التصنيفات » مقالات سياسية

قطاع غزّة.. صراع الإرادات القادم

قطاع غزّة.. صراع الإرادات القادم

بقلَم: أ. د. محسن محمّد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

موقع عربي 21

17/10/2025

لا يُريد الإسرائيليون والأمريكان لغزّة أن تأخذ أنفاسَها وتُلَمْلِمَ جراحاتها؛ بل سيُواصِلون المعركة بطريقة أخرى؛ ربما ليس إعلاناً لحرب جديدة شاملة، ولكنّهم سيُتابِعون سَعْيَهم لتطويع الشعب الفلسطيني وإخضاع مُقاوَمته.

الاتفاق الذي تمّ كان على المرحلة الأولى من خطّة ترامب، والتي تَبادَل فيها الطرَفان المصالح، كوقف الحرب وتبادُل الأسرى ومنع التهجير ودخول الاحتياجات والمساعدات للقطاع وبدء الإعمار، وإعادة تموضع الاحتلال الإسرائيلي. غير أنّ معظم بنود خطّة ترامب العشرين لم يتم التوافق عليها ولا حتى التفاوض بشأنها، حيث يحتاج كلّ بند من البنود مفاوضات شاقّة، مع احتمالات فشل عالية. ولذلك، فإنّ المسائل الحاسمة والحسّاسة ستظلّ عناصر تفجير؛ وعدد منها ليس مُرتَبِطاً بحماس ولا قوى المقاومة المسلّحة وحدها، وإنّما بالثوابت الفلسطينية وبالإجماع الوطني الفلسطيني، وبحقّ الفلسطينيين في صناعة قرارهم المستقل. وعلى رأس هذه المسائل: نزع سلاح المقاومة، والموقف من مجلس الوصاية على قطاع غزة، وتشكيل حكومة التكنوقراط وصلاحيّاتها والجهة المُشرِفة عليها، والقوّة الأمنيّة التي ستَدخل قطاع غزة وطبيعة مَهامِها وأماكن تَمَوضُعِها، وشراكة حماس (أو التيّار الإسلامي بشكل عام) في النظام السياسي الفلسطيني؛ كما يرتبط بذلك استكمال الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، والسيطرة على المَعابِر.

السلوك الإسرائيلي:

ستَتَمَسّك المقاومة بالثوابت الوطنية، وبحلّ المسائل في الإطار الداخلي الفلسطيني، وهي لن تُفَرّط بسلاحها، ولا بالسيادة الفلسطينية على الأرض والشعب، ولن تُفَرّط بوجوب الانسحاب الإسرائيلي من القطاع.. وغيرها. أما الاحتلال الإسرائيلي، فسَيُصِرُّ على تفسيره الخاص لخطّة ترامب. وهذا سيؤدّي إلى حالة انسداد؛ وهو ما يدفَع الإسرائيلي إلى أحد سيناريوهين:

1. استئناف الحرب لمحاولة اجتثاث المقاومة واحتلال غزة، وفَرْض رؤيته فَرْضاً.

.2 التموضع التكتيكي داخل قطاع غزة، ومُمارَسة سياسة الابتزاز، وربط كافّة الخدَمات والتحسينات في حياة الغزّيين وتشكيل الحكومة وانسحابه التدريجي من القطاع.. بمدى الاستجابة لطلَباته وشروطه.

ووفق المُعطَيات الحاليّة، فإنّ الأجواء تدفعُه أكثر باتجاه السيناريو الثاني، حيث سيَستَخدِم الأساليب التالية في مُمارَسة ضغوطه وابتزازه:

.1 مُتابَعة الحصار البرّي والبحري والجوّي، والتحكّم في المَعابِر وحركة الأفراد، وإغلاقها جزئياً أو كلّياً، ومنع إدخال الاحتياجات الإنسانية، من طعام وشراب ودواء ومُستَلزَمات حياتية.

.2 التعطيل الجزئي أو الكلّي لعمليّة إعادة الإعمار، ومنع دخول مُستَلزَمات البناء ومُستَلزَمات إزالة الرّدم وغيرها.

.3 مُمارسة الاغتيال المُمَنهَج لكوادر حماس والمقاومة.

.4 ضرب منظومات العمل المدني بذريعة الانتماء لحماس أو العمل تحت إشرافها، بما في ذلك الدفاع المدني والإسعاف والخدَمات البلدية والبنى التحتيّة.

.5 تشجيع العصابات والميليشيات وفِرَق العُمَلاء المُعادِية للمقاومة، وحمايتها ومُحاوَلة "شرعنتها"، ومُحاوَلة نشر الفوضى.

.6 عمل اجتياحات محدودة.. على طريقة الضفة الغربية.

.7 مُمارَسة حمَلات الدعاية والتحريض والتشويه ضدّ المقاومة، ومُحاوَلة مُحاصَرتها إعلامياً وشيطَنتها، بالتعاون مع المنظومة الغربية ودول التطبيع العربي والإسلامي.

السلوك الفلسطيني:

هذه لحظة تاريخية فارِقة للتضامن الفلسطيني، وتجاوز الخلافات، والارتقاء إلى مستوى يليق بتضحيات شعبنا وآلامه ومُعاناته، ويليق بأداء المقاومة، ويليق بالمَكانة العالَميّة التي استعادَتها قضية فلسطين، والفُرَص التي أحدَثتها. وهي لحظة تماسك وتَوَحُّد وطني، إذ إنّ خطّة ترامب، ومن ورائه المشروع الصهيوني، لا تستَهدف حماس والمقاومة.. وإنما تستَهدف شطب فلسطين وقضيّتها، وحتى تفتيت السلطة الفلسطينية نفسها وإنهاء "حُلُم" الدولة؛ بل ودفن اتفاقات أوسلو بالرّغم من كلّ سوءاتها.

ثمّة قواعد التقاء مشتركة بين "فتح" و"حماس" وكلّ القوى الفلسطينية يمكن التأسيس عليها لإسقاط المشروع الإسرائيلي "الترامبي":

1. رفض الوصاية الدولية، ورفض الاعتراف بـ"مجلس السلام"، وعدم التعامل معه على الإطلاق.

.2 رفض أن يتم تشكيل حكومة التكنوقراط بإملاءات ومعايير إسرائيلية أمريكية، وعدم الاعتراف أو التعامل مع أيّ حكومة مفروضة على الشعب الفلسطيني؛ والإصرار على أن يكون تشكيلها مسألة داخلية فلسطينية.

 3. الإصرار على أن سلاح المقاومة هو شأن فلسطيني، وهو مُرتَبِط بزوال الاحتلال؛ ولا يُكافَأ الاحتلال على جرائمه بسحب هذ السلاح؛ وهو ما سَيُغريه باستمرار عدوانه واحتلاله.

.4 رفض قُدوم أيّ قوّة أمنيّة خارجية تقوم بمَهام الاحتلال بالوكالة، وتحديد أيّ مَهام لهكذا قوّات (إن استَدعَت الضرورة وجودها) بمهام فنيّة وحدوديّة مؤقّتة متعلّقة بتسهيل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، وضمن توافق فلسطيني، مع عدم التدخّل بأيّ شكل في حياة الفلسطينيين وشؤونهم.

.5 الإصرار على إخلاء الاحتلال الإسرائيلي للمَعابِر، والتوافق الفلسطيني على إدارتها.

 6. الإصرار على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة.

.7 الاستعانة بالدوَل العربية والإسلامية ودوَل العالَم المُناصِرة للحق الفلسطيني، لاستعادة زمام المُبادَرة وتفعيل القرارات الدولية التي تحظى بالإجماع، كوجوب الانسحاب الإسرائيلي وحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلّة كاملة السيادة، وحقّ العودة، وفك الحصار. وبالتالي إسقاط فكرة مجلس الوصاية من أساسها، خصوصاً مع وجود 156 دولة في العالَم تعترف بدولة فلسطين.

وعلى ذلك، فإذا ما وُجِدَت حالة وحدة وطنية تلتقي ولو على الحد الأدنى، فإنها كفيلة بإسقاط أيّ شكل سلطوي أو أمني يُفرَض عليهم؛ وبالتالي فرض الإرادة الفلسطينية، وإفشال خطّة ترامب والتصوّر الإسرائيلي لمستقبل القطاع.

صراع إرادات:

ستَشهَد المرحلة القادمة صراع إرادات في قطاع غزة (كما في القدس والضفة الغربية والمنطقة بشكل عام..)؛ وسيَسعى الطرف الإسرائيلي - الأمريكي لمُمارَسة أقصى درَجات ابتزازه؛ غير أن التكاتف والصمود الفلسطيني كفيل بإفشاله؛ وإلّا فإنّ نجاح الصهاينة -لا قدّر الله- سيكون خطوة نحو إغلاق الملف الفلسطيني.

وإذا كان لدى الصهاينة عناصر قوّة، فإنهم أنفسهم لا يستطيعون المضيّ إلى النهاية في ابتزازهم لقطاع غزة، إذ إنّهم أنفسهم يُعانون من الإنهاك العسكري والاقتصادي والبشري ومن العُزلة العالَميّة. كما أنّهم لا يرغبون بتفويت الفُرصَة التي وفّرتها خطّة ترامب لهم بإعادة تأهيلهم "وغسلهم"، وإدماجهم في المنطقة، وإعادة الانفتاح على البيئة العالَميّة. ولذلك، فإن قُدرتهم على مُتابَعة الضغوط تظلّ محدودة، خصوصاً عندما يُدرِكون أن أسقُفَهم غير قابلة للتنفيذ.

2025-10-29 12:22:57 | 31 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية