الخطَر الإسرائيلي على لبنان: ماذا يعني شُكر تل أبيب لبيروت؟
بقلم: شاكر البرجاوي
25/8/2025
لم يكن البيان الصادر عن مكتب رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن خطّة الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله، مُجَرّد تعليق سياسي عابر. فحين تُسارِع تل أبيب إلى وَصف القرار بأنه "تطوّر بالغ الأهميّة"، وتُعلِن استعدادها لتقديم "الدعم" للبنان في هذا المسار، فإن الأمر يتجاوز حدود المُجامَلة الدبلوماسية. إنه تعبير واضح عن مُحاوَلة إسرائيلية لاستغلال لحظة داخلية لبنانية حسّاسة، من أجل إعادة هندَسة موازين القوى في الداخل اللبناني بما يخدم استراتيجيّتها الأوسع.
وإذا أضَفنا إلى ذلك تعليق مورغان أورتاغس، المُتَحَدّثة السابقة باسم الخارجية الأميركية، التي أعادت نشر البيان مُرفقاً بعبارة "بإشارة شكر"، يُصبِح المشهد أكثر وضوحاً: ثمّة اصطفاف إسرائيلي – أميركي لدعم أي توجّه رسمي لبناني يُفضي إلى إضعاف المقاومة، حتى لو جرى تغليفه بلغة "السيادة" و"القرار الوطني". وهنا تكمن مَكامن الخطَر على لبنان.
توقيت مُريب وإشادة مَشبوهة
أخطَر ما في هذا الموقف الإسرائيلي أنه يأتي في لحظة إقليمية ودولية شديدة التعقيد. المنطقة تعيش على وقع صراعات مُتشابكة، من حرب غزة المستمرّة، إلى التوتّر والعدوان المُتواصِل على الجنوب اللبناني، مروراً بالاصطفافات الإقليمية والدولية. في هذا السياق، تحاول "إسرائيل" جاهِدة نقل المعركة من حدود غزة إلى جبهات أخرى، وخصوصاً إلى لبنان، حيث يُشَكّل "حزب الله" التهديد الأبرَز لمشروعها التوسّعي.
عليه، فإنّ دعم "إسرائيل" العلني لخطّة نزع السلاح يضع أيّ مُبادَرة لبنانية في خانة "الاستجابة" للضغط الخارجي، لا في خانة القرار الوطني الحر. وهذا ما يجعل التوقيت بالغ الخطورة: إذ يُمكِن أن يُترجَم الأمر على أنه تَماهٍ رسمي لبناني مع استراتيجية إسرائيلية – أميركية، هدفُها الأوّل والأخير إضعاف عناصر القوّة اللبنانية في مُواجَهة التهديدات.
سيادة على الورَق أم واقع هش؟
لا يمكن فصل الإشادة الإسرائيلية عن مشروع طويل الأمَد، هدفُه تفريغ لبنان من أيّ قدرة دفاعية مستقلّة. فمنذ عقود، ترفض "إسرائيل" الاعتراف بحق لبنان في امتلاك قوّة رادعة، وتعمل على تصوير أي سلاح خارج المؤسسة العسكرية وكأنه تهديد "غير شرعي". لكنّها في الوقت ذاته، لم تتوقّف يوماً عن انتهاك السيادة اللبنانية، جواً وبحراً وبراً، ومن دون أيّ مُحاسَبة دولية أو ردع فعلي.
والحال هذه، كيف يُمكِن الوثوق بأن "إسرائيل" التي لم تلتزم يوماً بقرارات مجلس الأمن، ولا تزال تحتلّ أراضٍ لبنانية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، هي نفسها الجهة التي ستدعم "سيادة" لبنان؟ الواقع أن إشادتها ليست سوى مُحاوَلة لتكريس مُعادَلة معكوسة: نزع سلاح المقاومة مقابل إبقاء لبنان عارياً أمام آلة الحرب الإسرائيلية.
الدور الأميركي: دعم أم وصاية؟
تعليق مورغان أورتاغس ليس تفصيلاً. فالإدارة الأميركية، سواء عبر تصريحات رسمية أو عبر شخصيات قريبة من دوائر القرار، لا تُخفي انحيازها التام للموقف الإسرائيلي. إشادتها بخطّة لبنانية لنزع السلاح تعني أن واشنطن تنظر إلى الأمر كجزء من مشروعها الإقليمي لإعادة تشكيل التوازنات.
والخطَر هنا مُزدَوج: فمن جهة، يُستخدَم لبنان كورَقة في لعبة الصراعات الكبرى لواشنطن في كلّ المنطقة. ومن جهة أخرى، يتم دفعه للتنازل عن عناصر قوّته في إطار صفقة لا تُراعي مصالحه الوطنية. أيّ دعم أميركي من هذا النوع ليس سوى غطاء سياسي للضغط الإسرائيلي.
الرّهان على الانقسام الداخلي
لطالَما راهنت "إسرائيل" على الانقسامات اللبنانية. ومن أخطَر ما يُمكِن أن تفعله الإشادة الإسرائيلية هو تأجيج الجدَل الداخلي حول شرعية سلاح المقاومة، عبر تصوير الأمر وكأنه خيار وطني مَدعوم دولياً. وهذا يُشَكّل تهديداً مُباشراً للوحدة الوطنية، إذ يدفع اللبنانيين إلى مواجهة بعضهم البعض بدَلاً من مُواجَهة الخطَر الحقيقي الآتي من الحدود الجنوبية.
وتُثبِت التجربة التاريخية، قديمها وحديثها، أن "إسرائيل" تستثمر في الانقسام الداخلي كأداة استراتيجيّة: من الحرب الأهليّة في السبعينيّات والثمانينيّات، إلى مُحاوَلات شَقّ الصف الوطني بعد 2005. لذلك، فإن أيّ موقف رسمي يُقرَأ إسرائيلياً على أنه "مكسب" سيُستَخدم لتأجيج الصراع الداخلي، لا لحلّه.
الحاجة إلى استراتيجيّة لبنانية مستقلّة
في ضوء ما سبَق، يتّضح أن الإشادة الإسرائيلية، مَدعومة بتعليق أميركي، تُمَثّل خطراً مُرَكّباً على لبنان: خطَر على السيادة، على الأمن الوطني، على الاقتصاد، على الوحدة الداخلية، وحتى على سرديّة الصراع في الوعي الدولي.
إنّ لبنان، الذي خبِر مرارة الاحتلال والعدوان، لا يُمكِن أن يَبني أمنه على وعود إسرائيلية أو إشادات أميركية. وحدها القراءة الاستراتيجيّة المُستَقلّة، القائمة على مبدأ "الردع والكرامة الوطنية"، قادرة على حماية لبنان من الانزلاق إلى فخاخ جديدة.
فالخطَر الإسرائيلي ليس في التصريحات وحدها، بل في ما وراءها: مشروع مُتَكامِل لتفكيك عناصر القوّة اللبنانية، وإخضاع لبنان لهَيمَنة إقليمية – دولية. ومن هنا، فإن التحدّي الأكبر أمام اللبنانيين اليوم هو الحفاظ على استقلاليّة قرارهم، والتمييز بين ما يخدم مصلحة لبنان فعلاً وما يُرادُ له أن يخدم مصلحة العدو تحت شعارات بَرّاقة.
2025-08-30 02:27:50 | 26 قراءة