هل تصمد حكومة نتنياهو بعد الحرب مع إيران؟
سعيد عكاشة
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدّمة
1/7/2025
تَمتّع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالتفاف شعبي، لم يشهده منذ سنوات طويلة، حول قراره بشنّ حرب في مُواجهة إيران لتحييد تهديداتها النووية والصاروخية، وفقاً لرؤية حكومته؛ وهو ما توضِحه استطلاعات الرأي العام أثناء الحرب التي استمرّت 12 يوماً. ولكن نفس الاستطلاعات تُبَيّن أن فُرَصَ نتنياهو في قيادة ائتلاف حكومي جديد حالَ إجراء انتخابات مُبكرَة تبدو ضئيلة.
ويعكس هذا التضارب حقيقة أن الجمهور الإسرائيلي أيّد الحرب ضدّ إيران، بمَعزل عن موقفه شبه الثابت من نتنياهو، منذ عودته إلى الحكم في مطلع يناير 2023. وينطبق الأمر على موقف المُعارضة الإسرائيلية التي أيّدت نتنياهو في حربه مع إيران؛ لكنها لا تزال تُطالبه بإنهاء الحرب على قطاع غزة، واستعادة الرهائن، والدعوة إلى انتخابات مُبكرَة. كما تظلّ انتقادات الصحف الإسرائيلية لنتنياهو على حالها؛ بسبب مُحاولة تنصّله من مسؤولية الإخفاق عن أحداث السابع من أكتوبر 2023، حيث تُصرّ على المُطالَبة بتشكيل لجنة تحقيق قوميّة لفحص أسباب هذا الإخفاق ومُحاسَبة المسؤولين عنه، وعلى رأسهم نتنياهو.
على الجانب الآخر، ومن داخل مُعسكَر اليمين الذي يقوده نتنياهو، ثمّة تهديد من جانب شركائه في الائتلاف بإسقاط الحكومة الحالية على خلفيّة عدّة قضايا، على رأسها مسألة تجنيد أبناء الطائفة الحريدية، وموقف أحزاب الصهيونية الدينية من استمرار حرب غزة. ووسط كلّ هذا التضارب في مواقف الرأي العام الإسرائيلي، والخلافات الحادّة بين مُكَوّنات الائتلاف الحاكم؛ يبدو السؤال عن مصير الائتلاف الحاكم في "إسرائيل" أمراً مَنطقياً.
موقف الرأي العام:
تُظهِر استطلاعات الرأي العام في "إسرائيل"، أثناء الحرب مع إيران وبعد انتهائها، أن نتائج الحرب (وقف إطلاق النار في اليوم الثاني عشر) لم تُحَقّق توقّعات الجمهور؛ وهو ما سيؤثّر حتماً في الشعبية المؤقّتة التي حَظِي بها نتنياهو وحكومته أثناء هذه الحرب.
في استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في 18 يونيو 2025؛ أي بعد خمسة أيام من بدء عملية "الأسد الصاعد" ضدّ إيران؛ ارتفعت نسبة الثقة في الحكومة الحالية إلى 30% مقارنةً بـ21% قبل بدء الحرب. وعلى صعيد نسبة الثقة في نتنياهو، فقد ارتفعت إلى 35% أثناء الحرب مقارنةً ب 26% في شهر مايو الماضي. وفيما يتعلّق بتحقيق هدف الحرب، وهو القضاء على الخطر النووي الإيراني؛ كان 61% يعتقدون أنه بالإضافة إلى إزالة التهديد النووي، يجب على "إسرائيل" العمل على إسقاط النظام الإيراني. فيما اعتقد 47% أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك خطّة لإنهاء المعركة مع إيران. وأخيراً، أعرَب 9% فقط عن اعتقادهم بأن التهديد النووي الإيراني سيَزول بالكامل خلال هذه العملية.
ويتّضح من نتائج هذا الاستطلاع، أن الحرب مع إيران لم يكن لها تأثير إيجابي كبير في شعبيّة نتنياهو أو حكومته، وأن الجمهور الإسرائيلي، وإنْ أيّد هذه الحرب بنسبة كبيرة، فقد أبدى شكوكاً واضحة حول إمكانية تحقيق أهدافها. والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم ثقته في نتنياهو وحكومته بعد الفشل في استعادة الرهائن لدى "حماس"؛ ومن ثمّ فإن النجاح أمام إيران كان موضع شك قياساً على ما يجري في حرب غزة.
وأكّدت الاستطلاعات مؤخّراً صحّة هذا الاستنتاج. فقد أظهَر استطلاع أجرَته صحيفة "معاريف" في 27 يونيو، أن 49% من المُشاركين يرون أن إسرائيل "لم تُحَقّق نصراً" في الحرب مع إيران؛ لكنها في الوقت ذاته "أحرزَت إنجازات مُهِمّة". في حين قال 30% منهم إنها "حَقّقت نصراً واضحاً"، وقال 16% إنّها "حَقّقت إنجازات جزئيّة". ولم يتمكّن 5% من تقييم نتيجة الحرب. وفيما يتعلّق بانعكاس نتائج الحرب على توزيع مقاعد الكنيست إذا ما أُجرِيت الانتخابات الآن، فسيَحصل كلٌ من حزب نفتالي بينيت وحزب "الليكود" على 25 مقعداً لكلّ منهما، فيما سيَحصل حزب "الديمقراطيين" بقيادة يائير غولان على 11 مقعداً، وسيحصل كلٌ من "إسرائيل بيتنا"، بزعامة أفيغدور ليبرمان، و"شاس"، على 9 مقاعد لكلٍ منهما. وسيَحصل "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لابيد، و"معسكر الدولة"، بزعامة بيني غانتس، على 8 مقاعد لكلّ منهما. وسيَحصل "يهودات هتوراه"، و"القوّة اليهودية" بزعامة إيتمار بن غفير، على 7 مقاعد لكلّ منهما، و"القائمة العربية المُوَحّدة" على 9 مقاعد، و"الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير" على 5 مقاعد. وهكذا يكون للمعارضة برئاسة بينيت 61 مقعداً، فيما يكون للائتلاف الحالي 48 مقعداً، وللكتلتين العربيّتين 11 مقعداً.
بمعنى أكثر وضوحاً، فإنه حتى بعد انتهاء حرب "إسرائيل" وإيران، والتي كان من المُتَوَقّع أن تُحَسّن فرص نتنياهو في قيادة ائتلاف جديد إذا ما أُجرِيت انتخابات برلمانية مُبكِرة؛ فإن هذا الأمل قد تلاشى مُبكِراً.
عجز المعارضة:
يُمَثّل عجز المعارضة الإسرائيلية عن تحدي سياسة نتنياهو وائتلافه الحاكم، أحد أبرز العناصر التي حمَت نتنياهو من السقوط، بالرغم من الأزمات العنيفة التي تعرّض لها. ويُمكن تلخيص أبرز مظاهر هذا العجز في النقاط التالية:
1- خلال أزمة التعديلات القضائية، التي بدأت فور تسلّم نتنياهو السلطة في يناير 2023، رَكّزت أحزاب المُعارضة (بقيادة حزبي معسكر الدولة، ويوجد مستقبل) على إثارة الشارع ضدّه، ونجحَت في البداية في ذلك. وبدَلاً من استغلال هذا الزخم لإجبار نتنياهو على إلغاء الخطّة، قَبِلت المُعارضة بتعليقها فقط؛ ثم انسحبت في شهر يونيو من نفس العام من المفاوضات التي عُقِدَت من أجل التوصّل إلى حلّ مقبول من كلّ الأطراف؛ لينتهي الأمر بتمكّن الائتلاف من المُضي قُدُماً في تنفيذ خطّته، بعد أن أصاب الشارع الإسرائيلي الإحباط من موقف المُعارضة الضعيف.
2- بعد الهجوم الذي تعرّضت له "إسرائيل" في السابع من أكتوبر 2023، قَبِل حزب "معسكر الدولة"، بزعامة غانتس، المُشاركة في حكومة الطوارئ التي شكّلها نتنياهو لإدارة الحرب المُتعدّدة الجبهات، والتي ترتّبت على هذا الهجوم. فيما رفَض لابيد، زعيم حزب "يوجد مستقبل"، المُشاركة في هذه الحكومة، ودعا إلى إقالة نتنياهو وإجراء انتخابات مُبكِرة. وتسبّب الخلاف بين لابيد وغانتس حول الموقف من حكومة الطوارئ، في تشتّت المُعارضة وفشلها، سواء في التأثير في قرارات إدارة الحرب عبر غانتس، أم الضغط من أجل الإطاحة بنتنياهو كما كان يريد لابيد.
3- لم تستطِع المُعارضة الإسرائيلية استغلال انسحاب حزب "معسكر الدولة" من حكومة الطوارئ في يونيو 2024، في حشد الشارع ضدّ نتنياهو بسبب عجزه عن تحقيق أهداف حرب غزة، وفشله في استعادة الرهائن الإسرائيليين من يد "حماس"؛ ليُواصل نتنياهو بعدها انفراده بإدارة الحرب، بعد الإطاحة بكلّ مُعارضيه، حتى من داخل حزبه، ولا سيّما إقالة وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، في سبتمبر الماضي.
4- تحت وَقْع الانتصارات الجزئيّة التي حقّقها نتنياهو في الحرب مع حزب الله اللبناني، ومؤخّراً نجاحه، بالتعاون مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في ضرب المشروع النووي الإيراني؛ تزايدت حالة الارتباك في صفوف المُعارضة الإسرائيلية، التي توضِح الاستطلاعات تراجع الثقة في حزبيها الرئيسيين (معسكر الدولة، ويوجد مستقبل)، ليس لصالح نتنياهو، بل لصالح رئيس الحكومة الأسبق، بينت، المُنتمي لمعسكر الصهيونية الدينية. وفي حال فوز بينت في الانتخابات المُقبلة، والتي يُمكن أن تُجرَى مُبكراً حال سقوط ائتلاف نتنياهو بشكل مفاجئ، سيكون الخاسر الأكبر هو أحزاب المُعارضة قبل نتنياهو نفسه؛ ومن السابق لأوانه الحكم على مدى قدرة بينت على حشد معسكر اليمين حوله، والحلول محلّ نتنياهو في قيادته.
قضايا خلافيّة:
في إطار الرغبة المشتركة لمُعارضي نتنياهو والشارع الإسرائيلي في إغلاق ملف نتائج الحرب مع إيران، عادت القضايا الخلافية التي سبقت هذه الحرب إلى الواجهة من جديد، سواء من جانب أحزاب المعارضة، أم من جانب شركاء نتنياهو في الائتلاف، كالتالي:
- صَرّح زعيما المعارضة، لابيد وغانتس، بأن نهاية الحرب مع إيران لا بدّ أن يعقبها اتخاذ قرار شجاع بإنهاء الحرب في غزة، واسترداد الرهائن لدى "حماس"؛ لأن الأخيرة باتت عاجزة عملياً عن تشكيل خطر أمني على "إسرائيل" لسنوات قادمة، من وجهة نظَرهما. ويبدو أن هذا الطرح يستهدف خلق أزمة لنتنياهو داخل الائتلاف الحكومي، أكثر من كونه يأتي عن اقتناع من جانب لابيد وغانتس بأن الخروج من الحرب قبل تحقيق أهدافها سيكون في مصلحة الأمن الإسرائيلي.
- على الرغم من التقارير الإسرائيلية التي تُشير إلى انفتاح نتنياهو على مُناقشة قضية إنهاء الحرب على غزة، للمرّة الأولى؛ فإنّ نتنياهو أعلَن أمام اجتماع الكابينت الأمني في 29 يونيو، أن النصر على إيران، حسب تقديره، أتاح فرصاً عدّة أمام "إسرائيل"، من بينها استعادة الرهائن من غزة؛ لكن بياناً صدَر عن مكتبه لاحقاً أوضح أن ذلك لا يعني المُوافقة على إنهاء الحرب هناك قبل تحقيق أهدافها كاملة، وعلى رأسها هزيمة "حماس"، ونزع سلاحها.
- تمسّك زعيم حزب "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، وزعيم حزب "القوّة اليهودية"، بن غفير، بموقفهما بالانسحاب من الائتلاف الحكومي حال وقف حرب غزة دون تحقيق أهدافها.
- بالرغم من أن الأحزاب الحريدية المُشاركة في الائتلاف (شاس، ويهودات هتوراه) لا تتشارك مع أحزاب الصهيونية الدينية في الموقف الداعي إلى الاستمرار في الحرب ضدّ "حماس"؛ فإن هذه الأحزاب تمثّل تهديداً لبقاء الائتلاف الحكومي، مثلها مثل أحزاب الصهيونية الدينية، ولكن لسبب مختلف، حيث ترفض الأحزاب الحريدية إصدار قانون من الكنيست لفرض التجنيد الإجباري على أبناء هذه الطائفة. ويُهَدّد حزبا "شاس" و"يهودات هتوراه" بالانسحاب من الائتلاف الحالي حال صدور مثل هذا القانون.
حسم المصير:
على الرّغم من الإنجازات التي حقّقتها "إسرائيل" بقيادة نتنياهو، وبالتعاون مع ترامب، بضربها المُفاعلات النووية ومنشآت تصنيع الصواريخ البالستية في إيران؛ فإن حالة عدم اليقين تجاه النجاح الكامل في إزالة التهديد الإيراني من جانب، واستمرار رفض المجتمع الإسرائيلي لعودة نتنياهو إلى الحكم في أي انتخابات مُقبلة وفق استطلاعات الرأي من الجانب الآخر؛ تؤكّدان حقيقة أن مصير ائتلاف نتنياهو لن تُحَدّده إنجازاته ضدّ حزب الله اللبناني وإيران، كما لن يُحَدّده اشتداد ضغوط المُعارضة ضدّه؛ بل سيُحَدّده شركاؤه من أحزاب الصهيونية الدينية والحريدية.
وتبدو الأحزاب الحريدية هي الأكثر تهديداً للائتلاف الحكومي الحالي؛ إذ إن نتنياهو يتّفق مع أحزاب الصهيونية الدينية على ضرورة استمرار حرب غزة حتى هزيمة "حماس". ويستطيع نتنياهو، اعتماداً على تأييد معظم الإسرائيليين لإزالة تهديد "حماس" بشكل نهائي، ولأسبابه الشخصية، أن يواصل هذه الحرب بما يضمن بقاء أحزاب الصهيونية الدينية في الائتلاف وحمايته من السقوط، وذلك على خلاف الأحزاب الحريدية التي تهدّد بالانسحاب من الائتلاف إذا صدَر قانون من الكنيست يُلزِم أبناء الطائفة بالخدمة العسكرية الإلزامية. ومن المُقَرّر طرح هذا القانون في الكنيست خلال الفترة القصيرة القادمة. وإذا لم يتمكّن نتنياهو من إقناع شركائه في الائتلاف من أحزاب الصهيونية الدينية بالتصويت ضدّ مشروع القرار، فإن انسحاب الحريديم من الائتلاف وإسقاطه سيَغدو أمراً مؤكّداً، بغضّ النظر عن إنجازات الائتلاف في حروب "إسرائيل" متعدّدة الجبهات، وخاصّةً في مواجهة إيران.
2025-07-08 11:21:39 | 20 قراءة