"المَساحات المُستَتِرة"
لماذا تَصاعَد اهتمام "وول ستريت جورنال" بتفاعلات الشرق الأوسط؟
د. محمّد عزّ العرب
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدّمة
تزايدت مجموعة من المؤشّرات الدالّة على اهتمام صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية WSJ، بتفاعلات منطقة الشرق الأوسط، سواء داخلياً أم خارجياً، خلال الفترة الماضية؛ وهو ما برَز في نشْر تسريبات أو تقديم تحليلات أو تنبيه بإنذارات، يغلب عليها طابع الانفراد؛ إذ لم تُنشَر من قَبْل في وسائل الإعلام، على نحو ما عكسته المواجهات العسكرية الإسرائيلية - الإيرانية، وخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتعامل مع طهران، والانفتاح في العلاقات الغربية - السورية بعد سقوط نظام بشّار الأسد، وأزمات حزب الله اللبناني بعد "مقتل" حسن نصر الله، وتعثّر تنفيذ اتفاق حركة حماس و"إسرائيل"، ومستقبل ما يُسَمّى "محور المقاومة" بقيادة إيران.
وتعدّدت التفسيرات لذلك الاهتمام اللافت لـ"وول ستريت جورنال" بالتفاعلات التي تتعلّق بشؤون الشرق الأوسط، ومنها التغيّر في الملكيّة والسياسة التحريريّة، أو ما يُعرَف بتأثير روبرت مردوخ، إمبراطور الإعلام، وسَعي هذه الصحيفة إلى مُنافَسة الصحف العالمية المؤثّرة، وتحديداً "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"؛ فضلاً عن الاشتباكات مع إدارة ترامب، سواء بالتوثيق أم بالتوتّر، والعلاقة البارزة مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي تنخرط في أزمات مختلفة بالإقليم منذ الحرب الحالية على قطاع غزة، ووجود حَيّز من "القوّة غير المرئيّة" لشبكة علاقات مُحَرّري الصحيفة بالمَصادِر المختلفة، فيما يُعرَف بـ"المساحات المُستَتِرة".
تحوّلات الاهتمام:
على الرّغم من أن صحيفة "وول ستريت جورنال" تهتم في الأساس بدوائر المال والأعمال وأحوال الاقتصاد، عبر إعداد التقارير الماليّة المستقلّة وعَرْض مؤشّرات البورصة والسندات؛ بحيث بنَت سمعتها منذ نشأتها عام 1882 كصحيفة ذات أخبار تجارية موثوقة؛ فإنها بدَأت في السنوات القليلة الماضية الاهتمام بالشؤون السياسية الخارجية للشرق الأوسط، وباتت الصحيفة تُرَكّز بشكل كبير على فكرة السّبق عن معلومات غير مُعلَنة، سرعان ما يتم الكشف عنها بعد ذلك، لتكون الصحيفة المنصّة الإعلامية الرئيسية التي يُنقَل عنها، في كثير من الأحيان، ما يخص العمليات السريّة والغارات الجويّة والمفاوضات المتعثّرة والقضايا العالِقة.
وربما تَتشارك معها في نقْل التسريبات صحف أخرى، مثل "نيويورك تايمز" ووكالتي أنباء "رويترز" و"بلومبرغ". كما قد تستَعين "وول ستريت جورنال"، أو الناقلين عنها للتعليق على صحّة ما تَنشره، بآراء دبلوماسيين حاليين وأمنيين سابقين وخبراء استراتيجيين في "مجموعة الأزمات الدولية" و"مؤسّسة راند" و"معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، ومعهد "تشاتام هاوس" في لندن، و"معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب، و"معهد آرون للسياسات الاقتصادية" في جامعة رايخمان الإسرائيلية. ويُلاحَظ وجود شبكة علاقات للصحيفة الأمريكية مع مصادر متعدّدة داخل الجهات النافذة لصُنع القرار؛ لذلك تسند الصحيفة أخبارها إلى ما تُسَمّيه "مَصادر مُطّلعة".
إذ يتم الاعتماد على آراء وتحليلات لرؤساء أقسام مختصّين في دراسة دول محدّدة داخل أجهزة استخبارات، مثل سيما شاين، الرئيسة السابقة لقسم إيران في "الموساد" الإسرائيلي، وفنيّين في وزارات وأجهزة سياديّة، مثل مايكل كارداش، نائب رئيس قسم إبطال مفعول القنابل في الشرطة الإسرائيلية سابقاً، وآخرين من رؤساء شركات أمنيّة استشاريّة خاصّة. ولعلّ ذلك يُفَسّر أن تسريبات الصحيفة تكون في كثير من الأحيان صحيحة، ومُرتَبطة بتقييمات غربية، وربما تستخدمها واشنطن وبعض العواصم الأخرى لجسّ نبض الرأي العام والنخبة الرسمية وغير الرسمية تجاه موضوعات شائكة وقضايا مُعَقّدة، ولا سيّما أن القرارات المُرتَبطة بها تحمل تأثيرات استراتيجيّة في الإقليم ككل.
تسريبات عاكسة:
ثمّة مجموعة من التسريبات التي انفرَدت بها صحيفة "وول ستريت جورنال" في تغطيتها لتفاعلات منطقة الشرق الأوسط، على النحو التالي:
1- العمليات العسكرية الأمريكية ضدّ إيران: قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في أحد أخبارها المنشورة يوم 19 يونيو 2025، إن الرئيس ترامب أبلغ كبار مُساعِديه بأنه وافق على خطط الهجوم على إيران، وهو التاريخ الذي سبَق الضربة العسكرية الأمريكية بثلاثة أيام. كما كشف تقرير لنفس الصحيفة، في 21 يونيو الماضي، عن أن الولايات المتحدة تُساعد "إسرائيل" على صدّ هجمات إيران، بسفنها الحربيّة، وعبْر تزويد أنظمة الدفاع الإسرائيلي بصواريخ اعتراضية؛ الأمر الذي قد يعكس وجود صلات وثيقة لمُحَرّري الصحيفة مع مصادر مُطّلعة داخل إدارة ترامب الحالية.
2- الاختراقات الاستخبارية الإسرائيلية للدفاعات الجويّة الإيرانية: كشَف تقرير لـ"وول ستريت جورنال"، في منتصف يونيو الماضي، أن جهاز "الموساد" تمكّن من التسلّل داخل الأراضي الإيرانية، وتهريب طائرات مُسَيَّرة وأسلحة داخل حقائب سفر وشاحنات وحاويات شحن؛ بالإضافة إلى ذخائر يُمكِن إطلاقها من منصّات غير مأهولة؛ بحيث تمّ استخدمها في إسكات الدفاعات الجويّة الإيرانية قبل بدء "إسرائيل" هجومها بالطائرات. واعتبَرت الصحيفة أن هذه العملية تُفَسّر الردّ الإيراني المحدود على الهجمات الإسرائيلية، وتُقَدّم دليلاً على قدرة التكنولوجيا على إنشاء تحدّيات أمنيّة جديدة في ساحات القتال.
3- القدرات الإسرائيلية المُقَيّدة لخوض حرب طويلة مع إيران: ذكَرت "وول ستريت جورنال"، في تقرير بتاريخ 19 يونيو الماضي، أن "إسرائيل" تُواجِه تكلفة ماليّة باهظة نتيجة المُواجَهة العسكرية الحالية مع إيران؛ حيث تُقَدّر الكُلفة اليوميّة للحرب بمئات الملايين من الدولارات. فالأعباء الاقتصادية قد تُقَيّد قدرة تل أبيب على خوض حرب طويلة الأمَد. وبالإضافة إلى تكاليف الذخيرة والطائرات الحربيّة، هناك الدمار الواسع الذي طالَ المباني في "إسرائيل". وأشارت بعض التقديرات إلى أن إعادة الإعمار قد تُكَلّف "إسرائيل" ما لا يقل عن 400 مليون دولار. ويزيد هذا العبء الاقتصادي من الضغط على صانعي القرار في تل أبيب لإنهاء الحرب في أسرع وقت مُمكِن، بالرغم من تأكيد نتنياهو أن العمليات العسكرية لن تتوقّف قبل تحقيق أهدافها.
4- الترتيبات لرفع العقوبات الأمريكية على سوريا: نقلَت الصحيفة الأمريكية، في تقريرها يوم 7 مايو الماضي، عن مسؤولين سوريين قولهم إن الرئيس أحمد الشرع يسعى للقاء ترامب، لمُشاركة رؤيته لإعادة الإعمار على غرار "خطّة مارشال" - التي تُنسَب لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جورج مارشال، الذي عرَض برنامجاً لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية - وهو ما جرى بالفعل بعدها بعدّة أيام خلال زيارة ترامب للرياض. وحسب التقرير، قدّمت واشنطن لحكومة الشرع قائمة شروط يجب استيفاؤها قبل النظر في أيّ تخفيف للعقوبات، أبرزها مُحارَبة التنظيمات الإرهابية، وإقامة علاقات مع "إسرائيل"، وإبرام صفَقات تسمح لشركات النفط والغاز الأمريكية بالقيام بأعمال تجارية في سوريا.
5- تعثّر تنفيذ قرار وقف إطلاق النار بين "حماس" و"إسرائيل": تنبّأت الصحيفة بتعثّر تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة في نهاية فبراير الماضي؛ بسبب وجود خلافات كبيرة بين "إسرائيل" وحركة حماس بشأن المرحلة الثانية من هذا الاتفاق؛ حيث ترغب تل أبيب في الاحتفاظ بدور أمني مفتوح وإنشاء مناطق عازلة شمال وشرق القطاع، وعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا؛ فضلاً عن تفكيك قدرات حماس العسكرية. وثَبُتَ تَوَقّع مُعِدّي التقارير بالصحيفة فيما بعد؛ إذ لا يزال مصير المرحلة التي تهدف إلى إنهاء الحرب غير واضح حتى الآن.
6- أزمات حزب الله اللبناني ما بعد نصرالله: ذكَرت "وول ستريت جورنال"، في تقرير لها بتاريخ 25 فبراير الماضي، أن حزب الله اللبناني يُواجِه أزمة مالية مُتَصاعدة، بعد وقف تدفّق الأموال له من إيران؛ وهو ما عكَسه مؤشّر محدّد، وهو أن الحزب توقّف عن دفع التعويضات لبعض أعضائه خلال الفترة الأخيرة، وفقاً للصحيفة. كما سبَق أن أشارت الصحيفة إلى تفاصيل دقيقة تخصّ عملية اغتيال فؤاد شكر، القيادي في حزب الله، الذي قُتِل في أواخر يوليو 2024، بعد اختراق شبكة الاتصالات الداخلية للحزب.
7- إعادة بناء ما يُسَمّى "محور المقاومة" بقيادة إيران: ذكَر تقرير للصحيفة الأمريكية، في 20 يونيو الماضي، أن حُلفاء إيران، بمن فيهم الجماعات التي تدعمها في الشرق الأوسط، "تخلّوا عنها في وقتٍ تخوض فيه معركة من أجل البقاء". وقالت الصحيفة: "بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على طهران، وجدَت إيران نفسها وحيدة في مُواجَهة التهديدات الإسرائيلية". فقد أدّى هذا الهجوم الإسرائيلي إلى تقويض قوّة إيران، عبر استهداف مُنشآتها النووية وأنظمة أسلحتها، وتدمير بنيتها التحتيّة في مجالي الطاقة والنفط؛ فضلاً عن اغتيال قادة سياسيين وعسكريين وعُلَماء نوويين.
بعبارة أخرى، ما هَزّ "حلفاء إيران"، بحسب الصحيفة، هو اكتشافهم مدى اختراق جهاز "الموساد" الإسرائيلي لطهران. فقد نجحت الاستخبارات الإسرائيلية في تنفيذ هجمات بطائرات مُسَيَّرة داخل الأراضي الإيرانية، واستطاعت الوصول إلى معلومات دقيقة عن مواقع العديد من القادة العسكريين والاستخباراتيين. وهذا ما جعَل بعض هذه الجماعات التي تدعمها طهران تُرَكّز على مصالحها الخاصّة، وتخشى الانجرار إلى صراع أوسع، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال".
8- مسعى حكومة نتنياهو لتغيير ملامح الإقليم: تُعَدّ صحيفة "وول استريت جورنال" من الوسائل الإعلامية التي سلّطَت الضوء في مرحلة مبكرة على محاولة نتنياهو تكريس وضع "إسرائيل" في الشرق الأوسط؛ إذ استطاعت "إسرائيل"، بسلسلة من العمليات العسكرية القويّة، أن تُعَطّل أذرع إيران في المنطقة، مع تعزيز انهيار نظام الأسد وإضعاف القدرات العسكرية للإدارة الانتقالية في سوريا، وشنّ هجوم مُباشر يتجاوز استهداف البرنامج النووي الإيراني.
عوامل مُفَسّرة:
يَستدعي نمط تغطية صحيفة "وول ستريت جورنال" لقضايا وتفاعلات تخص الشرق الأوسط أو تأثيرات قادمة من المنطقة أو سياسات القوى الدولية تجاهها، عدداً من العوامل الرئيسية التي ربما تُفَسّر هذه التغطية، على نحو ما توضِحه النقاط التالية:
1- التغيّر في الملكيّة والسياسة التحريرية: شهِدت السياسة التحريرية لـ"وول ستريت جورنال" العديد من التغيّرات، وخاصّةً منذ تغيير ملكيّتها في عام 2007، وقيام رجل الأعمال، مردوخ، المعروف بـ"إمبراطور الإعلام في الغرب"، بشراء الصحيفة مُقابِل خمسة مليارات دولار؛ وهو ما أسهم في تعزيز قدرة الصحيفة على التوسّع في موضوعات السبَق الصحفي، والكشف عمّا يدور خلف الأبواب الموصَدة بين السياسيين. فمردوخ معروف بعلاقاته الهائلة والمتعدّدة مع رجال الأعمال والسياسيين في العديد من الدول الغربية، وخاصّةً الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
وانعكس هذا التغلغل على تناول "وول ستريت جورنال" لقضايا الشرق الأوسط، بوصفها واحدة من مناطق الاهتمام الأمريكي. فقد قَدّم مردوخ للصحيفة فُرَصاً قد لا تكون مُتاحة لغيره، للوصول إلى مصادر متنوّعة للمعلومات. وأدّت هذه الصفقة إلى تحوّلات رئيسية في السياسة التحريرية والقضايا التي تتناولها الصحيفة. فقد تزايد اهتمامها، ولا سيّما في صفحتها الأولى، بالقضايا السياسية، وذلك بعد أن كانت موضوعات الاقتصاد والتجارة تستحوذ على الاهتمام الأكبر. ومنذ عام 2010 وحتى عام 2025، وفي خضم الاضطرابات التي سَيطَرت على المنطقة؛ أصبحت هناك تغطية أكبر في الصحيفة الأمريكية للأحداث الدولية والإقليمية، وخصوصاً تلك التي تؤثّر بشكل مُباشِر في الولايات المتحدة ومصالحها.
2- السعي إلى مُنافَسة الصحف العالميّة المؤثّرة: ارتبط هذا التغيّر في السياسة التحريرية بالسعي إلى تفوّق "وول ستريت جورنال" في مُقابِل مُنافِسيها، مثل "نيويورك تايمز"، سواء من خلال المحتوى والعمل على طرح قضايا وتقارير استباقيّة حول القضايا الساخنة، مثل الأزمات في الشرق الأوسط، أم حتى من خلال التوسّع في الوصول إلى القرّاء. فعلى سبيل المثال، أعلَنت "وول ستريت جورنال"، في يوليو 2019، عن صفقة مع شبكة "بلومبرغ" لوضع محتوى شركة "داو جونز"، المالِكة للصحيفة، على "بلومبرغ". كما دخلَت الصحيفة في شراكة مع تطبيق (Apple News+)، لعَرض محتوى الصحيفة الإخباري. وتمكّنت الصحيفة أيضاً من تعزيز عدد مُتابعيها.
3- الاشتباكات المختلفة مع إدارة ترامب: على الرّغم من الإشكاليّات التي أنتَجتها تغطية "وول ستريت جورنال" لإدارة ترامب الأولى، واعتراض بعض الصحفيين داخلها على مُحاوَلة تقديم خطاب مُنحاز لإدارة ترامب آنذاك؛ فقد ظلّت العلاقات التي تَجمع ترامب ومردوخ، المعروف بتوَجّهاته المُحافِظة وانحيازه للجمهوريين، مُحَرّكاً مهماً لديناميّات الصحيفة وقدرتها على طَرح سبَق إخباري. كما يَجمع كلاً من مرودخ وترامب انتماؤهما إلى طبقة رجال الأعمال. وفي السياق ذاته، اضطلَعت وسائل الإعلام المَملوكة لمردوخ، وخصوصاً "فوكس نيوز"، بدور كبير في دعم حملة ترامب الانتخابية عام 2016. بَيْدَ أن ثمّة توتّراً شهِدته العلاقة بين إدارة ترامب الثانية و"وول ستريت جورنال" في يوليو الماضي، وتمّ منعها من تغطية بعض أنشطة ترامب؛ وهدّد الأخير بمُقاضاة الصحيفة بعد نشرها مقالاً يتّهمه بإرسال رسالة ذات طابع إباحي إلى رجل الأعمال المُتَوَفّى، جيفري إبستين، تعود إلى عام 2003.
4- العلاقة الوثيقة مع "إسرائيل": بالرّغم من كونها واحدة من أهم الصحف الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة؛ باتت "وول ستريت جورنال" في السنوات الأخيرة تُتّهَم بتَبنّي خطاب ينسجم مع المصالح الإسرائيلية، خاصّةً فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية تجاه إيران وغزة. ويُلاحَظ أن تغطية الصحيفة للأزمات في الشرق الأوسط، خصوصاً تلك التي تخصّ إسرائيل؛ تميل إلى تقديم السرديّة الإسرائيليّة كحقيقة موضوعية، مع تقليل مساحة الشك أو التعدّد في الروايات. وفي هذا السياق، أشار تقرير للصحيفة، في منتصف مايو الماضي، إلى أن الجيش الإسرائيلي حصَل على وثائق في أنفاق غزة تعود لحماس، تكشف أن قادة الحركة قَرّروا شن الهجوم على "إسرائيل" في 7 أكتوبر 2023، بهدف تعطيل مُحادَثات إقامة علاقات بين "إسرائيل" والسعودية؛ وهو ما يَتّفق مع قناعات تيّار رئيسي داخل إدارتي بايدن وترامب.
ولا يُمكِن فصل علاقة "وول ستريت جورنال" مع "إسرائيل" عن الخلفيّة السياسية والاقتصادية لمؤسّسة "نيوز كورب"، الشركة الأم المالِكة لـ"داو جونز"، والتي يتَرأسها مردوخ، والذي قال في إحدى المُناسبات إن "الوقوف إلى جانب إسرائيل ليس خياراً، بل ضرورة أخلاقيّة". ويُعرَف مردوخ بتوجّهاته اليمينيّة ودعمه غير المحدود لسياسات "إسرائيل"؛ وقد سعى إلى توظيف إمبراطوريته الإعلامية لتعزيز صورة "إسرائيل"، ومُهاجَمة خصومها في المنطقة.
5 - وجود حيّز من "القوّة غير المرئيّة" لشبكة علاقات مُحَرّري الصحيفة بالمصادر المختلفة: ثمّة "مساحات مُستَتِرة" لا يُمكِن الكشف عنها في عمل "وول ستريت جورنال"، وهي ترتبط بقدرة الكوادر العامِلين فيها على إقامة شبكة علاقات مع مصادر مختلفة، يمكن أن تُشَكّل مصادر للمعلومات، والتي لا تتوافر للصحفيين العاملين في مؤسّسات صحفية وإعلامية كبرى. ويرتبط انكشاف هذه المساحات بوقوع بعض المُشكِلات. ومن الواضح أن مُحَرّري الصحيفة لديهم مَصادر للمعلومات مع نافذين سابقين أو حاليين، داخل أجهزة أمنيّة أو وزارات دفاع أو شركات استشارية.
ختاماً، يتّضح تصاعد اهتمام صحيفة "وول ستريت جورنال" بقضايا الشرق الأوسط، ولا سيّما في ظلّ التطوّرات والتغيّرات التي تشهدها المنطقة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة وما تَرَتّب عليها من تداعيات إقليمية كبيرة، كان أبرزها المُواجَهات العسكرية المُباشرة بين "إسرائيل" وإيران. وربما يعكس هذا الاهتمام المُتَزايد، ضمن تفسيرات عدّة، إدراكاً من الصحيفة بأن تلك التفاعلات لم تعد محليّة أو إقليميّة الطابع فحسب، بل أصبحت ذات أصداء عالمية مؤثّرة في الاقتصاد والسياسة والأمن الدوليين.
2025-08-27 12:03:33 | 26 قراءة