التصنيفات » مقالات سياسية

اليمن وتحدّيات المنطقة: صواريخ الحوثيين في عمق التحوّلات الإقليمية

اليمن وتحدّيات المنطقة: صواريخ الحوثيين في عمق التحوّلات الإقليمية

 بقلم: وائل المولى – كاتب وصحافي.

حين يعجز الردع الإسرائيلي: صواريخ اليمن لا تزال تتساقط.

رغم الضربات الجويّة الإسرائيليّة المتكرّرة، ورغم الدعم الأمريكي اللّامحدود في البحر الأحمر، لا تزال الصواريخ والطائرات المُسَيّرة القادمة من اليمن تَخترق السماء وتَسقط على الأرض الإسرائيلية، في مَشهد يعكس تحوّلاً استراتيجياً غير مَسبوق في مُعادلات الردع والصراع الإقليمي.

ليست المسألة مجرّد قصف عابر، بل إعلان صارخ أن جنوب الجزيرة العربية – وليس فقط طهران أو بيروت أو بغداد – بات لاعباً مركزياً في المُعادَلة العسكرية ضدّ "إسرائيل"، وأن “أنصار الله ” ليست مجرّد ذراع محلّي، بل رافعة إقليمية جديدة

المعركة تتجاوز غزة: اليمن في قلب الصراع.

منذ اندلاع الحرب في غزة، تحوّلت حركة “أنصار الله” من قوّة محليّة إلى فاعل إقليمي يملك الإرادة والقدرة على التأثير في خارطة الصراع العربي-الإسرائيلي. عمليات القصف التي يقوم بها الحوثيّون تُمَثّل خروجاً جريئاً عن السياقات التقليدية، وتأكيداً أن الجبهة الجنوبية لإسرائيل لم تَعُد محصورة بسيناء أو غزة، بل باتت مفتوحة على خليج عدَن وباب المندب والبحر العربي.

إنها رسالة ذات أبعاد ثُلاثيّة:

لإسرائيل: أمْنكم البحري والجوّي لم يَعُد مضمونًا.
للخليج: إعادة تعريف مُعادلات الحياد والمُواجهة.
لأمريكا: الحضور العسكري لم يَعُد كافيًا لضبط المنطقة

التوازنات تتغيّر: من الرياض إلى طهران.

تأتي هذه التطوّرات في لحظة حسّاسة:

•السعودية في مسار تهدئة مع الحوثيين، بحثاً عن استقرار حدودي ومَخرج من حرب استنزافية.

•إيران تستثمر نفوذها في اليمن لتعزيز مُعادَلة “وحدة الجبهات”.

•أمريكا وإسرائيل تُعانيان من استنزاف عسكري وسياسي في غزة، ومن تحدّيات غير تقليدية في البحر الأحمر.

في هذا المشهد، لا يعود "أنصار الله"  مجرّد حليف لإيران، بل ورقة إقليمية مستقلّة، باتت تتصرّف – ولو بشكل محدود – بما يتجاوز حسابات طهران

حرب نفسيّة ومعنويّة: “اليمَني يضرب والجيش الإسرائيلي يتراجع”.

لا يمكن التقليل من الأثر المعنوي لهذه الهجَمات:

•صاروخ واحد يُخرِج مطار بن غوريون عن الخدمة.

•طائرة مُسَيّرة توقِف الملاحة في ميناء أسدود وإيلات (أم الرشراش(

•هجَمات نفسية تُربِك الداخل الإسرائيلي وتكشف هشاشة “الجبهة الداخلية”.

هذا البُعد الرمزي لا يقلّ أهميّة عن البُعد العسكري. فالحوثي اليوم، رغم الحصار والفقر، يُشعِر الإسرائيلي بالخطَر، ويُعَزّز شعور الفلسطيني والعربي أن توازن القوى قابل للخلخلة

ماذا بعد؟ خيارات المنطقة على المحك.

المنطقة أمام سيناريوهات مفتوحة:

تصعيد إسرائيلي شامل: قد يشمل ضربات أعنف على صنعاء، أو حتى مُحاوَلة اغتيال قادة حوثيين؛ لكنه محفوف بمَخاطر التورّط في حرب لا يّمكن حسمها جوًا؛ والكيان الإسرائيلي قام بعدّة محاولات بهذه الخيارات .
تهدئة أمريكية- سعودية: قد تدفع نحو تسوية أوسع تشمل اليمن ولبنان والعراق؛ لكن نجاحها مَرهون بتفاهمات مع طهران.
مُفاجآت غير مَحسوبة: مثل استهداف ناقلات نفط خليجية أو هجَمات حوثيّة على أهداف غير إسرائيلية، ما قد يَجر الخليج نفسه إلى ساحة الصراع

في الخلاصة: اليمن لم يعد على الهامش.

لقد خرج اليمن من عزلته الجيوسياسية، ولم يَعُد مجرّد ساحة لحرب أهليّة مَنسيّة. إنه اليوم جزء من معركة كبرى تُعاد فيها صياغة توازنات الشرق الأوسط.

ورغم كلّ التحدّيات، تبقى الحقيقة الأوضح:

"إسرائيل"، ولأوّل مرّة، تتلقّى الضربات من عمق اليمن… ولا تستطيع فعل شيء .

 

2025-08-11 12:56:36 | 8 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية