تقييمات إسرائيلية جديدة: ما هو وضع برنامج إيران النووي في أعقاب الحرب مع "إسرائيل"؟
عبد القادر بدوي
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية
منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية - الأميركية على إيران، لم تَتوقّف النقاشات الإسرائيلية حول ما حَقّقته هذه الحرب في ما يتعلّق ببرنامجي إيران النووي والصاروخي، حيث شكّلت الحرب نقطة تحوّل استراتيجية في مُواجهة التهديد النووي الإيراني، من وجهة النظر الإسرائيلية، وحيث لم تقتصر الحرب على إضعاف البنية التحتيّة النووية الإيرانية فحسب، بل كشفَت أيضاً عن قدرات إيران الحقيقية (خاصّة الصاروخية) في مُقابل حدود منظومة الردع التي راهنت عليها إيران سابقاً في مواجهة "إسرائيل.”
في هذه المُساهمة، نَستعرض الجزء الأوّل من تقرير مُوَسّع أعدّه راز تسيمت وتامير هايمن لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، بعنوان: "بين التسوية والإنفاذ: إسرائيل والبرنامج النووي الإيراني بعد الحرب"، يتناول وضع البرنامج النووي الإيراني في أعقاب الحرب الإسرائيلية - الأميركية ومدى تضرّر المشروع النووي بحسب التقديرات الإسرائيلية، وأبرَز الخيارات والبدائل الاستراتيجية المُتاحة أمام "إسرائيل" من حيث العيوب والمزايا التي أفرزَتها نتائج الحرب، والتي ستَعتَمد، من بين أمور أخرى، على قرارات إيران وعملية التقييم والمُراجَعة التي بدأت بإجرائها في أعقاب انتهاء الحرب مع "إسرائيل". هنا، نستعرض الجزء الأوّل من المُساهمة، مع الإشارة إلى أن المُصطَلحات الواردة أدناه مصدرها التقرير، ولا تُعَبّر عن وجهة نظر مركز مَدار أو مُعِدّ المساهمة، حيث سيتم نشر الجزء الثاني في مُساهمة لاحقة.
وضع برنامج إيران النووي في أعقاب الحرب
يَنطلق التقرير من افتراض مَفاده أن الحرب الإسرائيلية- الأميركية على إيران قد أعادت برنامج إيران النووي إلى الوراء بدرجة كبيرة، حيث لم تَعُد إيران دولة على عتبة النووي كما كانت عشيّة الحرب (أي دولة تمتلك القدرة على استكمال تخصيب اليورانيوم الذي بحوزتها إلى مادّة انشطارية بدرجة 90%، المَطلوبة للسلاح النووي، خلال أقل من أسبوعين من اتّخاذ القرار). ومع ذلك، ما تزال لإيران قدرات مُتَبَقّية، قد تُستَخدم لاحقاً في مَساعيها لاستعادة البرنامج، وربما حتى لاختراق نحو امتلاك سلاح نووي، حيث يُمكن لإيران أن تعود إلى مكانة دولة على عتبة النووي خلال سنة إلى سنتين، في حال اتّخذ زعيم إيران قراراً بالاختراق نحو القنبلة (وفي حال عدم وجود تدخّل خارجي في العملية).
يَستعرض التقرير الأضرار التي ألحقَتها الهَجمات الإسرائيلية- الأميركية على المُنشآت المركزية المُرتَبطة بالبرنامج النووي الإيراني (بعضها غير قابلة للترميم كما يَدّعي) على النحو التالي:
البرنامج النووي ومَكانته في الاستراتيجية الإيرانية
يؤكّد التقرير أن هدَف الحفاظ على النظام يُعَدّ هدَفاً أسمى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويُشَكّل محوراً مركزياً في تَصَوّرها الأمني، بما في ذلك توجّهها نحو تطوير برنامج نووي، الذي بدأت نواته في عهد الشاه، لكنه جُمّد بعد الثورة الإسلامية بأمرٍ من الخميني لاعتبارات دينية؛ إلّا أن الحرب مع العراق، وما تخلّلها من استخدام أسلحة كيميائية ضدّ إيران، دفعَت النظام إلى إعادة إحياء البرنامج في الثمانينيّات. رغم تصريحات طهران المُتَكَرّرة بأنّها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، وأنه مُحَرّم شرعياً، فإنّ القيادة الإيرانية، وعلى رأسها علي خامنئي، ترى في الوصول إلى "العتبة النووية" وسيلة ردع فعّالة وبوليصة تأمين لبقاء النظام؛ كما تعتبر أن الضغوط الغربية لا ترتبط بالبرنامج نفسه، بل تهدف لتغيير نظام الثورة.
من ناحية أخرى، يُشير التقرير إلى أن الأحداث الإقليمية منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، أثارت شكوكاً في طهران بشأن فاعليّة أدوات الردع الإيرانية، لا سيما "محور المقاومة" ومنظوماتها الصاروخية. من ناحية أخرى، يؤكّد التقرير أن فشل إيران في منع إسرائيل من ضرب مصالحها كشَف عن محدودية قدراتها، ما دفع بعض الأصوات في الداخل إلى الدعوة لتغيير العقيدة النووية وفحص خيار التسلّح النووي الفعلي. برَزت هذه الدعوات مع مُطالَبة نوّاب في البرلمان، في تشرين الأوّل 2024، بمُراجعة استراتيجية إيران النووية، وهو ما ظهَر في تصريحات بعض المسؤولين التي قالت إن إيران قد تُغَيّر عقيدتها إذا واجهت تهديداً وجودياً، مؤكّداً امتلاكها القدرات التقنيّة لإنتاج سلاح نووي، وأن موقف القائد هو العائق الوحيد.
في المُقابل، وكنتيجة للحرب، فإن تصاعد النقاشات الداخلية، رغم غياب قرار رسمي من خامنئي بشأن التسلّح، يُشير إلى تزايد التأييد لفكرة "الاختراق النووي" كخيار استراتيجي مُحتمَل في مُواجهة التحدّيات التي تُهَدّد المصالح الإيرانية.
البدائل المُتاحة أمام إيران
يُشير التقرير إلى أن إيران ما تزال تُظهِر، في هذه المرحلة، أنها لم تُنجِز بعد عملية تقييم الأضرار (BDA) الناجمة عن الحرب، ولا تزال تُحاول فهم مدى خسائرها وقدراتها المُتَبَقّية، ممّا يجعلها حذرة في اتّخاذ قرارات حاسمة بشأن خطواتها المستقبلية. كما أن عملية اتّخاذ القرار في النظام الإيراني مُعَقّدة ومُنَظّمة وتستغرق وقتاً. رغم ذلك، تزداد لدى إيران الرغبة في الحصول على سلاح نووي استناداً إلى دروس الحرب، وفشل تصوّر الردع لديها أمام إسرائيل والولايات المتحدة.
تُواجِه إيران عدّة بدائل رئيسية بحسب التقرير: أوّلها التخلّي عن البرنامج النووي؛ وهو احتمال ضعيف للغاية، بسبب اعتقاد القيادة بأن البرنامج هو حق طبيعي وبوليصة تأمين لبقاء النظام. ويبدو أن الحرب عزّزت هذا الموقف. البديل الثاني هو الاستعداد لاتفاق نووي جديد؛ لكن إيران مُتَرَدّدة في العودة إلى مُفاوضات قد تَفرض عليها تنازلات كبيرة، كالتخلّي عن التخصيب وفَرض رقابة مُكَثّفة من وكالة الطاقة الذريّة التي تتّهمها بالتعاون مع أعدائها. قد يُوافق خامنئي على تسوية سياسية بشروط مُحَدّدة لإزالة التهديدات العسكرية وتخفيف العقوبات، لكنه غير واثق من الإدارة الأميركية.
الخيار الثالث هو إعادة تأهيل إيران كدولة عتبة نووية، تُحافظ على الغموض النووي، ربما مع فرض قيود على رقابة الوكالة أو الانسحاب من مُعاهَدة NPT؛ وهذا الخيار يُثير خلافات داخلية بين دوائر مُحافِظة ترى فيه ورقة ضغط مهمّة، ودوائر مُعتدلة تخشى أن يؤدّي إلى تشديد العقوبات أو تجدّد الحرب، خاصّة وأن إيران لا تستطيع إخفاء تقدّمها النووي من استخبارات الأعداء.
الخيار الرابع هو الاختراق نحو السلاح النووي في مسار سرّي؛ وهو خيار يتزايد دعمه بعد الحرب، لكنه مَحفوف بالمَخاطر بسبب احتمال الردّ العسكري الغربي والاستخبارات المُتغَلغلَة. إيران قد تُخطئ في تقدير نوايا وقدرات أعدائها كما حصَل سابقاً.
من المُحتمَل ألّا تعيد إيران تأهيل مُنشآت التخصيب المتضرّرة، لكنها قد تُخَصّب اليورانيوم عسكرياً بنسبة 90% في مواقع سريّة باستخدام عدد محدود من أجهزة الطرد المركزي (100-200)، الأمر الذي يُمكن إنجازه خلال أسابيع إذا كانت قد أعدّت برنامج طوارئ مُعَجّل في مواقع مُوَزّعة مسبقاً. كذلك، قد تُعيد تحويل اليورانيوم إلى شكله المعدني في مواقع بديلة مُجَهّزة مُسبَقاً، ما يستغرق عدّة أشهر.
إنتاج السلاح النووي أكثر تعقيداً، مع تقدّم كبير في تركيب آليّة التفجير البسيطة (Gun-type)، التي تتطلّب كميّات أكبر من المادّة الانشطارية، ولا يُمكن إطلاقها عبر الصواريخ الباليستية بسهولة، ما يجعل استخدامها محدوداً لعَرض القوّة وليس تهديداً عملياً. قد تختار إيران مساراً سريعاً أقلّ أماناً، لكن القدرة على تطوير منظومة كاملة صاروخية نووية غير مُتاحَة على المدى القريب.
رغم إمكانيّة نقل نظام نووي جاهز من كوريا الشمالية أو باكستان، فإن هذا الاحتمال ضئيل بسبب اعتماد إيران على الذات في قدراتها الاستراتيجية. قد تُطَوّر إيران أيضاً أسلحة نووية كهرومغناطيسية غير قاتلة، مُتوافقة مع فتوى المُرشِد الأعلى التي تُحَرّم الأسلحة النووية القاتلة.
الغاية الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل
يؤكّد التقرير أن منع إيران من امتلاك سلاح نووي كان وما يزال، حتى بعد الحرب، الهدف المركزي لضمان الأمن القومي لدولة إسرائيل وتعزيزه، حيث لا يُمكن لإسرائيل أن تتقبّل بأيّ شكل من الأشكال وجود سلاح نووي في أيدي "نظام راديكالي" يسعى إلى تدميرها والقضاء عليها. وفي أعقاب النتائج التي أفرزَتها الحرب، يؤكّد التقرير أن هناك حاجة إلى غاية استراتيجية جوهرها إزالة قدرة إيران على تطوير سلاح نووي، سواء من خلال تسوية تَحرمها من القدرة على تطويره، أو عبر إنفاذ بالقوّة (بوسائل عسكرية أو سريّة) يمنع أي جهد إيراني جديد لإعادة تأهيل البرنامج النووي؛ وبالأحرى التوجّه نحو السلاح النووي. كلّ ذلك، مع الحفاظ على القدرة على مُواصَلة "الحملة الشاملة ضدّ إيران لإضعاف النظام"، والحدّ من نشاطه الإقليمي، وتقليص قدراته الصاروخية التي يمتلكها.
وعليه، يقترح التقرير جملة من الأدوات العملياتيّة المَطلوبة من إسرائيل في مواجهة البرنامج النووي الإيراني:
الخيارات الاستراتيجية في المستقبل (سيتم استعراضها بالتفصيل في الجزء الثاني من هذه المُساهمة)
2025-07-31 12:29:06 | 56 قراءة