التصنيفات » مقالات سياسية

هكذا تُخَطّط "إسرائيل" لشطب حق العودة ودَفن المخيّمات

هكذا تُخَطّط "إسرائيل" لشطب حق العودة ودَفن المخيّمات

جنين- نواف العامر

وكالة سنَد للأنباء

مئات المَباني والمُنشآت في مُخَيّمات جنين وطولكرم شمالي الضفة الغربية، حَوّلتها جرّافات الاحتلال إلى ركام، وإلى ما يُشبِه "مُدُن الأشباح"، وسط تخوّفات فلسطينية من خطط "إسرائيل" لتغيير جغرافية المُخَيّمات بالضفة، وتحويلها لأحياء سكنيّة صغيرة، بدعاوى أمنيّة وعسكريّة.

ومنذ 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدَأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا في مُخَيّم جنين، توسّع بعد أيام لمُخَيّمي طولكرم ثمّ نور شمس.

وقبل أيّام، نقَل مسؤول أمريكي وسفير أوروبي شروطًا جديدة فَرَضَها الاحتـلال على الفلســطينيين، بخصوص انسحاب قوّاته من مُخَيّمات شمال الضفة الغربية الثلاثة (جنين وطولكرم ونور شمس) وعودة النـازحين.

ويشتَرط الاحتلال للسماح بعودة النـازحين، منع أيّ نشاط للأونروا، أو أي نشاط سياسي داخل هذه المُخَيّمات، وإجراء مسح أمني للمكان والسكّان. ومن يَثبت نشاطه السياسي أو النضـالي سابقاً، فلن يُسمَح له بالعودة؛ ويشمل ذلك الأسـرى المُحـَرّرين، والسماح فقط بوجود مراكز للشرطة الفلسـطينية داخل المُخَيّمات.

وكان مسؤول أمريكي قد نقَل سابقاً رسائل للسلطة الفلسـطينية تمنع أبناء المُخَيّمات الثلاثة، التي دُمّرَت بيوتها ضمن تغيـير جغرافيا المُخَيّمات، من إعادة بنائها، ومن أيّ تعديل للصورة الجديدة للمُخَيّمات التي صارت مُرَبّعات سكنيّة تتخلّلها شوارع واسعة.

التخطيط للعدوان:

كشف مسؤولون عسكريون إسرائيليون في القيادة المركزية، لصحيفة يديعوت أحرونوت بداية الأسبوع، أن التغيير الحاصل بين صيف 2022 وصيف 2025، في الضفة الغربية، هو الأبرَز منذ عام 1967.

وقال الضابط (أ)، قائد قسم الهندسة: في يونيو 2023، نفّذت قوّات خاصّة عملية داخل مُخَيّم جنين لاعتقال "مطلوب"، لكنها تعرّضت لعبوة ناسفة ونيران كثيفة، ما كشَف للقيادة المركزية فقدان الجيش حريّة الحركة، وأن الطُرُق باتت مَزروعة بالمتفجّرات.

ويكشف الضابط أن الجيش أطلَق، إثر ذلك، عملية لإنشاء أحياء صغيرة وتوسيع الطرق، لضمان حريّة الحركة، حيث دُمّر 260 مبنى وشُقّ 11 كيلو مترًا من الطُرُق.

 ووفقاً لقرار القيادة السياسية في "إسرائيل"، تضيف صحيفة "يديعوت"، أنه من المُتَوَقّع أن يبقى الجيش الإسرائيلي في مُخَيّمات شمال الضفة، حتى نهاية العام على الأقل. وهناك تفكير مُستقبَلي بشأن شكل البنية التحتيّة المُتَوَقّع في المستقبل.

واللافت ما أوضحَه الضابط أ، بأنّ الجيش وضَع خططًا لكلّ المُخَيّمات، ويمكن تفعيلها حسب التطوّرات، مؤكّداً وجود تنسيق مع السلطة الفلسطينية، لإصلاح المُخَيّمات، مع بقاء قرار إعادة السكّان بيَد المستوى السياسي في "إسرائيل".

 تصفية المُخَيّمات:

يقول الخبير في شؤون اللاجئين سعيد سلامة، إن الاحتلال بإجراءاته المختلفة، وبشكلٍ متوازٍ، يتّخذ قرارات وإجراءات على الأرض، من أجل الوصول لتصفية المُخَيّمات من خلال التضييق وحَظْر نشاطات وكالة أونروا، مُتزامِنة مع سلوك أمني وعسكري، بهَدم المباني وإجبار الأهالي على الرحيل لإلغاء طبيعة المُخَيّم.

ويرى سلامة أن هناك وعيًا على الأصعدة الرسمية والشعبية للمُخَطّط الإسرائيلي، على وَقع المُحاوَلات لإفشال كلّ ما يُراد بهذا الثابت الوطني، وأن القناعات يقينيّة بإمكانيّة مُواجَهته؛ وتقف في المقدّمة الجهود الشعبية والجماهيرية لإفشال الترحيل الإجباري تحت النار.

وَوِفْقَ حديث سلامة لـ وكالة سند للأنباء، يُمارِس الاحتلال مُحاوَلات محمومة لكسر الإرادة الشعبية بهذا الإجراء العسكري، ومُمارسة إرهابه وسياسة القتل والاعتقال وشلّ المؤسّسات العاملة في المُخَيّمات وحَظْرِها، كما هو الحال مع الأونروا؛ وكلّها تصبّ في خانة التهجير.

ويسعى الاحتلال، بحسب الخبير سلامة، لخَلق بيئة تُسهم بتحويل المُخَيّمات لأحياء في قلب المدن المُلاصِقة، مُعتَمدًا على سياسة النفَس الطويل. ويُعتَقد أن ذلك أمر مرفوض رسميًّا وشعبيًّا، ولا يُمكِن بحال قبوله، وسيتم إفشاله مع الأيام بروح التحدّي والصمود والإيمان بالثوابت الوطنية.

بدوره، كشَف المُحَلّل والكاتب سري سمور، عن تهجير كامل لكلّ مُكَوّنات وسكّان مخيّم جنين؛ بل طالَ التهجير الضواحي المُحاذِية له، وتمّ تحويلها لثكنات عسكرية؛ بينما على الأرض تتم عمليات هَدم واسعة بالتفجير والجرّافات؛ والغاية هي هندَسة المخيّم وفق رواية احتلالية تهجيرية.

وعن استهداف المُخَيّمات في جنين وطولكرم، يضيف سمور لـ وكالة سند للأنباء، أن سكّان المُخَيّمات ورَثة أجدادهم وآبائهم، الذين أخرِجوا من ديارهم في ريف ومدن حيفا والخضيرة والساحل ومرج بن عامر، وارتبط وجودهم بجغرافيا ما بعد النكبة، بأبعاد ثقافية وسياسية واجتماعية وفكرية مُتَداخِلة.

ويؤكّد سمور أن تطبيق الخطّة الإسرائيلية ليس بالسهولة، نظَرًا لوجود إجراءات قانونية متعلّقة بتأجير اراضي المُخَيّمات من ملكيّات خاصّة، واعتراف دولي بالنكبة والمخيّمات، مع الرفض الرسمي السياسي والقانوني، و"إسرائيل" تعرف ذلك وتُدرِكه جيّداً. ويُبَيّن أن الاحتلال يُطَبّق سياساته تجاه المُخَيّمات والقضية الوطنية الفلسطينية، بقوّة السلاح والبطش والعصا الغليظة، التي ترَكت بصَماتها في حال المخيّم الحالي، من تدمير المَباني وشقّ الشوارع العريضة، في رسالة شَوّهت  مفهوم مَعْلَم فيزيائي لحق العودة، وتشتيت الأهالي وإصابتهم في العمق  الاجتماعي.

ويَعتقِد سمور أن هناك رسالة إسرائيلية هدفها للمقاومة وجمهورها وبنيتها، مفادها "هكذا فعلنا برمزيّة المقاومة والمخيّم العنوان والموئل، وحَقّقنا درس الردع ".

تهجير قسري:

كان رئيس بلدية جنين السابق، نضال العبيدي، قال لـ وكالة سند  للأنباء، إن ما تقوم به قوّات الاحتلال الإسرائيلي في مخيّم جنين، يُمَثّل جريمة تهجير قسري مُمَنهَجة، موضِحاً أن الاحتلال شطَب ثلث المخيّم بالكامل، وأعلن بشكل واضح وصريح رفضه عودة أيّ شخص إلى تلك المنطقة.

وأشار إلى أن أكثر من ثلث سكان المخيّم، الذين كان عددهم قبل العدوان نحو 19 ألف نسمة، سيُحرَمون من العودة إلى بيوتهم وأحيائهم التي عاشوا فيها أجيالاً مُتَعاقبة.

عضو لجنة خدمات مخيّم طولكرم، مهراج شحادة، أوضح أن نتنياهو ووزير حربه صادقوا على إظهار جديّتهم نحو المُخَيّمات، بالتهديد بقصف كلّ ما يتم تشييده مُجَدّداً في المخيّم، حتى لو كان عمود كهرباء.

ويقول شحادة، الذي فقدَت عائلته ثمانية مساكن في المخيّم، إن الاحتلال أخَذ الضوء الأخضر من المجتمع الدولي، مع صمت عربي، موضِحًا أن القرار بحقّ المُخَيّمات اتّخِذ في العام 2017، وحانَت الفُرصَة لتنفيذه على أرض الواقع، مع استغلال حرب الإبادة في غزة، والانشغال السياسي والإعلامي بها .

ويُردِف شحادة لـ وكالة سند للأنباء: هناك إصرار من وكالة الأونروا المُعتَرف بها دولياً كهيئة تابعة للأمم المتحدة، بالاستمرار في تقديم ما يُمكِن من الخدَمات .

وحسب موقع وكالة أونروا، فإنها تُتابِع 19 مخيّماً في الضفة الغربية، حيث أقيم مخيّم جنين في العام 1953؛ فيما أقيمَت مُخَيّمات طولكرم ونور شمس عام 1950؛ ويبلغ عدد سكّان الأوّل 27600 (إحصائيّة 2023)، والثاني 13500 فلسطيني لاجئ.

2025-08-25 12:41:41 | 28 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية