حسابات نتنياهو:
كيف تؤثّر خطّة ترامب بشأن حرب غزة في الداخل الإسرائيلي؟
خبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجيّة
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدّمة
21/10/2025
بعد مرور أكثر من عامَيْن على الحرب التي خاضتها إسرائيل على سبع جبهات، كما كان نتنياهو يُرَدّد دائماً، لا يزال أغلب الإسرائيليين بشكل عام، والوسَط السياسي بشكل خاص، يَرون أن تلك الحروب لم تنتهِ بعد، بالرّغم من التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله اللبناني منذ العام الماضي، وبالرّغم من البدء في تنفيذ المرحلة الأولى من خطّة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المتعلّقة بإنهاء الحرب على قطاع غزة مؤخّراً.
ولعلّ التركيز الإسرائيلي على غزة تحديداً بعد استعادة الرهائن الأحياء وجزء من جثث الرهائن، من جانب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وائتلافه الحاكِم والمجتمع الإسرائيلي مُقارَنةً بالجبهات الأخرى؛ يبدو العنوان الأهم للمرحلة المقبلة في تل أبيب؛ لأسباب عديدة سوف نتناولها بالتفصيل، من خلال استعراض تداعيات خطّة ترامب على مواقف الرأي العام الإسرائيلي في أكثر من اتجاه، وتأثير الخطّة نفسها في تماسك الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو.
الرأي العام الإسرائيلي:
بَيّنت استطلاعات الرأي التي تُجريها مراكز متخصّصة وصُحُف إسرائيلية، تغيّرات سريعة، وأحياناً حادّة في توجّهات الرأي العام الإسرائيلي تجاه التطوّرات الجارية في حرب غزة. وكانت مؤشّرات الثقة في نتنياهو، وإجابات المُستَطلَعين عن خياراتهم إذا ما أُجرِيت الانتخابات في الفترة اللاحقة لإجراء الاستطلاع؛ تُبَيّن إلى حدٍ كبيرٍ مدى تردّد المجتمع الإسرائيلي بين التشدّد والمرونة بشكل مُتَواتِر حيال القضايا المُرتَبطة بهذه الحرب، بما في ذلك موقفه من خطّة ترامب؛ وهذا ما يتّضح في التالي:
1- الموقف من إنهاء حرب غزة بهدف استعادة الرهائن: قبل طَرْح ترامب لخطّته بشأن حرب غزة، أظهَر استطلاع لـ"المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" أُجرِي في منتصف سبتمبر 2025، أن 60% من اليهود الإسرائيليين يؤيّدون إيقاف الحرب مُقابِل ستعادة الرهائن. وبعد طَرْح خطّة ترامب، أظهَر الرأي العام الإسرائيلي تأييداً كبيراً لها؛ حيث أوضَح استطلاع لصحيفة "معاريف" في 3 أكتوبر الجاري أن 66% يؤيّدون الخطّة.
2- توجّهات الرأي العام الإسرائيلي إذا ما أُجرِيت الانتخابات العامة مُبكِراً: أظهَرت عدّة استطلاعات للرأي في سبتمبر الماضي، وقبل طَرْح خطّة ترامب، أنه في حال إجراء الانتخابات مُبكِراً في إسرائيل، فإنّ حزب "الليكود" سيَحصل على ما بين 22 إلى 25 مقعداً في الكنيست من إجمالي 120 مقعداً، فيما سيَحصل مُنافِسُه الرئيسي حزب "بينت- 2026"، الذي يتزعّمه رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت، على 15 مقعداً كحدٍ أدنى، أو 24 مقعداً كحدٍ أقصى. وفي كلتا الحالَتيْن، لن يكون بوسع "الليكود" وشركائه تشكيل الحكومة التي تحتاج إلى 61 صوتاً على الأقل لنَيْل ثقة الكنيست.
ولكن بعد طرح خطّة ترامب، أظهَر استطلاع أجرَته صحيفة "معاريف" ونشَرت نتائجه في 10 أكتوبر الجاري، أنه في حال إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامّة الآن، فإن حزب "الليكود" سيَحصل على 27 مقعداً، وسيأتي بعده حزب "بينت – 2026" بـ19 مقعداً. ووفقاً للنتائج الكاملة للاستطلاع، فإن قائمة "بينت" يمكن أن تحظى بائتلاف من 59 عضواً في الكنيست لا يُتيح لها إمكانيّة تأليف حكومة جديدة؛ في حين أن قائمة "الليكود" وشركاءه ستَحظى بائتلاف من 51 عضواً فقط، ولن يُمكِنها تشكيل حكومة أيضاً.
بَيْدَ أن استطلاعاً آخر أجراه موقع Jewish News Syndicate (JNS)، الذي يُصَنّفه البعض بأنه يميل إلى دعم سياسات نتنياهو، ونُشِرَ في 15 أكتوبر الجاري، أظهَر نتائج مُفاجئة تماماً، سواء من ناحية شعبيّة نتنياهو، أم نتائج انتخابات الكنيست المُتَوَقّعة حالَ إجرائها بعد استعادة الرهائن مُباشَرة. وأُجرِي هذا الاستطلاع في نفس يوم الإفراج عن الرهائن؛ وجاء توزيع مقاعد الكنيست حسب الاستطلاع كالآتي: "الليكود" سيَحصل على 35 مقعداً، والأحزاب الشريكة له في الائتلاف الحالي (شاس، ويهدوت هتوراه، والصهيونية الدينية، والقوّة اليهودية) ستَحصل على 30 مقعداً؛ وهو ما يعني أن ائتلاف نتنياهو سيَحظى بتأييد 65 نائباً في الكنيست تكفيه لتكوين ائتلاف مُستَقِر.
3- الأصلح لمنصب رئيس الحكومة الإسرائيلية: تعرّضت شعبيّة نتنياهو لتغيّرات حادّة خلال سنتي حرب غزة، وظلّت تتردّد بين 30 إلى 35% حتى أغسطس الماضي، وقبل ظهور خطّة ترامب لإنهاء هذه الحرب. أما بعد طَرْح خطّة ترامب وعودة الرهائن، فقد حصَل نتنياهو على تأييد 58% من المُشارِكين في استطلاع موقع JNS في 15 أكتوبر الجاري، وجاء بعده بينت بنسبة 22%.
وتوضِح نتائج المُقارَنة بين توجّهات الرأي العام الإسرائيلي قبل وبعد طَرْح خطّة ترامب، مدى تأثير الأخيرة في تلك التوجّهات، سواء فيما يتعلّق بتوزيع مقاعد الكنيست حال إجراء انتخابات مُبكِرة، أو مدى تأييد الشارع الإسرائيلي لنتنياهو لقيادة الحكومة. بَيْدَ أنه ينبغي الحذَر في البناء على هذه النتائج على المدى الطويل للأسباب التالية:
1- أنّ الاستطلاعات تتأثّر عادةً بأحداث متغيّرة، ولا تُعَبّر بالضرورة عن مواقف ثابتة على المدى البعيد.
2- اختلاف مناهج إجراء الاستطلاعات من مصدر إلى آخر؛ وهو ما قد يؤدّي إلى نتائج مختلفة؛ ويصل الاختلاف في النتائج أحياناً إلى ظهور فجوة واسعة وغير منطقيّة بينها.
3- ما يزال الحُكم على موقف الرأي العام الإسرائيلي من خطة ترامب بشكل نهائي غير قابل للتوقع؛ خاصّةً وأن المرحلة الأولى فقط من الخطّة، أو بشكل أدق جزءاً منها، هو الذي تمّ تطبيقه. وقد تتغيّر النتائج كلّياً إذا ما تعطّلت مراحل التطبيق التالية، أو في حالة انهيارها وعودة الحرب مُجَدّداً. وقد أشارَت بعض الآراء في الصُحُف الإسرائيلية إلى خطأ الارتكان إلى نتائج الاستطلاعات لاستخلاص صورة واقعيّة لمواقف الإسرائيليين من خطّة ترامب؛ وهو ما أكّده الكاتب الإسرائيلي يوآف ليمور، على سبيل المثال، الذي ذهَب إلى أن شعبيّة نتنياهو سوف تزداد بعد الإفراج عن الرهائن. ولكن تلك الزيادة ستزول سريعاً، وربما خلال أيام، إذا بقِيت أزمة استرداد جثث الرهائن المُتَبَقّين دون حل. كما ستَتَغَيّر نتائج الاستطلاعات كلّما اقتربت إسرائيل من الانتخابات المُقَرّرة في أكتوبر 2026.
الائتلاف الحاكم:
قبل ظهور خطّة ترامب لإنهاء الحرب في غزة بعدّة أشهر، اندلَعت أخطَر الأزمات التي مرّ بها ائتلاف نتنياهو منذ تولّيه الحُكم في نهاية ديسمبر 2022؛ وهي الأزمة المعروفة بقضية تجنيد أبناء الطائفة الحريديّة التي يُمَثّلها حزبا "شاس" و"يهدوت هتوراه" في الكنيست والائتلاف. ففي يوليو الماضي، أعلَن حزب "يهدوت هتوراه" انسحابه من الائتلاف الحاكِم، وعدم تأييده للحكومة داخل الكنيست في حالة إجراء تصويت بالثقة عليها. أما حزب "شاس"، فقد اكتفى بسحب وزرائه من الائتلاف، مع تعهّده بالاستمرار في تأييده داخل الكنيست.
وتعود خلفيّة تلك الأزمة إلى قرار المحكمة العليا في يونيو 2023 بمنع وزير الدفاع من إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، ومُطالَبة الحكومة بإعداد قانون جديد بهذا الشأن يُحَقّق المُساواة بين كافّة أبناء الشعب الإسرائيلي في تحمّل مسؤولية الدفاع عن البلاد؛ وفي حالة عدم إصدار مثل هذا التشريع خلال عام، سيتم اعتبار كلّ من لا يستَجيب للخدمة الإلزاميّة في حُكم المُتَهرّب من الخدمة. وقد نجحَت حكومة نتنياهو في تأجيل المُواجَهة حتى يونيو 2025، بعد أن رفض الحزبان الحريديّان مشروع القانون الذي صاغته الحكومة، وكان ينصّ على تجنيد 50% من شباب الطائفة ممّن وصلوا إلى سنّ التجنيد سنوياً؛ على أن يتمّ الوصول إلى هذه النسبة تدريجياً خلال خمس سنوات من صدور القانون.
وتسبّبت هذه الأزمة في صراعات داخلية غير مسبوقة، لم تؤثّر في تماسك الائتلاف الحاكم فحسب، بل أدّت إلى انقسام الرأي العام الإسرائيلي إلى أقليّة تؤيّد الاستمرار في إعفاء أبناء الطائفة، وأغلبيّة ترى أنه ليس من العَدل استمرار هذا الإعفاء في ظلّ الحروب التي تخوضها إسرائيل على عدّة جبهات. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلَن وجود عجز في أعداد القوّات المطلوبة للتجنيد خلال شهر أغسطس الماضي، يُقَدّر بنحو 12 ألف شخص.
من جانبه، أعلَن الجيش الإسرائيلي، في وقتٍ سابق، أن حاخامات الطائفة الحريديّة يُحَرّضون شبابهم على عدم الاستجابة لأوامر الاستدعاء للخدمة العسكرية. فمن بين 18 ألف أمر استدعاء تمّ توجيهها لشباب الطائفة في إبريل الماضي، لم يستَجب سوى 231 شخصاً فقط. وقد علّق أحد الحاخامات الحريديم على ذلك بقوله: "إن الحكومة التي تتصرّف على هذا النحو تجاه طلّاب التوراة ترتَكب فعلاً مُشيناً، ويجب إسقاطها".
إن الاستعراض لأزمة قانون تجنيد الحريديم يأتي بسبب التوقّعات بأنها قد تزداد اشتعالاً بعد البدء في تطبيق خطّة ترامب. فمن جهة، يمكن أن تؤيّد الأحزاب الحريديّة الخطّة لأنها ستُجَرّد الحكومة والرأي العام الإسرائيلي من حجّة ضرورة تجنيد الحريديم بسبب حاجة الجيش إلى جنود جُدُد في ظلّ استمرار حرب غزة. ومن جهة أخرى، فإنّ أحزاب الصهيونية الدينية التي صوّتت ضدّ خطّة ترامب تُريد استئناف الحرب حتى تحقيق أهدافها، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس، وربما استعادة فرصة تهجير الفلسطينيين من غزة مُستقبلاً، وفقاً لرؤيتها.
وفي كلّ الأحوال، سيَجد نتنياهو نفسه أمام صعوبات جمّة في سبيل الحفاظ على تماسك ائتلافه؛ نظَراً للصراع الدائر حول خطّة ترامب داخل الائتلاف، خاصّةً بين حزب "شاس" (الذي لا يزال يدعمه في الكنيست بالرّغم من استقالة وزرائه من الحكومة) وبين حزبي "الصهيونيّة الدينيّة" بزعامة بتسلئيل سموتريتش، وحزب "القوّة اليهوديّة" بزعامة إيتمار بن غفير، خاصّةً في ظلّ ثلاثة استحقاقات في الفترة من نهاية أكتوبر الجاري وحتى مارس 2026، وهي:
1- احتمال تعرّض الحكومة لاقتراع بالثقة عليها داخل الكنيست بعد عودته من عطلته الصيفيّة في 20 أكتوبر الجاري.
2- عدم وضوح الخطوة التالية لتطبيق خطّة ترامب بعد استعادة الرهائن؛ حيث تُطالِب عائلات الرهائن بعدم التفاوض على المرحلتين اللاحقتين (نزع سلاح غزة، وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي، وإعادة الإعمار) قبل استعادة جثث الرهائن المُتَبَقّين.
3- تمرير الميزانية السنوية في مارس المقبل، والتي يمكن في حالة الفشل في تمريرها الدعوة إلى حلّ الكنيست وإجراء انتخابات مُبكِرة. ومن المُتَوَقّع، إذا تمكّن الائتلاف الحاكِم من البقاء حتى هذا الموعد؛ أن يشهد الجدَل حول الميزانية انقسامات حادّة داخل الائتلاف الذي لا يتمتّع حالياً سوى بدعم 61 نائباً (بعد انسحاب حزب يهدوت هتوراه). ويمكن لحزب "شاس" أن يمتنع أو يصوّت ضدّ تمرير الميزانيّة؛ وعندها سيَتم إسقاط حكومة نتنياهو ما لم تُوَفّر أحزاب المعارضة شبكة أمان للإبقاء على الائتلاف؛ وسيَتوقّف ذلك على موقفها (أي المعارضة) من احتمالات كبيرة لزيادة ميزانيّة الجيش، ومُعاقَبة الطائفة الحريديّة على رفضها تجنيد أبنائها في الجيش، بحرمانها من المخصّصات السنويّة المُدرَجة في الميزانيّة لدعم مؤسّسات الطائفة التعليميّة والخَدَمِيّة.
في المحصّلة النهائية، تظلّ خطّة ترامب، في ظلّ عدم اكتمال مراحلها، وفي ظلّ احتمال رفض حركة حماس الالتزام بالبند الخاص في الخطّة والمتعلّق بنزع سلاحها وسلاح الفصائل في غزة؛ مُعَرّضَةً للفشل؛ ممّا قد يؤدّي إلى استئناف الحرب على غزة مجدّداً. وفي هذه الحالة، قد يؤدّي ذلك إلى تهدئة الصراعات نسبياً داخل ائتلاف نتنياهو حتى موعد مُناقَشة الميزانيّة في مارس المقبل؛ وهو الحدَث الذي سيُشَكّل خطَراً أكبر على إمكانيّة بقاء هذا الائتلاف حتى الموعد القانوني لإجراء الانتخابات العامّة في أكتوبر 2026.
2025-10-29 12:24:46 | 22 قراءة