مُستقبَل السياسة الروسية تجاه الشرق الأوسط
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
في خضم التطوّرات الدولية والإقليمية الراهنة، والمُرتبطة باستمرار الحرب الروسية -الأوكرانية في عامها الرابع على التوالي، من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أحداث دراماتيكية تتعلّق بالإطاحة بنظام الرئيس السوري السابق بشّار الأسد في ديسمبر 2024؛ بالإضافة لاندلاع المُواجهات العسكرية المُباشِرة بين إسرائيل وإيران في 13 يونيو 2025، إلى جانب مُواصَلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة الفلسطيني لعامها الثاني، تشهد السياسات الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط عملية إعادة تعريف وتمَوضع، قوامها مُحاوَلة روسيا تحقيق مصالحها الوطنية، والوقوف على مسافة مُحَدّدة من التطوّرات في المنطقة، دون الانخراط فيها بشكل مُباشِر.
وفي ضوء ذلك؛ عَقَدَ مركز المُستقبل للأبحاث والدراسات المتقدّمة، حلَقة نقاش، يوم 14 يوليو 2025، للوقوف على مُستقبل السياسات الروسية تجاه الشرق الأوسط بعد مرور أربعة أعوام من الحرب الروسية - الأوكرانية. واستضاف المركز الأستاذة الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مُتَحدّثاً رئيسياً في الحلقة، بحضور خبراء وباحثي المركز.
وقد لَخّصت "الشيخ" السياسات الروسية والأبعاد الاستراتيجية المُرتَبطة بها تجاه الشرق الأوسط في العديد من الاتجاهات الرئيسية، التي يُمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو الآتي:
1. صداقة روسية - إيرانية رغم الخلافات: تُصَنّف العلاقة بين روسيا وإيران بأنها علاقة صداقة؛ إذ يرتبط البلدان بمُعاهَدة شراكة استراتيجية، تمّ توقيعها خلال استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نَظيره الإيراني مسعود بزشكيان، في موسكو، في يناير 2025.
كما أسهمت روسيا، منذ التسعينيّات، في بناء البرنامج النووي الإيراني، من خلال إنشاء وإدارة مفاعل بوشهر، الذي يُمَثّل أهم مصدر للطاقة الكهربائية في إيران، ويقع على الخليج العربي.
وشَكّلت الحرب الروسية -الأوكرانية انعطافة مُهِمَّة في العلاقات بين موسكو وطهران، من خلال تزويد الأخيرة للأولى بالطائرات المُسَيَّرة، لا سيما من طراز شاهد- 136، ومُهاجِر- 6، إلى جانب الصواريخ الباليستية، التي أسهمت في جهود الحرب الروسية في أوكرانيا.
ورغم الصداقة بين روسيا وإيران، فإنّ موسكو ليست مُتَحَمّسة لأن تُصبح إيران دولة نوويّة، لما لذلك من تداعيات على التوازنات في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، والتي تعتبرها روسيا مناطق نفوذ تقليدية لها. كما أنه ليس من مصلحة روسيا أن تكون هناك دولة نوويّة على حدودها (إيران).
ورغم الصداقة الروسية -الإيرانية، فإن ثمّة ملفّات خلافيّة بين الجانبين، ومنها على سبيل المثال، التنافس في أسواق النفط، والتنافس على النفوذ في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى؛ إذ تضع هذه الخلافات، وغيرها، حداً للصداقة والتعاون بين البلدين. كما نظَرت طهران باستياء لما اعتبرته تخلّياً روسياً عنها في مواجهة الحرب الإسرائيلية -الأمريكية ضدّها، والتي بدأت يوم 13 يونيو 2025؛ وأرجعت "الشيخ" هذا إلى انشغال روسيا في المعارك في كورسك والدونباس، وعدم رغبة موسكو في مزيد من استثارة الغرب وإسرائيل ضدّها.
2. فتور في العلاقة بين روسيا وإسرائيل: تَتّسم العلاقة بين روسيا وإسرائيل بقَدر من الفتور النسبي. فبعد الحرب الروسية -الأوكرانية، اعتبرت روسيا أن إسرائيل تدعم أوكرانيا بجانب الغرب؛ وهو ما أدّى إلى فتور في العلاقات بين الجانبين؛ إلّا أن الطّرَفَيْن كانا يُنَسّقان بشأن العديد من الملفّات؛ وأبرزها الملف السوري، خاصّة في عهد الرئيس السوري السابق بشّار الأسد، بُغية تفادي الاحتكاكات العسكرية بين الجانبين.
3. خصوصية العلاقات بين روسيا ودول الخليج العربي: تتميّز العلاقات بين روسيا ودول الخليج العربي بأنها علاقة استراتيجية، قائمة على الاحترام والمصالح المُتبادَلة. وقد أضفَت الحرب الروسية -الأوكرانية بُعداً مُهمّاً في العلاقات بين الطّرفين؛ إذ اتّخذت دول الخليج العربي موقفاً مُتوازناً من هذه الحرب. كما أجرى قادة خليجيون زيارات إلى موسكو، في خضم الحرب، واستقبلوا قادة ومسؤولين من روسيا وأوكرانيا والغرب؛ ورفضَت دول الخليج العربي المُوافقة على قرارات أمميّة كانت تهدف إلى إدانة روسيا وتوقيع عقوبات ضدّها على خلفيّة الحرب الأوكرانية.
وقد أثْنَت موسكو على مواقف دول الخليج العربي المُتوازنة من الحرب مع أوكرانيا، واعتبرت العلاقات مع هذه القوى مُهِمّة على المُستَوييْن الاقتصادي والسياسي. وليس أدلّ على ذلك من تَبادل الزيارات بين كبار المسؤولين من الجانبين، فضلاً عن تَضاعف أعداد السيّاح الروس إلى دول الخليج العربي، وزيادة التبادلات التجارية وغيرها من أوجه التعاون.
4. تراجع النفوذ الروسي في سوريا: مَثّلت الإطاحة بنظام الرئيس السوري السابق بشّار الأسد ضربة كبيرة لنفوذ روسيا في سوريا؛ إذ أُغلقَت المراكز الثقافية والتجارية التابعة لروسيا في سوريا، واقتَصر الأمر على القاعدتيْن البحريّة في طرطوس والجويّة في حميميم، مع تقليص القوّات وسحب بعض عتادها العسكري إلى مناطق أخرى، مثل ليبيا. وأصبح هدَف موسكو في روسيا الحفاظ على القاعدتيْن المُشار إليهما.
وقد تمّ تغيير المَبعوث الروسي إلى سوريا، بالمَبعوث الجديد الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المَعني بالشؤون الاقتصادية، كيريل دميترييف، ليَتناسب مع الأوضاع الجديدة في سوريا. كما استَبعَدت المتحدّثة الرئيسية للجلسة أن تقوم روسيا بتسليم بشّار الأسد إلى السلطات الجديدة في دمشق.
ختاماً؛ يمكن القول إن روسيا، باعتبارها قوّة كبرى على المسرح الدولي، تتبنّى سياسات تقوم على تعظيم مصالحها الوطنية، ونسج علاقات تعاونيّة مع مناطق مختلفة حول العالم، مع الاحتفاظ بعدم الانخراط المُباشِر في الصراعات التي لا تَعنيها بشكل مُباشر؛ إذ تُرَكّز موسكو على جبهة الحرب مع أوكرانيا، وتقليل أثر الضغوط الاقتصادية والعسكرية التي يفرضها الغرب ضدّها.
2025-08-03 14:48:09 | 79 قراءة