وزير الأمن الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، إلى تشجيع سكّان قطاع غزة على "الهجرة الطوعيّة" ومَنْحهم حوافز ماليّة للقيام بذلك. كذلك، وصفت السفيرة الإسرائيلية لدى بريطانيا، تسيبي حوتوفلي، غزة بأنها “مدينة إرهاب فظيعة”، وأنه يجب تدمير كلّ مدرسة ومسجد ومنزل فيها، زاعمة أنها كلّها مُرتبطة بشبكة أنفاق “حماس”!
العالم يُدين الكيان..ولا يُعاقِبه!
أدّت مواصلة "إسرائيل" لجَرائمها في غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، وحتى تاريخه، إلى انحسار التعاطف أو التأييد الدولي الكبير الذي نالَته بعد هجوم "طوفان الأقصى"، على خلفية أن حركة حماس قد ارتَكبت خلاله "جرائم حرب" مَهولة، مَسّت بالوجدان العالمي المُتعاطف عموماً مع "اليهود"، ضحايا محرقة الهولوكوست المزعومة.
وفيما لم تُثبِت أيّ تقارير إسرائيلية أو أمميّة أغلب الادّعاءات بشأن "مذبحة السابع من أكتوبر"، مثل ذبح أطفال أو اغتصاب نساء، فإنّ التقارير اليومية المُوَثّقة تتوالى من داخل قطاع غزة المُدَمّر، كلّياً أو جزئياً (بنسبة 80 بالمئة)، ومن مصادر فلسطينية بالدرجة الأولى، وإسرائيلية وغربية وأمَميّة بالدرجة الثانية، حول الجرائم الإسرائيلية التي يَنْدى لها جبين الإنسانية، والتي صَدَمت الرأي العام العالمي، كما الشعوب العربية والإسلامية؛ فضلاً عن الأنظمة والدول، في شَرْق الأرض وغَرْبها، حتى المؤيّدة منها للكيان الإسرائيلي تاريخياً.
والمُثير أنه من بين تلك الدول التي باتت تُدين الجرائم الإسرائيلية، ولكن على استحياء، الولايات المتحدة الأميركية نفسها، أي الشريك المُباشر للكيان في جرائمه، من خلال دعمه سياسياً وعسكرياً ولوجستياً ومالياً ومعنوياً، سواء في عهد الرئيس السابق جو بايدن أو الرئيس الحالي دونالد ترامب، على الأقل قبل تسلّمه مهام الرئاسة، حيث تحوّل ترامب بعد ذلك إلى مُدافِع بالمطلق عن جرائم "إسرائيل" في غزة، بذريعة الدفاع عن النفس ولعدم إطلاق حركة حماس للأسرى الإسرائيليّين.
وهكذا كانت حال زعماء أو رؤساء دول أوروبية فاعلة، لجهة إدانة الجرائم الإسرائيلية في غزة، ولكن من دون الدعوة إلى لَجْم "إسرائيل" أو مُحاكمتها على تلك الجرائم، وهي التي لا تُقيم وزناً لأي قانون إنساني أو قيمة أخلاقية، حتى بالمفهوم الغربي المُسَيّس لها.
فقد صَرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد أسابيع من بدء العدوان الإسرائيلي البريّ على غزة، بأن مُحاربة الإرهاب لا تعني "هَدْم كلّ شيء في غزة"؛ كما طَلَب من الإسرائيليين "وقف هذا الردّ لأنه غير مُناسب، ولأن كلّ الأرواح البشرية مُتساوية ويجب الدفاع عنها".
ودعا ماكرون "إسرائيل" لاحترام قوانين الحرب والمبادئ الإنسانية في حربها ضدّ حركة حماس في قطاع غزة. وقال: "القتال يجب أن يكون بلا رحمة، ولكن ليس بلا قواعد، لأننا ديمقراطيّات تُحارب الإرهابيين؛ ديمقراطيّات تَحترم القانون، وتَضْمن وصول المساعدات الإنسانية"!
أما رئيس الوزراء البريطاني (السابق)، ريشي سوناك، فقال، وبعد طول صَمْت مُريب، إن المملكة المتحدة "مَصدومة من حمّام الدم" في غزة، و"هذه الحرب الرهيبة يجب أن تنتهي". وفي بيان نشَره بعد نصف عام على بدء الحرب، قال سوناك: "نحن نُواصل الدفاع عن حق إسرائيل في هزيمة تهديد إرهابيي حماس والدفاع عن أمنها. لكن المملكة المتحدة بأكملها مَصدومة من حمّام الدم، وقد روّعنا مَقْتل الأبطال البريطانيين الشجعان الذين نقَلوا الطعام للمُحتاجين" في غزة.
وقُتِل سبعة عمّال إغاثة، من بينهم ثلاثة بريطانيين، في القطاع الفلسطيني، في مطلع شهر نيسان/ أبريل 2024، بغارات مُسيّرة إسرائيلية بعد أن أشْرَفوا على تفريغ شحنة مساعدات نقَلتها سفينة من قبرص.
من جهته، طالَب المستشار الألماني (السابق) أولاف شولتس، "إسرائيل"، بشكل واضح على غير المُعتاد، بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني في قطاع غزة، وذلك في ضوء الهجوم البريّ الذي (كانت في حينه) تُزمِع "إسرائيل" شَنّه في مدينة رفح الواقعة أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر.
وقال شولتس في مؤتمر ميونيخ للأمن: «نحن لا نَلْتزم بالقانون الدولي والقواعد فقط لأننا وَقّعنا على بعض الاتفاقيات الدولية. إن هذا شيء يَنْبع من رؤيتنا للإنسانية وكيف نريد أن نكون وكيف نريد أن نرى أنفسنا». ويبدو أن شولتس قد استشعر غضب الرأي العام الألماني، الذي بات يرى أن ما يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة أمرٌ لا يمكن تَسويغه.
كما أن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، غَيّرت هي الأخرى لهجة الدعم غير المَشروط، عندما أعلنت نيّتها إرسال وفد إلى "إسرائيل"، لأنّ ألمانيا باعتبارها أحَد مُوَقّعي معاهدة جنيف "مُلزَمة بتذكير كلّ أطراف المعاهدة بضرورة احترام القانون الدولي الإنساني". وكانت بيربوك، في وقتٍ سابق، قد وصَفت غزة بالجحيم، وحثّت "إسرائيل" على الإقلاع عن اجتياح رفح، قائلة: "الناس لا يمكن أن تَتَوارى في الهواء هكذا ببساطة".
فيما كان رئيس الوزراء الإيرلندي، ليو فارادكار، قد وصَف عدوان الاحتلال ضدّ غزة بأنه "شيء يَقْترب من الانتقام"، في أكثر الانتقادات حِديّة لزعيم دولة بالاتحاد الأوروبي ضدّ الاحتلال.
أما مواقف هيئة الأمم المتحدة والمؤسّسات التابعة لها، فكانت أكثر وضوحاً في كشف الجرائم الإسرائيلية وإدانتها، ولو من دون تأثير فعلي لجهة وقف تلك الجرائم ومُحاسَبة مُرتَكبيها.
فهذه فرانشيسكا ألبانيز، مُقَرّرة الأمم المتحدة الخاصة المستقلّة المعنيّة بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، تقول، في أواخر شهر آذار/ مارس 2024، إن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضدّ الفلسطينيين في غزة، ودَعَت الدول إلى ضمان امتثال إسرائيل والدول الثالثة بالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمُعاقبة عليها.
وذكَرت المُقَرّرة الخاصّة أن إسرائيل دَمّرت غزة خلال خمسة أشهر من العمليات العسكرية. وقالت: "إن العدد المُروع من الوفيّات، والضرر الذي يَتعذّر جَبْره اللاحق بالناجين، والتدمير المَنهجي لكلّ جانب ضروري لاستمرار الحياة في غزة – من المستشفيات إلى المدارس، ومن المنازل إلى الأراضي الصالحة للزراعة – والضرر الخاص الذي يَلْحَق بمئات الآلاف من الأطفال والأمّهات الحوامل والفتيات – لا يمكن تفسيره إلّا على أنه يُشكّل دليلًا ظاهريًا على نيّة التدمير المنهجي للفلسطينيين كمجموعة".
وهذا ما ألْمَحت إليه محكمة العدل الدولية، وفي أكثر من قرار أو بيان، في سياق مُناقشاتها المفتوحة لدعوى دولة جنوب أفريقيا ضدّ الكيان الإسرائيلي حول احتمال ارتكابه لجرائم إبادة جماعيّة وجرائم ضدّ الإنسانية في غزة.
خاتمة
وبعد؛ هل يُمكن لعاقلٍ في هذا العالم أن يُصدّق أكاذيب قادة "إسرائيل" السياسيين والعسكريين، حول التزامهم بالقانون الدولي والإنساني أو بالقِيم الأخلاقيّة خلال حربهم الوحشيّة المتواصلة على قطاع غزة، في ظلّ سقوط أكثر من ستّين ألف شهيد حتى تاريخه (من دون احتساب من دُفِنوا تحت أنقاض المَباني المُدمّرة)، وأكثر من مئة ألف جريح، ومئات آلاف الجَوْعى والمُشَرّدين؟!
لقد آنَ الأوان لما يُسَمّى بالعالم المُتَحضّر، وكذلك لدول وشعوب العالم، أن يفرضوا الحَظر أو الحُرُم الكامل على هذا الكيان المُجرم، والذي تَجاوز كلّ القوانين والحدود والضوابط، كما يقرّ قادة الدول الداعمة لهذا الكيان، ومن خَلْفهم المسؤولون الأمَميّون (ومحكمة العدل الدولية) وأغلب رؤساء دول العالم. وليس ذلك من أجل حماية الشعب الفلسطيني المظلوم من بَطْش وكَيْد الكيان المحتلّ فحسب؛ بل من أجل صَوْن القِيم الأخلاقية والإنسانية التي باتت تُجَسّد ركيزة بقاء المجتمعات البشرية وتطوّرها في هذا العصر.
كما أنّ تخصيص محكمة دولية أو عالمية، بعيدة عن التسييس، لمُحاسبة ومُعاقبة قادة الكيان الإسرائيلي الإرهابيين، وبمفعول رجعي، بات مَطْلباً مشروعاً وواقعياً، بعدما استَهْتَر هؤلاء، ولعقودٍ من الزمن، بكلّ القرارات الدولية ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية (حيث أقَرّت أخيراً أميركا وبعض الدول الأوروبية بحقّه في إقامة دولة مستقلّة على أرضه)، كما بقوانين الحرب وبالضوابط والقِيم الأخلاقيّة، فاستباحوها بكلّ صلافة، وبدعمٍ سافرٍ من الولايات المتحدة، التي تَدّعي زوراً بأنها قائدة العالم الديمقراطي الحر، وحامية السلام والحريّات وحقوق وكرامة الإنسان !

2025-06-22 20:09:27 | 47 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية