التصنيفات » مقالات سياسية

بين “الخلافة العثمانية” و”إسرائيل الكبرى”: العرب في مرمى مشروعين مُتصارعين

 

بين “الخلافة العثمانية” و”إسرائيل الكبرى”: العرب في مرمى مشروعين مُتصارعين

وائل المولى – كاتب وصحافي

موقع إضاءات

في غضون أيّام قليلة فقط، أثارَت كلمتان صدَرتا من أنقرة وتل أبيب عاصفة من الجدَل، إذ بدَتا وكأنّهما تكشفان ملامح صراع أكبر يتجاوز حدود السياسة الراهنة نحو مشاريع تاريخية تُعيد رسم خريطة المنطقة.

أردوغان يستَحضِر الخلافة

الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، وفي كلمة أمام شباب حزب العدالة والتنمية في أنقرة (13 أغسطس 2025)، دعا جيل الشباب إلى السّيْر “بخطى ثابتة نحو مكّة المكرّمة”، مُستَحضِرًا أمجاد الجيوش العثمانية التي جابت أوروبا وأفريقيا “لعقود طويلة وهي تهتف بالله، بالله”. أردوغان لم يكتفِ بالحديث عن الهويّة الإسلامية والوحدة الوطنية، بل رسَم صورة للشباب كـ “كوادر” تحمل على عاتقها مشروعًا يتجاوز حدود تركيا، وكأنّه يقول بوضوح: المستقبل لنا إذا استعَدنا روح الخلافة.

نتنياهو يلوّح ب "إسرائيل الكبرى"

بالمُوازاة، خرَج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الإعلام الإسرائيلي، مُعرِبًا عن “ارتباطه الروحاني والعاطفي برؤية إسرائيل الكبرى”، عارِضًا خريطة تتوسّع لتشمل فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ومصر. تصريحاته أثارَت موجة غضب عربية واسعة، واعتُبِرت إعلانًا صريحًا عن أطماع توسعيّة تتجاوز حدود الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

مشروعان إمبراطوريّان

المُفارَقة أن الخطابين – العثماني والصهيوني – ورغم تناقضهما الظاهري، يتقاطعان في نقطة واحدة: كلاهما يعكس نزعة إمبراطورية تبحث عن امتدادها على حساب الجغرافيا العربية.  •أردوغان يُوَظّف الرمزيّة الدينية والتاريخية لاستعادة دور عثماني في محيطه العربي.        •نتنياهو يستند إلى النصوص التوراتيّة والخيال الصهيوني لبناء إسرائيل من النيل إلى الفرات.

العرب بين المطرقة والسندان

ردود الفعل العربية على خطاب نتنياهو جاءت قويّة ورافضة، لكن المعضلة أعمق: فالدول العربية نفسها تبدو اليوم ساحة رَخوة بين المشروعين. • في سوريا والعراق وليبيا واليمن، التمزّق الداخلي فتَح الباب واسعًا أمام التدخّل التركي والإسرائيلي على حدٍ سواء. • في دول أخرى، يَبرز القلَق من أن تتحوّل مشاريع التطبيع أو التحالفات الإقليمية إلى غطاء لشرعنة هذه الأطماع.

أي مستقبل ينتظر المنطقة؟

ما يُثير القلَق أن العرب، حتى اللحظة، لا يملكون مشروعًا جامعًا في مُواجهَة هذه التحدّيات. • تركيا تُعَبّئ  شبابها باتجاه إحياء “الخلافة”. •إسرائيل تُعَبّئ مجتمعها باتجاه “إسرائيل الكبرى”. • فيما العرب ما زالوا يَفتقِرون إلى خريطة طريق عربية تحفظ سيادتهم وتوازناتهم.

خطاب أنقرة وخطاب تل أبيب ليسا مجرّد رسائل داخلية، بل إعلانان واضحان عن طموحات توسعيّة تعيد للأذهان زمن الإمبراطوريات المُتصارِعة. ومع غياب مشروع عربي بديل، تبقى المنطقة مُهَدّدة  بالذّوَبان بين مطرقة “الخلافة الموعودة” وسندان “الوعد التوراتي”، في وقتٍ تتسارع فيه التحوّلات الإقليمية والدولية.

2025-08-27 12:01:40 | 29 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية